خلف الحجاب
سناء المصري
جدول المحتويات
جدول المحتويات 2
الفصل الأول: دعوات قديمة تتجدد 3
الفصل الثاني: المرأة في نظر الجماعات الإسلامية 22
الفصل الثالث: انزلي إلى سوق العمل … ولكن بشروط 31
الفصل الرابع: ملكة على عرش من الأشواك 51
الفصل الخامس: امرأة و مسيحية و فقيرة ... طوبى لكِ 67
الفصل السادس: أسواق جديدة للجواري 72
مصادر الأحاديث النبوية الشريفة 79
قائمة المراجع 82
الفصل الأول
دعوات قديمة تتجدد ....
أثارت الجماعات الإسلامية في السنوات الأخيرة ضجة كبيرة حول قوانين الأحوال الشخصية وحجاب المرأة وعملها...
هاجموا دعوات حركة تحرير المرأة وتاريخها ورموزها من النساء والرجال …
تحدثوا عن الأزمات والمصاعب التي تعاني منها النساء والضغوط التي تحاصر الرجال من فقر وبطالة وأعادوا طباعة كتب زعمائهم ومـُنظريهم الفكريين وعلى رأسها مؤلفات حسن البنا وسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي من المعاصرين...
كما استدعوا من التراث ابن تيمية وابن القيم الجوزية وأبا حامد الغزالي وغيرهم، بحجة أن أفكارهم الآتية إلينا من الزمن الغابر تحمل الحل لجميع مشاكلنا المعاصرة...
وبكل ما يملكون من وسائل إعلام وإمكانيات مادية وإصرار على فرض أفكارهم والدفاع عنها، نجحوا في تفجير النزعات العدوانية لدى بعض الفئات من الجمهور، وأثارت دعواتهم سحابة من القلق والتساؤل عن نوع الدور الاجتماعي الذي تريد الجماعات الإسلامية إسناده للنساء ...
وماذا تخفي دعايتهم الإنشائية ...؟
أي مصير ينتظر جموع النساء على أيديهم ... ؟
وإذا تتبعنا وضع المرأة في أدبياتهم التي يفوز الإخوان المسلمون بنصيب الأسد فيها لأنها الجماعة الأم التي لازالت تفرخ بالاختلاف والانشقاق جماعات إسلامية جديدة، فسنجد أن " حسن البنا " المرشد العام الأول والمؤسس والمنظر الفكري منذ بداية تكوين الجماعة في الإسماعيلية عام 1928م يشن الهجوم على حركة تحرير المرأة ومطالبة النساء بالمساواة ويهاجم الأفكار الداعية إلى استقلال النساء وخروجهن إلى الحياة العامة.
فسمى المشتركات في المظاهرات بالسافرات، كما سمى المدافعين عن حق المرأة في الانتخاب بدعاة التفرنج وأصحاب الهوى، وحارب مطلب حق الفتاة في التعليم المتساوي حتى المراحل العليا، كما نادى بوجوب التفريق بين مناهج تعليم البنات ومناهج تعليم الصبيان في المراحل الأولى.
وعبر بوضوح عن أن واجب النساء هو القيام بالأعمال التقليدية في تلبية رغبات الزوج ورعاية الأبناء، وإذا تعلمت المرأة يكوم ذلك في حدود، ولا تخرج إلى العمل إلا تحت ضغط الحاجة والفقر وبشروط تتحكم في مظهرها العام وسلوكها الاجتماعي.
وبسبب طبيعة الدعوة مضت السنوات الأولى دون أن يفلح " البنا " في تكوين فرع نسائي للأخوات، حتى استطاع ذلك في إبريل 1933م وهو زمن متأخر عن تكوين الإخوان المسلمين عام 1928، وسمي هذا القسم في أول الأمر : - " فرقة الأخوات المسلمات " ويتألف من زوجات وأخوات وبنات الإخوان، وتكونت فرقة أخرى عن طريق الاتصال الشخصي في بورسعيد، ثم فرقة في القاهرة برئاسة الحاجة " لبيبة أحمد " صاحبة جمعية النهضة النسائية، (وظلت الجمعية ومجلتها فترة من الزمن لا تعلن عن صلتها بجماعة الإخوان المسلمين، وساعدها على إخفاء تلك الصلة انحصار نشاط الجمعية في الأعمال الخيرية ) مع تجنب الحياة السياسية التي يحرم الإخوان على النساء الانخراط فيها... والملاحظة الغالبة على نشاط هذه الفرقة جميعاً أنها كانت من الضعف بحيث يمكن اعتبارها الملاحق العائلية لجماعة الإخوان، أنشئت بغرض إعداد أجيال تالية لهم عن طريق الدروس والمحاضرات والنصح الشخصي، كما كانت تعاني من الجمود وغلبة الطابع التلقيني على أسلوب الاجتماعيات برغم الجهد الضخم الذي بذله المرشد العام في تكوينها...
ويكشف محمود عبد الحليم – مؤرخ الإخوان – في نصه التالي ما كانت تعاني منه تلك الفرق النسائية :
( ولما كانت فرص الاجتماعيات أمام الأخوات غير متاحة بالقدر الذي أتيحت به للإخوان فإن الأستاذ رحمه الله – يقصد حسن البنا – كان حريصاً على أن يجعل هذه الاجتماعيات خالصة للتثقيف والتربية دون أن يقتطع من وقتها قليلاً أو كثيراً في الانشغال بالشئون الإدارية، كما كان حريصاً على ألا يضيع جزء من جهود الأخوات في الالتفات إلى المناصب الإدارية والإعداد لها والتطلع إليها مما قد لا يتناسب مع طبيعة المجتمعات النسائية ) .
ومن المضحك ألا تجد فرق الأخوات المسلمات الوقت الذي تخدم به قضيتها ويمكنها من إدارة نشاطها إن كان لها نشاط...!! وأن يكون الهدف الأعظم لتجمعهن هو الاستماع إلى دروس يلقيها البنا .. ثم تنصرف كل واحدة منهن إلى شئونها الخاصة .. !! ولكن ما ذنب هؤلاء النساء وتلك إرادة المرشد العام الذي يحرمهن من مجرد التطلع إلى مناصب الإدارية بحجة أنها لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات النسائية ..!!
وحتى حينما نجح " البنا " في إقناع زينب الغزالي – سواء بالضغط أو بغيره – بضم جمعية السيدات المسلمات التي تكونت في القاهرة عام 1936م وظلت زمناً على استقلالها ، لتصبح رسمياً فرع الأخوات المسلمات، لم يحقق هذا الفرع نجاحاً كبيراً.
وتروي زينب الغزالي في مذكراتها كيفية ضم جمعيتها للإخوان فتقول : -
( حاولت في آخر لقاء لنا – البنا وهي – في دار السيدات المسلمات أن أخفف من غضبه بعهد أخذه على نفسي أن تكون السيدات المسلمات لبنة من لبنات الإخوان المسلمين، على أن تظل باسمها واستقلالها بما يعود على الدعوة بفائدة أكبر على أن هذا أيضاً لم يرضه عن الاندماج بديلاًً) .
وظلت دعوة البنا برغم جهوده الواضحة لا تجد رواجاً وسط النساء، في نفس الوقت الذي كانت دعوات تحرير المرأة تثير جدلاً واسعاً منذ انطلاقها مع بداية القرن العشرين، وتحتفظ بجاذبيتها وملاءمتها للنهضة التي استدعت الكثير من التغيير في بنية المجتمع المصري.
ففي عام 1928م – وهو نفس العام الذي شهد تكون جماعة الإخوان المسلمين – بدأ التحاق المرأة بالجامعة المصرية :-
(التحقت خمس فتيات بكلية الطب، وثماني فتيات بكلية العلوم، وأربع فتيات بكلية الآداب.) ثم اقتحمت البنات كليات الحقوق والتجارة والهندسة والزراعة وغيرها بأعداد أخذت في التزايد كل عام. واستمرت دعوات تحرير المرأة في جذب أعداد متزايدة من فتيات البرجوازية الكبيرة والشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة طوال العشرينات والثلاثينيات وما بعدهما تحت شعار المطالبة في المساواة في التعليم والعمل والتخلص من أمراض الوضع المتخلف الذي ظل لزمن طويل ينهش مكانتهن الاجتماعية.
ومفهوم أن ترفض الفتاة التي حرمت طويلاً من كل الحقوق دعوة الحجاب والعودة إلى البيت، لأنها كانت محجبة فعلاً وقعيدة البيت منذ زمن طويل وليس لها أي حقوق وتعاني من سيادة الرجل المطلقة عليها.
فكان لابد من البحث عن منافذ للخلاص، لا الإقبال على دعوة تكرس نفس الوضع السيئ.
لقد كانت الفتاة المصرية تحلم بالتعليم ودخول الجامعة، وتحقيق ذاتها في العمل، واختيار الرجل الذي ترتبط به بنفسها كما تبشرها تلك الروح الجديدة السارية في المجتمع...
بينما كانت دعوة البنا تحرم كل ذلك وتهاجم البنات اللاتي كسرن التقاليد ودخلن الجامعة سافرات بحجة أن المرأة : -
( ليست في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً .. وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس) .
ففي الوقت التي اكتشفت فيه المرأة قدراتها الذهنية، وبدأت تنهل من العلوم النظرية والعملية جاءت فتاوى البنا وكأنها أحجار الماضي تنزل مرة أخرى على رءوسهن، لقد احتملت نساء هذا العصر السباقات إلى ضراوة الهجوم الذي شنه الإخوان المسلمون ضد تعليمهن في المراحل العليا، وخصوصاً اللاتي رحن ينشدن المزيد من المعرفة مثل درية شفيق التي يقول عنها أحد كتابهم : -
( كانت من الرعيل الأول لطالبات الجامعة المصرية في أول عهدها بنظام اختلاط الجنسين الذي تبناه أستاذ التغريب – هكذا تسمي الجامعات لطفي السيد صاحب فكرة إنشاء الجامعة المصرية – مشاركة في التحدي لمشاعر الأساتذة والطلاب بإبراز فتنتها والمبالغة في الظهور أمام الرجال والشباب في الجامعة سافرة ... وبعد التخرج سافرت وحدها وعاشت دون محرم في فرنسا للحصول على الدكتوراه) .
فهم لا يتحدثون عن تفوقها واهتمامها بالعلم ورغبتها في النيل من المعارف الحديثة بل يتحدثون عن فتنتها الجسدية وإقامتها بمفردها في باريس...!! وزاد الهجوم على تلك المرأة الرائدة وعلى زميلاتها حينما راحت حركة تحرير المرأة تطالب بالمزيد من الحقوق المدنية والسياسية كحق الانتخاب ودخول البرلمان، والمطالبة بإلغاء تعدد الزوجات واستبدال قوانين الأحوال الشخصية بقوانين مدنية حديثة ...
لقد كانت حركة تحرير المرأة هي القادرة على التأثير بقوتها الفكرية ونفوذها الاجتماعي المستند على قاعدة جماهيرية حية فاستطاعت أن تنتزع المزيد من الحقوق للمرأة البرجوازية في مجالات كثيرة ومنها حق العمل في الطيران والبوليس فضلاً عن المحاماة ...
وظل جمهور حركة تحرير المرأة في الاتساع، حتى أصبح عدد المدارس الحكومية فقط دون الخاصة عام 1945م يصل إلى 232 مدرسة تضم 44319 طالبة وهو عدد كبير جداً بمقياس الزمن وطبيعة مجتمع لا يزال في بداية عهده بتطور الصناعة الحديثة.
وإذا كانت حركة تحرير المرأة قد حققت نجاحاً في الحدود الطبقية البرجوازية، فقد كانت دعوة " حسن البنا" في الثلاثينيات تحرث في البحر النسائي بالاتجاه إلى البرجوازية الصغيرة الأكثر عدداً والباحثة عن دور سياسي تحمي به مصالحها الاجتماعية وتغذي به حلم الصعود إلى مرتبة اجتماعية أعلى...
وكانت دعوة " البنا " تجسيداً للجانب المحافظ في تلك الحدود الطبقية، الذي لم يستوعب بعد التغيير المطلوب إحداثه في المجتمع، ويشعر بالعداء الخفي لتلك التيارات الحديثة ويخشى شطحاتها الفكرية لو تركت على امتدادها لأحدثت خلخلة عميقة في بنية المجتمع.
ولذلك كان حسن البنا يحاول أن يسحب البساط من تحت أقدام حركة تحرير المرأة، بتوجيه جهوده لطلبة الجامعة والموظفين والتجار، وكان يحاول من خلال أسرهم تكوين الرافد النسائي للإخوان المسلمين، وكانت دعوته لإنشاء مدارس غير مختلطة تدرس فيها للبنات مدرسات، وكان يركز جهوده للعناية بالبنات والمدرسات في تلك الحدود.
( وكان يتعهد هذه المجموعة بالدروس الأسبوعية يلقيها بنفسه ولم يكن يتخلف عن هذه الدروس حتى في حالة المرض ) وحتى حينما بلغ عدد لجان الأخوات المسلمات خمسين لجنة في عام 1948م، وعدد العضوات خمسة آلاف عضو – كما يدعون – فإن هذا العدد لا يعكس بصدق حجم حركة الأخوات المسلمات الفعلي.
لأن هناك فرقاً بين الأعداد الدفترية المسجلة على الورق وليس لها أي نشاط محسوس في الحياة العامة، وبين الأعداد الفاعلة المناضلة من أجل انتزاع حقوقها...
لقد كانت عندهم مشروعات كثيرة ورقية ومنها مشروع الحاجة لبيبة لمسح الأقاليم والأحياء وفتح عدد من المشاغل ودعوة نساء الأحياء الفقيرة للعمل فيها ... ولكن المشروع لم ينشط سوى في حي السيدة زينب حيث كانت الحاجة تشرف عليه بنفسها ، هذا بالإضافة إلى أن طبيعة هذا المشروع تهدف إلى تحقيق الربح ولا تتعلق بالجانب الفكري للجماعة، بحيث يمكن ادعاء أن المنضمات للمشغل هن عضوات جمعية الأخوات المسلمات ...
إن إخوان اليوم يستطيعون تضخيم عدد الأخوات المسلمات، ولكنهم لا يستطيعون ادعاء أي تأثير اجتماعي استطعن أن يحققنه طوال وجودهن في الثلاثينيات والأربعينيات وهو العصر الذهبي لجماعة الإخوان المسلمين ...
ومقارنة بسيطة يمكن أن تأتي بأسطع النتائج : ـ
فبرغم أن مطالب الاتحاد النسائي كانت جديدة على المجتمع ، إلا أنها استطاعت مثلاً انتزاع حق تعليم 44319 فتاة حتى التعليم الثانوي، وكانت وراء كسر الاحتكار الرجالي للتعليم الجامعي، والدفع بمئات البنات إلى الجامعة، والنضال من أجل دخول المرأة شتى التخصصات وإثارة الجدل حول قوانين الأحوال الشخصية والحقوق السياسية للنساء، وانتزاع ( حق تخصيص مقصورة للنساء في البرلمان عام 1925م، وأعقبتها الموافقة على تخصيص مقصورتين … ثم أعلن أن البرلمان سيناقش بالفعل حق المرأة في التصويت أثناء انعقاد جلساته . واحتجت – تقصد المجلات النسائية – بعنف لموقف الحكومة غير المشروع من حل البرلمان وإثارة الرعب بين طبقات الشعب باعتقالاتها السياسية الواسعة في البلاد )
إن حق دخول المرأة البرلمان ولو كمستمعة فقط دون ترشيح أو انتخاب أو أي مشاركة قانونية كما حدث في ذلك الحين كان حلماً بعيد المنال .. لكن قوة ساعد الحركة النسائية واصطدامها بالحياة السياسية وهجومها على من يقف عقبة في سبيل تحقيق ذلك، جعلها تدخل البرلمان كمستمعة .. وتظل تناضل في سبيل دخولها كنائبة، الأمر الذي لم يتحقق إلا في زمن متأخر كما سنرى فيما بعد، بينما دور جمعية الأخوات المسلمات ظل مقصورا على ما حدده البنا في : ـ
( المعاونة في حدود ظروف الأخوات المسلمات وجهودهن في تحقيق البرنامج الإصلاحي الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة.) .
مع ملاحظة أن قوام جمعية الأخوات المسلمات كان يعتمد أساساً على زوجات الإخوان وبناتهم وأخواتهم، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مدى فاعلية هؤلاء النسوة في ظل النظام العقائدي الذي يؤكد تفوق الرجل على المرأة كما يتضح من حديث حسن البنا في تذكرة الداعي : ـ
( المسلم المسئول عن أسرته. ومن واجبه الحفاظ على صحتها وعقائدها وأخلاقها، وأتعهد بأن تعاليم الإسلام في أفراد أسرتي ولا أدخل أبنائي مدرسة لا تحفظ عقائدهم وأخلاقهم، وأقاطع كل الصحف والنشرات والكتب والهيئات والفرق والأندية التي تناوئ تعاليم الإسلام.) .
وإذا اعتبرنا البيت هو الخلية الأولى للمجتمع كما يقولون والرجل مسئولاً عن أسرته مسئولية مطلقة حتى يعين لها ماذا تقرأ وكيف تفكر وتتصرف ... وهذا الرجل يتلقى أفكاره عن المرشد العام يعتبر مسئولاً عن أفراد جماعته فيمنح ويحلل ويحرم وينظر لهم الشاردة والواردة ... فيمكن أن ندرك أي نسق يحكم أفراد تلك الجماعات كما لو كانوا يعيشون في دوائر مغلقة تحكمها عين الرجل الأب أو الزوج ، عين المرشد العام وسوطه وأوامره ونواهيه ...
ولا يذكر لنا التاريخ أي صلة نشأت بين الأخوات المسلمات وبين سائر الحركة النسائية على الرغم من فورانها في ذلك الحين واشتداد حركتها وتأثيرها الواضح في المجتمع – اللهم إلا إذا اعتبرنا الهجوم الشديد يمكن أن يشكل صلة – إن دور الجمعية لم تكن تحدده العضوات، بل كان دورا يرسمه المرشد العام للجماعة ويراه دائماً في حدود المعاونة في تحقيق البرنامج الأساسي للإخوان.
( مهمة الإشراف على لجان الأخوات المسلمات كانت مقصورة على المرشد العام حسن البنا بنفسه، وله وجده الحق في إرسال مندوب عنه يكون سكرتيراً للاتصال بين الأخوات وإدارة الإخوان المسلمين. ويضطلع أيضا بمسئولية تنظيم الأعمال الإدارية بالقسم ) .
( ويعين المركز العام للإخوان الوعاظ والدعاة والموظفات بناء على اقتراح لجنة الإرشاد العامة للأخوات بعد تصديق مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين ومن حق مكتب الإرشاد إضافة أي شرط يراه من أجل صالح الجماعة.)
وكانت قرارات البنا الإدارية لا يمكن مراجعتها أو الاعتراض عليها من جانب العضوات، حتى أن محمود الجوهري سكرتير الأخوات المسلمات يروي في كتابه : ـ
( وأذكر مرة أني قدمت لفضيلته مذكرة أرجو فيها إعفائي من العمل بقسم الأخوات المسلمات لأتفرغ لبعض النشاط الإخواني على اعتبار أن بقسم الأخوات المسلمات من العناصر ما يسد مكاني، فابتسم ابتسامته المشرقة وكتب على المذكرة بالمداد الأحمر هذه العبارة : ـ
الأستاذ محمود الجوهري سكرتير الأخوات المسلمات حتى الممات، ووقع بإمضائه وأعطاها لي، ولم أملك وقتها إلا التسليم والرضا وأجبته حاضر يافندم ..) .
وهذا النص يوضح مدى انعدام الديمقراطية في إدارة شئون الأخوات المسلمات وفي بنيتها التكوينية .. حيث القرارات لا تقبل النقاش والمناصب بالتعيين .. والمدى الزمني لشغل الوظيفة مدى الحياة كما في أشد النظم الأوتوقراطية رجعية .. وعلى الرغم من تأفف الرجل من العمل وسط الحريم، إلا أن الأمر يأتي من الزعيم فينتهي كل شيء بصرف النظر عن رغبته شخصياً أو رغبة العضوات. وربما تكشف رسالة زينب الغزالي أبرز الأخوات المسلمات وأنشطهن عن مدى الانسحاق الذي يصبغ علاقتها هي شخصياً وعلاقة الأخوات المسلمات أمام المرشد العام : ـ
( سيدي الإمام حسن البنا : ـ
زينب الغزالي الجبيلي تتقدم إليك اليوم وهي أمة عارية من كل شيء إلا من عبوديتها، وتعبيد نفسها لخدمة دعوة الله، وأنت اليوم الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يبيع هذه الأمة بالثمن الذي يرضيه لدعوة الله تعالى، في انتظار أوامرك وتعليماتك سيدي الإمام ..)
وإذا كان هذا هو وضع أبرز سيدة في تاريخ الأخوات المسلمات، فإننا لا نعجب حين نكتشف أن الهيكل التنظيمي للجماعة كان مبنياً على أساس علاقات القرابة التي تربطهن بأعضاء مكتب الإرشاد – وهو بمثابة اللجنة المركزية لدى الإخوان المسلمين – إن زوجة حسن الهضيبي – المرشد العام الثاني – كانت تشغل منصب رئيسة قسم الأخوات أثناء زعامة زوجها للحركة.
وآمال العشماوي زوجة " منير دلة " – العضو البارز بمكتب الإرشاد وأحد أعيان الصعيد – تحتل موقعاً قيادياً أيضاً.
وأمينة علي الشهيرة بأمينة الجوهري زوجة محمود الجوهري الذي عينه البنا سكرتيراً للأخوات المسلمات مدى الحياة. والذي سبق أن شكا ضيقه من العمل وسط الحريم.
كما نجد زينب الشعشاعي زوجة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي واعظ قسم الأخوات، وفاطمة عبد الهادي حرم يوسف هواش عضو مكتب الإرشاد، وحميدة قطب أخت سيد قطب وغيرهن كثيرات من أقارب الأعضاء القياديين بالجماعة اللاتي احتللن مكان الريادة والصدارة في الأخوات المسلمات بحكم وضعهن الأسري وليس بحكم قدراتهن أو معتقداتهن الخاصة. وتذكر كتب الإخوان ومذكراتهم جوانب غريبة عن علاقات هؤلاء الرائدات – بالقرابة – بأزواجهن، ففي حوار بين محمود الجوهري وحسن الهضيبي، يسأل فيه الأول الثاني عن مدى حفاوة أهله به – يقصد زوجته – أيام الشباب : ـ
( ابتدرني مازحاً بهذه العبارة : ـ
عين الحسود فيها عود، واستطرد يستشهد على مسارعتها فيما يرضيه ويرفع من رأسه : ـ فذكر أنها تعلمت الفرنسية إجادة وهي أم لأربعة أولاد، لمجرد أنها رأت صديقتها زوجة وكيل النيابة الذي كان يعمل معي في إحدى المحاكم القريبة من المنصورة تتقن الفرنسية وتتحدث مع عاملات المتاجر الكبيرة في عاصمة الدقهلية فأكبرت أن تكون لزوجة وكيل النيابة قدرة على التحدث بلغة لا تعرفها، وهي زوجة القاضي الذي يعلو في المرتبة على وكيل النيابة، وسرعان ما استأجرت مدرسة تختلي لحظات فراغها النادرة لتتلقى عنها الفرنسية ) .
فزوجة الهضيبى لم تتعلم الفرنسية حباً في العلم وشغفاً به ، بل من منطلق إحساسها بضرورة التميز الطبقي وكبرياء وغرور زوجة القاضي التي يجب أن تتعالى حسب قيمهم على زوجة وكيل النيابة ..
هذا فضلاً عما تكشف عنه الحكاية من إعلاء قيمه الحسد والغيرة في علاقات زعماء الإخوان المسلمين وأخيراً في نوع الوظائف الذي تفضله تلك الجماعة للنساء في المجتمع المعاصر " فهناك زوجة الزعيم المرفهة المنعمة، والمدرسة التي تقوم لها عملاً خدمياً استهلاكياً، بخلاف الوظائف النسائية الأدنى كما سنرى فيما بعد.
أما عمر التلمساني المرشد العام التالي للإخوان المسلمين " فكان متطرفاً في غيرته عليها – يقصد زوجة التلمساني – إلى درجة جعلته يمنعها من سماع أغنيات الموسيقار رياض السنباطي لشغفها بألحانه، بل وحرمها من أن تزوره في السجن (فيما بعد) عشر سنوات كاملة، حتى لا يراها ضباط السجن ورفاقه من المسجونين عند زيارتها له..."
وإذا كان هذا هو وضع زوجات الزعماء، أو زعيمات الزوجات كما وضعهن الترتيب القيادي للإخوان، فلنا أن نتخيل وضع القاعدة، ونوع العلاقات التي تحكم مختلف العلاقات الشخصية بالأزواج وباقي أفراد الأسرة.
وفي مقابل إشادة الجماعات الإسلامية بصفات الطاعة والخنوع والغيرة، وهي الصفات السلبية دائما في النفس الإنسانية، فإنهم يشددون على كل ما هو إيجابي في المرأة – قالبين بذلك الأمور على رأسها – فالمرأة إذا ناقشت في حقوقها فهي فاسقة، وإذا خرجت للعمل فهي منحلة.
وظل وقفهم من الوضوح والثبات في نشر الدعاية المضادة لحركة تحرير المرأة والتشهير بكل عضواتها والهجوم على أي حق تنتزعه المرأة المصرية في مسيرة تحررها ..
وفي كتاب الأخوات المسلمات لم تفلت امرأة من سهام القذف والطعن حتى في سمعتها الشخصية ولم يفلت رجل ذكر له التاريخ أنه شارك أو ساهم في تلك الرحلة بالفكر والجهد من القذف ..
فالطهطاوي ضعيف ومغفل " بسبب ابتعاده عن عقيدته الصافية . " وقاسم أمين والأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول جميعهم ماسونيون وعبيد لليهودية العالمية والاستعمار الغربي أما هدى شعراوي ونساء جيلها فهن منحلات...!! .
وسنجد تلك القذائف من السباب في جميع كتب الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية التي تناولت موضوع حركة تحرير المرأة ... ذلك لأنهم يفهمون حقوق النساء في المساواة السياسية على أنها فسق وفجور، وفي نداء عام للأخوات المسلمات وجهته الجماعة في الاحتفال بالعيد السنوي الأول للأخوات المسلمات في أمريكا نجد أن :
" التعاون بين قسم الأخوات المسلمات وبين الجمعيات النسائية الأخرى منعدم نظرا لاختلاف النظرتين والهدفين : - فالأخوات يعملن على صد غارات العدو عن حصون الأمة، والنسائيات يعملن مع العدو لدك حصون الأمة...." .
وهذا الحديث الدعائي الذي يطلقه الإخوان المسلمون من أحد معاقلهم بأمريكا ينسى أن تاريخ الأخوات المسلمات الذي يدعون أن هدفه هو صد غارات العدو، لم يشارك طوال تاريخ مصر النضالي من أجل الاستقرار وخروج الإنجليز سوى بمذكرة احتجاج مهذبة الأسلوب تقدم بها قسم الأخوات المسلمات إلى المندوب السامي البريطاني :
" في مارس سنة 1946 – تقدم – يقصد قسم الأخوات المسلمات إلى المندوب السامي البريطاني بالقاهرة بمذكرة احتجاج على اعتداءات جنود الجيش البريطاني المحتل على الآمنين من المصريين " .
مع ملاحظة أن أسلوب المذكرات كان الواقع المصري قد تجاوزه منذ زمن بالمظاهرات والإضرابات وغيرهما فهل يمكن تصور أن نساء حركة تحرير المرأة اللاتي خرجن ضد الاستعمار وشاركن في الإضراب، بل وحرضن عليه وساعدن في تنظيمه، حتى أن بعضهن كن يقفن أمام أبواب المصالح الحكومية، ويعرضن على كاسري الإضراب من الموظفين أن يقبلوا مصاغهن إذا كانوا في حاجة إلى المال، ويستمروا في إضرابهم ولا يخذلوا إخوانهم...لا يمكن تصور أن هؤلاء النساء اللاتي يضحين بما يملكن، يعملن في نفس الوقت مع العدو الذي يناهضه بهدف " دك حصون الأمة " ...!!!
إن الدعاية الإسلامية الإنشائية تلجأ في الحقيقة إلى أكبر قدر من الديماجوجية في مخاطبة جمهورها بهدف استثارته ضد المحولات العقلانية في التاريخ.
وقد يرى البعض أنه إذا كان فرع الأخوات المسلمات قد تكون من زوجات زعماء الإخوان وبناتهم، فإن قيادة حركة تحرير المرأة قد كانت مقصورة أيضاً على زوجات زعماء الوفد أمثال هدى شعراوي زوجة علي شعراوي أحد زعماء ثورة 1919م وصفية زغلول زوجة سعد زغلول، وإستر ويصا واصف زوجة ويصا واصف وغيرهن من الطبقة الراقية وأعيان حزب الوفد ... فهذا صحيح ...
ولكن هل يمكن أن نستنتج من ذلك أن حركة تحرير المرأة كانت مجرد جناح من أجنحة حزب الوفد، وأنها كانت ذيلاً تابعاً لحركته ومجرد منفذ لسياساته ... ؟
يذكر لنا التاريخ أن العلاقة بين لجنة الوفد للسيدات وباقي الحزب – وبالذات قيادته – لم تكن علاقة تبعية، فلقد حدث الكثير من الخلاف حول الرؤية السياسية والمواقف مما أحدث صدامات عنيفة بين الوفد وقيادات حركة تحرير المرأة، مما أدى بعد وقت قليل إلى انسحاب مؤسسات لجنة الوفد للسيدات وتكوينهن للاتحاد النسائي المصري المستقل ...
وكانت بداية الخلافات المعلنة أن أعلنت لجنة الوفد للسيدات احتجاجها على أعمال الوزارة الوفدية برئاسة سعد زغلول ، لأنها أغفلت مجهود المرأة وكفاحها فلم تشركها في البرلمان والحياة النيابية، وتطور الخلاف حتى هاجمت هدى شعراوي سعد زغلول – زعيم الأمة الذي تخرج الجماهير هاتفة بحياته – وأعلنت في الصحف أنه : -
( لا يوجد خطر على القضية المصرية أكبر من أن يتولى المفاوضات مع الإنجليز رجل يعترف علانية أمام هيئة نيابية بأنه عاجز عن تنفيذ ما عاهد به الأمة) . وكان عهد سعد زغلول الذي لم ينفذه خاصاً بدخول المرأة البرلمان وإشراكها في الحياة السياسية الرسمية، وخرجت مظاهرة بزعامة هدى شعراوي تطالب بدخول المرأة البرلمان في يوم افتتاحه.
ولم تفقد هدى شعراوي بعد ذلك ( زمام المبادرة في مواجهة سعد زغلول وشعبيته الكاسحة .. فقد اختلفت معه لموافقته على البند الخاص بالسودان والذي نادى بالملك فؤاد ملكاً على مصر دون السودان في بيان توفيق نسيم عند توليه الوزارة. وكان سعد زغلول قد أرسل يهنئه على بيانه، فثارت هدى شعراوي لكنه لم يعبأ بثورتها، بل إنه تجاهلها في الاحتفال السنوي للوفد في 13نوفمبر 1922، برغم أن العادة جرت على حضورها ولجنة الوفد المركزية للسيدات منذ ثورة 1919م فما كان من هدى شعراوي إلا أن أرسلت رسالة شخصية إليه تخطره فيها بالرغبة في عدم العمل معه في اللجنة السابقة كما قدمت استقالتها ) .
أحداث أخرى كثيرة تؤكد على الحس السياسي المستقل للحركة النسائية المصرية وزعيمتها هدى شعراوي حتى تخطت في ثوريتها مواقف حزب الوفد، وثورية زوجها في مواقف أخرى، كما حدث حينما عارضته بقوة وشجاعة في موقفه من قضية السودان التي يعلق عليها الدكتور محمد أنيس بقوله : -
( من الغريب أنه بينما تحتج لجنة السيدات التي ترأسها السيدة حرم شعراوي باشا على مشروعات ري السودان وغيرها، نراه هو لا يهتم بمثل ذلك ، وإذا قيل أن السيدات أرشدت لتقديم مثل هذا الاحتجاج ، فقد توجه إليه – يقصد شعراوي باشا – بعض المهتمين بالأمر وطلبوا منه أن يشترك معهم في العمل حيث اعتزم الكل على طلب عقد الجمعية التشريعية بصفة غير رسمية، فاعتذر سعادته عن ذلك.) .
وبلغ الخلاف بين هدى شعراوي وقيادة حزب الوفد حداً دفعها إلى تشكيل تنظيم نسائي آخر في مارس 1923م على أنقاض لجنة الوفد المركزية للسيدات .. عرف باسم الاتحاد النسائي المصري، الذي واصل نشاطه المستقل من أجل حرية النساء وحقوقهن، وحرية الوطن وحقوقه، ولذلك عرضت هدى شعراوي والاتحاد النسائي المصري معاهدة 1936م التي عقدها مصطفى النحاس – الزعيم الثاني للوفد – مع الإنجليز، ثم عارضت بشدة موقف الوفد من حادث 4 فبراير 1936م، ورفضت كل التبريرات التي قيلت في ذلك الحين، واستنكرت أن يتولى حزب الوفد رئاسة الوزارة تحت حماية الدبابات الإنجليزية .. مهما كانت الأسباب.
واستمر عداء هدى شعراوي للسلوك غير الثوري لحزب الوفد حتى قالت عنه : -
( إنه ميراث تبدد وثوب تهلهل..) . وتاريخ الحركة النسائية في ذلك الحين مشحون بالمواقف والمطالب التي اتفقت مع الوفد حيناً واختلفت معه أحياناً، واختلفت مع القصر والإنجليز والقوانين دائماً .. وكانت في كل الحالات تعبيراً عن حالة الغليان التي تسود تلك الفترة ...
وعلى قدر تكتل الحركة النسائية وقوتها استطاعت أن تنتزع بعض الحقوق الملائمة لمدى تطور المجتمع في ذلك الحين، وظلت هناك مجالات لم تستطع اقتحامها كحقل القضاء والنيابة والبرلمان وإدارة الدولة وغيرها، كما ظلت تقع تحت وطأة قوانين الأحوال الشخصية ذات الصبغة الدينية، وظل التعليم العالي حكراً على عدد محدود من نساء الطبقة العليا، على الرغم من انسياب أفكار تلك الحركة في شرايين المجتمع، وإحداثها لمجرى أكثر اتساعاً في الثلاثينيات، وفي الأربعينيات التي شهدت تعدد التيارات السياسية فكان جوار حزب الوفد وطليعته، الإخوان المسلمون، مصر الفتاة، وبعض التنظيمات الشيوعية.
تعددت أيضاً التنظيمات النسائية، وتأثرت برامجها وبعض أنشطتها بأفكار بعض التيارات السياسية ...
فإلى جوار الاتحاد النسائي المصري تكون الحزب النسائي الوطني عام 1942م .
( الذي أسسته فاطمة نعمت راشد من عضوات على درجة عالية من الثقافة، فوكيلته وسكرتيرته محاميتان، وكانت على رأس مطالبه قبول النساء في كافة وظائف الدولة، متى كانت لديهن المؤهلات، وإعطاء العاملات حق التمتع بكل قوانين العمال ومساواتهن بهم في العمل واشتراكهن في النقابات وضرورة العمل على منع تعدد الزوجات.) .
كما تكون اتحاد بنت النيل عام 1949م بزعامة الدكتورة درية شفيق وشاركت الحركة النسائية بتشكيلاتها السابقة الذكر وتحالفاتها مع التيارات السياسية في الأحداث السياسية : ( عندما هبت مظاهرات الشعب سنة 1946 ونظمت كافة الطبقات المظاهرات الشعبية ساهمت الفتيات العاملات والطالبات في " اللجنة الوطنية " ولكن هذا الاتساع الجماهيري لحركة تحرير المرأة لم يتخط الحدود الطبقة البرجوازية والشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة التي تسعى في ركابها كما يتضح من مطالب وأفكار وشعارات تلك الحركة.
أما المرأة العاملة بالمصانع والتي سبق خروجها تاريخياً من البيت، تحت وطأة استغلال رأسمالي شديد وبأجر زهيد وساعات عمل طويلة وبأعداد لا يمكن تجاهلها في صناعات الغزل والنسيج وعصر الزيوت وغيرها من الصناعات الرئيسية في ذلك الحين، لم تجد من يتبنى مطالبها ويدافع عن حقوقها...
وقائدات حركة تحرير المرأة الوفديات واللاتي ينحدرن من أصول طبقية أرستقراطية ويطالبن بالحرية والاستقلال ويرفعن لواء الدعوة إلى الإضراب الشامل عن العمل ... لم يفطن إلى سوء وضع العاملة المصرية التي شاركت ليس في التظاهر والتصدي لرصاص الإنجليز بصدر عار، وفي اقتلاع قضبان السكك الحديدية حتى لا تمر عليها قوات قمع الثورة فقط، بل شاركت في الإضرابات الطويلة عن العمل وإلحاق شتى أصناف الخسائر الاقتصادية بالاستعمار الإنجليزي ومن يسانده من أصحاب المصالح ...
لقد كانت العاملات جزءاً من جسم الثورة الحيوي، وبعد انتهائها لم يجدن من قائدات الحركة سوى التجاهل .. وهذا ليس غريباً في ظل أفكار سياسية تنحاز لمصالح طبقية بعينها ولا تتجاوز الاستقلال والدعوة لإنشاء صناعة وطنية .
وظل اشتراك في كافة المظاهرات السياسية مستمراً .. بالإضافة إلى اشتراكهن العمالية وداخل المصانع شبرا الخيمة والزيتون في أعوام ( 45 ـ 46 ـ 47 ـ 50 )
واشتركت العاملات ضمن أعضاء لجنة مندوبي المصانع بشبرا الخيمة سنة1946، كما كان بين عمال مصنع السلوم بالزيتون سنة 1947م ثلاث مندوبات، وساهمت العاملات سنة 1946م في نشاط مؤتمر النقابات وكانت تمثلهن السيدة " حكمت الغزالي " )
وأياً كان الحال فهناك فقر شديد في المراجع التي توضح حال العاملة المصرية ونضالها ومطالبها ومدى علاقتها بالحركة الوطنية من جانب ... والحركة النسائية من جانب ثان ...
والنضال العمالي من جانب ثالث ...
وربما يكون تجاهل الدراسات التاريخية لوضع العاملات المصريات، امتداداً لنفس موقف البرجوازية من تجاهل النضال العمالي بوجه عام مما يحتاج إلى دراسة مستقلة ...
والجدير بالذكر أنه في وقت تحالف الحركة النسائية بالحركة الوطنية عام 1946م في اللجنة الوطنية للعمال والطلبة والتي خرجت فيها وفود النساء تطالب بالسلاح عند عودة رئيس الوزراء النقراشي وبينهن المناضلة حكمت الغزالي النقابية الشهيرة، واشتراكهن في المقاومة الشعبية وغيرها، كان الإخوان المسلمون بقيادة " حسن البنا " يهتفون للطاغية إسماعيل صدقي والملك ضد الحركة الوطنية...
فسجلوا بذلك تياراً مناوئاً ليس للحركة النسائية فقط، بل وللحركة الوطنية برمتها .. وشهدت ساحة الجامعة عدداً من الصدامات بين الإخوان المسلمين من الطلاب وزملائهم من أعضاء اللجنة الوطنية للعمال والطلبة ...
حتى كانت نهاية الأربعينيات، وحمل عام 1949م رياح الصدام الدامي بين الأصدقاء – الأعداء ( حسن البنا والسراي ) فصدرت الأوامر الحكومية بحل جماعة الإخوان، وإغلاق جميع فروعها ومؤسستها التي ساهمت نفس الأوامر في إنشائها من قبل...!!!
ومات حسن البنا وانتهت الحلقة الأولى في تاريخ الإخوان المسلمين دون أن تستطيع إيقاف تيار حركة تحرير المرأة الآخذ في الاتساع والقادر على جذب أعداد وقطاعات جديدة من النساء.. ..
*****
ومع الحلقة الثانية للإخوان المسلمين والتي جاءت بقيادة المرشد العام الثاني للمستشار حسن الهضيبي، كانت نفس المشاكل والموقف من قضية المرأة مطروحة عليهم، فيحكي الهضيبي أنه : -
( كان يتحدث إلى الإخوان في صيف 1952م حينما طرح عليه أحد الأعضاء مشكلة أنه لا يعرف كيف يتصرف في كثير من شئون حيلته مع زوجته هل يركب معها الترام أو يذهب معها إلى السينما وهل يدخل بناته الجامعة ؟ ) .
فأشار الهضيبي على " البهي الخولي " – أحد قيادات الإخوان المسلمين في ذلك الوقت – أن يضع رسالة موجزة تبين حقوق المرأة وواجباتها في البيت والمجتمع. ومن أهمية الرسالة كتب الهضيبي في مقدمتها :
( إننا إزاء نهضة مباركة ولذلك ينهض الإخوان إلى المساهمة في وضع أسس هذه النهضة ) .
لقد كان الهضيبي يعيش شهر العسل مع حركة 23يوليو ، وكان هو والإخوان جميعاً يظنون أنهم سيحكمون مصر عن طريق هؤلاء الضباط، ولذلك سمى هذه الفترة " بالنهضة المباركة "...
لكن شهر العسل لم يدم كثيراً، فسرعان ما دب الخلاف ....
وواجهت الجماعة محنة الحل الثانية والقمع في السجون الناصرية ... ووجدت نساء الإخوان أو ما يسمى بالأخوات المسلمات أنفسهن أمام ضرورة القيام بالدور الخدمي، فتألفت لجان الزيارات للسجون وأصبحت زوجات الزعماء هن حلقة الوصل بين الإخوان المعتقلين وبين العالم الخارجي، كما يتضح من رسالة زوجة الهضيبي إلى الملك سعود، التي تنشد فيها عطف الملك لكي يتدخل لدى عبد الناصر ( ويشفع في تخفيف الحكم على الزوج) .
وفي تلك الفترة دخلت بعض الأخوات المسلمات السجن مثل زينب الغزالي وحميدة قطب إمعاناً من عبد الناصر في التنكيل بخصومه السياسيين حتى النهاية ...
ولم يكن الإخوان المسلمون فقط هم من بني الآمال والأحلام على إمكانية تحقيق مطالبه في ظل النظام الجديد – وأن اختلفت أساليب المطالبة ...
فقد حاولت بعض الرائدات في حركة تحرير المرأة المطالبة ببعض الحقوق السياسية، ولكن ليس عن طريق المناشدة أو التحالف مع النظام بقصد استخدامه كما فعل الإخوان، ولكن بالتكتل ومحاولة انتزاع الحقوق، ففي أثناء أزمة مارس 1954م وحينما كانت قوى الديمقراطية تطالب بعودة الجيش وضباطه إلى ثكناتهم العسكرية وإجراء انتخابات ديمقراطية، في تلك الفترة التي كان الإخوان فيها يتحالفون مع الضباط ضد الديمقراطية.
( اعتصمت بعض السيدات في نقابة الصحفيين وأعلن الإضراب عن الطعام حتى الموت .. ولم يعدلن عن ذلك إلا بعد خطاب أرسلته لهن – الحديث على لسان محمد نجيب الرئيس السابق – واعدا بأن ينلن حقوقهن في الدستور. )
لكن أزمة مارس انتهت لصالح جمال عبد الناصر وقوى القمع والديكتاتورية ولم يعد محمد نجيب مـُطالباً بتنفيذ وعده، فماذا فعل عبد الناصر إزاء قضية المرأة بعد القضاء على خصومه السياسيين ؟
يذكر لنا التاريخ تلك الفترة أن بعض الحقوق قد أعطيت للنساء على المستوى القانوني، تلبية لحاجة الاتجاه إلى توسيع القاعدة الصناعية وما يلازمها من عمل النساء، فسمح لهن بتقليد بعض المناصب، وبالتمثيل في المجالس النيابية ولكن سطوة الدولة ومن خلالها اختياراتها …
ففي انتخابات عام 1957م رشح الاتحاد القومي خمس سيدات فقط وقع عليهن اختيار السلطة الناصرية، فتقدمن بأوراق الترشيح من خلال الاتحاد القومي الذي سبق واعترض على 1186مرشحاً من الرجال، لم تكن مواقفهم ترضى النظام الناصري ... وصحيح أنها كانت المرة الأولى التي تنزل المرأة المصرية فيها إلى ساحة الحياة السياسية كناخبة ومرشحة، إلا أنه ليس نزولاً مفتوحاً وحراً للحركة النسائية، وكانت النساء اللاتي نزلن الانتخابات هن : -
(1ـ زينب مراد وشهرتها سيزا نبراوي عن دائرة مصر القديمة بالقاهرة.
2ـ نظلة الحكيم عن دائرة بلقاس دقهلية.
3ـ زينات عابدين عن دائرة كرداسة بالجيزة.
4ـ أمينة شكري عن دائرة قسم باب شرق بالإسكندرية وقد انتخبت في الإعادة وحصلت على 9025صوتاً.
5ـ راوية عطية عن قسم ثان الجيزة وقد انتخبت وحصلت على 11807أصوات.) .
كما منحت السلطة الناصرية للنساء الناصرية للنساء حق المشاركة في مجلس الوزراء، وإن كانت مشاركة لا تتعدى حدود وزارة الشئون الاجتماعية. مع الاحتفاظ بقوانين الأحوال الشخصية كما هي بشكل يؤكد قوامة الرجل على المرأة وإعطاءه كل مفاتيح التحكم في البيت.
وراحت أجهزة الإعلام الناصرية تروج لهذا الوضع المزدوج بالسيطرة على الحركة النسائية واستيعاب منظماتها في الأجهزة الرسمية وإصدار قانون تبعية تلك الجمعيات لوزارة الشئون الاجتماعية وضرورة حصولها على موافقة رسمية في كل ما يخص نواحي النشاط، وذلك لمحاصرتها سياسياً واجتماعياً.
وظلت السلطة الناصرية تمسك العصا من المنتصف .. فإذا كانت حركة تحرير المرأة – التي لم تعد حركة الآن بل شراذم وفلولاً متناثرة – تطالب بالعمل والترقي في المناصب، فإن الدولة تسمح بإعطاء النساء – اللاتي يتمتعن برضا المسئولين – بعض المناصب وإن ظلت قليلة ( حيث عينت الدولة في عام 1961م أربع سيدات فقط – في مناصب إدارية عليا ) .
بالإضافة إلى استمرار الرقابة الشديدة على من تسري عليهن هبة التعيين، والإكثار من التقارير البيروقراطية الكفيلة بقتل البقية الباقية لروح الحركة النسائية.
ويظل وجود الوزيرة وعضوات مجلس الأمة وغيرهن من الصحفيات والإذاعيات مرهونا بإرادة جهاز الدولة ومصالحها الطبقية، ولذلك أصدرت قراراً بوقف جميع المجلات النسائية إلا واحدة فقط تصدر عن مؤسسة دار الهلال الصحفية، وتتبع إدارتها، وبذلك يتم تتويج انحسار حركة تحرير المرأة وتحويلها إلى حركة موظفات وجمعيات خيرية تشرف عليها وزارة الشئون الاجتماعية، وتقيم من أجل ذلك بين الحين والآخر احتفالات، تلقي فيها السيدة الوزيرة خطاباً رسمياً عن إيمان الدولة وحماسها الطاغي لتحرير المرأة ...
وهكذا على الطريقة الناصرية يكون الحديث طناناً حتى تصدق النساء ويوافقهن على تعيين ممثلات لإرادة الدولة باسمهن وينمن مستكينات تحت مظلة النظام …
وبرغم ذلك فإن تلك الإجراءات وهذا الهامش الدعائي الشكلي لم يسلم من رفض وانتقاد الإخوان المسلمين وجماعة شباب سيدنا محمد المنشقة عن الإخوان ... حتى كان أول قرار تتخذه تلك الجماعة هو الإضراب عن الزواج بغير المحجبات. وكانت أول ندواتها : - قاسم أمين داعية التحلل والفساد.
وأول رسالة شهرية تصدر باسمها في سبتمبر 1926م : عن الجمعيات والهيئات الإسلامية في مصر واشتغال المرأة بالسياسة والأعمال العامة وهي تتضمن الأبحاث التي ألقيت في مؤتمر الجمعيات الإسلامية الذي انعقد في دار جمعية الإخوان المسلمين في أوائل سنة 1952م ، وكان سبب إصدار شباب سيدنا محمد لهذه الرسالة بالذات هو صدور قرار عبد الناصر بتعيين حكمت أبو زيد كأول وزيرة في تاريخ مصر – ولكن السلطة الناصرية بادرت إلى مصادرة الرسالة سريعاً .. وإلحاق شباب محمد بمصير زملائهم من الإخوان. الذين ظلوا على مبدأهم الرافض لمشاركة المرأة في الحقوق السياسية حتى أنهم وبعد الإفراج عنهم وعودتهم في السبعينيات يتهكمون ويستنكرون التاريخ الذي أعطى النساء تلك الحقوق فيقول خيال والجوهري في كتابهما : -
( أصبح من حق المرأة في مصر التصويت في الانتخابات والترشيح لعضوية المجالس النيابية والشعبية والجلوس على كرسي الوزارة، وصدرت القوانين التي تؤكد هذه الحقوق وتلتها قوانين أخرى : -
ـ قانون بفرض ثلاثين نائبة على الأقل في مجلس الشعب.
ـ قانون بفرض خمسة وعشرين في المائة من النساء على الأقل في عضوية جميع المجالس الشعبية والمحلية.
ـ قانون يجعل الانتخابات والتصويت إجباريا على كل أنثى تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، مع كونهما ليس بالإجبار على الرجال.
ـ قانون تعديل أحكام قانون الأحوال الشخصية.
إن اشتراك المرأة في الحكم في أي صورة من الصور مخالف للشريعة الإسلامية تماما، وهو بدعة مستوردة من الخارج عملت الثورة على اتباعها وتقليدها غير عابئة بأحكام الشريعة الغراء التي نصت على أنه لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
واشتراك المرأة في الوزارة وفي مجلس الشعب والمجالس المحلية والمجالس الشعبية هو اشتراك فعلي في الحكم والولاية وهو ما لا يرضاه الله ورسوله .) والنص السابق يحمل الكثير من المغالطات فليس صحيحا أن القانون جعل التصويت إجباريا على الإناث مع أنه ليس إجباريا على الرجال .. أو أن هناك قانوناً يفرض خمسة وعشرين بالمائة من مقاعد المجالس الشعبية للنساء .. وفي النهاية – وهذه هو المهم – يرفض أي اشتراك – ولو رمزي – للنساء في الحياة السياسية.
وبرغم الاستهجان الإخواني ، فلقد ظل الصوت الوحيد المتحدث باسم النساء والمانح لهن فتات الحقوق في محاولة استيعاب طاقتهن وتوظيفها لخدمة أهداف رأسمالية الدولة هو صوت السلطة الناصرية حتى انفجر الوضع عام 1968 أما عجز الدولة وفسادها الواضح وخرجت مظاهرات العمال والطلاب تطالب بمحاكمة المسئولين في تلك الخديعة الكبرى التي استغرقت شعباً بأكمله وكانت نتيجتها هزيمة 5 يونيو1967 وفضائح محاكمات الطيران ...
وشاركت الطالبات بقوة في هذا التمرد على جهاز الدولة ... وبدأت أسئلة جديدة تنفجر في رحم تلك الحركة عن وضع كل الطبقات والقوى الاجتماعية في مصر ...
ـ عن وضع الرأسمالية التي ما عادت قبضة الدولة القوية تلائمها ..
ـ عن وضع الطبقة العاملة من ناحية أخرى، واكتشافها أن صيغة تحالفها مع الطبقات الأخرى كانت أكذوبة طالما استغلتها واستنزفت قواها.
ـ وعن وضع البرجوازية الصغيرة التي راحت تبحث لنفسها مرة أخرى عن مكان وسط الصراع الدائر، يراودها في ذلك حلم الصعود السريع بينما الواقع يهددها بالإفقار واحتمال الهبوط إلى درجة اجتماعية أقل..
وبالطبع فإن التحليل الطبقي لتلك الفترة الزمنية يحتاج إلى دراسة مستقلة، لكن الواضح في هذا الصراع والخاص بموضوع دراستنا هو اشتراك عدد كبير من الطالبات في مظاهرات عام 1968، ونجاح اليسار في جذب قطاع كبير من جمهور الطالبات اللاتي تمردن على قيود السلطة الأسرية وسلطة الدولة وشاركن في الإضراب عن الدراسة والاعتصام ومناقشة القضايا الوطنية المطروحة، كضرورة الحرب والانتصار على العدو " الإسرائيلي ".
ودخل عدد كبير منهن السجن ليسجلن بذلك علامة اتساع النطاق الجماهيري لوجود المرأة السياسية.
لكن الحركة اليسارية الواسعة التي كانت تطرح على نفسها مهمة مناقشة القضية وطبيعة النظام القائم، لم تلق بالا إلى خصوصية وضع جمهورها من البنات من ناحية مناقشة وضعهن الاجتماعي وحقوقهن في المساواة الكاملة.
وإذا كانت الحركة الطلابية اليسارية قد انحسرت بشكل ملحوظ بسبب أخطاء ليس الآن مكان دراستها.
لكن الوضع لا يعني التسليم الكامل، فلقد خرجت من هذه المعركة فتيات لازلن يبحثن عن حل .. فاندرج بعضهن في صفوف حزب اليسار الرسمي الذي لا يستوعب طاقتهن للتفسيرات الإصلاحية السهلة والجاهزة.
وتكونت بعض الجمعيات المستقلة .. كما لم ينضم إلى أي تنظيم عدد لا يستهان به من بقايا جمهور حركة تحرير المرأة ..
وخلال رحلة التسعين عاماً الماضية من عمر البرجوازية المصرية نستطيع أن نرصد ببساطة أن جمهور حركة تحرير المرأة في البداية كان معتمداً أساساً على النساء من بنات الملاك وكبار رجال الدولة، ثم دخلت الحلقة بنات مثقفي البرجوازية الصغيرة، حتى اتسع نطاقها الجماهيري بين طالبات الجامعة وشرائح البرجوازية الصغيرة ..
والآن نجد أن نفس هذا القطاع من الطالبات وصغار الموظفات وبعض ربات البيوت هن الجمهور النسائي للجماعات الإسلامية ويرصد البحث الذي أعده المركز القومي للبحوث الاجتماعية عن ظاهرة الحجاب :
ـ أن الظاهرة اتضحت في البيئات الحضرية بشكل رئيسي، بمعنى أنها انتشرت في المدن الرئيسية أكثر من انتشارها في قرى الريف.
ـ أن هذه الظاهرة شملت معظم فئات العمر بين الإناث إلا أن الانتشار لظاهرة الحجاب كان بالأساس بين الشابات خاصة طالبات الجامعة حيث من الجامعات الرئيسية : - (القاهرة – عين شمس – الإسكندرية ) إلى ما عداها.
ـ أن الظاهرة قد انتشرت بين مختلف المستويات الثقافية المتباينة بحيث تجد أن انطلاقها الرئيسي كان من المستويات الثقافية العليا والمتوسطة، ثم انتشر منها إلى مختلف المستويات الثقافية الأدنى من ذلك .
ويخلص البحث إلى أن الطبقة المثقفة المقيمة بالمدينة والتي عملت على إنجاح دعوات قاسم أمين، خرجت منها بعد أكثر من نصف قرن الدعوة إلى ارتداء الحجاب مرة ثانية.
أما موقف عينة البحث من التعليم والعمل فكانت إجابة 76,5%من عينة المحجبات أن أهمية التعليم تنحصر في أنه يعد الفتاة لتكون زوجة صالحة.
والمحجبات أقل إيماناً بحق المرأة في العمل والترقي لأعلى المناصب الممكنة، فالمرأة في نظرهن مكانها البيت أما العمل فخلق أساساً من أجل الرجل. والموافقات منهن على مبدأ عمل المرأة يحطن هذه الموافقة بشروط منها أن يكون عملها في مهن معينة بالذات كالطب أو التدريس أو أن تكون المرأة في حالة عوز اقتصادي، إذن فالصراع الذي كان يقوده مثقفو ومثقفات البرجوازية المصرية من أجل خروج المرأة للعمل، تقوده نفس الشرائح الطبقية للعودة مرة أخرى إلى البيت والحجاب.
وبين الدعوة للتحرر والدعوة للتحجب حوالي تسعين عاماً، حققت فيها البرجوازية بعض مهامها ومنيت الكثير من الهزائم ليعلن لسان حالها أنها لا تستطيع إنجاز بقية المهام .. فانكفأت على ذاتها مرة أخرى وراحت تبحث عن حل يخرجها من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تطبق على صدر جمهورها من الموظفين والموظفات والتكنوقراط وصغار التجار والحرفيين وزوجاتهم ... راحت تبحث عن حل ينفي عنها العجز.. ووجد هذا الجمهور المتعب والمثقل بالهزائم في أشد الدعوات عنصرية وديماجوجية ما يظن أنه الحل ....
الفصل الثاني
المرأة في نظر الجماعات الإسلامية
ـ صورة من قريب ـ
[المرأة تأتي على صورة شيطان … فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها.]
حديث يتكرر استخدامه كثيراً في أدبيات الجماعات الإسلامية ولكن لماذا تـُصَّور المرأة على هيئة شيطان....؟
ألا يعني ذلك أنها شيء كريه وبشع ويجب أن يحارب … ؟
ألا تقدم تلك الصورة عكس ادعاءات الجماعات الإسلامية بأنها تريد الخير للنساء … فكيف تريد الخير للشيطان … ؟
تلك الازدواجية تبدو واضحة في جميع خطبهم وكتاباتهم… بل تكاد تكون السمة العامة في تناولهم لموضوع المرأة الذي غالباً ما يتم تناوله في درجات متتالية أو متداخلة، يمكن تحديدها في الأفكار الآتية:
1ـ الحديث الإنشائي عن إكرام الإسلام للمرأة وإعلائه شأنها حينما أمر بسترها وصونها في البيت ...
2ـ التقليل من القدرات العصبية والنفسية والعقلية للمرأة بالمقارنة مع الرجل، وتصعيد ذلك إلى نفي قدرتها الطبيعية على القيادة وشغل المناصب العامة.
3ـ الهجوم على المرأة العاملة باعتبارها مسببة البطالة وسارقة فرص العمل من الرجال ومخربة الأسر ومشردة الأطفال.
4ـ تخصيص أنواع بعينها من العمل للنساء كأعمال طب النساء والتمريض والتدريس والخياطة والغزل، أو تخصيص عنابر للنساء في المصانع تضمن الفصل بين العامل والعاملة.
وكتابات الجماعات الإسلامية في تلك الأفكار تحتوي على الكثير من التناقض فهم يتحدثون عن الفكرة وعكسها في نفس الوقت – كما سنرى فيما بعد – كما أن النصوص التي يستشهدون بها بالغة العمومية وتحتمل تفسيرات شتى ، والتدقيق فيها يكشف عن بعد آخر يحرصون على إخفائه دائماً خلف الصيغ العامة.
فهم حينما يسبون المجتمع المدني الحديث الذي سمح بعمل المرأة وإعطائها كثير من الحقوق ... لا يقصدون بذلك سحبها إلى البيت مرة أخرى وعودتها المطلقة إليه ... وإنما يقصدون الهجوم على حقوق سياسية واجتماعية تكفل لها المساواة ... فلا مانع من عملها ولكن بشروط وتحت ظروف قاسية – كما سنرى بالتفصيل بعد ذلك .
وهم عندما يطالبونها بإخفاء جسدها العورة ويسبونها بأقذع الشتائم وأبشع الصفات .. يغازلون لديها – في نفس الوقت – المثيرات الحسية ويطالبونها بأن تكون عاهرة للزوج في مواضع أخرى ... والمادة التي تدور حول تصورهم هذا من الغزارة والفجاجة بحيث كان يكفي تجميعها ووضعها جوار بعضها البعض لتعطي صورة صارخة عن هؤلاء الذين يدعون الدفاع عن المرأة ويتحدثون باسم الحفاظ عليها.
لغة الخطاب الموجه إلى النساء عندهم يغلب عليها طابع التهديد والوعيد وتدور حول وصف النساء بالقطيع الضال الذي يحتاج إلى من يقوده، وخصوصاً بالعصا – وكثرة استخدمهم لكلمة التبرج في وصف غير المحجبات يليها استخدام صفات التغفيل والطيش. حتى أن كتيباً دعائياً صغيراً طبعته مؤسسة دار الاعتصام، إحدى دور الإخوان المسلمين للنشر والطبع – تحت عنوان " التبرج " لنعمت صدقي حشد في صفحاته القليلة التي لم تتجاوز الستين صفحة من القطع الصغير، تلال من السباب والشتائم وضعتها الكاتبة على رؤوس النساء بلا حساب فلم تتورع عن تسمية المرأة غير المحجبة " بالراقصة الخليعة الفاجرة " أو " الزانية الفاحشة "...
كما ملأت صفحات الكتاب بصراخ هستيري : - " يا للفضيحة ويا للخجل والعار " .
وكأننا لانزال نعيش في القرن الأول في الصحراء القاحلة وصهيل الخيل ودوي السيوف يتعالى ....!!!
ومن الطريف أن الجماعات الإسلامية إمعاناً منها في فرض جو إرهابي يحلل لها تحقير نساء العصر الحديث، تلجأ إلى تشبيههن بنساء العصر الجاهلي، طالما أن صورة الجاهلية ترتبط في ذهن الناس بما ما هو مذموم... ملعون بما يسهل مهمة التشكيك في نتائج الحضارة الحديثة، ويدر ظهر النساء إلى الحائط...
ولكن ما وجه التشابه بيننا نحن نساء القرن العشرين وبين من يسمين بالجاهليات ، فنحن لا نرتدي ملابسهن ، ولا نفكر بطريقتهن ولا نعيش وضعهن الاجتماعي وعلاقتهن بالجنس الآخر من الرجال ، والفرق بيننا وبينهن ليس رقم الأربعة عشر قرناً في حسابه العددي، بل ميراث حضارة وتجارب وخبرات وأفكار التطور التاريخي عبر هذا الزمن الطويل ...
ووعي المرأة المعاصرة الاجتماعي – حتى المرأة التي لم تتعلم القراءة والكتابة ولم تمارس عملا وظيفيا لا يمكن قياسه بوعي امرأة القرن التاسع عشر...فما بالكم بوعي أربعة عشر قرناً سابقة ...؟
وبم أن دعاية الجماعات الإسلامية لا تستطيع اختزال أربعة عشر قرناً من عمر الحضارة البشرية بكل نتائجها – حتى لو استغاثوا بكل أسلحتهم الإرهابية لفرض جو من الخوف والصمت عن النقاش – فإن للتشبيه عندهم غرضاً آخر، فربما يستخدمون تلك الأمثلة لتجريم الميراث الفكري الحضاري واختزاله ليس من التاريخ بل من عقل جمهور النساء المتعبات في اللحظة الحالية …مع ملاحظة أن هذه الدعوات لم تجد أي إقبال من نفس هذا الجمهور في لحظات تاريخية سابقة كانت تجسد قوة الإخوان المسلمين … كما رأينا في الفصل السابق : -
إن تشبيه " الجاهلية " هو سوط تسلطه الجماعات الإسلامية على ظهور النساء المتعبات لتوجيه طاقتهن وفق النسق الأيديولوجي لهم، وتستخدمهن به في إحداث المزيد من التوتر في معركتهم الآن ... وأي مدقق في كتابات تلك الجماعات سوف يلحظ بسهولة التناقض الواضح في النصوص بين الإكثار من ترديد الصيغ الإنشائية حول إكرام المرأة وإعلاء مكانتها، وبين استدعاء حديث يقول : -
[ النساء سفهاء إلا التي أطاعت زوجها ] .
وبصرف النظر عن صحة الحديث أو وضعه .. لأنها قضية أخرى يمكن أن تبحث في علم رواية الحديث .. فإن الجماعات الإسلامية تفتن به وتستشهد به كثيراً حيث ورد في معظم كتبهم مثل كتاب ( إلى كل فتاة تؤمن بالله ) للدكتور محمد البوطي ... وغيره.
مثال آخر : - فهم يستشهدون بحديث :
( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج ، وان أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، فاستمتع بها على عوج.) - (حسن البنا - حديث الثلاثاء)
فهذا الحديث الذي يبدو في الظاهر وكأنه دعوة لحسن معاملة النساء إلا أنه يعكس تفوق الرجل الذي تمنحه تلك الرؤية الاستمتاع بالمرأة وكأنها دمية، ويا ليتها حتى دمية مستقيمة بل هي معوجة. ومن الطريف أن يسوق حسن البنا المرشد العام هذا الحديث في حديث الثلاثاء ويشرحه لمستمعيه قائلاً :
( والأعوج فيها رأسها، والمعتدل فيها قلبها، فكل معاملة معها يجب أن تكون على أساس من السياسة واللين لا على المنطق والفلسفة. )
ويقول البهى الخولي تعليقاً على نفس الحديث : _
( إن إغضاء المرء عما لا يرضى من حال زوجته يكفل له إقباله على الاستمتاع بها، ولا يحرمه تلك السعادة، والرسول عليه السلام لا يعني بما قدمنا أن المرأة مخلوق شرير شرس، إنما يريد - كما ذكرنا - تقرير الحقائق ليخرج المرء عن أحلامه وأوهامه. )
إذاً فالإخوان يعتبرون أنه من الأوهام الاعتقاد بسلامة المرأة ... في نفس الوقت الذي يسوقون الحجج لإظهار أنفسهم بمظهر المدافعين عن النساء والمنقذين لهن من وحشية الحضارة الحديثة ...!!!
إن أدبيات الجماعات الإسلامية مليئة باستدعاءات من تراث الأحاديث والآيات والمواقف التاريخية تؤكد جميعها أن النظر للمرأة لم يكن أبداً يقوم على أساس مساواتها بالرجل في الإنسانية، بل يقوم على كونها جسداً يرضى نزعاته الجنسية ففي كتاب أبي حامد الغزالي " إحياء علوم الدين " الذي أعادت الجماعات طباعة الجزء الخاص بالمرأة فيه تحت عنوان " الزواج الإسلامي السعيد " حديث موجه إلى الرجال بشأن النساء :-
( ينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن، فإن كيدهن عظيم وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة.) (أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد ص80).
وكان علي بن أبي طالب يقول: (شر خصال الرجال خير خصال النساء، البخل والزهو والجبن، فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها، وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تكلم كل أحد بكلام لين مرتب، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهمة خيفة من زوجها.).
إذاً فتلك هي الصورة المثلى التي تريدها الجماعات الإسلامية للمرأة :- جبانة – بخيلة ، في مقابل صورة الرجل الكريم – الشجاع ... حيث تكون نقيضه الذي يجمع بداخله النواقص والمثالب ويكون ذلك مبرر خضوعها له.
وعلى النساء من وجهة نظر الجماعات الإسلامية ألا يتبرمن من تلك الصفات السلبية ومن هذا الوضع الدوني ، وأن يقتنعن بأن هذا هو الخير كما تطالب بذلك النشرات الدعائية التي يوزعونها بين الحين والآخر على طلاب الجامعات ويملأونها بشوارد الأحاديث والحكايات ومنها تلك الحكاية : -
( روى أن أسماء بنت يزيد الأنصاري رضي الله عنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت يا رسول الله إني وافدة النساء إليك . إن الله بعثك بالحق للرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك ، وإنا معشر النساء محصورات قواعد بيوتكم ، وحاملات أولادكم ، وأنتم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى ، وشهادة الجنائز ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى ، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو مرابطاً أو معتمراً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم … فما نشارككم في هذا الخير والأجر يا رسول الله ؟
فالتفت النبي (صلى الله عليه وسلم ) بوجهه الكريم إلى أصحابه ثم قال: - هل سمعتم مقالة امرأة أحسن من هذا عن أمر دينها، فقالوا يا رسول الله ما ظننا امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم قال:
" انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من خلفك من النساء أن طاعة – الزوج اعترافاً بحقه – يعدل ذلك. وقليل منكن من يفعله. " )
إذاً فهذا التصور الذي يرفع مكانة الرجل إلى حد التقديس والاعتراف بحقه وتجبيله لاحتكاره المهام ذات الشأن الاجتماعي هو نفسه الذي يخفض من قيمة المرأة ويقلل شأنها وشأن قدراتها العقلية والنفسية .. ويفيض كتابهم في الحديث عن ضعفها الجسدي والمعنوي وعدم استقامة نفسيتها كما رأينا من قبل ، وحتى في محاولة بعض شيوخ الجماعات الإسلامية في التذاكي وإلباس تلك الأفكار ثوباً عصرياً ، فإن محاولاتهم تكشف عن مزيد من التناقض بين الصيغ الإنشائية لإعلاء شأن المرأة التي يطنطنون بها في الخطب الدعائية وبين تصورهم الدوني عنها كما ينعكس كلما استرسل الخطيب أو الكاتب في الحديث ....
فالشيخ محمد الغزالي – الذي يأخذه الحماس في الرد على العلمانيين – يحاول أن يتصل من هذا التناقض بمحاولة إرجاعه إلى من يسميهم بالمتزمتين ولكن الكرة سرعان ما تعود إليه مرة أخرى لأن الحقيقة لابد أن تكشف عن نفسها مهما برع الأشخاص في القدرة على التزييف فهو يقول:
(إن القماءة الفقهية عند بعض المشتغلين بالعلم الديني أحرجت الإسلام كثيراً ومكنت خصومه من خناقه).
ولكن على الرغم من هجومه الواضح على من يدعوهم بالمتزمتين ، فأنه لا يستطيع إلباس تلك الأفكار زياً عصرياً متفتحاً وأن يخلصها من الإحراج النابع من تناقضاتها الداخلية ، حيث يقع هو في نفس الحرج حينما يتصدى للتعليق على الحديث النبوي " النساء ناقصات عقل ودين. " فيقول : -
" والمرأة على ضعفها تحب أن تغلب غيرها وتعرض نفسها ، قد تقول وما هذا الضعف ؟ والجواب في تكوينها الخلقي فإنها تضحى عليلة أو شبه عليلة خلال الدورة الشهرية التي تعتادها ، وتؤثر في أعصابها وأفكارها ، وزاد الطين بلة في تأليب المرأة المعاصرة على الإسلام أن البعض فسر نقصان العقل بالحماقة ونقصان الدين بالمعصية ، وعد الأنوثة ترادف الخسة والهوان ، وهذا التفكير امتداد للجاهلية الأولى ، وهو بعض ما يشين النفسية العربية ، والإسلام بريء من هذا اللغو. "
والقضية – أيها الشيخ – ليست تجميل أو تزيين تلك الأفكار، وليست تذاكي البعض لاجتذاب أكبر عدد من جمهور النساء لأنه مهما بلغت قدرة الخطيب أو الكاتب التبريرية فإن هناك حدوداً للمفاهيم الأساسية في هذا المعسكر لا يمكن تخطيها ، فالغزالي الذي يستنكر تصوير المحدثين لنقصان العقل بأنه حماقة ويصرخ بأن هذا ليس من الإسلام في شيء ، نجده في مواضع أخرى يقول : إن الدورة الشهرية تؤثر في الأعصاب والأفكار ولذا فإن النساء ناقصات عقل ، فهو إذن ينفي شبهة وصف النساء بالحماقة ، ولكنه يؤكد على نقصان عقل المرأة ، بما يعني فقدانها السيطرة على الأعصاب والأفكار في زمن الدورة الشهرية ؟
وهذه هي الحماقة – أيها الشيخ – تنفونها حينما تواجهون بها صراحة ، وتؤكدونها كأنها صفة لصيقة بالنساء في مواضع أخرى ، ولذلك يتضح أمامنا دائماً أن الأمر لا يتعلق في النهاية بمهارة الخطيب والكاتب أو بحسن نواياه ، لأن هناك نسقاً فكرياً عاماً يحدد في النهاية إطار حقوق الفرد ومكانته في المجتمع الذي يبغونه ليحمي ملكية السادة الرجال دائماً ولذلك لن ندهش إذا وجدنا أن موقف الجماعات الإسلامية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها تجمعه أسس واحدة لا يمكن تخطيها ، وخصوصاً بالنسبة لقضية المرأة التي هي محورية في فكر تلك الجماعات.
فالشيخ محمد الغزالي – وهو من الوجوه التي تبدو معتدلة لدى الإخوان المسلمين – لا يرى في تعدد الزوجات ضرراً بالزوجة الأولى ولا يمكن أن يوافق على تدرج المرأة في المناصب حتى ترأس الرجال فهو الذي يقول :
(ومن الصعب أن تكون المرأة ربة بيت متقنة وصاحبة منصب منتجة).
أما البهي الخولي فيقول إنه بدخول المرأة كليات الزراعة والصيدلة ( لم يجعلها تجني إلا أنها خرجت من نطاق الرقة ومشاعر الأنوثة التي خصتها بها الطبيعة إلى الاسترجال الخشن.) (البهي الخولي – المرأة بين البيت والمجتمع – من رسائل الإخوان المسلمين ص103)
وهو هنا يختزل معنى الأنوثة إلى درجة أقل من المعنى الذي تروجه شركات التجميل وإعلانات المساحيق عن المرأة اللينة " كالملبن " والتي تستخدم كأداة استمتاع وإشباع لغرائز الرجل ...
وليس من الغريب أن نسمع بعد ذلك عن أحد الإخوان المسلمين يطالب من فوق منبر مجلس الشعب بعد أن خاض تجربة الانتخابات العصرية ونجح تحت شعار " الإسلام هو الحل " فيصدقه الجمهور وينتخبه الرجال والنساء ليطالب من فوق منابر هذا المجلس بحق الرجل في تزوج أربع من النساء دون إذن الزوجة الأولى ، بحجة أن هناك من الرجال الميسورين من لا تكفيه زوجة واحدة وهو يستطيع أن يغطي نفقاتها بما أعطاه الله من رزق ، كما فعل التائب محمود المراغي في دورة مجلس الشعب الماضية (84 – 87 ) وكما أتخذ العضو محمود نافع إخوان مسلمين أيضاً من موضوع المرأة حجة لإعداد قانون يلزم المرأة العاملة بارتداء الزي الشرعي ، ثم يلتقط منه طرف الحديث الشيخ صلاح أبو إسماعيل ، ليطالب بأنه ( قد آن الأوان بعد التعديلات الدستورية الإسلامية أن نضع للديمقراطية حدوداً.) ؟؟؟
هذا الشيخ يطالب بوضع حدود للديمقراطية وأن يذبح كل الأفكار والآراء المخالفة لهم يدعي الاعتدال حينما يكون مطلوباً .. ولكنه في جوهر الأمر لا يختلف عن الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي جماعة الجهاد الذي وقف يهاجم :
( النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض ، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف بل يلزم استواؤهما في الميراث ، وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم ، وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك.)
فيا لرقة الشيخ الذي يريد استبدال كل القوانين المدنية بأخرى تحلل الرجم والقطع وتعدد الزوجات... وغيرها من الأحكام التي يوافقه عليها الشيخ الغزالي والبهي الخولي وصلاح أبو إسماعيل وأعضاء مجلس الشعب عن التيار الإسلامي ... والخلاف الأساسي بين الإخوان والجهاد ... أن الإخوان يحاولون تمرير تلك القوانين دون تعجل الصدام المباشر مع السلطة القائمة الآن ، حتى إذا تمكنوا وأحسوا أن موازين الحال أصبحت في صالحهم فلا يبقى أمامهم إلا تنفيذ تلك القوانين بكل الوسائل بعد تصفية خصومهم أما الجهاد فيدفعهم تعجلهم إلى الصدام الدائم مما يؤدي إلى إضعاف قواهم أولاً بأول ...
إن قوانين الجماعات الإسلامية ومبادئها واحدة ... والاختلاف في الأساليب بشكل يجعل البعض يجاهر باستخدام العنف أما الآخرون فهم يؤجلونه إلى فرصة أخرى تسنح لهم بعد أن تكون دعوتهم قد استشرت دون أن تحيط بها صيحات الاستنكار مما ينقذها من الصدمات غير المحسوبة ... وهذا هو الأخطر... لأنه حين تسنح لهم الفرصة فإنهم لن يبقوا ولن يذروا ...
ثم إن جماعة الجهاد وغيرها من الجماعات التي توصف بالتطرف ما هي إلا محض انشقاقات خرجت جميعاً من عباءة الإخوان المسلمين الذين يوصفون بالاعتدال بينما هم " فراخة " كل التيارات السياسية الإسلامية. ولكن طبائع الأمور تكشف ستار الاعتدال ...
وكما نرى في إطار القضية موضوع الدراسة الآن ...
اعتدال الإخوان هو الذي يصف المرأة بالشيطانية ، وهو الذي أعاد طباعة كل التراث المؤكد على دونية المرأة ، وهو الذي عمل على ترجمة أفكار أبو الأعلى المودودي من " اللغة الأوردية " المنتشرة في وديان باكستان لتقديمه إلى الجمهور المعاصر على أنه المثل والنموذج وهو الذي يعيد طباعة فتاوى ابن تيميه التي كان يقدمها لسلطان المماليك أيام هجوم التتار ليحكم بها عصرنا الحديث ...
نعم إن اعتدال الإخوان المسلمين هو الذي يقود حملة الهجوم على المرأة في الجامعة والنقابات المهنية وفي وسائل الإعلام المختلفة ... اعتدالهم هو الذي اختار قضية المرأة ليصب عليها غضب المجتمع بأكمله ويضع على أكتافها كل أخطائه وعيوبه ...
وتعكس تلك التصورات المتشددة نفسها بوضوح وسط جمهور الجماعات الإسلامية ، ففي إحدى مطبوعات لجنة النشاط الثقافي والسياسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية نجدهم يستشهدون بحديث يفضل لمس الخنزير الملطخ على لمس المرأة التي هي في موضعهم هذا زميلة الدراسة :-
( روى عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : -
إياك والخلوة بالنساء والذي نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما ، ولأن يزحم رجل خنزيراً متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبيه منكب امرأة لا تحل له.) .
ذلك من الصيغ التي تملأ صفحات وصفحات تطمس في الحقيقة صورة دونية للمرأة فهكذا تروج الجماعات الإسلامية وسط شباب الجامعات وفي كلية يفترض أن يسودها مناخ من البحث العلمي والموضوعية وتتطلب الدراسة فيها تساوي الفتى بالفتاة في المدرج والمعمل والمشرحة.
ونجد في نفس النشرة : -
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.) .. رواه الطبراني والبيهقي.
وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وقال لها " يا فاطمة أي شيء خير للمرأة ؟
قالت أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل، فضمها إلى صدره مسروراً وقرأ قوله ( ذرية بعضها من بعض).
وهكذا تمتلئ النشرات التي تطبعها الجماعات الإسلامية وتوزعها على طلاب الجامعة بأمثال تلك الأحاديث والحكايات التاريخية التي تشعر الفتاة بأن كل شيء حرام عليها حتى نفسها ، وتشعر الفتى بأنه الكائن الأعلى فيزداد الاضطراب والهوس الجنسي المقنع بين الطرفين ، ويصبح موضوع عدم الاختلاط والحجاب هو مصب الاهتمام ومحور المناقشات .
فهل لازالت الجماعات الإسلامية تصر على أن دعوتهم تكرم المرأة حين تصفها بأنها تأتي على هيئة شيطان ؟ أم ترفع قدرها حين تعتبرها مجرد حصيرة :- " لحصير في ركن البيت خير من امرأة لا تلد " أم تحافظ عليها حفاظاً حقيقياً حين توصي بـ :-
" أن من يـُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها " ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي ص22 ) .
فياله من حفاظ ورحمة تلك التي تتعامل مع المرأة وكأنها مصيبة يجب أن تنزاح سريعاً .
إن صيغة أفعل التفضيل الإنشائية التي تستخدم دائماً في دعاية الجماعات الإسلامية مثل " أعلى من شأن المرأة وكرمها أفضل تكريم ورفعها إلى أعلى قدر. " ، وخلاف ذلك من الصيغ التي تملأ صفحات وصفحات تطمس في الحقيقة صورة دونية للمرأة لا ترقى فيها إلى مرتبة البشر من الرجال ...
وأبو الأعلى المودودي المنظر الفكري للجماعات الإسلامية لا يذهب بعيداً حينما يقول في كتاب تفسير سورة النور في معرض التعليق على الحديث النبوي : -
" استأخرن فإنه ليس لكـُن أن تحققن الطريق – أي تركبن حقها وهو وسطها عليكن بحافات الطريق. " ( أبو الأعلى المودودي – تفسير سورة النور - ص176)
يقول تعليقاً على ذلك : -
" كانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به." .
فأي حالة من الدونية والهوان تلك التي تفرض على النساء أن يتمسحن كالهوام في الجدران حتى يتركن عرض الطريق وجنباته للسادة الرجال يسيرون فيه مختالين ... فخورين ... أي حالة من انعدام الشأن الاجتماعي تلك التي يبلورها حديث كهذا تنشره الجماعات الإسلامية وسط الشباب والشابات الآن ؟
وأي حالة من الدونية يريدونها للمرأة بنشرهم لحديث يذكره الغزالي في متن كتابه :
" للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات." ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد – ص 109)
فكيف ستتعامل المرأة مع نفسها إذا صدقت أنها عورة ، لا ليست عورة واحدة .. بل عشر عورات ... ؟
وكيف سيتعامل معها الرجل إذا صدق أنها عورات مركبة ، وأنه حتى إذا تكرم وتعطف عليها بستر عورة واحدة فستظل أبد حياتها تنوء بالتسع الأخريات .. لا تعرف كيف تغطيها أو تواريها … ؟
وأي حالة من الكراهية للذات تلك التي يسببها تصور أنه لن يسترها إلا الموت وإهالة التراب فوق جسدها مبعث الشرور والمفاسد من وجهة نظر الجماعات الإسلامية …؟
الفصل الثالث
انزلي إلى سوق العمل … ولكن بشروط
لم يكن حدثاً فريداً من نوعه حينما وقف الشيخ يوسف البدري أحد نواب التيار الإسلامي – يطالب في مجلس الشعب : (بعدم تعيين الإناث في الوظائف الحكومية من أجل القضاء على ظاهرة البطالة.)
فقد سبق ذلك مواقف كثيرة مشابهة، وحتى الآن نجد من يطالعنا بين الحين والآخر بفتاوى مصبوغة بصبغة الأحكام المقدسة النهائية عن أن المرأة: (بعملها تروج البطالة وتسد أبواب رزق أطفال آخرين...).
إن الدعاية الإسلامية التي صنعت من قبل أرضية واسعة لدونية النساء الخِلقي والخـُلقي والعقلي ، تدعي أن هؤلاء القاصرات .. الضعيفات هن سبب البطالة وهن اللاتي يسرقن قوت الرجل ويزاحمنه في الحياة العامة ، وتكون النتيجة أزمة المواصلات وازدحام الطريق وتلوث الهواء ومعاناة الأبناء من سوء خدمات الحضانة والتعليم وعدم توافر الرعاية الصحية وانحراف الأولاد والبنات وزعزعة كيان الأسرة ...
صورة مأساوية يرسمونها ويطلقونها في وجه جمهور من صغار الموظفين والتكنوقراط وطلاب الجامعات وصغار التجار والحرفيين الذين يكتوون يومياً بنار الفقر والأسعار المرتفعة ، والجنيهات القليلة التي تطارد حاجياتهم الأساسية فلا تكاد تلحقها ، ولا يجدون في النهاية إلا المزيد من الحرمان .... إنه جمهور مذعور يختنق داخل دائرة الأزمات ، يخاف الغد ولا يعرف أي تهديدات جديدة يحملها له ... يبحث عن حل يداعب أحلام الصعود الفردي لديه وتحقيق بعض المكاسب ... حل لا يصطدم مع التكوين النفسي المحافظ بل يقدم المبرر التنظيري للجمود الفكري ، وليس هناك من يقدم حلولاً تحافظ على الامتيازات المتوهمة وتغازل نزعات حب التملك والفردية سوى الجماعات الإسلامية بطريقتها الديماجوجية التي تقدم للسباب والرجال مفهوما للرجولة يرادف في كثير من الأحيان صفات أنصاف الآلهة الأذكياء ... كاملي العقول في مقابل جهل ونقص عقل النساء وبالتالي المطالبة بأحقيتهم في السيادة .
وليس من الغريب أن تتبنى نساء البرجوازية الصغيرة من الطالبات وصغار الموظفات وربات البيوت تلك الأفكار – على الرغم من كونهن كنساء موضوع الهجوم – لأن هناك بـُعداً آخر تقدمه دعاية الجماعات الإسلامية بين طيات هذا الهجوم وهو الظهور بمظهر الحرص على راحة النساء وتكريمهن بوعد التخلص من المتاعب اليومية وحل كل المشاكل بالإسلام ، فهل تريد تلك الجماعات عودة المرأة العاملة في جميع المجالات إلى البيت عودة قاطعة ونهائية ...؟
واقع الحال يقول إن تلك خلف الدعاية موقفاً آخر، يتضح من تأمل معظم نصوصهم أنهم يفتحون ثغرة في نهاية الحديث يمررون منها تحليل عمل المرأة ، ولكن ليس على إطلاقه ، بل بشروط صارمة تكشف عن نواياهم الحقيقية تجاه نوع الدور الاجتماعي الذي يبغون إسناده للنساء في مجتمعهم …
يرى أحد منظريهم أن ( الضمانة الكبرى لبقاء الأمور على نهجها السوي هي ألا تنزل المرأة إلى ميدان العمل من أجل الرزق إلا في أضيق الظروف والحالات الضرورية. ) .
فماذا تخفي ثغرة " إلا "... هل هي دليل عدم تشددهم ؟! هل هي دليل تسامحهم كما يدعون … ؟
هل هي للرأفة بهؤلاء النسوة المجرمات المتوحشات سارقات قوت الرجال ومشردات الأطفال … ؟ وما هي أنواع العمل الذي يسمحون به ..
وماذا ينتج عنه من تصنيف في الوضع الاجتماعي للمرأة ...؟
ولمصلحة من يكون السماح بأنواع معينة من العمل وتحريم أنواع أخرى … ؟
أسئلة كثيرة لا يجيب عنها سوى القراء المتفحصة لأفكارهم كما عبروا عنها …
والحقيقة أن في حديث الجماعات الإسلامية عن الأزمات التي تواجه المرأة العاملة من حيث سوء الخدمات المقدمة لهن حيث لا دور للحضانة ولا رعاية صحية ولا مواصلات تحافظ على إنسانيتهن وغيرها من المشاكل جوانب كثيرة من الصحة ، فهي أزمات حقيقية تطحن النساء يومياً وتدفعهن إلى درجة قاتلة من اليأس فتتمنى المرأة لو استراحت ولو كان ذلك بترك العمل ولكنها لا تملك حرية الاختبار تحت وطأة سوء أحوالها وأحوال أسرتها الاقتصادية فتواصل المسيرة بمزيد من السخط المتراكم ...
وصحيح أن هناك معدلات بطالة عالية يعاني منها المجتمع – كما ترصد دعاية الجماعات ويكرر شيوخها في كل مكان – وكما تحس جماهير الشباب والشابات ...
ولكن هل خروج المرأة إلى العمل هو الذي خلق حالة البطالة ...؟ أم أن آليات النظام الرأسمالي الذي نزلت المرأة إلى سوقه هي المسئولة عن البطالة وعن غيرها من الأزمات كارتفاع الأسعار والتضخم والركود … ؟
وهل تتصور أيديولوجيا تلك الجماعات أنه من يمكن القضاء على النتيجة دون القضاء على السبب…؟
إن طريقة عرضهم للقضية تعمد دائماً إلى طمس الإجابة على السؤال الأساسي:
وهو من الذي صنع البطالة...؟
من الذي يراكم تلالاً من الثروات تختمها له الجماعات الإسلامية بخاتم الرزق الحلال… بينما الجماهير التي يدعون الدفاع عنها تعاني الفقر والجوع… ؟
من الذي جمع مدخرات متوسطي الحال من الرجال والنساء واحتكر السوق وتلاعب بالأقوات تحت الشعارات الإسلامية الرنانة…؟
إن إلقاء كل أوزار المجتمع الصناعي الحديث على كتفي المرأة العاملة لا يحل أياً من المشكلات … بل يعطي الفرصة كاملة لصانعي بؤس الجماهير من الرأسماليين للتخلص من مشاكلهم وتجديد نشاطهم وتوسيعه حينما يغض المجتمع نظره عنهم ، ويصرف غضبه إلى إشعال النار بين الرجال والنساء الذين هم في الحقيقة موضوع الاستغلال …
وربما يكشف الحوار التالي المأزق الذي تقع فيه دعاية الجماعات الإسلامية ، حينما ترمي كل تبعات الأزمة على أكتاف النساء فيظهر تناقضهم الفكري واضحاً ...
يقول الشيخ الشعراوي : (هي في الواقع لم تخفف من شقائه ، فهو ما زال في تعبه والحقيقة أنه ما زال شقياً ، وازدادت هي شقاء ، فهو لم يأخذ نصف عمل في الخارج فما زال يعمل عمله، وإذا تعللت بمشاركة الزوج في عمله لتزيد الدخل لمستوى حياة أكبر ، فليس المفروض في الإنسان الذي له قيم سماوية أن يفرض مستوى الحياة أولاً – التأكيد هنا بالبنط العريض – وبعد ذلك يحمل الدخول عليه .
لا ... المفروض أنه على قدر دخله يحدد مستوى الحياة ، والذي يتعب الناس هو أنهم يحددون أولاً مستوى الحياة ( تأكيد مرة أخرى ) ثم إذا لم يكف الدخل يبدأوا في عمل الأشياء الأخرى ، فقد ينحرفون أو يرتشون ، فالمستوى لا يحدد إلا على أساس الدخل وحينما يسأله المحاور : - " في أغلب البلاد العربية والإسلامية لا يستطيع الرجل أن يحدد المستوى طبقاً للدخل لأن الدخل أصلاً ليس متناسباً مع الطاقة، فيمكن أن يشتغل فرد أشغالاً شاقة ولا يدخل إليه العائد الذي يتناسب مع جهده. " فيجيب عليه الشيخ الشعراوي إجابة سريعة وعامة : - " هذا فساد في نظام الحكم ".)
والشيخ الشعراوي يعرف أن عمل الرجل لم ينقص من حيث الكم فهو لم يأخذ نصف عمل، وأن المرأة أيضاً تعمل ، ولم تأخذ نصف عمل ، وأن عائد عمل الرجل لا يكفي دخل الأسرة ، وأن إضافة عمل المرأة لا تكاد تغطي الاحتياجات الأساسية.
وبرغم كل ذلك فلم يلفت نظره سؤال : -
إذن أين تذهب عوائد عملهما معاً ؟ وهو يلجأ إلى صيغة تبرر استغلال عمل الرجل والمرأة معاً بقوله : -
" إنه ليس من المفروض في الإنسان الذي له قيم سماوية أن يفرض مستوى الحياة أولا "
إذن ما هو المفروض عليه أيها الشيخ : -
أن يرضى بالعيش تحت خط الفقر بينما الرأسماليون يحققون المزيد والمزيد من تراكم الثروة ...؟
أن يبذل المزيد من العمل حتى يذهب عائد عمله إلى الرأسمالي الذي يحقق نموه باستغلال عمل الرجال والنساء … ؟
وحينما يفرض السؤال نفسه على المحاور ، فإن الشيخ الشعراوي الذي يفيض في كيل الهجوم للنساء ، ويتهمهن بأنهن سبب البطالة والفقر وشقاء الرجال ، فإنه يجيب إجابة عامة حول فساد الحكم ، فلماذا هو فاسد .. لا يجيب الشيخ ، لا لأنه لا يعرف بل لأنه …
*****
والأدهى من ذلك أن الجماعات الإسلامية لا تصرخ في وجه النساء بأنهن مسببات البطالة وسارقات القوت من الرجال فقط ، بل هي تحاول إقناع المرأة التي لا تزال حديثة الخروج إلى العمل بأنها فاشلة ، لا تستطيع أن تفعل شيئاً ، حتى تفقد الثقة في قدراتها وترضى بأي وضع يختارونه لها.
فهذا أبو الأعلى المودودي يقول : -
( وحديثاً قد ثبت لدى الدوائر الرسمية والمؤسسات التجارية في مصر أن النساء الشاغلات لمختلف مناصبها – ويبلغ مجموع عددهن 110 آلاف امرأة ، أثبتت أغلبيتهن عدم جدارتهن لما قمن به من الأعمال ، وليست قدرتهن على العمل أكثر من 55 % بالنسبة لقدرة الرجال .
ومما قد اشتكته معظم المؤسسات التجارية في مصر أن السر عند النساء كالماء في الغربال. وكل ما يحصل في بلاد الغرب من حوادث الجاسوسية لا يكون معظمها إلا على أيدي النساء أو عن طريقهن.) (أبو الأعلى المودودي – الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة ص264)
وإلى جانب ما يحتويه هذا الكلام من عدم موضوعية تصل إلى حد الوقاحة ، لحصر الجاسوسية في النساء أو طريقهن وتعميم ذلك ، مما يندرج تحت الدعاية الرخيصة ، التي يلجأ إليها دعاتهم في محاولة لتزييف الحقيقة، فإن " المودودي " لا يقول لنا من أين حصل على مثل هذه الإحصائية لعدد النساء العاملات ، وقدرتهن على العمل بالنسبة للرجل ، فإحصائية من هذا النوع أو قياس تقريبي من هذا النوع ، لايرد إلا في إطار رفض عمل النساء ... لا الإقبال على تشغيلهن كما كان يحدث في الفترات السابقة من تاريخ مصر ، الذي يفترض أنه نفس زمن كتابته للادعاء السابق ، حيث توفى المودودي قبل صعود الجماعات الإسلامية في مصر في السبعينيات وما صحب ذلك من حملة دعائية مكثفة قاموا بها ضد النساء ، لقد كتب المودودي نصه السابق في فترة كانت المرأة المصرية لا تزال تناضل من أجل الخروج إلى العمل ، وبذل مجهود كبير في إطار الإبداع وإثبات الذات ، وربما تلك الأخبار لم تصل المودودي في باكستان بسبب صعوبة المواصلات ، أو أنه أراد أن يستغل جهد أهل باكستان بشئون مصر البعيدة فأفاض في الحديث عنها ... أما أن تعيد الجماعات الإسلامية طباعة مثل هذا الكلام لنا في مصر ، فهو شيء يدعو إلى الرثاء ...!!!
ثم إن المودودي لم يوضح ما هي أنواع العمل التي يشغلها هؤلاء النسوة ، أهي أعمال قيادية وهو ما لم يتحقق في مصر حتى الآن بمثل هذا العدد الكبير ... أم أنها أعمال مادية وصغيرة مما لا يدفع المسئولين إلى مثل هذا الصراخ الرسمي الذي يتردد في باكستان ولا يتردد في مصر ...؟
وهل هؤلاء النساء موظفات أم عاملات أم غيره … ؟ إن إغفال المودودي لذكر مصدره ، والطريقة الديماجوجية التي استخدمها تجعلنا نشك جملة وتفصيلاً في الحديث.
وخصوصاً أن الباحثين في قضية عمل المرأة لم يسمعوا عن تلك الإحصائية ، وإلا لأقدموا على استخدامها في أبحاثهم التي كثيراً ما تشكو من نقص المسح الميداني ، وفي الحقيقة أنه إذا قام جهاز أو جماعة أو فرد بمثل هذا الإحصاء المقارن بين قدرات النساء وقدرات الرجال ، فإنه سيكتشف أبعاداً أخرى للموضوع يلمسها أي ملاحظ للوضع : -
1ـ لا يمكن وضع كل أنواع العمل سواء كانت تخص الرجال أو النساء في سلة واحدة ... وأن عملاً كهذا لا يعمد إليه إلا من يضع هدفاً مسبقاً لإصدار حكم تعسفي على طريقة دعاية الجماعات الإسلامية.
2ـ " تشير الإحصائيات إلى أن عدد النساء العاملات في مصر قد قارب حالياً المليونين ، وهن يمثلن 15% من إجمالي القوى العاملة في القطاعين العام والخاص ، وأن العدد في ازدياد مستمر وبمعدل يصل إلى حوالي عشرين ألف عاملة سنوياً ، وبلغ عدد شاغلات الوظائف العليا ( وكيل أول ، وكيل وزارة ، ومدير عام ) عام 1981م بالكادر الحكومي والقطاع العام 172 سيدة ...
وبلغ عدد السيدات اللائي يشغلن مناصب أعضاء هيئة التدريس ومعاونيها بالجامعات عام 1983 / 1984م منصب ( أستاذ – وأستاذ مساعد – ومدرس ) 2227 سيدة بنسبة 20.5% .
( منصب معيد - ومدرس مساعد ) 4724 سيدة بنسبة 30.4% " ( إقبال بركة – تأثير الفكر العربي المعاصر على حركة المرأة، بحث مقدم إلى المؤتمر الأول لجمعية تضامن المرأة العربية.)
وتلاحظ محيا زيتون في بحث "نحو أساس موضوعي لتقييم دور المرأة العربية في النشاط الاقتصادي" أن:
( نسبة مساهمة النساء (ربما فيهن العواطل) في النشاط الاقتصادي منخفضة أصلاً انخفاضاً كبيراً ، وإذا كانت نسبة العواطل في قوة العمل مرتفعة إلى هذه الدرجة فيؤكد هذا ، المكانة المتدهورة للمرأة في النشاط الاقتصادي.
فجملة نصيب المرأة من قوة العمل بالنسبة لعدد العاملين في كافة القطاعات 7.4% في حين أن المعدل العالمي هو 48%.
ثانياً : إن نوع العمل الذي تشغله النساء يتركز في ثلاث قطاعات رئيسية هي الزراعة والمهن والخدمات، وإذا أخذنا قطاع المهن مثلاً لنعرف المكانة التي تحتلها عمل المرأة فيه فعلياً فسنجد أن 62.2% من المدرسات يعملن بالمدارس الابتدائية مقابل 42.6% من المدرسين ، 29.9% بالمائة من المدرسات في المرحلة الإعدادية والثانوية مقابل 46.4% من المدرسين :
"إن الرجال يمثلون 94.8% بالمائة من المهندسين بينما يمثل النساء 5.2 بالمائة فقط.) - (محيا زيتون – نحو أساس موضوعي لتقييم دور المرأة في النشاط الاقتصادي – بحث مقدم إلى مؤتمر جمعية تضامن المرأة العربية.)
وهكذا كلما ارتفعت المهنة واحتلت مكانة أعلى في السلم الاجتماعي فسنجد أن الرجال هم الذين يسيطرون عليها ، أما النساء فإما أنهن يشغلن نسبة ضئيلة جداً ولا تكاد تمثل شيئاً بالمقارنة مع زملاء العمل من الرجال ... وإما أنهن لا يتواجدون أصلاً في تلك المهنة ...
" ويمكن القول أن الانخفاض الشديد في أجر المرأة بالمقارنة بالرجل قد يرجع أساساً إلى تركز النساء في الوظائف الدنيا داخل المهن المذكورة ... ففي الطب مثلاً حيث أجر المرأة يبلغ 20 بالمائة من أجر الرجل – يرجع التباين إلى أن النساء يمثلن أغلبية في مهنة التمريض ذات الأجر المنخفض ، بينما الرجال يمثلون أغلبية في الطب. "
لهذا فالتفاوت الشديد يعكس موقع الغالبية من النساء في الوظائف الدنيا من جهة ، وأيضاً الهيكل الوظيفي الهرمي البالغ التدرج والذي يقابله هيكل مماثل للأجور .
وإذا كانت النساء تشغلن تلك النسبة الضئيلة من قوة العمل ، ويتركزن في أدنى درجات السلم الاجتماعي ويقل عدد المشتغلات كلما تدرجنا إلى أعلى ...
فلماذا تعمم دعاية الجماعات الإسلامية الحديث عن المرأة مسببة البطالة ...؟
في نفس الوقت الذي تقنن فيه أدبياتهم لتركيز قوة عمل النساء في أدنى درجات السلم الاجتماعي ، ومناهضة أية إمكانية لترقي المرأة أو تدرجها في المناصب القيادية : -
" أجمع الفقهاء الأقدمون على أن المرأة لا تتولى الإمامة الكبرى " الخلافة " لقول الرسول : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ، ولأن هذه الوظيفة تتطلب الاختلاط بالرجال والخلوة معهم ومفاوضتهم وهذا محرم شرعاً ولأسباب تتعلق بتكوين المرأة نفسياً وجسدياً.
وأما ما عدا ذلك من الوظائف فالشأن فيها مختلف بين الفقهاء فمنهم من يرى أن المرأة لا تكون وزيرة مشيرة ، لأن ذلك مدعاة للعجز والفساد ، ومنهم من يرى أن المرأة محظور عليها شرعاً أن تكون قاضية لأن ذلك يتطلب كمال الرأي وهي ناقصة العقل. " ( محمد علي قطب – بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم – ص95)
ويؤكد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين على هذا المعنى بقوله : -
" فمهمة المرأة زوجها وأولادها .. أما ما يريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهن بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء ، لم يحسنوا أداء هذا الحق ، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين. " ( حسن البنا – حديث الثلاثاء ص370)
والأمر لا يقتصر لديهم على احتكار وظائف الإمامة والوزارة والقضاء وغيرها من الوظائف ذات الشأن الاجتماعي بل إنهم يريدون حرمان النساء من الحقوق السياسية ، وأن تظل المجالس النيابية مقصورة على الرجال فقط .
فلا يحق لامرأة تبعاً لذلك ترشيح نفسها في انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات المحليات أو حتى في الانتخابات النقابية .. وإذا كان " البنا " في النص السابق يحرم على النساء الاشتغال بالمحاماة ويسمي أنصارها بأصحاب الهوى ... فما بالنا بموقفهم من وجود المرأة في المجالس النيابية ومختلف روافد الحياة السياسية ؟
لقد خاض الإخوان المسلمون تجربة الانتخابات البرلمانية " مجلس الشعب " لدورتي 1984 ، 1987. بالتحالف مع حزب الوفد في المرة الأولى ، ومع حزبي العمل والأحرار في المرة الثانية . وفي كلتا المرتين لم يقدم الإخوان وجها نسائياً واحداً .. حيث كان جميع مرشحيهم من الرجال .. وليس هذا صدفة أو دون قصد فموقف " حسن البنا " في النص السابق واضح ، ومواقف جميع كتاب الجماعات الإسلامية تؤكد على أن مجلس الشورى والحكم هي للرجال فقط …
وإذا كانت قائمة حزب الوفد قد ضمت وجوها نسائية في دورة 1984 فهي وجوه وفدية .. أما قائمة التحالف في انتخابات عام 1987 فلم تضم سوى سيدة واحدة هي عزيزة محمد علي سند " أمينة المرأة بحزب العمل لمحافظة الجيزة " ومن الملاحظ أنه برغم وضعها القيادي بالحزب ، وبرغم أنها المرأة الوحيدة في القائمة إلا أن الجريدة الشعب تجنبت إبراز أي نوع من الدعاية لها ، فلم تهتم بتقديمها لجمهور القراء وتعريفهم بنشاطها وأفكارها – إذا كان لها نشاط – حتى لا تغضب حلفاء الحزب من الإخوان المسلمين، ولزمت هذه السيدة الصمت أو فرض عليها في المؤتمرات الجماهيرية التي انعقدت بالدائرة...
ويردد البعض أن المستشار مأمون الهضيبي رأس قائمة التحالف والعضو البارز بمكتب الإرشاد للإخوان المسلمين ، قد رفض جلوسها بجواره إلى المنصة في أحد المؤتمرات ، وحاولت جريدة الشعب احتواء الموقف بنشرها تكذيب للخبر : " في المؤتمر الذي عقده مرشحو الحزب في أم المصريين في الأسبوع الماضي نفت هذا الادعاء وأعلنت أنه محض افتراء وكذب وقالت إنها لأول مرة تتقابل معه وهو ما يدل على الفبركة غير المحبوكة لصحيفة " مايو " . "
ولم تنشر الجريدة في الرد صورة للمنصة أثناء المؤتمر ... بل نشرت صورة المأمون الهضيبي وهو يسلم على السيدة ، ويتضح أنه قد تم تصويرها بعد المؤتمر في محاولة لنفي ما تناقلته الصحف ودفع الحرج الذي يمكن أن يترتب على ذلك أثناء الحملة الانتخابية .
ذلك أن الهضيبي يعلم – كما يعلم إخوانه المسلمون – أنهم يدخلون مجلس الشعب بأصوات النساء والرجال معاً ..
وأنهم إذا كانوا يهاجمون منح المرأة حق الاقتراع ويشهرون بنضالها وتاريخها من أجل الحصول على هذا الحق وغيره ، فإنهم أول من يبادر إلى استغلاله الآن ، بل واستجدائه أيضا بالتوجه إلى الأخت الناخبة ... صورة معقدة من النفاق والتعالي عليها والاستغلال لها في وقت واحد ...!!!
وتكرر الأمر أثناء عدة انتخابات نقابية : -
نقابة المهندسين والأطباء والمحامين وغيرها من النقابات التي نزل فيها الإخوان المسلمون بقائمة يطلقون عليه القائمة الإسلامية وتحمل شعار " الإسلام هو الحل " وكانت جميعا تخلو من أي وجه نسائي.
في نفس الوقت الذي يناشدون عضوات هذه النقابات بانتخابهم ...!!!
وتمنح النساء الفرصة لمن يبغي القضاء عليهن ، وتحجيم وضعهن ودفعهن إلى الهوامش ، دون وعي منهن لحقيقة المضير الذي ينتظرهن على أيدي هؤلاء القادمين تحت شعار " الإسلام هو الحل " .
وبينما تغط الأحزاب والقوى السياسية الأخرى في نوم عميق ولا تفطن إلى خطورة ما يحدث في تلك اللعبة الانتخابية المتكررة في المواقع السياسية والنيابية المختلفة .. حيث تساهم تلك القوى في صعود عدوها ... تقطف الجماعات الإسلامية ثمار هذه المعارك موقعاً إثر آخر ... وبصوت المرأة الذي تختار به هذه الجماعات وتقول نعم لوجودهم ... فإنها في الحقيقة تقول نعم لتهميش وضعها داخل هذا الموقع السياسي تمهيداً لطردها منه ... تقول نعم لإلغاء كل حقوقها السياسية والاجتماعية ... تقول نعم لاضطهادها ...
نعم لتحويلها إلى الأعمال الدنيا في السلم الاجتماعي ... ذلك أن كل المعركة المفتعلة ضد القوانين الحديثة والضجيج المثار حول خروجها للعمل هو من أجل سحب حقوقها السياسية والاجتماعية وإلغاء كل المكاسب التي حصلت عليها بنضالها السابق، والتي أصبحت تشكل عبئاً على المجتمع في أزمته الحالية...
ومن الطريف أن يسأل شخص إحدى الصحف الإسلامية عن حكم انتخاب المرأة ...
وأجاب عليه أحد الشيوخ بمقدمة إنشائية طويلة تعني نتيجتها أن انتخاب المرأة لا يصح في الإسلام : -
"عنى الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل في بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم . وفي حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين ، فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة . ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيئه لها طبيعة الأنوثة وما تحسه ..
حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأماً مربية وربة منزل مدبرة ، وكانت دعامة قوية في بناء الأسرة والمجتمع .
وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة . وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان . وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان ، فحرم على الرجل الأجنبي الخلوة بها والنظرة العارمة إليها .
وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها وأن تخالط الرجال في مجامعهم وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم وأعفاها في الحج من التجرد للإحرام ، ومنعها الإسلام من الآذان العام وإمامة الرجال للصلاة والإمامة العامة للمسلمين وولاية القضاء بين الناس ، وأثم من يوليها ، بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة ، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش ، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها .
وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية في عهده – يقصد النبي – ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا في عهود من بعدهم من الملوك والأمراء ، ولا حضرت مجالس تشاوره مع أصحابه المهاجرين والأنصار . ذلك شأن المرأة في الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية . " ( اللواء الإسلامي العدد 295 الخميس 17 /9 /87 السنة السادسة ص9 )
ومعنى كلام الشيخ بوضوح شديد أن لا يحق للمرأة أن ترشح نفسها في انتخابات عامة ، ولا يحق لها أن تمثل في أي من المجالس النيابية …
ويذكرنا هذا الحديث بما أصاب المرأة الإيرانية بعد الثورة الخومينية عام 1978م حيث تذكر الكاتبة فرح إزاري أنه في بداية الأحداث " دخلت المرأة مجال الكفاح المسلح فشاركت بأعداد كبيرة في الانتفاضة ، سواء كقوات مساندة أو في توفير الطعام والدواء أو كمحاربة وراء المتاريس من خلال منظمي فدائيي ومجاهدي الشعب . "
لكن بعد ذلك بدأت مواجهات الخومينيين مع النساء سافرة : -
"في مجال المهن القانونية بدأ رجال الدين ، الذين تم تعيينهم في مناصب بارزة في وزارة العدل في شن حملة ضد ممارسة النساء لأعمال القضاء ، وفرضوا إلغاء برامج التدريب لخريجات كليات الحقوق ، ورداً على ذلك تشكلت جمعية النساء المحميات لتقوم بحملة احتجاجية ضد تلك الضغوط وقد تبين نوايا السلفيين في العمل على تصفية وجود المرأة في كل نواحي العمل القانوني .
وكان اتحاد المحميات من أبرز المنظمات النسائية المهنية ، وقام بتنظيم العديد من الاعتصامات والأعمال الإحتجاجية الجماهيرية كما كان يتمتع بتأييد القوى الديمقراطية واليسارية . ولكن ما لبثت أن تحولت قضية المرأة المحامية إلى مجرد قضية جزئية صغيرة وذلك في ظل الحملة اللاحقة التي استهدفت تصفية المؤسسة القضائية المدنية برمتها .
وبالتالي ضاع كفاح المحاميات في وسط دمار مهنة المحاماة ذاتها. "
وحجة الإسلاميين التي يحاولون إقناعها بها أن المرأة لا تعمل بالمحاماة والعمل السياسي بسبب ضعفها العقلي والنفسي ، هي حجة مردودة بنتائج العلم الحديث التي تثبت أنه لا خصائص طبيعية لعقل الرجل أو عقل المرأة يمكن أن يولد بها الإنسان ولكن نسق القيم السائد في المجتمع هو الذي يشكل الخصائص المميزة لكلا الجنسين .
وكم من نساء تولين أمر القيادة وأثبتن صلاحيتهن ليس في التاريخ الحديث فقط ، بل وفي تاريخهم أيضاً سنجد نموذج زينب الغزالي التي تلقت " أول رسالة من الإمام الشهيد تكليفاً بالوساطة بين النحاس والإخوان ، وكان رفعة مصطفى باشا النحاس خارج الحكم حينذاك وحدد النحاس المرحوم أمين خليل للقيام بإزالة سوء التفاهم ورضى به الإمام الشهيد وكنت أنا حلقة الاتصال... " (زينب الغزالي – أيام من حياتي)
ثم تعلق على ذلك قائلة : -
" ما يربطني بمصطفى النحاس هو الصداقة الشخصية " .
فكيف يكلفها البنا بلقاء صديقها النحاس لتصفية خلاف سياسي وهو الذي يحرم الاختلاط بالرجال والخلوة معهم ومفاوضتهم حتى أن أحد اتباعه يؤكد أن هذا محرم شرعاً ولأسباب تتعلق بتكوين المرأة نفسياً وجسدياً.
فهل كانت زينب الغزالي التي تزور اللواء محمد نجيب بصحبة الأمير عبد الله الفيصل قبل الانقلاب بأيام، والتي تزور الشيخ محمد الأودن أحد شيوخ الأزهر وتسمح له بأن يقبل رأسها وتلتقي منفردة مع عبد الفتاح إسماعيل – أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين – في غرفتها بالباخرة ثم تلتقي به خلف مبنى زمزم بمكة ، وكان كثير التردد على منزلها ...
فهل كانت زينب الغزالي في كل ذلك خارجة على تعاليم الإسلام ؟ أم أنها من جنس غير جنس النساء الذي يصفونه بنقص العقل … ؟
إنني لا أذكر ذلك تعريضاً بزينب الغزالي وسلوكها الشخصي لأني أفهم أن المرأة كاملة الأهلية وقادرة على أن تكون مفاوضة سياسية ناجحة ومناضلة وقائدة قوية ، بحكم ما تملك من قدرات إنسانية مساوية للرجل …
ولكني أذكر ذلك فقط في مقابل تحريم الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين خصوصاً ، لاختلاط النساء بالرجال ... وإشراكهن في الحياة العامة .
فإما أن تكون دعايتهم المعلنة تختلف عن السلوك فيقولون ما لا يفعلون ، وإما أن تكون أفعال زينب الغزالي مجرمة لديهم ، وهو ما لم نسمع عنه ، فهم يقدمونها دائماً على أنها نموذج الأخت المسلمة .
ونعود إلى النصوص السابقة التي تتحدث عن اشتغال المرأة بالعمل خارج البيت ، فنلاحظ أن القاعدة الصلبة التي يحاول الدعاة الإسلاميون التأكيد عليها هي تحريم عمل النساء وأن " البيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أراد الله تعالى – غير مشوهة ولا منحرفة... "
تلك القاعدة الصلبة ليست هي النهاية، ذلك أن كل النصوص بعد تجريمها لعمل المرأة تفتح ثغرة واضحة تشير إلى إمكانية عمل النساء مع إحاطة تلك الثغرة بشروط ، فسيد قطب يقول : " إن خروج المرأة لتعمل كارثة قد تتيحها الضرورة " . ( سيد قطب – السلام العالمي والإسلام ص54 )
" لا تنزل المرأة إلى ميدان العمل من أجل الرزق إلا في أضيق الظروف والحالات الضرورية . " (د. محمد البوطي – إلى كل فتاة تؤمن بالله) وحسن البنا يحرم عليها " حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة " والفقهاء يجمعون على عدم توليها المناصب الهامة .
وقد يهلل بعض الإصلاحيين ويتخذ من تلك النصوص دليلاً على تسامح أيديولوجيا الجماعات الإسلامية وأنها لم تسد الطريق تماماً أمام عمل النساء ونحن نقول لهم : -
نعم أنهم يسمحون بعمل المرأة ، حتى هؤلاء المتشددين من أمثال أبو الأعلى المودودي وابن تيمية ، وحتى لدى أكثر الجماعات تشدداً من فريق الجهاد وغيره ...
نعم يسمحون بعمل المرأة ولكن بعد ماذا ... ؟
ـ بعد تجريدها من الحقوق السياسية كحق الانتخاب والترشيح وحقوق الترقي حتى المناصب القيادية .
ـ وبعد تجريدها من الأسلحة التي يمكن أن تدافع بها عن شروط أفضل للعمل كحق الإضراب والتظاهر، فإذا كانوا يحظرون تلك الحقوق على الرجال فما بال موقف النساء إذن ... ؟
إنهم يصفون النساء المشتركات في أي تظاهر أو إضراب بالسافرات الفاجرات كما رأينا من قبل .
ـ ثم يسمحون بعمل المرأة بعد تحديد وظائف بعينها للنساء ، كطب النساء والتمريض والتدريس والحياكة والتطريز ، ولا يخفي على أحد أن تلك الأعمال ذات طابع خدمي وهي تصنف في أدنى السلم الاجتماعي للبرجوازية ، فإذا كانت تتطلب قدراً من التعليم فهو تعليم نوعي يختلف عن نوع التعليم الذي يتلقاه السادة الرجال ...
ولذلك نجد أن حسن البنا يطالب بـ " إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم . "
ونوع التعليم المفضل هو الذي يؤهل بعض النساء لأن يكن خياطات زوجات الزعماء وهوانم الإسلاميين. ولأن يكن طبيبات وممرضات هؤلاء النسوة .
وكان من آخر تقاليع الجماعات الإسلامية إنشاء مستشفى لعلاج المسلمات فقط " محظور دخولها على الرجل الطبيب أو الممرض الرجل ، أو حتى الطبيبة إذا كانت بغير نقاب أو حجاب … "
ويعلن صاحب المستشفى بلا أي خجل أنه إذا كان " بعض الأطباء يعتقدون أن الهدف من الفكرة هو الربح، أقول لهم إن كان الربح هو الهدف ، فهذا لا يتعارض مع الإسلام . " ( حسن البنا – أصول دعوة الإخوان المسلمين – الرسائل الثلاث – ص120)
وقد ثارت ثائرة الأطباء لما يعني ذلك من التشكيك في مهمتهم كأطباء وفي سلوكهم كبشر ، ولما في ذلك من تهديد لسوق الأطباء ومدى ما يحققونه من ربح في جانب طب النساء …
لكن نقابة الأطباء لم تتحرك ، في ظل مجلس نقابة تسيطر عليه الجماعات الإسلامية ، ويحمي مصالح الجماعات الإسلامية .
وفي المهن الأخرى نلاحظ انتشار ظاهرة تحديد جنس الذكور في إعلانات شغل الوظائف الفنية والمهنية المتخصصة ، ففي السنوات الأخيرة تتصدر معظم إعلانات طلب المحاسبين والمهندسين وغيرها لافتة للذكور فقط ، كما تقتصر البنوك والشركات الإسلامية على تشغيل الذكور في تلك المهن ، وحصر عمل النساء في مهن أخرى كالتدريس والتمريض وغيرها من المهن الخدمية ذات الشأن الاجتماعي الأقل .
وخصوصاً بعد افتتاح مدارس خاصة للبنات لا يشغل وظيفة التدريس فيها سوى المدرسات ... والجماعات الإسلامية تطالب بأن يكون التعليم فيها نوعياً ، فلا حاجة لتعليم البنات الهندسة أو الكيمياء مثلاً .
ومن الظريف أن إيران قد طبقت بعد الثورة الخومينية هذا النظام فكانت نتيجته ...
"منع المدرسين من التدريس بمدارس البنات ، تركت مواد كثيرة في تلك المدارس ـ كالرياضة والعلوم ـ وفي مجال التعليم العالي ، وبعد أن منعت المرأة من دراسة الحقوق وانتشر الحديث أيضاً عن منعها من دراسة الرياضة والعلوم الهندسية . كما سعى النظام إلى تعديل الكتب الدراسية ليتم تخصيص كتب دراسية مختلفة للفتيات عن تلك التي للصبية ، فيصرح وزير التعليم أن احتياجات التعليم للفتيات تختلف عن الصبية فينبغي زيادة تعليم الحياكة للبنات والإقلال من الرياضة والعلوم والكيمياء ..
وفي المجال القانوني كان لإلغاء قانون حماية الأسرة تأثيره على وضع المرأة تأثيراً بالغاً . كما فرضت على المرأة قوانين أخرى وحشية تسمح للسلطات بتوجيه الاتهامات الجزافية للنساء وتوقيع عقوبات الجلد والرجم والإعدام لأقل الشبهات وكثيراً ما ألصقت المحاكم تهماً تتعلق بالجنس بالنساء المناضلات لتبرير الحكم عليهن بالإعدام .
وهذا ما يريده لنا حسن البنا وباقي الدعاة الإسلاميين ، يريدون حرمان النساء من الحقوق السياسية، يريدون تعليماً نوعياً يخدم حاجات زوجاتهم وأبنائهم وليس هذا فقط ، بل ـ وهذا هو الأهم ـ يفصح شرط الحاجة الذي يضعونه لعمل المرأة عن هدف استغلال المرأة الفقيرة ـ وهي القاعدة العريضة والمتعاظمة العدد في ظل نظلمهم الطبقي ـ وتحويلها إلى أيد عاملة رخيصة تحت أقسى وأسوأ ظروف للعمل .
يقول إبراهيم النعمة في كتابه العمل والعمال في الفكر الإسلامي :
" ومع ذلك فإن من حق المرأة إذا أرادت العمل أن تعمل ، ولكن في عمل يتناسب مع ظروفها وطبيعتها ، مثل الصناعات ولها أيضاً أن تعمل ، خارج بيتها وإن كانت حاجتها للعمل ماسة خاصة إذا كانت تعين صبية صغاراً ليس لهم من ينفق عليهم . "
فشرط عمل المرأة في الفكر الإسلامي أن تكون امرأة تحت خط الفقر ، لا تملك ما تأكله هي ومن تعول.. لا تملك ما تغطي به جسدها ، لا تملك أن تفكر في شيء سوى الحصول على لقمة العيش ، أو الحد الأدنى من لقمة العيش ... عند هذه الدرجة من الحاجة الماسة التي لا تسمح لها بأن تفكر أو أن تختار شروطاً أفضل للعمل والحياة ... عند هذه الدرجة التي لا تجعلها تشعر حتى بآدميتها ، يمكن فقط أن يسمح الفكر الإسلامي للمرأة أن تنزل ميدان العمل : ذليلة ... ضعيفة ... مذعورة .. تتلفت حول نفسها.. تنظر إلى ثيابها الرثة فتشدها حتى يمكن أن تغطي أعضاءها الموصومة بالحرمة في نظر السادة الإسلاميين .
"فإن كان من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة ومن واجبها أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها ، لا أن يكون هذا نظاماً عاماً ، من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه.
والكلام من هذه الناحية أكثر من أن يحاط به ولا سيما في هذا العصر الميكانيكي الذي أصبحت فيه مشكلة البطالة وتعطل الرجال من أعقد مشاكل المجتمعات البشرية في كل شعب وفي كل دولة "
وهكذا تنزل المرأة ميدان العمل نعم ...
ولكن ليس في كل الميادين فليس مسموحاً لها أن تخترق الميادين ذات الشأن الاجتماعي ولكن أن تعمل في المجالات التي تمكن هذا المجتمع الإسلامي الفاضل من تكثيف درجة استغلالها كيد عاملة تقبل سعراً أقل وساعات عمل أكبر وظروفاً أسوأ ...
وسواء كانت الصناعات منزلية كأنواع الحرف في التطريز والحياكة التي تخدم حاجات السيدات المسلمات من الطبقات الأعلى ... واللاتي يخدمن بدورهن قيماً استهلاكية وجنسية ويرضين حاجة السيد الرأسمالي المسلم صاحب الزوجات الأربع ، وربما المئات من الجواري .
كما حدث حينما طلبت " لبيبة أحمد " بتطبيق أفكار الإخوان المسلمين في تشغيل النساء الفقيرات (بتعليمهن حرفة يكتسبن منها ، على أن تباع منتجاتهم في داخل النادي نفسه – نادي السيدات – للعضوات كالملابس المحاكة أو المطرزة والمربى والمخللات...)
فكل ما تفتق عنه ذهن هؤلاء السادة والسيدات الخيرين جداً هو استغلال فقر النساء الفقيرات ... بتشغيلهن في أعمال خدمية ، تدعي صونهن والمحافظة على أجسادهن بينما هي في الحقيقة تكرس لطحن هذه الأجساد بمزيد من العمل ...
وإذا كانت الحاجة لبيبة قد طلبت في مجلتها بأن ( تؤلف النساء في كل مديرية جمعية نسائية تحصر عدد الأسر الفقيرة في المديرية : ومحاولة إرشادهن إلى وسيلة لرفع مستواهم الاقتصادي بتدريب إناثها على حرفة كالحياكة أو التطريز أو صنع بعض المأكولات وتسويقها)
فأن الرأسمالي الإسلامي سيفتح مصانع خاصة للنساء يحافظ فيها على أجسامهن بطحنها في العمل وتحقيق فائض القيمة وإحداث تراكم رأسمالي سريع ومكثف لصالحه ، هذا في أحسن الظروف فترى من يراقب هذا السيد الرأسمالي داخل مصانعه ، ومن يدري إذا ما كان استنزاف قوة العمل هو الاستنزاف الوحيد أم أنه يتم أيضاً داخل مصنعه الإسلامي استغلال من نوع آخر .
ففضيلته التي تتركز حول مبدأ الفصل بين الرجال والنساء باعتبار أن الاختلاط مبعث المفاسد والمباذل الاجتماعية ( يرى الإسلام في الاختلاط بين الرجل والمرأة خطراً محققاً) لا تتناقض بداخله مع مبدأ امتلاكه لرأس المال .. وتكوين المصانع وإعطائها أقل أجر ممكن .
ثم وفي نفس الوقت الضرب بيد من حديد على أية محاولة للمطالبة بالحقوق ... لأن السيد الإسلامي يحرم حق الإضراب وحق التظاهر وحق دخول النقابات والاشتراك في الانتخابات وانتزاع الحقوق السياسية من النساء .
إن من بين مئات الكتب التي طبعتها الجماعات الإسلامية لتدين المرأة المعاصرة وتنادي بعدم اختلاطها بالرجال من بين آلاف الخطب التي يلقيها دعاتهم لتؤكد على حق الرجل كسيد قوام – ومن باب أولى الرجل الغني في المجتمع الإسلامي – لا حديث عن وسيلة واحدة تدافع بها المرأة الفقيرة التي سمحوا لها النزول إلى سوق العمل وإلى بيع قوة عملها – مصورين لها ذلك على أنه مطلق السماحة والعدل – لا حديث عن وسيلة واحدة تدافع بها عن حقوقها ضد الاستغلال المكثف . ذلك لأنها وبمقتضى تلك القوانين الإسلامية يجب أن توضع بين فكي الرحى لتعتصر مرة لأنها امرأة ، وأخرى لكونها امرأة عاملة .
إنهم لا يعيبون الاستغلال الرأسمالي للإنسان ، ولكن كل ما يلاحظونه هو ضرورة حصول الرجل في هذا المجتمع الرأسمالي على المزيد من المكاسب فهذا محمد علي قطب يقول في كتابه بيعة النساء للنبي :
" ومع ظهور الآلة في عصر الصناعة والبخار ونشوء المراكز الصناعية ( في أوروبا حيث ظهرت ) وجد العيد من العاملين والعاملات الذين نزحوا من الريف أو المدن الصغيرة طلباً للكسب الكثير وخلفوا وراءهم عائلاتهم وأسرهم . وتم الاختلاط ( المنظم ) وشب في الأعماق الجنسين مارد الغريزة والاتصال المحرم وتم في غفلة من وعي الجبروت الكنسي كسر القيود وتحطيم السدود والانجراف في إعصار الرذيلة . فلو أن التعدد كان ميسورا والطلاق لم يكن علاجاً محظوراً ما حدث ذلك ... " (محمد علي قطب – بيعة النساء للنبي – ص80)
فالكاتب الإسلامي الشهير يغض الطرف عن عيوب النظام الرأسمالي نفسه ... فهو لا يرى شبح الجوع والموت الذي يهدد هؤلاء الناس ويدفعهم إلى بيع عملهم ليشتروا بثمنها خبزاً أسود يقيم حياتها بالكاد ... ويؤجل الموت لبعض الوقت ...
ويغض الطرف عمن يستفيد من هذا الوضع من الرأسماليين الذين حققوا تراكمهم الثروي عبر بؤس وشقاء هؤلاء العاملين والعاملات الذين يصورهم كاتبنا الإسلامي على أنهم بشر طامعون في الكسب والجنس ، فيقدم الصورة وكأن جيوش العاملين والعاملات كانوا في بحبوحة من العيش والتحقق الاجتماعي قبل نزوحهم من الريف والمدن الصغيرة إلى المدن الصناعية ، وأن السيد الرأسمالي الطيب القلب قد هيأ لهم داخل مصانعه وسائل الاتصال الجنسي ( لاحظ استخدامه لكلمة المنظم ) وكان العمال لم يكونوا يذهبون للعمل طوال الاثنتى عشرة ساعة من أجل الحصول على قروش قليلة تشتري الخبز الأسود ، ولكن يذهبون للنزهة وممارسة الجنس ، إنه لا يرى إلا مارد الغريزة وغفلة الكنيسة ، وهو حزين لأن الجبروت الكنسي كان غائباً ، أو غير كاف لسحق عظام هؤلاء العمال والعاملات المختلطين … !!!
وينسى أن الكنيسة لعبت دورها في قمع حركات التنوير والتطور، وينسى تاريخها كمعقل من معاقل الدفاع عن النظام الإقطاعي وعبودية الفلاحين وأقنان الأرض ، ثم دورها كحليف قوي للنظام الرأسمالي الذي كانت تحاربه في البداية ولكنها الآن تؤيده بكل ما تملك من قوة ضد محاولات العمال انتزاع حقوقهم .
وهذا الكاتب الإسلامي لا يرى أن رجال ونساء بلاده أصبحوا أيضاً أيدي عاملة في السوق الرأسمالية الكبيرة ، ولكنه يرى فقط أن المجتمع الإسلامي فقد حل تلك المشكلة بتعدد الزوجات وإباحة الطلاق ، فياله من حل عبقري ينصح الكاتب الغرب باللجوء إليه ليحل جميع مشاكله ... ولكن هذا الحل سيكون في صالح من : -
ـ الرأسمالي صاحب المصنع ، وصاحب الإمكانيات التي تتيح له ، تعدد الزواج واستخدام شتى أنواع المتع وسبلها .
ـ أم العامل النازح من قريته أو من شقوق قاع المدينة بحثاً عن عمل مأجور يغطي به أدنى حاجاته .
ـ أم سيكون لصالح العاملة المضطرة تحت إلحاح الفقر إلى بيع قوة عملها .
صحيح أن مؤسسات الرأسمالي الدينية ستزين للطبقة العاملة مفاهيم مجردة عن الخير والشر ، وتحدثهم باسم الدين عن الفضائل الأخلاقية في الطاعة والرضا بالقليل وتبشرهم بأن خلف عالمهم الدنيوي بكل ما يحمل من استغلال لهم ، سوف يجدون عالماً آخر ينالون فيه ما يشتهون إذا ما صبروا حتى الموت .
وتحت ضغط الفقر والقهر ربما يصدق العمال ويتحملون أقصى درجات المهانة الجسدية والمعنوية ، وربما تستشري بعض الأمراض الاجتماعية فنجد داخل صفوف الطبقة العاملة من الرجال من يرتد على زوجته بالقمع والاستغلال الجسدي ، وسوف نجد بين صفوف العاملات من ترتد على زوجها بالتحايل لاسترداد الحقوق ودفع الاستغلال بالأساليب الضعيفة والملتوية ... وسوف نجد حالات لتعدد الزواج وحالات كثيرة الطلاق ... ولكن تبقى في النهاية مشاكل تلك الطبقة المستنزفة لا يحلها منع الاختلاط أو تعدد الزوجات وإباحة الطلاق ... وتبقى في النهاية فروق جوهرية بين أخلاق الرأسمالي في ثوبه الإسلامي الجديد ، وأخلاق الطبقة العاملة برجالها ونسائها .
فالرأسمالي ينظر لكل شيء بمعايير السوق ، ولا يفكر إلا في حسابات الربح والخسارة لإشباع نهمه إلى التملك والصعود على أجساد هؤلاء العمال بتشغيلهم أكبر عدد ممكن من الساعات بأجر أقل ، وحرمانهم من أسلحة التضامن والتظاهر .
إنه يعلم أن شروط وجوده كرأسمالي وشروط تراكم الثروة في خزائنه لا يتحقق إلا على حساب استنزاف الطبقة العاملة برجالها ونسائها ، ولا تفريق هنا بين الرجال والنساء إلا بمقدار ما تسمح به الظروف من استغلال أكبر وهو غالباً ما يكون في حالات النساء .
ومن هنا يكون تغاضى الكتاب الإسلاميين عن الأمراض الهيكلية الموجودة في المجتمع الرأسمالي واقتراح حل سطحي ، أو تجميل أحد الأطراف الضعيفة – وهو طرف النساء – أسباب الأزمة هو دفاع عن النظام الرأسمالي في حد ذاته ، ورغبة في إزالة معوقات تسيره ونجد هذا المنطق التبريري النفعي واضحاً لا لبس فيه ، في تعقيب حسن البنا على نص الحديث :-
" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الفقر فقال عليه الصلاة والسلام تزوج فتزوج .
ثم جاء إليه ثانية يشكو الفقر فقال له تزوج ، فتزوج .
ثم جاء إليه ثالثاً يشكو الفقر فقال له تزوج ، فتزوج .
ثم جاء إليه رابعاً يشكو الفقر فقال له تزوج ، فتزوج الرابعة وكانت تحسن الغزل فعلمت ثلاث النسوة الغزل والنسيج فانفرجت ضائقة الرجل وصار من الأغنياء لأنه أصبح مدير مصنع تعمل فيه زوجاته. " (حسن البنا – حديث الثلاثاء ص375)
والنص الإسلامي لا يرى في زوجات هذا الرجل إلا عاملات يمكن أن يستغلهن الزوج في جمع الثروة والانتقال إلى صفوف ميسوري الحال .
وحسن البنا يقدم هذا النموذج بفخر شديد داعياً جماهير الجماعات الإسلامية من الرجال إلى الإقتداء به وما لهم لا يقتضون بنموذج يداعب بداخلهم حلم الثراء ويداعب حلم الراحة على حساب من سيتزوجون من النساء .
وقد يرى البعض في نموذج الحديث السابق أن فكر الجماعات الإسلامية لا يمكن أن يستوعب ما بعد هذا الطابع الحرفي فيما يخص العمالة النسائية – حيث يصير الزوج مديراً لعمل زوجاته الأربع في عملية الإنتاج المنزلي حتى يمكن للرجل هنا أن يختلط بهؤلاء النسوة وتشغيلهن طبقاً للقاعدة الإسلامية التي تحرم الاختلاط بين الأغراب من الجنسين تحريماً قاطعاً .
ولكني أعتقد أن الهيكل العام لأيديولوجيا الجماعات الإسلامية التي تشجع الثراء ولا تضع حدوداً للتراكم الثروي يؤكد العكس .
لأن التراكم الذي سينشأ في ظل مجتمعهم الإسلامي ليس بتراكم اكتنازي يغلق عليه صاحبه صندوقاً عتيقاً، ولكنه تراكم توظيفي يدفع فيه صاحبه بأمواله إلى السوق دائماً من أجل المزيد من الأرباح ، طالما أن كل أنواع النشاط تغلف بالغلاف الديني المسمى بالرزق الحلال ، وطالما أنها جميعا تنشد الربح الذي يحتل مكانة عالية في أيديولوجيا الجماعات الإسلامية .
وأفق الرأسمالي الذي يتحرك الآن بمقتضى قوانين دستور إسلامي يشرع له إحداث تراكم أولي على حساب عمل الزوجات من النساء ، فإنه أيضاً يستوعب تكوين تراكم أعلى للثروة على حساب عمل النساء وإن لم يكن زوجات الرأسمالي لأن النساء في النهاية احتياطي اليد العاملة الرخيصة الذي لا يمكنه الاستغناء عنه.
وأيديولوجيا الجماعات الإسلامية التي قننت قاعدة الاستغلال الأساسية في خروج المرأة للعمل عند الحاجة أو الضرورة الماسة ، هي نفسها أيديولوجيا التي تقدم فكرة تخصيص مصانع للعمالة النسائية ، أو ورديات خاصة بهن " ستكون في الغالب هي الورديات النهارية " أو تخصيص عنابر – داخل نفس المصنع – للنساء فقط .
وقد يعتقد البعض أن الحديث السابق هو محض تكهنات أو تحامل على النوايا الإسلامية الحسنة .. ولكن حقائق الأمور هي التي تكشف نفسها ، ففي حديث " للسعد " صاحب إحدى أكبر شركات توظيف الأموال الإسلامية يعدد فيه مشروعاته التي تجاوزت تجارة السيارات بأرباح تزيد على ستين بالمائة ، وتجارة اللحوم والألبان ونباتات الزينة وسلسلة مطاعم هذا بخلاف تجارة الذهب والفضة والمجوهرات وجميع أنواع التجارة العلنية والسرية ، مما ضاعف ثروته خلال ستة أشهر من لا شيء إلى 60 مليون جنيه – كما يعترف هو – في حديثه – المدفوع الثمن بالأهرام – عن طريق تجميع مدخرات البرجوازية الصغيرة والتجارة فيها.
وبفرض تصديقنا لحقيقة نشاطه وحقيقة أرقامه المعلنة ، وهو ما بات محل شك الجميع .
فإن ما أعلنه يدعو للدهشة .... فهذا " السعد " الرأسمالي بعد أن تاجر في السيارات والأثاث والطعام والحلي وكل شيء وبعد أن استغل الرجال والنساء كصغار مدخرين وكمشترين يبيع لهم السلع بأضعاف سعرها خلف ستار التقسيط المريح ... حتى صارت جنيهات هؤلاء الرجال والنساء تلهث خلف سلعه الاستهلاكية ولا تكاد تطولها ...
فإنه يضيف إلى مشروعاته " الخيرية " السابقة مشروعاً " أكثر خيرية " حينما يعلن : -
"هناك مشروع آخر ما زال في دور الدراسة وهو إقامة مشروع إنتاجي ضخم لا يضم إلا النساء فقط لرفع مستوى المرأة المصرية العاملة مع المحافظة على كرامتها وعقيدتها والالتزام بالسلوك الإسلامي السوي... " (الأهرام – مواجهة ساخنة مع رئيس شركة توظيف الأموال الإسلامي ص14- 11/2/1987 حديث تسجيلي)
فالحاج " السعد " الملتزم بالسلوك الإسلامي السوي والملتزم بقوانين السوق أيضاً والذي لا يتورع عن المضاربة بالذهب والفضة وعن التجارة بكل شيء هو نفسه الذي يشتري قوة عمل النساء باسم الحفاظ على كرامتهن ...
وهذا ليس جديداً على طبيعة السوق الرأسمالية فمنذ دخول الصناعة إلى مصر والعمالة النسائية تستخدم... ولكن الفارق الخطير الذي يضيفه السعد باسم الإسلام هو في تحقيق العزل بين النساء والرجال ...
وباسم الإسلام أيضاً لن يكون من حق هؤلاء العاملات بمصنع " السعد " الرأسمالي الإسلامي أو بمصنع الشريف وغيره المطالبة بأي حقوق نقابية وسياسية كما اتضح من الأحاديث السابقة لزعماء الجماعات الإسلامية التي تهاجم حق المرأة في الاشتراك في الإضراب والاعتصام والتظاهر وكافة أشكال العمل العام .
وإذا كانت العاملات قد شاركن زملائهم العمال في إضرابات مصانع كفر الدوار والمحلة وشبرا الخيمة فإن الرأسمالي الإسلامي سوف يشغلهن في نفس الصناعات : ( الغزل والنسيج – مصانع التريكو – مصانع التفصيل الآلي – الصناعات البلاستيكية – صناعات الأغذية وغيرها من الصناعات ) مع محاولة سحب أو طمس أو إلغاء هذا التاريخ النضالي مما يسهل عملية تكثيف الاستغلال الرأسمالي وبينما تتصاعد الشكوى من فوضى السوق ومن دور الشركات الإسلامية في تجارة العملة وزيادة حدة التضخم والركود...
لم يجد هذا الرأسمالي الإسلامي نفسه سبيلاً للدفاع عن المرأة سوى في قطف ثمار كل الأزمات التي شارك في صناعتها والتي أدت إلى إفقارها الشديد وزحفها إلى أبواب مصانعه ، ليتحول جسدها الذي طالما هاجمته الجماعات الإسلامية وقيدته بشتى أنواع التحريمات إلى ترس في آلته ... وثروة تملأ خزائنه .
الفصل الرابع
ملكة على عرش من الأشواك
البيت مملكة المرأة وهي ملكته المتوجة .. تعيش فيه مكرمة ودرة مكنونة ...
"والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى – غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة " (لجنة النشاط الثقافي والسياسي بكلية الطب البشري – جامعة الإسكندرية – ص19)
هكذا تروج الجماعات الإسلامية وسط النساء وتعدهن بأنها سيجدن أنفسهن على حقيقتها .....
وربما يداعب هذا الوعد خيال الكثير من النساء المرهقات بالأعباء والتعب والعمل فيذهبن مع الحلم بعيداً ويصدقن أن البيت هو الفردوس المفقود وأن الزواج على طريقة " الجماعات الإسلامية " هو حل لجميع المشكلات المتراكمة في الخارج والداخل ...
ولكن ما هي حقيقة المعاملات داخل تلك المملكة التي تعدهن بها الجماعات الإسلامية ...
كيف ستجد المرأة نفسها فيه – على حقيقتها – كما يقولون ؟
كيف ستعامل الزوجة الزوج … وكيف سيعاملها هو ؟
هل يمكن أن تفصح الدعاية عما هو أكثر من الوعد بالفردوس الحسن … ؟
إن كتابات الجماعات الإسلامية تتناول العلاقة الزوجية على أنها شركة لكل طرف فيها وظيفة ، ولكنها شركة لا تبنى على رغبة الطرفين وإرادتهما بل رغبة الرجل وإرادته .
( الرجل له أن يزوج نفسه أما المرأة فليست حرة تمام الحرية في هذا وتزويجها في يد أوليائها والذي لا شك فيه من وجهة نظر الحديث الشريف – الأيم أحق بنفسها من وليها – و – لا تنكح البكر حتى تستأذن – إن رضا المرأة ضروري لإتمام الزواج ولا حق لأحد في تزويجها خلاف ما ترغب ، إلا أنه لما كان زواج المرأة يتصل اتصالاً وثيقاً بمصلحة العائلة ، فإن القرآن يريد ألا تكون رغبة المرأة وحدها كافية في هذا الأمر ، بل أن يكون لرأي رجال عائلتها – إلى جانب رضاها – نصيب منه . ) ( أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين – ص87)
هكذا يؤكد المودودي في صراحة أن الرجل هو الذي يزوج نفسه، وأن الرجل الأب هو الذي يقرر حسب مصلحة عائلته ، أما المرأة فليست حرة في تقرير شأن مستقبلها وموافقتها هي موافقة التابع وليس صاحب الأمر .
وإذا تزوجت ودخلت مؤسسة الأسرة كيف ستكون العلاقة بينها وبين الزوج ... كيف ستسير الأمور ومن المتصرف فيها ... ؟
تتحدث نصوص الجماعات الإسلامية عن تلك العلاقة وبلا أية مواربة على أنها علاقة رئيس ومرءوس ، فيقول " البهي الخولي " : -
( إن قول الله سبحانه وتعالى " وللرجال عليهن درجة " يجعل الرياسة للرجل لا للمرأة ... وذلك هو مقتضى العقل وطبيعة الأشياء ومن مظاهر تلك الدرجة ، أو تلك الرياسة أن المرأة تتحول من بيت أهلها إلى بيت زوجها ، أي تتبعه في الإقامة ومحل السكني ، وليس لها أن تفرض عليه الإقامة في بلد معين أو تلزمه السكن في شارع خاص ، فذلك غير خاضع لتقديرها بل خاضع للظروف والعوامل التي تيسر له العمل وكسب الرزق ، وهى ظروف ترجع إلى تقديره هو لا إلى تقديرها هي .) (البهي الخولى -المرأة في البيت والمجتمع – ص 48)
إن النص السابق ليس في حاجة إلى تعليق لأنه يحرمها حق المشاركة في كل ما يتعلق بالبيت ، ويقرر في وضوح لا لبس فيه أن حق التقدير والتقرير مقصور على الزوج فقط ، ويكفى في الحقيقة أن نجمع تلك النصوص بعضها إلى بعض لترسم صورة واضحة جلية لتلك المملكة التي يدعون النساء إليها …
يقول " حسن البنا " في معرض حديثه عن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة :-
(ولما كانت كل شركة تحتاج إلى مدير في تصريف الأمور ، والشركاء ليسوا جميعاً على مستوى واحد ، فقد حفظ الإسلام الإشراف للرجل ، لأنه أكمل عقلاً من المرأة.) (حسن البنا –حديث الثلاثاء – ص382)
ومن هنا يتم تقسيم الوظائف داخل مؤسسة الأسرة على الأساس التالي :-
للزوج القوامة المطلقة .
وعلى الزوجة الطاعة المطلقة .
وهم يتحدثون عن سلسلة طويلة من الحقوق الرجالية :-
- فحق الرجل أن يعبر عن جميع رغباته .
- وحقه أن يصدر الأوامر .
- وحقه أن يتصرف كيفما شاء في كل شيء .
- وحقه أن يحاسب الزوجة ويعاقبها إذا لزم الأمر. وحقه أن يتزوج عليها دون إذنها ، وحقه أن يطلقها إذا شاء.
أما الزوجة فليس أمامها إلا الطاعة دون أي نقاش وتلبية جميع رغباته الجنسية حتى ولو كان ذلك بإكراه نفسها على ما لا تحب ... المهم أن ترضيه وتشبع جميع شهواته مع إهمال رغباتها هي ، أو بالأحرى كبتها وسحقها لأن رغباتها تدخل في باب المحرمات لديهم . ويعبر النص الآتي عن تلك الفكرة بوضوح :
" حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها ولو كان على ظهر قتب " أي بعير " وأن لا تصوم يوماً واحداً إلا بإذنه إلا لفريضة فإن فعلت أثمت ولم يتقبل منها ، وألا تعطي من بيتها شيئاً إلا بإذنه ، فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر ... وألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع، وإن كان ظالما . ) (السيد السابق – فقه السنة – الجزء السابع)
أما جماعة شباب محمد – المنشقة عن الإخوان المسلمين بعد خلاف مع " البنا " بسبب انفراده بالرأي والقرار ومحاباته لبعض أفراد الجماعة ودفاعه عن أخطائهم . ( لمزيد من التفاصيل يمكن العودة إلى كتاب محمود عبد الحليم – الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ) فإن نصائحها تعكس الوجه المبدئي الذي تشبعت به أثناء ترتيبها وسط الإخوان ، ومن هنا فهم يضعون دستور سلوك المسلم في البيت والمجتمع بصراحة لا تحتاج إلى تعليق ويأمرون الزوجة بما يلي : -
( أطيعي زوجك طاعة مطلقة فيما لا معصية فيه ، وابتغي رضاءه واعملي على سروره وسعادته ...
ـ احفظي زوجك في نفسك ، فتزيني له ما استطعت إلى ذلك سبيلاً أقبلي عليه إذا حضر ، واستمعي له إذا تكلم واطلبي رضاءه إذا غضب .
ـ احفظي زوجك بعد موته وترحمي عليه واذكريه بالخير والبسي الحداد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام ولا تغادري منزلك طيلة هذه المدة ، وتجنبي الزينة والطيب واخلفيه في ولده وماله ، وكوني بعد موته كما كنت في حياته . ) (شباب محمد صلى الله عليه وسلم – رسائل الدعوة – دستور سلوك المسلم في البيت والمجتمع – الطبعة الأولى 1978م ص28)
وهكذا نرى إلى أي حد تتحول العلاقة إلى طاعة مطلقة لأوامره في الدخول والخروج ، والقيام والقعود ، والحديث والصمت ، وتلبية رغباته الجنسية حتى ولو كان ظالماً ...!!!
ومن الغريب أن يصل حد التعنت بهم إلى التقرير أن الزوجة إذا أتت بسلوك حسن دون إذنه يكون له الثواب ويكون عليها العقاب ...!!!
ويؤكد ابن تيمية على هذا المعنى بقوله : -
( وللرجل عليها - يقصد الزوجة – أن يستمتع بها متى شاء ما لم يضر بها أو يشغلها عن واجب فيجب عليها أن تمكنه لذلك ، ولا تخرج من منزله إلا بإذنه وإذن الشارع . ) ( ابن تيمية – السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية – ص177)
وفي كتاب آخر يؤكد ابن تيمية على نفس المعنى : -
" وسئل شيخ الإسلام عن رجل له زوجة تصوم النهار وتقوم الليل وكلما دعاها الرجل إلى فراشه تأبى عليه ... فأجاب لا يحل لها ذلك باتفاق المسلمين ، بل يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش . " ( ابن تيمية – فتاوى النساء – ص231 )
وفي كل النصوص السابقة – وفي كثير أخرى غيرها – لا نجد حديثا عن رغبات الزوجة وإحساسها بنفسها أو إحساسها بالعلاقة الزوجية ، اللهم إلا من زاوية الهجوم على رغباتها والدعوة إلى ضرورة كبتها وعدم إطلاق العنان لشهواتها بل والقضاء على موضع الشهوة فيها ...
فلقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية " عن المرأة هل تختتن أم لا ؟ فأجاب :-
الحمد لله نعم تختتن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك ، قال رسول الله للخافضة – وهي الخاتنة .
أشمي ولا تنهكي ، فإنه أبهى للوجه وأحظى عند الزوج ، يعني لا تبالغي في القطع وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهره من النجاسة المحتقنة في القلفة ، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها ، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة ، ولهذا يقال في الشاتمة يا ابن القلفاء ، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ، ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين ، وإذا حصلت المبالغة في الاختتان حصل المقصود باعتدال . " (ابن تيمية – فتاوى النساء ص12)
وعلى الرغم من أن العلم الحديث قد بين الأضرار الناتجة من ختان الإناث ، وأكد أنها عملية تعني تحويل المرأة إلى إنسانة مخصية مما يؤثر على تكوينها النفسي والعصبي والفسيولوجي ، إلا أن الجماعات الإسلامية لا زالت تطالب بإجراء تلك العملية حتى تظل النساء مجرد أوعية لرغبات الرجال الجنسية ، فتكرس بذلك للثنائية الكلاسيكية حيث المرأة تثير الرجل وهو يفرغ شهوته فيها ، ولذلك فهي ملعونة لأنها مثيرة ، وملعونة لأنها مرغوبة ، وملعونة لعنة لا نهاية لها إذا فكرت في التمرد وكسر مبدأ الطاعة :-
" إن النكاح نوع رق ، فهي رقيقة له ، فعليها طاعة الزوج مطلقاً " ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد – ص 109 )
" إذا دعا رجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح . " ( السيد سابق – فقه السنة – الجزء السابع )
فعليها أن تستجيب سواء رغبت في الجماع أم لم ترغب وتطيع الرجل ظل الإله على الأرض :-
" لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لعظم حقه عليها … "
وهكذا يتضح منطق الجماعات الإسلامية الذي يحكم طرفي العلاقة الزوجية ، حيث ترتفع قيمة أحد طرفي العلاقة إلى حد تنزيه جميع أفعاله ورغباته في مقابل تبخيس الطرف الآخر والحط من قيمته ، فلا يكون أمام المرأة إلا الطاعة الجبرية والرضوخ الكامل ..
.. ولكن ماذا لو رفضت الزوجة مبدأ الطاعة المطلقة وعبرت عن مشاعرها في لحظات معينة … ؟
ماذا لو عبرت عما يناسبها وعما لا يناسبها من سلوك الزوج تجاهها .. ؟
يجيب علينا ابن تيمية – منظر الجماعات الإسلامية المستدعى من عصر المماليك ليصلح لنا حياتنا في القرن العشرين بما يعنى أن عليها الطاعة وإلا فالعصا في انتظار العاصية :-
( المرأة الصالحة هي التي تكون قانتة أي مداومة على طاعة زوجها ؛ فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزاً ، وكان ذلك يبيح له ضربها كما قال الله تعالي ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ) (ابن تيمية – فتاوى النساء – ص 332 )
ويؤكد " البهي الخولي " على ضرورة استخدام الزوج لأسلوب الهجر في المضاجع والإعراض عن الزوجة وذلك إمعاناً في ذلها من وجهة نظره : -
( يجب على الزوج أن يريها من نفسه تعالياً عليها واستمساكاً عنها .. وهو علاج رادع للمرأة ، مذل لكبريائها . )
هذا في نفس الوقت الذي يحذرون فيه المرأة من إبداء أي بادرة كبرياء أو ترفع عليه لأنها لو فعلت لصارت امرأة ناشزاً يحق له استخدام كل الوسائل لتأديبها … !!!
وحينما يصل الأمر إلى المرأة للسجود للرجل الزوج ، وإلى دعوة الرجل لضرب الزوجة وإلى تعمد إذلالها ، يتضح جزء من صورة العلاقات الزوجية في البيوت التي تقدمها الجماعات الإسلامية لنساء العصر الحديث ..
وربما يدعى البعض أن سلاحي الهجر والضرب ليسا من الأسلحة الشائعة الاستخدام ، وأن استخدامها مقيد بشروط … إلا أن الروح تنطوي على محاولات تبريرية ساذجة لا تغير شيئاً من حقيقة العلاقة ... وخصوصاً في ظل التبريرات الواضحة التي قدمها كتاب الأخوات المسلمات في تفسير آية [ واللاتي تخافون نشوزهن ] حيث يقول المؤلف – الذي شغل منصب سكرتير الأخوات المسلمات مدى الحياة كما رأينا من قبل : _
" إن المنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز فعلاً ، وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة وتنقسم الأسرة إلى معسكرين متصارعين ، فالعلاج حين ينتهي الأمر إلى هذا الوضع قلما يجدي فلابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله . " (خيال - الجوهري – الأخوات المسلمات – ص177)
وهذا الوضع التهديدي الذي توضع فيه المرأة الزوجة بعد أن أداروا ظهرها للحائط ؟ وسلبوها كل الحقوق والحريات وأقنعوها أن الزوج هو السيد القوام …
فإما أن تطيع أو تنفجر فوهة بركان غضب الزوج وسخطه عليها ...
إما أن تطيع أو يستخدم ضدها كل ما يملك من أسلحة الضرب والهجر والزواج بأخرى والطلاق أيضاً .
وإذا كان من حق الرجل أن يعبر عن غضبه عليها ، فليس من حقها مجرد التفكير في إعلان التبرم أو الضيق ، وينصحها كتاب الجماعات الإسلامية بكتمان شعور الضيق دائماً حتى لو اضطرت إلى الكذب الصريح : -
" في حوار لعمر مع زوجته ابن أبي عذرة الذي كانت تكرهه وأخبرته بكراهيتها له ، قال عمر : نعم فاكذبي ، فإن كان إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ، فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب "
وقد روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله يقول " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً وقالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث يعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها "
فهذا حديث صريح في إباحة الكذب للمصلحة .
إذن المصلحة بكل ما تعني من أنانية وفردية وإعلاء للذات على حساب مصلحة الآخرين وذواتهم هي التي تبرر كذب الزوجة على زوجها وخداعها له ... فيقوم البيت على قاعدة من الزيف الواضح ، وإذا كان الزوج يستطيع إكراهها على ما لا تحب ، فهي تملك حسب هذا المنطق – الضحك عليه وحرمانه من صفاء المشاعر الحقيقية حتى تحمي نفسها من التهديد المستمر في كل الأوضاع وخصوصاً في وضع التهديد بتعدد الزوجات وإدخال الضرائر من النساء على حياتها التي تتحول تدريجيا إلى جحيم : -
" فإحساس الزوجة بأن زوجها يمكن أن يتزوج عليها دون توقف على رضاها ودون أن يكون لها حق التفريق يجعلها تحسن معاملة الزوج خشية أن يجرب حظه مع أخرى ، أما إعطاء حق التفريق في يدها فهو سيف مسلط على الرجال يخل بحقه في القوامة عليها . "
والنص واضح في تبيين فكرة أن حق الرجل في تعدد الزوجات دون رضى الزوجة الأولى ، هو سلاح مشهر في وجه الزوجة لزرع المزيد من الخوف في نفسها وقهرها على الطاعة والقنوت .
ولكن ماذا أعدت فتاوى الجماعات الإسلامية وقوانينها الصارمة من أجل الدفاع عن الزوجة التي ينشز زوجها .. أي الزوجة التي تسير على صراطهم المستقيم وتتبع كل تعاليم الطاعة والقنوت ومع ذلك ينشز الزوج ولا يبدي حيالها إلا التبرم والضيق ...
كيف تحصن تعاليمهم تلك الزوجة الصابرة ، وبماذا يسلحونها في مواجهة ظلم الزوج وجبروته ... ؟
يجيب أحد كتابهم في وضوح :-
( فلتستجمع المرأة كل حيلتها وذكائها ولتدرس أسباب نفوره في تلطف وكياسة ولتعالج كل سبب بما يصلحه ، ولا بأس أن تتقبل ما يكلفها ذلك من ألم نفسي ، أو جهد مالي ونحوه بسماحة نفس وطيبة خاطر، فهي إنما تسعى لأسمى واجب تعتز به المرأة بعد عبادة الله عز وجل .) ( البهي الخولي – المرأة بين البيت والمجتمع ص53)
فأي منطق هذا الذي يطالبه بمعالجة الهوان بأن تهين نفسها أكثر وأن تعالج ذله لها بمزيد من التذلل ...
آه ... من الصعب التعليق على نصوصهم هذه ... حيث تبلغ حداً من الوضوح المنفر بما يكفي ...
وإذا حاولنا أن نرى ركناً آخر من أركان الزواج الإسلامي السعيد التي يحددها أبو حامد الغزالي في : -
( الولد – كسر الشهوة – تدبير المنزل – كثرة العشيرة – مجاهدة النفس بالقيام بهن . )
فنجده يفيض في سرد الحكايات عن سياق الحمل والولادة فيقول :
( وما روي عن عمر أنه كان ينكح كثيراً ويقول إنما أنكح للولد ، وما ورد من الأخبار في مذمة المرأة العقيم : - قال عليه السلام :
" لحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد "
وقال : " خير نسائكم الولود الودود "
وقال : " سوداء ولود خير من حسناء لا تلد "
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم أنه :
( كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل ، وربما جامع قبل أن يصلي المغرب ثم يغتسل ويصلي ، وذلك لتفريغ القلب لعبادة الله وإخراج غدة الشيطان منه ، وروي أنه جامع ثلاثاً من جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخير )
ويمتلئ الكتاب بأمثلة الصحابة الذين تزوجوا عشرات النساء ، وضاجعوا عشرات الجواري وأنجبوا الكثير من الأبناء .
والجماعات الإسلامية تحرص على إبراز هذا الجانب من سيرة الصحابة بشكل يؤكد أن : -
الزوجة في كل الحالات تعامل على أنها مركز لامتصاص شهوة الزوج الجنسية ومعمل لتفريخ الأبناء وحضانة لرعايتهم ، وإذا كانت امرأة لا تلد بسبب عيب خلقي لم تصنعه هي ، فإن زوجها بالضرورة سوف يتزوج بأخرى تنجب له الكثير من الأبناء ، بينما تنتقل المرأة العقيم إلى هامش المملكة إلى منطقة الظل والإهمال تعاني الوحدة وعدم الاهتمام وربما تعاني من الضمور حتى الموت .
فالمودودي يؤكد على أن النساء خلقن من أجل الإنجاب :-
" فلم يخلق هيكلها الجسدي – يقصد المرأة – إلا ليقوم لخدمة النوع البشري ويؤدي واجب الاستبقاء على وجوده فهو الهدف الرئيسي الذي قصدته الفطرة بخلقها وهو الواجب الذي تطالبها الفطرة بأدائه . " (أبو الأعلى المودودي – حركة تحديد النسل – ص80)
أما الدعاية الموزعة بين شباب الجامعات فهي تتحدث عن تلك الوظيفة في سياق آلي وميكانيكي :-
" إن خط التقدم الإنساني يسير في اتجاه الضبط للنزوات الحيوانية ، وحصرها في نطاق الأسرة على أساس الواجب لتؤدي بذلك وظيفة إنسانية ليست اللذة غايتها وإنما هي إعداد جيل إنساني يختلف الجيل الحاضر . "
وهكذا تصف تلك الدعاية موضوع العلاقة الجنسية بالنزوات الحيوانية ، وتدعو إلى ضبطه بمقاييس الواجب ، فتفرغ تلك العلاقات من معناها الإنساني مما يوقعها في المزيد من الحيوانية والميكانيكية . وتجد الزوجة – الملكة – نفسها محاطة بشروط واضحة في مملكة الأسرة على طريقة الجماعات الإسلامية فهي يجب أن تكون وعاء لشهوات الزوج الجنسية ، ومعملاً لتفريخ الأبناء وحفظ النوع ، وفي التحليل الأخير تختزل المرأة في فكرهم إلى فرج ورحم ...
وتلك المكانة العالية التي يتبوؤها الزوج فوق الزوجة يعترف المودودي أن الرجل ينالها " نظير المال الذي ينفقه في صورة المهر ، فالمهر الذي يتفق عليه بين الرجل والمرأة عند الزواج لابد للرجل من أدائه والوفاء به ، فإن رفض دفعه ، حق للمرأة أن تمنع نفسها عنه .
والفرض الثاني على الزوج هو النفقة ، ولقد قسم القانون الإسلامي اختصاصات الزوجين تقسيماً واضحاً، فالمرأة اختصاصها القرار في البيت وأداء واجبات الحياة الزوجية [ وقرن في بيوتكن ] أما الرجل فعليه كسب العيش وإعداد سبيل الحياة وضروراتها لأهله . " (أبو الأعلى المودودوي – حقوق الزوجين تعريب أحمد إدريس – ص28)
وفي هذا التحليل الموجز للمودودي نجد أن ثمن تمكين الزوج من قضاء شهوته الجنسية هو المهر … وتمكينه من التحكم في الزوجة والاستمتاع بطاعتها الدائمة هو النفقة …
ومن يدفع أكثر يستطيع أن يخضع زوجته أكثر … فتتحول العلاقات الخاصة إلى سوق يصول فيه أصحاب الدنانير الذهبية والعملات الأجنبية .
فيا لها من مملكة تكون الغلبة فيها لمن يدفع أكثر …
ويا لها من ملكة يملكها الرجل لقاء الثمن المادي … !!!
وفي مقابل تلك السيادة المادية للرجل فإنهم يؤكدون على ضرورة أن تظل المرأة تابعة للرجل على المستوى الاقتصادي بحجة أن :-
" خيرها كامرأة يتطلب عدم مساواتها في الاقتصاد بالرجل وبالتالي عدم استقلالها اقتصادياً في مواجهة الرجل ، إذ استقلال المرأة اقتصادياً يعرضها لعدة أزمات نفسية ، يعرضها :
1 – لأزمة ضعف الإحساس بالأنوثة
2- لأزمة الإحساس كذلك بالأمومة
3- لأزمة الشك والتراخي في العلاقة الزوجية إن كانت زوجة
4- لأزمة العزلة كلما تقدم بها السن ولم توفق إلى زوج أو إلى ولد يشاركها الحياة .
وأمر المرأة إذن – أية المرأة – يتردد بين وضعين :-
وضع تستقل فيه اقتصادياً وتتساوى فيه مع الرجل ولا تضمن فيه مع استقلالها واحتفاظها بأنوثتها وأمومتها وحسن علاقتها بزوجها ، ووضع آخر يتكفل الرجل فيه بالإنفاق عليها ، مع ضمان احتفاظها كامرأة بما لها من خصائص تميزها عن الرجل . " ( د. محمد البهي – الإسلام واتجاه المرأة المسلمة المعاصرة)
وهكذا يضعون الاستقلال والمساواة بما تعنى تلك الكلمات من شعور بالثقة في الذات وسعة في الأفق وقدرة على العطاء بحرية واختيار، في تضاد مع الإحساس بالأمومة والأنوثة وحسن العلاقة بالزوج…!!!
ولكن لماذا لا تكون العلاقة الزوجية حسنة – في نظرهم – إلا إذا كانت الزوجة هي الطرف الضعيف… المحتاج… الأدنى دائماً ؟
- أليس من الطبيعي أن تعاشر المرأة الرجل لصفاته الجميلة ونفسه الراقية … ؟ وأن يعاشر الرجل المرأة لنفس الصفات … ؟
- لماذا تعتبر الجماعات الإسلامية الوضع غير الصحي صحيحاً وتقنن له ؟
- وهل من العدل أن تضيف هذه الجماعات إلى كل القيود التي تكبل المرأة ،قيداً أكبر يتمثل في عدم الاستغلال الاقتصادي ؟
- أم أن هذا هو السلاح الذي يطعنونها به ليقضوا على أية محاولة للمقاومة ؟
يبدو أن المزعج في موضوع الاستقلال الاقتصادي للمرأة بالنسبة للجماعات الإسلامية يمكن في أن تجرب المرأة نفسها ككائن كامل ، لا كنصف إنسان يعتمد عل الرجال دائماً … فالقضية ليست قضية كم من الأموال تملك المرأة ، فربما تملك ثروة كبيرة ، وربما تملك بعض الجنيهات ، ولكن المعنى وراء تأكيدهم على ضرورة نفى استقلالها الاقتصادي يمكن فيما يترتب على الاستقلال من شعور بالذات ومطالبة بالحقوق الكاملة والندية والمساواة مع الرجل …
وهذا هو ما يعبر عنه " خيال " في كتابه الأخوات المسلمات بقوله : -
أولاً : استقلال المرأة استقلالاً اقتصادياً يجعلها قادرة على عدم الارتباط بالرجل أباً كان أم زوجاً أم أخاً ارتباط نفقة وكفالة.
ثانياً: هذا الاستقلال الاقتصادي يفتح لها باب التحرر على مصراعيه بلا حدود ولا ضوابط ، ويحقق لها حرية الزواج بلا ولى إن رغبت في الزواج ، وحرية الصداقة إن آثرت علاقة الصداقة . " (خيال – الجوهري – الأخوات المسلمات – ص 285 )
وبمعنى آخر إن الأمر لدى الجماعات الإسلامية هو نصيحة بسيطة إلى الرجل : -
انزع عن المرأة استقلالها الاقتصادي تنزع بذلك حريتها في الاختيار فتصبح امرأتك المطيعة ، والنصيحة التي يوجهونها إلى المرأة : -
" وسيريك الزمان أن أسلحة المرأة الماضية هي الجمال والاستسلام واللطف والسكينة والاتكال والخجل والبكاء ، لعلك تظنينها أسلحة ضعيفة … ولكن أؤكد لك أنها إذا شحذتها الحمية والأمانة كانت ماضية جداً " ( عبد المتعال محمد الجبري – المرأة في التصور الإسلامي – ص 48 )
أما إذا رفضت المرأة هذا الوضع وتمردت عليه ، وراحت تبحث عن الإخلاص فستجد أن الطلاق حق الرجل يستخدمه وقتما شاء وحتى لو لم يستخدمه فإنه يظل يدخره كاحتياطي يهدد به الزوجة إذا لم تطعه وتنفذ رغباته .
وإذا كانت عاقراً يطلقها وإذا مرضت يحق أن يطلقها وإذا لم يكن هناك أي سبب سوى هواه في فراقها فيحق له أيضاً تطليقها .
أما الزوجة فليس أمامها سوى سبيل للخلاص من وضع الزوجية الذي لا تطيقه وهو الخـُلع ، وله شروط تقضى بأن ترد الزوجة إلى زوجها ما ساق إليها من مال يقول ابن تيمية : -
" الخـُلع الذي جاء به الكاتب والسنة أن تكون المرأة كارهة للزوج تريد فراقه فتعطيه الصداق أو بعضه فداء نفسها كما يفتدي الأسير . " (ابن تيمية – فتاوى النساء – ص234)
يقول محمد الغزالي : -
" عندما تطلب الزوجة الفراق ، فيجب أن ترد إلى زوجها ما ساق إليها من مال ، ومن الحيف أن يدفع الرجل ويرسل الهدايا ثم تستولي المرأة على كل هذا وتطلب الانفصال . " (محمد الغزالي – سؤال عن الإسلام – الجزء الثاني ص245)
ولا يخفي على أحد أن شرط دفع المرأة للرجل ما ساق إليها من مال هو شرط يعجز النساء عن استخدامه في الغالب الأعم من الحالات ، في ظل ظروف وضع المرأة داخل هذا النسق الأيديولوجي للجماعات الإسلامية لأن ما ساق إليها من أموال وهدايا وخلافه لا يكون بين يدي الزوجة ، فالأب هو الذي يقبض المهر وغالباً ما يكون قد تم تبديده .
وفي الغالب أيضاً لا تمتلك المرأة مورداً آخر للمال يمكن أن تفتدي به نفسها ، فتظل بقية عمرها تعيش حياة تكرهها وتعاشر رجلاً لا تطيقه ... رجلاً يتحسس جيبه دائماً ليحسب بالمليم ما أنفق عليها ، وكأننا أمام " فيلم عربي " هزيل تبكي فيه الزوجة من أجل حريتها ... ويتلذذ الرجل بمشاهدة أحزانها ثم يسألها في صفاقة كم تدفعين لقاء الطلاق ... ؟ فإذا لم تستطع الدفع تعيش ذليلة .. مكسورة بين جدران البيت الذي صورته لها دعاية الجماعات الإسلامية على أنه مملكتها وهي ملكته المتوجة .
وحتى إذا كان لدى الزوجة المال الذي يمكن أن تدفعه للرجل لقاء الخـُلع ، فإن أدبيات الجماعات الإسلامية تضع حول عنقها قيداً آخر وهو قيد موافقة الزوج على قبول هذا المال ، فتعود الكرة مرة أخرى إلى ملعب الرجل ، وتدخل المرأة في سلسلة طويلة من المفاوضات والمهاترات والشقاء اليومي .
" لا يكفي للافتداء مجرد رغبة المفتدية ، إنما يتم هذا الأمر حين يرضي أخذ الفدية بذلك ، يعني أن المرأة لا تستطيع أن تفصل نفسها عن زوجها بمجرد إعطائه قدراً من المال ، ولكن لابد لتمام الانفصال من قبول الزوج هذا المال ، ثم طلاقه لها . " ( أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين – ص53 )
وهكذا نجد أنه حتى تلك الثغرة التي يمكن أن تكون مفتاح المرأة للخلاص تلغي عملياً بتفريغها من محتواها ، ليعود الأمر ملكاً للرجل الزوج يقرر فيه ما تشاء إرادته ...
" وما كان يمكن تحويل سلطة الطلاق للمرأة إذ لو خولت هذه السلطة فسوف تتشجع على إضاعة حقوق الرجل وطبيعي أن من يحصل على شيء بأمواله سيحاول الاحتفاظ به إلى أقصى حد ، وسوف يتركه فحسب حيث لا يكون أمامه سبيل آخر سوى تركه ، أما إذا كان المنفق شخصاً ومن بيده سلطة الإضاعة شخصاً آخر غيره ، فنادراً ما يتوقع من الثاني أن يراعي عند استخدامه سلطاته مصلحة الأول بذل المال وأنفقه ، فتخويل الرجل سلطة الطلاق ليس فقط حماية لحق المشروع بل يحوي في مصلحة مضمرة هي ألا يكثر الطلاق . " ( أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين ص43 )
هذا ما تفصح عنه بوضوح أفكارهم : الحرية كل الحرية للرجل في استخدام حق الطرق ، في مقابل عمليات متتالية تلغي عملياً إمكانية استخدام حق الخـُلع بالنسبة للمرأة .
ومن هنا فأن أي محاولة وضع المرأة حتى ولو كانت بإعطاء فتات الحقوق لها ، فإنها تعتبر النقيض لأفكارهم وتحارب بمنتهى العنف والضراوة كما حدث حينما صدر القانون رقم 44 للأحوال الشخصية الصادر عام 1979م الذي اعتبر الجمع بين الزوجات من قبيل إيذاء الزوجة الأولى وأعطاها حق طلب التفريق بناء على ذلك .
كما أعطاها حق الاحتفاظ بمسكن الزوجية إذا كانت حاضنة ، وهذه البنود لا تمثل في الحقيقة تغييراً جذرياً في قوانين الأحوال الشخصية فهي لم تمنع التعدد مثلاً ، إلا أن الجماعات الإسلامية قد اعتبرت هذا التعديل انقلاباً خطيراً في موازيين العلاقات الشخصية وكفراً وخروجاً على الشريعة .
وفي الحقيقة أن حملة الجماعات الإسلامية الشعواء على قانون 79، ومحاربتها لفتات الحقوق التي كفلها للزوجة المتضررة ، كان أحد الأسس الهامة التي قامت عليها دعايتهم للتنديد بالقوانين الحالية ومطالبتهم بتطبيق الشريعة الإسلامية، ففي الجامعة قام اتحاد طلاب مصر الذي تسيطر عليه الجماعة الإسلامية بطبع رد الشيخ محمد أبو زهرة على مشروع قانون الأسرة ، واشتركت دار الجهاد ودار الاعتصام في توزيعه على أوسع نطاق ممكن داخل الجامعة وخارجها ، وكان المحور الأساسي الذي يقوم عليه رد الشيخ هو: " أن الطلاق يقع بإرادة الزوج فقط "
ووقف النائب صلاح أبو إسماعيل في مجلس الشعب ليعلن أن من أسباب رفضه للقانون الجديد " أن النبي لم يعتبر من الكذب أن يكذب الزوج على الزوجة ليرضيها ولا كذب الرجل في الحرب فالحرب خدعة " مبرراً بذلك كذب الرجل على زوجته عند زواجه من أخرى .
ثم عاد وأعلن في شهادته أثناء قضية الجهاد أن : -
" المشروع رأى اعتبار الجمع من قبيل إيذاء الزوجة أو الزوجات القائم زواجهن فعلاً ، فأعطاها وأعطاهن الحق في طلب التفريق إذا أخفى الزوج وقت الزواج الجديد أنه متزوج "
ونص القانون على أن يعتبر إضراراً بالزوجة الأولى اقتران زوجها بأخرى وأباحوا لها أن تطلب الطلاق ولو رفض زوجها ولم يلقوا بالاً إلى أن طلاق المكره لا يقع فضلاً عن الطلاق هذا القانون الجائز ... " ( صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – ص87)
وأعلن الدكتور عمر عبد الرحمن أمام المحكمة في نفس القضية أن النظام القانوني الحالي الذي يرفض تعدد الزوجات ويعتبر أن الطلاق ظلم للمرأة ، كفر .
وتكرر على لسان الأعضاء الرئيسيين في تنظيم الجهاد أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى اغتيال الرئيس السادات هو قيامه بتعديل قانون الأحوال الشخصية ، ( يلاحظ الدكتور فؤاد زكريا في تعليقه على هذا الموقف أن جماعة الجهاد اغتالت السادات بسبب محاسنه القليلة وليس لمساوئه الكثيرة . ) ( فؤاد زكريا – الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة )
كما يلاحظ أن " التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية والتي أقامتهم ولم تقعدهم ، كانت تعديلات طفيفة جداً يظل إطارها العام إسلامياً بحتاً ، وكل ما في الأمر أنها تصرفت قليلاً في تفسير بعض النصوص المتعلقة بالطلاق والتعدد وبيت الطاعة من أجل إعطاء المزيد من الحقوق للمرأة ، فكان هذا نظير الجماعة كفراً أو خروجاً على شريعة الله "
إنهم يعتبرون محاولة الزوجة لتخليص نفسها من الظلم الواقع عليها بزواج الرجل من أخرى هو ظلم...!!
وأن القانون جائر حينما يفتح لها ثغرة للخلاص ... !!!
وهم يعتبرون من العادي والطبيعي أن يملك الرجل العديد من النساء بالزواج بصرف النظر عن تحطيم مشاعر الزوجة ، بعد وضعها في موضع التنافس مع أخرى ، مما يقلب حياتها إلى صراع دائم من أجل توافه الأمور . وهم ينصحون المرأة بقبول هذا الوضع بإدعاء أن فيه خيرها ، وينصحونها أن تسحق مشاعرها وتمثل دور السعادة الدائمة وتقبل شروط التنافس بإبراز المفاتن الحسية ، وبقدر ما تبذل جسدها له بقدر ما يرضى عنها .
" كوني عاهرة لزوجك " ( جملة تتردد كثيراً في خطب الجماعات الإسلامية كما لاحظها الدكتور فؤاد زكريا وعلق عليها في بحثه المقدم إلى جمعية المرأة العربية في مؤتمرها الأول .)
في مقابل نصيحتهم للرجل " بأن يسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة ويتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن فإن كيدهن عظيم ، وشرهن فاشٍ والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة . " ( أبو حامد الغزالي – الزواج الإسلامي السعيد – ص 80 )
وهكذا نجحت حملتهم ضد قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 79 التي هي هجوم على حقوق المرأة وإجهاض لأي محاولة تحسين ولو شكلي في وضعها .
" إن الحركة الإسلامية معضدة بمواقف الكثيرين من علماء الدين والسياسة الحاكمين والمعارضين نجحت دعائياً في تركيز الأضواء على مضمون القانون الذي احتوى بنوداً تعد أكثر تعبيراً عن الموقف المتحرر إزاء حقوق المرأة منها عن الموقف الإسلامي المحافظ في هذا الشأن . وقد استجابت الحكومة والبرلمان لهذا الاتجاه وعاودت مناقشة مضمون القانون بحيث خلصت إلى قانون يقترب خطوة من مطالب الحركة الإسلامية . " ( التقرير السياسي لمركز الدراسات والاستراتيجية بالأهرام عام 1986 م )
نعم لقد كشفت معركة الأحوال الشخصية عدداً من الحقائق : -
1- أن الجماعات الإسلامية بمختلف تياراتها ضد أي محاولة للمساواة بين الزوج والزوجة حتى ولو كانت محاولة شكلية وأنها تحارب بكل ما تملك من قوة لإسناد المزيد من الحقوق للرجال ، وإنها تتخذ من موضوع الهجوم على قانون الأحوال الشخصية السابق سلاحاً للهجوم على جميع القوانين المدنية .
2- أن موقف الدولة إزاء قوانين الأحوال الشخصية يخضع للتذبذب ولحسابات موازين القوى الاجتماعية حتى إلغاء قانون 79 واستبداله بآخر كان إجراء سريعاً ووقائياً قامت به لأجل امتصاص غضب الجماعات الإسلامية والمزايدة على حملتها الدعائية ، حيث أعلنت الصحف الحكومية بفخر أن " الموافقة على مشروع قانون الأحوال الشخصية قد تمت بإجماع الآراء … وتشرق وجوه السيدات أعضاء المجلس وتعلو الابتسامة العريضة وجوههن … وأكاد أحس أن بعضهن يردن إطلاق الزغاريد لولا جلال الموقف وينتزع الدكتور أحمد هيكل إعجاب سيدات المجلس وهو يقول إن العدل في الزواج ليس في أن تقسم الرغيف بين الزوجين .. إن العدل في الإسلام هو تحقيق الكفاية والعدالة . "
ولا يخفى على أحد أن الكفاية هنا هي كفاية الرجل ، والعدالة هي عدالة مصالحه ، وهكذا تعجب سيدات مجلس الشعب بمن يفتح باب ظلم الزوجة على مصراعيه ، ويزغردن من أجل تمرير قانون يدفع بآلاف النساء إلى الشوارع بعد طلاقهن ، و يمنح الرجل مزيداً من حقوق الزواج وحريات الطلاق . حتى أن رئيس مجلس الشعب يعلن بلا خجل " الزواج نحن لا نقيده وليس الزواج بأخرى ضرراً في ذاته وإنما هو يشتمل على مظنة الضرر . " ( الأهرام – مجلس الشعب يوافق بالإجماع على قانون الأحوال الشخصية 1/7/85 )
3- كما كشفت معركة قانون الأحوال الشخصية أن قوى المعارضة الرسمية كانت من التخاذل والضعف وعدم الاهتمام بحقوق المرأة ووضعها الاجتماعي بحيث يعلن زعيم المعارضة الممثل لحزب الوفد في ذلك الحين ممتاز نصار " أنه باسم الهيئة الوفدية يقر المشروع الجديد " . " وأن القانون الحالي راعى الثغرات وصححها تماماً على خلاف القرار بقانون الذي أسقطته المحكمة الدستورية وأهم شيء هو الزواج الثاني . "
أما إبراهيم شكري رئيس حزب العمل فيجد في تلك القضية مجالاً خصباً للمزايدة وركوب التيار المناهض لحقوق المرأة فيطالب " بتطبيق القانون الجديد بأثر رجعي اعتباراً من عام 79 " ( إبراهيم شكري – محاضر مجلس الشعب – دورة 1985 – الأهرام 1/7/85 ص6 مجلس الشعب يوافق بالإجماع على قانون الأحوال الشخصية . ) حتى يمحو أي أثر للقانون السابق الذي أنصف الزوجة المتضررة من زواج رجلها بأخرى .
أما حزب التجمع الذي لم يكن ممثلاً في المجلس فقد اكتفى بالشجب والإدانة للقانون الجديد – كما هي عادته – على صفحات الجريدة الناطقة باسمه .
4- أما فلول الحركة النسائية وبقاياها المتشرذمة فجاءت مواقفها الإصلاحية وتصريحاتها تعبيراً عن حالة الهزال والضعف التي تعاني منها الحركة بوجه عام . وبرغم عقد عدد من الندوات بجمعية هدى شعراوي ونادى أعضاء هيئة التدريس وصدور عدد من البيانات والمقالات التي تناقش القانون الجديد وعلاقته بحركة تحرير المرأة ، إلا أنها لم تستطع أن تحدث ضغطاً اجتماعياً أو تجتذب الجمهور العريض من النساء الواقع عليهن ضرر قوانين الأحوال الشخصية .
وإذا كان موقف حركة تحرير المرأة والعلمانيين إزاء أفكار الجماعات الإسلامية الخاصة بوضع المرأة المعاصرة ، وكيفية تصديهم لتلك الأفكار بوجه عام يحتاج إلى دراسة مستقلة تكشف وجوه الضعف والقصور في فهم الظاهرة وتجلياتها الاجتماعية .
إلا أن ما يجب التأكيد عليه هنا أن الحركة لم تستطع الالتحام بجماهير النساء أصحاب المصلحة والقضية، وظل الأمر مقصوراً على قطاع من المثقفات اللاتي اكتفين بعقد عدد من المؤتمرات وإرسال برقيات احتجاج لمجلس الشعب ورئاسة الوزراء والجمهورية وكتابة بعض المقالات المتفرقة حول الموضوع على صفحات جرائد المعارضة إلى آخر تلك الطرق الإصلاحية التي لم تستطع التصدي لحملة الجماعات الإسلامية وأفكارها التي هاجمت بشدة عقر كل دار ، واستهدفت بوضوح القضاء على فتات الحقوق التي كان يكلفها قانون عام 1979 م ، وتحويل كل زوجة إلى رقيقة مطيع للزوج صاحب السيادة والقوامة حسب قانون عام 1985 م المفصل بما يطابق وجهة نظر الجماعات الإسلامية .
الفصل الخامس
امرأة و مسيحية و فقيرة ... طوبى لكِ
إذا كان هذا هو وضع المرأة المسلمة في تصور الجماعات الإسلامية فكيف سيكون وضع المرأة المسيحية التي تعتبر وفق نسقهم الأيديولوجي عنصراً مضطهداً داخل جماعة مضطهدة ... ؟
إن المسيحيين في الدولة الإسلامية ليسوا بمواطنين متساوين في كل الحقوق والواجبات مع المسلمين ، بل هم أهل ذمة أو ذميون تفرض عليهم الجزية وتضاعف الضرائب التجارية حسب إرادة الحاكم وهواه .
بالإضافة إلى حرمانهم من الحقوق السياسية كحق التصويت والترشيح والانتخاب في المجالس النيابية والبرلمانية ، لأنها حسب تصور الجماعات الإسلامية مجالس شورى يجب أن تظل مقصورة على المسلمين فقط ... كما يحرم أهل الذمة أيضاً من الاشتراك في رئاسة الحكومة وتقلد الوظائف السياسية ... وهذا الوضع الشديد العنصرية يفرض عليهم انطواء الأقلية الضعيفة – الأمر الذي يحتاج إلى دراسة مستقلة لوضع جموع المسيحيين من الرجال والنساء ، تكشف عن هذا الجانب العنصري في فكر الجماعات الإسلامية .
وما يعنينا الآن هو وضع المرأة المسيحية في هذا النسق الأيديولوجي ...
فإذا اتضح الآن أن المرأة المسلمة تحتل مكانة تالية لمكانة الرجل المسلم ، فإن الرجل المسيحي سوف يأتي وضعه بعد المرأة المسلمة ... ثم تأتي المرأة المسيحية في نهاية هذا السلم الاجتماعي الذي سيكون الترتيب فيه كالآتي : -
1ـ رجل مسلم
2ـ امرأة مسلمة
3ـ رجل مسيحي
4ـ امرأة مسيحية
فالرجل بما يملك من عناصر ذكورية مفضل على المرأة بوجه عام في تصورهم :
والمرأة المسلمة مفضلة على الرجل المسيحي بمقتضى تمييزهم بين البشر على أساس الدين ...
وبذلك تخضع المرأة المسيحية لتمييز قهري ومضاعف لا يسمح لها بأي حديث عن الحقوق الاجتماعية.
هذا على صعيد الترتيبية الجنسية والدينية تبقى ترتيبية ثالثة وهامة لديهم ، وتكون على أساس الوضع الطبقي أو ما يسمونه هم بالغنى والفقر في العموم .
فيحتل المسلم الغني مكانة اجتماعية أعلى من المسلمة الفقيرة …
والمسلمة الغنية مكانة أعلى من المسلمة الفقيرة ...
والمسيحي الغني مكانة أعلى من المسيحي الفقير …
والمسيحية الغنية مكانة أعلى من المسيحية الفقيرة …
فتتكون بذلك صورة شديدة التمييز العنصري والديني والطبقي للبشر.. فإذا ما اجتمعت صفات امرأة ومسيحية وفقيرة في إنسانة ، فلنا أن نتخيل مدى الهوان الذي ستعانيه في الدولة التي تحكمها الجماعات الإسلامية .
ولنا أن نتخيل مدى إعجاب جمهور الجماعات الإسلامية من شباب وشابات البرجوازية الصغيرة بتلك الأفكار العنصرية – الآن – وإقبالهم على الكتب التي تطالب بضرورة عودة التمييز بين المرأة المسلمة والمرأة المسيحية : -
" كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات ...
فانظر كيف تغير الحال وانعكس الأمر حتى صارت المسلمات يتباهين بالتشبه بمن كن يمنعن من التشبه بالمسلمات بالكشف عن سوقهن وعما هو أكثر من ذلك … " ( محمد ناصر الدين الألباني – حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ص37 )
إن الكاتب يتحسر على زمان التمييز ويقدمه كما لو كان الفردوس المفقود مطالباً بعودته ... يهاجم المساواة ويعتبرها أمراً شاذاً يطالب بالتمييز بين النساء المارات في الشوارع والقاطنات البيوت بحيث يسهل تجنب المسلمة وإيذاء المسيحية بشتى أنواع المضايقات .
فالمرأة المسلمة التي يجب أن ترتدي الحجاب أو النقاب من وجهة نظر الجماعات الإسلامية يجب أن تكشف قرينتها المسيحية عن ساقيها كإحدى وسائل التمييز والتفرقة العنصرية .
هذا عن المظهر الخارجي فماذا عن التفرقة في العمل ؟
ـ ماذا ينتظر المرأة المسيحية خريجة الجامعة : - هل يمكن أن تفتح لها شركة توظيف أموال أو بنك إسلامي أو حتى متجر إسلامي أبوابه لتعمل فيه ؟
ـ ماذا ينتظر المرأة العاملة المسيحية وليس لديها سوى قوة عملها التي ستبذل منها أضعافاً مضاعفة في مصانع الرأسمالي المسلم أو في ممتلكاته الأخرى …
إن الجماعات الإسلامية تتذكر مرة أخرى اليوم موقف عمر بن الخطاب من الزواج بالكتابيات عندما عمل على التفريق بين الصحابة وبين زوجاتهم من الكتابيات ويتخذونه كنموذج يجب الاقتداء به، ويقرون أن الزواج بالكتابيات ( وإن كان جائزاً إلا أنه مكروه ) (السيد سابق – فقه السنة – الجزء العاشر ص234)
ويجب أن تعيش المسيحيات ضمن جماعتهن القليلة العدد والحقوق ...
أما إذا ماتت مسيحية بالقتل على يد مسلم ، فإن الجماعات الإسلامية تناقش موضوع ديتها ضمن قضية الدية ، وتقرر لها دية دونية ضئيلة تكاد لا تشكل عقوبة رادعة على هذا السيد المسلم الذي قتل مجرد كتابية مسيحية .
وفي ذلك نوع من العنصرية تبيح دم الآخرين دونما ثمن ... !!!
وبشكل عام يقررون أن دية أهل الكتاب إذا قتلوا خطأ تكون نصف دية القتيل المسلم ....
( دية الذكر منهم – يقصد أهل الكتاب – نصف دية المسلم – ودية المرأة من نسائهم نصف دية المرأة المسلمة .) ونصف النصف هو الربع ... بمعنى أن دية المرأة المسيحية حسب القاعدة السابقة هي ربع دية الرجل المسلم دون لزوم الكفارة ...
فيا لاستهانتهم بتلك الدماء ...
وإذا كانوا يعتقدون أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلم ، فإن عملية بسيطة للقياس تدلنا على أن عقل المرأة المسيحية لا يساوي عندهم إلا ربع عقل الرجل المسلم وربما أقل ... بسبب معاييرهم العنصرية التي ترى كل ما هو كامل وجميل في الرجل المسلم محور المجتمع وصاحب السيادة فيه مع انخفاض شأن كل ما عداه بشكل تدريجي – كما رأينا من قبل حتى نصل إلى أدنى السلم الاجتماعي والذي تسكنه النساء المسيحيات إنهم يعجبون بفتوى ابن تيمية : -
( عن امرأة نصرانية بعلها مسلم توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر، فهل تدفن مع المسلمين أو مع النصارى ؟ فأجاب لا تدفن في مقابر المسلمين ولا مقابر النصارى لأنه اجتمع مسلم وكافر ، فلا يدفن الكافر مع المسلم ولا المسلم مع الكافر ، بل تدفن منفردة ، ويجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الطفل إلى ظهرها فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبي المسلم مستقبل القبلة ، والطفل يكون مسلماً بإسلام أبيه ، وإن كانت أمه كافرة باتفاق العلماء . ) ( ابن تيمية – فتاوى النساء ص55 )
فأي مجتمع هذا الذي يجلس علماؤه لمناقشة موضوع : أين تدفن المرأة المسيحية ؟ .
أي مجتمع هذا الذي يقضي بأن تنبذ تلك المرأة ويستهان بجسدها حتى في حالة الوفاة ، فيتأففون من أن يجاور جسدها أجساد السادة المسلمين … ويستكبرون أن يجاور جنينها الذي بداخلها القلة المضطهدة من المسيحيين … ؟؟
من هذه الزاوية العنصرية نستطيع أن نفهم الآن معنى الهجوم الضاري الذي شنته الجماعات الإسلامية بالذات على المسيحيات من رائدات حركة تحرير المرأة …
نستطيع أن نفهم لماذا يضاعف الهجوم على "إستر ويصا واصف " فهي لم تكن امرأة شاركت في الحركة النسائية فقط ، بل هي مسيحية تطمح إلى المساواة بالمسلمات وإلى المساواة بالرجال المسلمين ...
ووجودها ضمن حركة تحرير المرأة يسهل لدعايتهم مهمة قذف الحركة النسائية برمتها بأبشع القذائف لأنها تساوي بين هؤلاء النساء والمسلمات بل وتطالب بأن يتساوين مع الرجال .
إن إستر ويصا واصف – ومن خلفها تاريخ الحركة النسائية – تذهب إلى أبعد حدود الضلال في نظرهم لأنها وقفت على رأس أول اجتماع كبير للجنة الوفد المركزية للسيدات ، والذي عقد في الكنيسة المرقصية في 8 يناير 1920م أمام حوالي ألف سيدة مسلمة ومسيحية تطالب بضرورة العمل على انتزاع حق المرأة في كل المجالات على رأسها المجال السياسي والمساواة بين الجنسين حتى في النضال ضد المحتل الإنجليزي …
ثم تخرج على رأس المظاهرات النسائية من أجل الضغط على الحكومة .
واستمرت إحدى مظاهراتهن أياماً ولم يجرؤ أحد أن يقف في طريقها .) ( د. لطيفة سالم – المرأة المصرية والتغيير الاجتماعي)
أستطيع أن أفهم الآن لماذا شددوا الهجوم على مقالات روزا أنطوان وبولا العلايلي وغيرهما من المسيحيات اللاتي شاركن في الدفاع عن حقوق النساء .
وفكر الجماعات الإسلامية الذي يهاجم المرأة المسيحية – من كل الطبقات – ويطالب بأن يكشفن عن رؤوسهم وأقدامهن كعلامة تمييز واضطهاد وليس كعلامة حرية ...
وأن يحرمن من التساوي في الحقوق السياسية والاجتماعية وألا يتاح لهن فرصة التعليم والعمل المتساوي هو الذي يجعلنا نتساءل كيف ستدافع المرأة المسيحية عن نفسها ، وبدرجة أعلى : كيف ستدافع المسيحية الفقيرة عن نفسها في مجتمع يشحذ حماسه العنصري ضدها تحت لافتة الدولة الإسلامية ... ؟
لشد ما يزيد القلق حينما نسمع عن تفجر الاضطهاد في مدينة أسيوط والمنيا ، ومن قبل الزاوية الحمراء والخانكة ، تلك المناطق التي شهدت بروفات سريعة لعنف الجماعات الإسلامية ضد الأقباط بوجه عام… فماذا عن القبطيات إذا ما استولت تلك الجماعات على السلطة … ؟
طوبى لهن جميعاً.. ..
الفصل السادس
أسواق جديدة للجواري
الجارية والخوف من المجهول الذي ينتظرها ... والنخاس بصوته الغليظ ينادي على جمالها ... والسيد بعيونه الجاحظة وجيوبه المنتفخة بالمال يقلب المرأة البضاعة ويلوي شفتيه تعبيراً عن الرفض أو يبتسم نصف ابتسامة ليداري إعجابه حتى لا يبذل الكثير من المال لكن حيلته الساذجة تنكشف أمام خبرة ودهاء النخاس الذي يطالب جاريته دائما بإبراز المزيد من المفاتن ... وتظل المساومات على جسدها للبحث عمن يدفع أكثر ...
تلك الصورة القديمة القميئة التي انقرضت من تاريخ العالم منذ أكثر من مائة عام هل يمكن أن تعود مرة أخرى ؟
هل يمكن أن تتحول المرأة التي عاشت الاستقلال أو فكرت فيه … المرأة التي خرجت إلى الحياة فتعلمت وحصلت على الشهادات وتقلدت الوظائف …
المرأة التي لمست بعقلها وروحها ويديها حقيقة إنسانيتها …
هل يمكن أن تتحول إلى سلعة في سوق الرقيق مرة أخرى … ؟
أكاد لا أصدق أن هذا الحديث يدور ولو سراً في نهاية القرن العشرين – وبعد مرور زمن طويل على صدور وثيقة حقوق الإنسان ، فكيف ومناقشته علناً على صفحات الكتب وأمام القضاء …
وليس المقصود هنا الرق بمعناه النفسي أو المعنوي ، والذي يكاد أن يكون حقيقة لا تقبل النقاش وتحكم العلاقة بين الرجل والمرأة …
ليس المقصود هنا المعنى التبعي في العلاقة الذي يجعل الزوجة جارية لزوجها …
والذي عبرت عنه الجماعات الإسلامية بإلحاحها في استخدام الحديث القائل : -
( يا أيها الناس اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً فإنهن عندكم عوانٍ ( أسيرات ) لا يملكن لأنفسهن شيئاً . ) .
ولكن المقصود هو ذلك الجانب التشريعي والحقوقي الذي يدور حول مبدأ " وما ملكت إيمانكم "
المقصود هو الرق الجسدي الذي يتعامل مع صدور وأرداف النساء كمادة للبيع والشراء ...
الرق الذي يبغي الاستيلاء على نساء الجانب المهزوم في الحرب ...
الرق الذي يحفظ لنا التاريخ الكثير من صوره المخزية بخطف النساء وسرقتهن بالإكراه وإذلالهن وسوقهن كما تسوق الماشية لعرضهن في أسواق النخاسة ...
إن أفكاراً غربية تثيرها الجماعات الإسلامية بين ثنايا كتاباتها ومواقفها وتحاول أن تقدمها في شكل دعائي طنان وديماجوجي .. ليس من أجل تبرير التاريخ القديم بكل ما حمله من سلبيات ونوازع عدوانية فقط ، بل ولتمرير تلك الأفكار الشاذة إلى عقل الجمهور الآن ...
يقول أبو الأعلى المودودي الذي تقدمه الجماعات الإسلامية بأنه (زعيم شعبي وخطيب مفوه يستثير عزائم الجماهير ويستنهض هممهم ويستجيش مشاعرهم...)
يقول بصدد الحديث عن موضوع الرق : -
( إن إباحة التمتع بناء على حق الملكية واردة في غير واحدة من آي القرآن الحكيم بصراحة متناهية ... وإستعباد أسرى الحرب وبيعهم وشراؤهم كان وما زال رائجاً في الدنيا منذ قديم الزمان إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي ، ارجعوا بنظركم قليلاً إلى ما قبل بضعة قرون وافرضوا أن الحرب قائمة بين المسلمين وأمة أجنبية ، ويصيب المسلمون فيها آلافاً من نساء هذه الأمة وفيهن عدد كبير من النساء الجميلات والشابات …
أما العدو فلا يستنقذهن بدفع الفدية ، ولا يبادلهن بما قد أصاب من نساء المسلمين ، فلا يستطيعون أن يسرحوهن مناً عليهن ...
فقولوا لي الآن ماذا ينبغي أن نصنع بهذا العدد العظيم من نساء العدو الداخلات في دار الإسلام ؟
أما حبسهن بصفة دائمة فهو ظلم ، وأما تخلية سبيلهن في دار الإسلام فكأنه نشر لجراثيم الخلاعة والمجون والفسق والفجور في الدولة ، لأن الأضرار الخلقية لابد أن تنشأ بهن حيثما وضعهن في الدولة فيفسد المجتمع من جانب وتوصم جباههن بالعار والذل إلى الأبد …
من جانب آخر فهي مشكلة شائكة يعالجها الإسلام بتوزيعهن بين أفراد الأمة – جعل التمتع بناء على ملك اليمين من حق الرجال وما جعله من حق النساء . ) ( أبو الأعلى المودودي – الإسلام في مواجهة تحديات المعاصرة – ص81 )
فيالها من زاوية مثيرة للخيال التي يبرر بها المودودي بشاعة الرق ... زاوية تخاطب لدى الجمهور المهزوم كل نوازع الانتقام الشرس ... إنه يستثير في عقول سامعيه صورة الآلاف من نساء العدو ... ثم يركز على النساء الجميلات الشابات وسط هذه الآلاف من اللحم الأبيض ...
وحينما يسيل لعاب الرجال المستمعين – بعد أن سال لعاب الخطيب – فإنه يستخدم منطقاً متهافتاً للوصول إلى هدفه ، وهو تحبيب فكرة الرق وإبرازها على أنها منتهى العدل والحكمة ، فحبس هؤلاء النساء ظلم من وجهة نظره ... لأن تلك الأجساد الجميلة الشابة حرام أن تحبس ، وإنما يجب أن يستمتع بها الرجال ، بما يؤكد التصور السائد لدى الجماعات الإسلامية الذي لا يرى في المرأة إنسانا كامل الإنسانية ويقف على قدم المساواة مع الرجل ، بل على أنها كتلة من اللحم تثير المشاعر الجنسية ويجب أن تصب فيها الشهوة الجنسية ...
وإذا كانت تخلية سبيل الأسيرات نشراً لجراثيم الخلاعة والمجون والفسق والفجور في الدولة ... فإن الشيخ يقترح حلاً أعجب ، فهو يقترح توزيع هؤلاء الجميلات على أفراد الأمة ، فكأنه يخشى على الشوارع مثلاً من وجودهن فيها ، ولكنه في نفس الوقت يمكنهن من الوجود والانتشار والتمركز في عصب الأمة ... في بيوتها ...
ولكن على الجماهير ألا تدع خيالها يذهب بعيداً فأجمل الحسان والبيض الغزلان سوف يكن من نصيب شيوخ الأمة وزعمائها المفوهين ، والأقل جمالاً سوف يكن من نصيب رجال الصف الثاني وهكذا ، فالأمر ليس مباحاً للجميع في هذا النسق الأيديولوجي ، والتاريخ لا يذكر أن فرداً من جمهور الفقراء امتلك جارية من نساء العدو أو من غيرهن ، ولكنه يذكر دائماً أن جمهور الفقراء هذا كان جسم الجيش وأداة الحرب التي حققت رغبات السادة الزعماء .
إن المودودي يقاتل في القضية السابقة أي محاولة لتحريم الرق، ويتصدى لأي محاولة تجميل لهذا الحكم، فيوجه نقداً قاسياً لكاتب حاول أن ينفي شبهة الرق عن الإسلام بقوله : " فهل بإمكان الكاتب الفاضل أن يشير إلى حكم من أحكام القرآن قد ألغى كل أنواع الرق إلغاء قاطعا بالنسبة للمستقبل ؟ والإجابة بالتأكيد لا . " ( أبو الأعلى المودودي – الإسلام في مواجهة تحديات المعاصرة – ص64 )
إذن فطالما أنه ليس هناك نص يلغي هذا الحكم فهو يطالب باستمراره الآن وفي المستقبل ... !!!
أما وثيقة حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق فلا تعني المودودي وغيرها من زعماء الجماعات الإسلامية ومـُنظريهم لأنها وببساطة تتعارض مع مصالحهم وأمانيهم في امتلاك الجواري الحسان اللاتي سيعاملهن على أنهن أجساد للهو ومستفرغات للشهوة الجنسية بصرف النظر عن أي قيمة إنسانية .
وهذا رمز آخر من رموز الجماعات الإسلامية وهو الشيخ صلاح أبو إسماعيل يدافع عن عودة الرق في شهادته أمام القضاء بقوله :
( جعلت مدخلي إلى الحديث عن الرق وحكم الإسلام فيه بأن ذكرت " الأنبا شنوده " والحاضرين بالمرأة الإسرائيلية التي ضربت بقذائف طائراتها مدرسة بحر البقر وقتلت أطفالنا وأصابت هدفاً ثم أسقتطها المدفعية المصرية فهبطت بالبراشوت ووقعت أسيرة في أيدينا فما حكم الإسلام فيها وهل هو عدل أم ظلم؟
إن الإسلام يبيح لجماعة المسلمين أن يروا رأيهم في مصير هذه الأسيرة على مفترق طرق أربع على ضوء مصلحة الإسلام والمسلمين : -
1ـ فلهم أن يطلقوا سراحها بلا مقابل.
2ـ أو بمقابل كتبادل الأسرى .
3ـ ولهم أن يضربوا عنقها وهي بلا شك تستحق ذلك .
4ـ ولهم أن يتخذوها أمة رقيقة – وهي بلا شك – تستحق ذلك .) ( صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل في قضية تنظيم الجهاد – ص78 )
ونلاحظ أن تفضيلات الشيخ اتضحت في ضرب العنق أو في كونها تصبح أمة رقيقة بعد أن تقرر جماعة المسلمين من الرجال أصحاب المصلحة أي الحلـَّين يختارون .
وصلاح أبو إسماعيل يستخدم في حديثه السابق نفس طريقة ومنطق المودودي العنصري الذي يتكشف هنا في رده علي الأنبا شنودة - وهو رمز مسيحي - يجسد الجماعات الإسلامية مع الأقليات في المجتمع المصري , ثم يكشف عن الطريقة الديماجوجية التي تستخدمها الجماعات الإسلامية عند الحديث عن أي قضية حساسة ، وخصوصاً قضية المرأة والرق ، ولكن الطريقة أو مهارة الخطيب اللفظية لا نستطيع إخفاء عيوب كثيرة ناتجة عن ضحالة الأفكار نفسها …
ويذهب الشيخ صلاح أبو إسماعيل مع فكرة رق النساء إلي حد الاستفاضة في شرح آليات كيفية تحول المرأة إلى جارية - كل هذا أمام هيئة محكمة عصرية ، وبحجة الدفاع عن مشروعية القتل والذبح والامتلاك فيقول :-
فإذا صارت أمة رقيقة فإنها تؤول إلي ملك رجل بعينه بحكم الشرع الشريف ولمالكها أن يستبرئها بحيضة ليتيقن براءة رحمها من أن يكون مشغولا بحمل من غيره .
فإن لم تكن حاملاً يعاشرها معاشرة الأزواج بملك اليمين فإن حملت منه ووضعت فقد صارت أم ولد هو أبوه فإن مات سيدها ورثه ولدها منه . ولما كانت أم هذا الولد من ممتلكات أبيه فسوف تؤول ملكيتها إلى الوارث الجديد وهو ولدها ، والإنسان لا يمتلك أصله ولا فرعه . وبذلك تتحرر بحكم الشرع حيث يرث ملكيتها ولدها . " ( صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – ص78 )
فأي منطق هذا الذي يدور حول الأفكار ويلوي عنقها لتثبت عكس ما تعنيه ... ؟
أي منطق هذا الذي يتحدث في البداية عن عدالة تحويل هذه المرأة إلى رقيق يمتلكه الرجال … ؟
ثم عدالة وضعها وهي جارية … ؟
ثم عدالة تحويلها إلى إرث يتركه السيد بعد وفاته … ؟
ثم عدالة أن يصير أمرها إلى الوراثة … ؟
ثم عدالة حصولها على الحرية بعد المشوار الطويل … ؟
لماذا كل هذا العناء وقد كانت المرأة حرة منذ البداية لا يملكها إنسان آخر … ؟
أكل ذلك من أجل تحليل طرق استمتاع الرجل بأكبر كمية ممكنة من النساء وتغذية روح الملكية لديه … ؟
لنعود نسمع عن فلان الذي يمتلك عشرات الجواري ، وفلان الذي يتسابق مع الآخرين على ملكية الأجمل من النساء إلى آخر تلك المهازل التاريخية .
والغريب أن هؤلاء الدعاة الإسلاميين يتعاملون مع فكرة الرق وكأنها حق لا يقبل النقاش .. فهم يذهبون في تفسير فروعه كتفسير مظهر الجارية وملابسها ووضعها في العلاقة الجنسية مع مالكها وتحديد الفرق بينها وبين الحرة في تلك الأوضاع كما في كتاب حجاب المرأة ولباسها في الصلاة – وهو من كتب التراث التي أعادت الجماعات طباعتها من جديد :
" الحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي وخلفائه ، أن الحرة تحتجب والأمّة تبرز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمّة مختمرة ضربها وقال أتتشبهين بالحرائر أي لكاع !
فيظهر من الأمّة رأسها ويداها ووجهها . " ( شيخ الإسلام – ابن تيمية – حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة – ص37 )
ويؤكد على نفس المعنى في موضع آخر :
"وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب "
ثم يقول في الهامش : -
" كأنه يشير إلى ما رواه البيهقي عن أنس قال : -
كن إماء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضطرب ثديهن، وسنده جيد . " (ابن تيمية – المصدر السابق ص43 )
ومع التمييز بين الحرة والأمّة في المظهر ، فإن متن النصوص يكشف عن كيفية استغلال أجساد الإماء نفسها .. حيث نجد الكثير من الفروق في المعاملات فعلى سبيل المثال نجد فكر الجماعات الإسلامية يهاجم تحديد النسل ويهاجم كل طرقه ووسائله ومنها وسيلة العزل التي يعترف أبو الأعلى المودودي أنها وسيلة غير إنسانية وتحدث الكثير من الأضرار السيئة في نفسية المرأة وتكوينها، إلا أنه لا يرى ضررا في استخدامه مع الجواري : -
" فلابد أن تكون النتيجة لاتخاذ تدابيره الصناعية أن ينشأ التوتر في نظام المرأة الجسماني ويلازمها – شيئاً فشيئاً – القلق والاضطراب والتبرم والضجر ، لأنها عندما لا تشبع غريزتها الجنسية فإن علاقتها بزوجها يعتريها – ولابد – الشذوذ والانزعاج وقد شوهدت هذه النتائج بصفة خاصة في الذين يختارون طريق العزل لمنع الحمل . " ( أبو الأعلى المودودي – حركة تحديد النسل – ص81 )
وهكذا فهو يهاجم بوضوح أسلوب العزل لما له من آثار خطيرة على المرأة ، وبرغم ذلك يحلل استخدامه في وضع الجواري فهو يقول : -
( إن العزل وهو إحدى الوسائل المستخدمة في تحديد النسل كان يستخدم في حالات بعينها وهي : -
1ـ خشية أن تحمل الأمّة " الجارية "
2ـ خشية أن تستحق الأمّة إقامة دائمة إذا صارت أم ولد . ) ( أبو الأعلى المودودي – حركة تحديد النسل ص141 )
ولكن أليس استخدام أجساد هؤلاء النسوة في الأغراض الجنسية مع حرمانهم من كل الحقوق حتى حق المرأة في أن تصبح أماً ، أو حقها في الاستمتاع بالعلاقة مع الرجل ، هو أشد أنواع الدعارة والعهر وأشدها رخصاً وأشدها ابتذالاً وأشدها إذلالاً لإنسانية المرأة …
إن الجماعات الإسلامية التي تدعي في مواضع أخرى أنها تبغي القضاء على الدعارة قضاء تاماً … تفتح لها باباً واسعاً ولكنه باب خاص بالسادة أصحاب النفوذ في دولتهم …
إن حديثهم عن الرق في النصوص السابقة وفي مواضع أخرى إلى جانب أنه يشحذ الروح العنصرية لدى جمهورهم الساخط حتى يسهل توجيهها بعد ذلك الوجهة التي يريدون ، فهو يحمل أيضاً إمكانية إحداث أنواع ودرجات من التفريق بين الناس يكون تحقيقها مرهوناً بمدى قوة الجماعات الإسلامية وصعودها إلى السلطة … وبمدى وعي الجمهور أو غياب وعيه …
إن سيناريو العبودية التاريخي السابق يمكن أن يأخذ أشكالاً جديدة ترتكن على قاعدة قبول المبدأ … قبول التفرقة … قبول الاستبداد وخصوصاً ضد النساء فهل ننتبه إلى حقيقة هذا الخطر الصاعد … أم نتركه حتى نفاجأ به يطبق علينا نحن النساء المعاصرات كل تصوراته السابقة ؟
مصادر الأحاديث النبوية الشريفة
أولا : أحاديث شريفة ذكرت بالكتاب وبتحقيقها تبين أنها وردت في الصحاح الثمانية ( البخاري ـ مسلم ـ أبو داود ـ ابن ماجه ـ النسائي ـ الترمذي ـ مالك ـ أحمد بن حنبل ):
1ـ << المرأة تأتي على صورة شيطان .. فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها >>
أخرجه أبو داود في النكاح : 42 – وتكملته << فإنه يضمر في نفسه >>
2ـ << استوصوا بالنساء خيرا ..>>
أخرجه البخاري في الأنبياء : 1، وفي النكاح : 80 ومسلم في الرضاع : 62. والترمذي في الرضاع 11 وفي تفسير سورة 2:9 وابن ماجة في النكاح : 3
3ـ << النساء ناقصات عقل ودين >>
أخرجه البخاري في الحيض : 16 وفي الزكاة : 44 ومسلم في الإيمان 132. وأبو داود في السنة 15. والترمذي في الإيمان 6 وابن ماجة في الفتن : 19. وأحمد في 2: 67 ، 373 ، 374.
4ـ << إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها >>
أخرجه أحمد في 6 : 19 : 77.
5ـ <<استأخرن فأنه ليس لكن أن تحققن الطريق .. >> الخ .
أخرجه أبو داود في الأدب : 168.
6ـ << لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة >>
أخرجه البخاري في المغازي : 82 وفي الفتن : 18، والترمذي في الفتن : 75 والنسائي في القضاة : 8 .
7ـ << الأيم أحق بنفسها من وليها >>
أخرجه أبو داود في النكاح : 25، والترمذي في النكاح: 18 وابن ماجة في النكاح : 11، والدرامي في النكاح: 13، ومالك في النكاح: 4أ وأحمد في 1: 219 : 242 ، 345، 235، 362.
8ـ << لا تنكح البكر حتى تستأذن >>
أخرجه البخاري في الحيل : 11، وفي النكاح 41، وفي الإكراه : 3 ومسلم في النكاح: 64، 66، 68 وأبو داود في النكاح : 23،25، والترمذي في النكاح : 18، والنسائي في النكاح : 31، وابن ماجة في النكاح : 11، والدرامي في النكاح : 13، ومالك في النكاح : 4 وأحمد في 219، 242، 345، 355، وفي 97، 229.
9ـ << حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها ولو كان على ظهر قتب .. >> الخ .
أخرجه ابن ماجة في النكاح 4 وأحمد في ك 4، 381
10ـ أشمي ولا تنهكي، فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج >>
أخرجه أبو داود في الأدب : 167.
11ـ << إذا دعا رجل امرأته إلى فراشه .. >> الخ .
أخرجه البخاري في بدء الخلق : 7 وأبو داود في النكاح : 40 والترمذي في الرضاع :10.
12ـ << لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد .. ..>> الخ
أخرجه ابن ماجة في النكاح : 4 وأحمد في 4 : 381 وفي 6 : 76
13ـ << ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس .. .. >> الخ
أخرجه البخاري في الصلح : 2 ومسلم في البر: 101 والترمذي في البر 26 وأحمد في 6: 403.
14ـ << خير نسائكم الولود الودود >>
أخرجه أبو داود في النكاح : 3، والنسائي في النكاح: 11 وأحمد في 3 : 158 : 245.
15ـ << يا أيها الناس اتقوا الله في النساء .. >> الخ.
أخرجه أبو داود في المناسك : 56 وابن ماجة في المناسك : 84 والدرامي في المناسك : 34 وأحمد في 5 : 72.
ثانيا : أحاديث ذكرت بالكتاب وبتحقيقها تبين أنها لم ترد في الصحاح الثمانية :
( البخاري ـ مسلم ـ أبو داود ـ ابن ماجة ـ النسائي ـ الترمذي ـ مالك ـ أحمد ابن حنبل )
1ـ النساء سفهاء إلا التي أطاعت زوجها
2ـ حديث وافدة النساء .
3ـ << إياك والخلوة بالنساء .. >>الخ
4ـ << لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد .. >> الخ.
5ـ << يا فاطمة أي شيء خير للمرأة .. >> الخ.
6ـ << لحصير في ركن البيت خير من امرأة لا تلد >>
7ـ حديث رجل يشكو الفقر .. فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج.
8ـ << إن النكاح نوع رق.. >> الخ.
9ـ << سوداء ولود خير من حسناء لا تلد >>
10ـ << كن إماء عمر – رضي الله عنه – يخدمننا كاشفات عن شعورهن – تضطرب ثديهن >>
11ـ << للمرأة عشر عورات .. >> الخ.
ولنا تعليق :
هذه الأحاديث رغم أنها لا ترقى إلى درجة الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحاح الثمانية إلا أن الجماعات الإسلامية تعول عليها ويجري استخدامها كثيرا والاعتماد عليها في أدبياتهم بل يعمدون إلى الإلحاح عليها بما يحمله بعضها من تكثيف مشاعر العداء والغضب ضد المرأة .
قائمة المراجع
ـ أبو الأعلى المودودي – تفسير سورة النور :
ـ أبو الأعلى المودودي – حقوق الزوجين – تعريب أحمد إدريس – مكتبة القرآن.
ـ أبو الأعلى المودودي – حقوق أهل الذمة في الإسلام – كتاب المختار – سلسلة نحو طلائع إسلامية واعية.
ـ إبراهيم النعمة – العمل والعمال في الفكر الإسلامي – الدار السعودي للنشر والتوزيع.
ـ ابن تيمية – شيخ الإسلام – فتاوى النساء – مكتبة القرآن
ـ ابن تيمية – أبي العباس أحمد – السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية
ـ تحقيق محمد إبراهيم البنا – دار الشعب
ـ البهي الخولي – المرأة بين البيت والمجتمع – من رسائل الإخوان المسلمين – مطابع دار الكتاب العربي بمصر – 1953م
ـ أبو حامد الغزالي – الزواج السعيد – تحقيق محمد عثمان الخشت – مكتبة القرآن
ـ إقبال بركة – تأثير الفكر العربي المعاصر على حركة المرأة – بحث مقدم إلى المؤتمر الأول لجمعية التضامن المرأة العربية
ـ أمين عز الدين – تاريخ الطبقة العاملة المصرية 1919 – 1929م الجزء الثاني دار الشعب – من الثورة الوطنية إلى الأزمة الاقتصادية
ـ آمال السبكي – الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين 1919 و1952 م – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م
ـ حسن البنا – أصول دعوة الإخوان المسلمين – الرسائل الثلاث للإمام الشهيد حسن البنا – دار الشهاب
ـ حسن البنا – حديث الثلاثاء – سجلها وأعدها محمد عيسى عاشور – مكتبة القرآن
ـ حسن البنا وآخرون – المرأة المسلمة – خرج أحاديثه وراجعه محمد ناصر الدين الألباني – دار الكتب السلفية بالقاهرة الطبعة الثانية 1407 هـ
ـ حسن البنا – مذكرات الدعوة والداعية للإمام الشهيد حسن البنا دار التوزيع والنشر الإسلامية.
ـ رفعت السعيد – حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين متى – كيف – لماذا ؟ دار الثقافة الجديدة.
ـ زينب الغزالي – أيام من حياتي – دار الشروق
ـ السيد سابق – فقه السنة – الجزءان السابع والعاشر
ـ سيد قطب – السلام العالمي والإسلام
ـ صلاح أبو إسماعيل – الشهادة – شهادة الشيخ في قضية تنظيم الجهاد – دار الاعتصام
ـ عمر عبد الرحمن – كلمة حق – دار الاعتصام
ـ فؤاد زكريا – الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة – دار الفكر للدراسات والنشر
ـ محمد البوطي – إلى كل فتاة تؤمن بالله
ـ محمد علي قطب – بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم – مكتبة القرآن
ـ محمد علي قطب – الحب والجنس من منظور إسلامي – مكتبة القرآن
ـ محمد البهي – الإسلام واتجاه المرأة المسلمة المعاصرة دار الاعتصام – سلسلة المرأة المسلمة
ـ محمد عبد الحكيم خيال – محمود محمد الجوهري – الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية – دار الدعوة
ـ محمد الغزالي – سؤال عن الإسلام – الجزء الثاني دار ثابت
ـ محمود عبد الحليم – الإخوان المسلمون – أحداث صنعت التاريخ – دار الدعوة – الجزء الأول رؤية من الداخل 1983م
ـ محمد متولي الشعراوي – المرأة المسلمة والطريق إلى الله – مكتبة القرآن
ـ د. محمد أنيس دراسات في وثائق ثورة 1919م الجزء الأول المراسلات السرية بين زغلول وعبد الرحمن فهمي – الطبعة الأولى 1963م
ـ شباب محمد – صلى الله عليه وسلم – رسائل الدعوة دستور سلوك المسلم في البيت والمجتمع – الطبعة الأولى 1398هـ – 1978م
ـ شباب محمد – صلى الله عليه وسلم – رسائل الدعوة – الشريعة الإسلامية والأجانب في الإسلام شرعيا ووضعيا وتاريخيا – محمد عطية خميس
ـ متى ميخائيل – عرائس في المولد – دراسات حول المرأة العربية – ترجمة محمد عوض خميس – دار العربي 1987م
ـ محيا زيتون – نحو أساس موضوعي لتقييم دور المرأة العربية في النشاط الاقتصادي بحث مقدم إلى المؤتمر الأول لجمعية تضامن المرأة العربية من 1ـ 3 سبتمبر 1986م
ـ ليفين ( ز – إ ) تطور الفكر الاجتماعي العربي 1917 – 1945 ترجمة د. أنور محمد إبراهيم – دار العلم الجديد – القاهرة الطبعة الأولى 1988م
ـ لجنة النشاط الثقافي والسياسي بكلية الطب البشري جامعة الإسكندرية – الاختلاط بين الجنسين في نظر الإسلام
ـ د. لطيفة محمد سالم – المرأة المصرية والتغيير الاجتماعي – 1919 – 1945 سلسلة مصر النهضة – مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصرة – الهيئة العامة للكتاب 1984م
ـ نعمت صدقي – التبرج – سلسلة المرأة المسلمة دار الاعتصام
ـ د. نبيل راغب – هدى شعراوي وعصر التنوير – سلسلة تاريخ المصريين رقم 12 – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988م
ـ طه عثمان – مذكرات ووثائق من تاريخ عمال مصر – الكتاب الثاني – مكتبة مدبولي 1982م
- الأهرام – مجلس الشعب يوافق بالإجماع على قانون الأحوال الشخصية ـ 1/7/1985
- الأهرام – حديث تسجيلي – مواجهة ساخنة مع رئيس شركة توظيف أموال إسلامية 11/2/1987
- الشعب – 31/3/1987م – الصفحة التاسعة
- مجلة أكتوبر – 3 يناير 1988م
- مجلة الحوادث – العدد 1543 – الجمعة 30 مايو 1986م
- مجلة المصور – العدد 3230 – 5/9/1986م
- مجلة الدعوة – العدد الخمسون السنة الثلاثون 424 يوليو 1980م
- مجلة المرأة الجديدة – يوليو 1986م – العدد 2
*****
في دار الحكمة ، مقر نقابة أطباء مصر ، والتي تحولت إلى معقل للجماعات الإسلامية ، انعقدت ذات مساء من عام 1986 الندوة التي دعت إليها النقابة تحت عنوان " الإسلام والعلمانية " حيث دعي للحديث الشيخ الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي مع الدكتور فؤاد زكريا.
ومن بين الآلاف من جمهور الجماعات الإسلامية الذين احتشدوا في محاولة لاستعراض القوة .. .. ورغم دكتاتورية منظمي الندوة ..
حاولت الكاتبة " سناء المصري " التساؤل ماذا عن وضع المرأة .. ..
وماذا عن وضع المسيحيين .. ماذا عن وضع الأقليات في المجتمع الذي تدعو إليه الجماعات ؟
وكانت تلك اللحظة كما يقول الدكتور فؤاد زكريا في تعليقه على الندوة بمجلة المصور [ أشد اللحظات حرجاً .. .. وكانت الندوة على وشك أن تنقلب إلى معركة دامية وأخذ الكثيرون يصرخون مطالبين إياها بالسكوت . وأغمي على أحدهم لأنه لا يستطيع الاستمرار في سماعها ولا يستطيع في الوقت ذاته أن يفتك بها]
وكانت تلك اللحظة بالنسبة للكاتبة التي خرجت من القاعة بأعجوبة بداية التفكير والعكوف على دراسة هذا الموضوع :
الأقليات في فكر الجماعات الإسلامية .. وكان موضوع المرأة – نظرا لما يحظى به من اهتمام في فكر الجماعات ذاتها – أول إنجاز لها.
Thursday, May 24, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
3 comments:
wowo
'[;;;
thx
شركه تنظيف
Post a Comment