Monday, May 14, 2007

النص المؤسس و مجتمعه - خليل عبدالكريم(5)ا

بداية الكتاب




اَلسِفْرُ اَلأَوَّلُ وَاَلثَانِى

خليل عبد الكريم



الطبعة الأولى 2002

منشورات الجمل, كولونيا , ألمانيا

دار مصر المحروسة

13 شارع قولة امتداد محمد محمود ـ عابدين , القاهرة ـ مصر

تليفون 3960599 ـ فاكس 6360922





السفر الأول







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





الباب الأول

آيات كريمة أشرقت تحقيقًا لِرغبة القائد

وأخرى تلبية لرجاوات تبعه



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الفصل الثالث

آَيَاتٌ هَلَّتْ مُوَافِقَةٌ لِعِبَارَاتٍ فَاهَ

بِهَا بَعْضُ اَلصَّحّابَة



من ص 201 إلى 220



مقدمة

وافقت ربى فى ثلاث

أفلا نتخذه مُصلى

عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنّ

عودة للتنقير

موقف الطبالون

آية الإستئذان

اللهم إعطنى فهمًا

مزيدًا من التوثيق

كتب التفسير تؤيد

حديث: حِسّ أو .. أو

أُحْجِية ( لغز ) من تاريخ الإسلام

الآية الخامسة

تشريع قتل الأسارى

أصحاب آخرون

(1) أبو طلحة

من هو أبو طلحة

(2) أبو أيوب الأنصارى







*******

مقدمة


آيات هلّت موافقة لعبارات فَاه بها بعض الصحاب, أو اقتراحات قدموها, وأخرى توقعوا بزوغها فى بعض المواقف.



*******



قدمنا فى الفصل السابق أن ( السبع المثانى / القرآن ) أشرقت آيات عديدة منه تحقيقًا لرجاوات صحابيات وصحابة, بيد أنه لم يقف عند هذا الحد بل خطًا أروع وهى تقديم آيات كريمة قريبة أو حتى مُشاكلة لجُمل تكلم بها واحد أو أكثر منهم.



ونوع آخر آيات مجيدة بزغت بناء على اقتراحات طرحوها على ( الظفور ) فلاقت منه استحسانًا وصادفت قبولاً وألفت ارتياحًا ووجدت إستجابة وقابلت ترحيبًا.





*******

وافقت ربى فى ثلاث


أشهر التبع فى المضمار هو العدوىّ ابن الخطاب:

( روى البخارى وغيره عن عمر قال: وافقت ربى فى ثلاث, قلت يارسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مُصلى؟ فنزلت { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وقلت يا رسول الله أن نساءك يدخل عليهن البَرّ والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن, فنزلت آية الحجاب { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا } [ سورة الأحزاب 53 ] . واجتمع على رسول الله ـ ص ـ نساؤه فى الغيرة, فقلت له عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن, فنزلت الآيى.

وله طرق كثيرة منها أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه عن جابر قال:

امل طاف النبى ـ ص ـ قال عمر: هذا مقام أبينا غبراهيم؟

قال: نعم, قال: أفلا نتخذه مُصلى؟ فأنزل الله { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }. [ البقرة 125 ] [ لباب النقول للسيوطى ـ طبعة الشعب ص 18 ].



الحديث أخرجه ألأبخارى وهو من هو وابن حاتم وابن مروديه وغيرهم.

وأورده أبو عمر نادى الأزهرى بنصه وعزاه إلى البخارى وغيرهم فى نهاية السلول ص 27.

أما فى المقبول ص87 فقد ذكر أن الترمذى والنسائى ( وهما من أصحاب الصحاح الستة ) أخرجاه عن أنس.

وذكر الحافظ بن عبد البر النمرى ( ... ومن حديث ابن عمر أيضًا قال: نزل القرآن بموافقته فى أسرى بدر, وفى الحجاب وفى تحريم الخمر وفى مقام إبراهيم ) [ الإستيعاب ج5 ـ ص 142 ].



*******

أفلا نتخذه مُصْلى


فإذا انعطفنا إلى كتب التفسير, نجد عند الإمام الرازى ( ... ما روى أنه ـ ص ـ مَرَّ بالمقام ومعه عمر فقال يل رسول الله: أليس هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: بلى, قال أفلا نتخذه مُصلى؟ قال: لم أُمر بذلك فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت الآية ). [ مفاتيح الغيب ـ التفسير الكبير: للإمام فخر الدين الرازى ـ المجلد الثانى ـ الجزء الرابع ـ ص 403 ].



هذا الحديث ذكر لنا أن الآية المجيدة أقبلت بأريجها العطر فى ذات اليوم أو بعد سويعات من ماتمس العدوىّ عمر.



ويحدد ابن جزّى الكلْبىّ ما حدث أى إنبعاث الآية المذكورة بالآتى: ( وافق قول عمر ـ رض ـ لو اتخذت من مقام إبراهيم مُصلى ) [ كتاب التسهيل لعلوم التنزيل : الجزء الأول ـ ص 60 ].



أى أن الآية الحميدة ومطلب ابن الخطاب توافقا, أى جاءت حروفهما متطابقة, وسوف نرى أنه تكرر ولعل هذا يضئ لنا حَفَاف الحديث المحمدى الشريف:

( وروى من حديث عُقبة بن عامر وأبى هريرة عن النبى ـ ص ـ أنه قال: لو كان بعدى نبى لكان عمر ). [ الإستيعاب لابن عبد البر ـ المجلد الخامس ـ ص 142 ].



فهل انبِجاس آيات كريمات من ( البشرى / القرآن ) مشاكلة للألفاظ التى يدلى بها العدوىّ أحد أسباب ورود الحديث سالف الإلماع؟.



*******



أما القرطبى فهو يرتفع بعدد موافقات العدوىّ للذكر الحكيم إلى أربع:

( عن أنس بن مالك قال: قال عمر: وافقت ربى فى أربع:

قلت: يا رسول الله لو صليت خلف المقام, فنزلت الآية { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى .... إلخ }.

وقلت يا رسول الله لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل علهن البَرّ والفاجر فانزل الله { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ .... إلخ }

ونزلت هذه الآية { وَلِقَدْ خَلَقْنَا اَلإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِيْنٍ } فلما نزلت قلت أنا تبارك الله أحسن الخالقين, فنزلت { فَتَبَارَكَ اَللهُ أَحْسَنْ اَلْخَالِقِينَ }.

ودخلت على أزواج النبى ـ ص ـ فقلت: لتنتهن أو ليبدله الله بأزواج خيرًا منكن فنزلت الآية : { عَسَى رَبِّهِ إنْ طَلَقَكُنَّ أَنّ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ }. [ تفسير القرطبى: فاتحة المجلدات ص 497, 498 ].



*******



أخرج البخارى والنسائى وابن ماجه عن أنس قال عمر: وافقت ربى ثلاث ..

واجتمع على رسول الله ـ ص ـ نساؤه فى الغيرة فقلت لهن: { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } [ سورة التحريم : 5 ]. [ المقبول للأزهرى ص 686 ].



هذا الحديث خرّجه البخارى والنسائى وابن ماجه وهم ثلاثة من أصحاب الصحاح الستة ورواه أنس بن مالك , وهو خادم ( الأعز ) أى أن الحديث ناء عن التجريح وورد به أن الآية الشريفة انفجرت كالنبع الصافى بذات الكلمات التى تلفظ بها العدوىّ, وأكد السيوطى أن سبب نزولها قول عمر. [ لباب النقول للسيوطى ص 173 ].



ومن كتب التفسير { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ } الآية وروى أن عمر قال ذلك ونزل القرآن بموافقته.



ولقد قال عمر جينئذ للنبى ـ ص ـ والله يا رسول الله لئن امرتنى بضرب عنق حفصة لضربت عنقها.[ التسهيل للكلبى الجزء الرابع ص 132 ].



ابن جزىّ الكلبى فى تفسيره للآية يؤكد أن ابن الخطاب هو الذى فاه بالألفاظ التى تضمنتها الآية الكريمة, أما الذى جاء فى ختام الخبر فلا تعليق لنا عليه إلا أنه م هواة قطع الرقاب, والطريف أنه لم يستثمر هذه الهواية المُعجبة مع الأعداء لأنه فرَّ مع الذين هربوا من وجه القرشيين فى غزوة أحد !!! .





*******

عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنّ


وفى تفسير ابن كثير ( عن أنس قال عمر بن الخطاب بلغنى شئ كان بين أمهات المؤمنين وبين النبى فاستقريتهن أقول لتكفّن عن رسول الله أو ليبدله الله خيرًا منكن حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين فقالت ياعمر أما فى رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهم؟.

فأمسكت فأنزل الله عز وجل { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ..... } الآية [ التيسير: خلاصة تفسير ابن كثير ص 1203 ].



هذه الزوجة الشجاعة التى إعترضت العدوىّ لأنه حشر نفسه بين ( الملئ ) ونسونه هى هند أم سلمة بنت زاد الركب, رغم صلة قرابة بينهما والحق معها ولا ندرى بأى سند من دين أو عرف اجتماعى عمل هذه العملة؟ فى حين ان هناك من اصحاب لو فعلها فلا أحد يُثَرّبْه مثل العباس بن عبد المطلب عم ( ذى الحطيم ).



( قال عمر: ... حتى دخلت على أم سلمة لقرابتى منها فكلمتها فقالت أم سلمى: عجبًا لك يا ابن الخطاب, دخلت فى كل شئ تبتغى أن تدخل بين رسول الله ـ ص ـ وأزواجه فأخذتنى والله أخذًا, كسرتنى عن بعض ما كنت أجد, فخرجت من عندها ) [ أم سلمة لأمينة الحسنى ـ الجزء الثانى ـ ص 153 ].



ونظرًا لما تمتعت به أم سلمة من شخصية قيادية نسائية ولعراقة نسبها وأصالة حسبها ولسمو شرفها ولحظوتها لدى زوجها لحسنها وجمالها استطاعت أن تزاجه العدوىّ وتنتقد مسلكه وكسرته حسب عبارته.



الخلاصة إذن أن هذه الآية التى تناولناها بالتحليل من حيث أسباب انبثاقها تؤكد أن إشراقها نم عن فكرة طرحها ابن الخطاب, وفى رواية أخرى بذات التركيب الذى رصّه أو رصفه.



وهناك آية خامسة نزلت على لسان العدوىّ ابن الخطاب:

( أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى: أن يهوديًا لقى عمر فقال: إن جبريل الذى يذكر صاحبكم عدو لنا, فقال عمر: { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } البقرة 98 ) [ المقبول ص 67, 68 ].



أما السيوطى فقد أورده مطولاً وفى عُجُزه ( ... ثم أتيت النبى ـ ص ـ وأنا أريد أن أخبره فلما لقيته قال ألا أخبرك بآيات أنزلت علىّ ؟ فقلت: بلى يا رسول الله فقرأ { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }, قلت: يا رسول الله والله ما قمت من عند اليهود إلا إليك لأخبرك بما قالوا لى وقلت لهم فوجدت الله قد سبقنى. [ لباب النقول ص 14]



( قوله { ‏مَن كانَ عَدُوّاًً للهِ وَمَلائِكَتِهِ }‏ الآية‏.‏ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال‏:‏ أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال‏:‏ حدثنا أبو يحيى الرازي قال‏:‏ حدثنا سهل بن عثمان قال‏:‏ حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب ـ رض ـ عنه‏:‏ كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة وموافقة التوراة القرآن فقالوا يا عمر ما أحد أحب إلينا منك قلت ولم قالوا‏:‏ لأنك تأتينا وتغشانا قلت‏:‏ إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضاً وموافقة التوراة القرآن وموافقة القرآن التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله ـ ص ـ وسلم خلف ظهري فقالوا‏:‏ إن هذا صاحبك فقم إليه فالتفت إليه فإذا رسول الله ـ ص ـ قد دخل خوخة من المدينة فأقبلت عليهم فقلت‏:‏ أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله فقال سيدهم‏:‏ قد نشدكم الله فأخبروه فقالوا‏:‏ أنت سيدنا فأخبره فقال سيدهم‏:‏ إنا نعلم أنه رسول الله قال‏:‏ فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله ـ ص ـ ثم لم تتبعوه قالوا‏:‏ إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة فقلت من عدوكم ومن سلمكم قالوا‏:‏ عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة والإصار والتشديد قلت‏:‏ ومن سلمكم قالوا‏:‏ ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين والتيسير قلت‏:‏ فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أنه يعادي سلم ميكائيل وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنهما جميعاً ومن معهما أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله ـ ص ـ فاستقبلني فقال‏:‏ يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي من قبل قلت‏:‏ بلى فقرأ ‏{ ‏قًل مَن كانَ عَدُوّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ }‏ الآية حتى بلغ ‏{ ‏وَما يَكفُرُ بِها إِلا الفاسِقونَ‏}‏ قلت‏:‏ والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر‏.‏

قال عمر‏:‏ فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر‏.‏ ) [ أسباب النزول للواحدى النيسابورى ص 17, 18].



والحق أننى عندما قرأت هذين الأثرين لأكثر من مرة حاك فى صدرى شئ, إذ كيف يجرؤ هذا العدوىّ أن يجعل الله ذا القوة والجبروت مسابقه, وأنه أشد فى دين الله من حجر, ألم يفطن إلى ما لفظه من تجاوز وجنوح, أو لعله كانت تتنزل عليه الآيات ؟؟.



*******

عودة للتنقير
ثم نؤوب إلى سياق التنقير:

أورد الفخر الرازى الخبر ذاته وصمَّنه قول العدوىّ ليهود ( ولأنتم أكفر من حمير ). [ مفاتيح الغيب المجلد الثانى ج3 ـ ص 267 ].

هنا نجد أنه خرج عن الحدود التى رسمها القرآن للمسلمين فى جدالهم مع اهل الكتاب : { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ العنكبوت: 46 ].

وعن أمره الكريم لهم بأن يُحسنوا مقالهم مع كل الناس { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [ البقرة: 83 ].

كما أننا لا نعتقد أنه لم يسمع ( متمم مكارم الأخلاق ) وهو يُؤدبهم ( إن الله يبغض الفاحش المتفحش ) [ عن أسامة بن زيد وهو الحِبّ بن الحِبّ خرّجه أبو يعلى فى سنده وقال عنه صيارفة الحديث إنه صحيح ا.هـ ].

بل لعله كان يردد ومصدق بما نسخته آية السيف.

ولا أدرى بأى سند حكم هذا العدوىّ على الحمير بالكفر وهل توجد حيوانات كوافر وأخرى مؤمنات؟.

من مخاريق التاريخ أن هذا العدوىّ الذى عِلْمَه, أن الحمير كافرة, هو الذى أعطى الأمر بغزو واستعمار واستيطان واحتلال مصر المحروسةالتى هو بالإجماع أستاذ الدنيا فى الحضارة والمدنية والعلوم والآداب وكافة جوانب الثقافة, صاحبة أعظم مكتبة فى العالم ,وهى من معالمه وعجائبه, والتى دمرها الأعاربة الغزاة الأوباش وحرقوها لأنها تحوى كفرًا لا علمًا طبقًا لمعرفتهم العظيمة المليطة التى لم يرق إليها أحد من قبلهم أو بعدهم فيما يختص بثقافته العريضة بتكفير الحمير.



والذى علمناه من الذكر الحكيم أن جميع ما فى الأرض يسبح لله العزيز الحكيم ,

وبداهة أنه لا يسبح له جل جلاله كافر, حتى لو كان حمار.

ولعل هذه المقالة تنفى ما يدعيه الطبالون أنه من علماء الصحابة,

إذ لو كذلك لما خرجت من بين شفتيه تلك العبارة الفلوت المليطة من الذوق والعلم والتدين.



*******

موقف الطبالون


ومن المفسرين المحدثين ألفينا عبدالله شحاته نسخ الحديث المذكور بقضه وقضيضه من تفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير الطبرى وتفسير البيضاوى. [ تفسير القرآن الكريم: لعبدالله شحاته ـ الجزء الأول ـ ص 125 عند تناوله لسورة البقرة ].



والمصنِف المذكور أستاذ بإحدى كليات العلوم الإنسانية بجامعة القاهرة, بيد أنه غض الطرف عن مسألة تكفير ابن الخطاب للحمير فإما أن الهالة الأسطورية التى أحاطته بها جوقة الطبالين ( بداية بابن الجوزى حتى خالد محمد خالد مرورًا بالعقاد وهيكل ) قد أعْشت عينيه. وإما سكت حتى يضمن الحصول على رخصة النشر التى تتعطف بها عليه مؤسسة التقديس يُبَرْقَش بها ( الرخصة لا المؤسسة المهيبة ) كل جزء يطرحه فى الأسواق.



وإذ إنه فعل ذلك فقد دخل فى زمرة الساكتين عن الحق الذين وصفهم ( سيد الخلق محمد وصفًا رادعًا فى حديثه المحفوظ: الساكت عن الحق شيطان اخرس ).



إذ فى مقدوره أو ميسوره أن يرقم أنها غلطة من عمر وأن جميع الحيوانات بريئة من الكفر بل هى مسبحة لله ولكن لانفقه تسبيحها ), ولكنه آثر السلامة واختار العافية وفضّل هدوء البال وليذهب الحق وأهله لدى حيث ألقت رَحْلها أم قَشْعم. [ هى المنية والحرب والداهية والضبع : القاموس المحيط للفيروزى آبادى , وثمار القلوب للثعالبى ـ ص 260 ].

وإلا فلماذا أسلم الحمار يعفور ( حمار الرسول ) وانتحر بعد وفاة ( سيد الخلق ).





*******

آية الاستئذان


كذلك وافق الذكر الحكيم العدوىّ ابن الخطاب فى مسألة ضرورة الاستئذان قبل الدخول على الشخص ولو أنه رجل, إذ ربما أو قل كثيرًا أو عادة عندما يخلو بنفسه لا يتحشم لعدم الموجب, بيد أنه يكره وينفر أن يراه آخر مهما قرب منه على تلك الهيئة وهذا ما حدث معه بالفعل, إذ فاجأه غلام أثربى وهو فى القيلولة على حال تأذى من إطلاعه عليها فأبدى عمر ضيقه من ذلك لـ ( الأوسط ) وتشوفه لبزوغ آية تنظم هذا الشأن وفعلاً أشرقت آية الإستئذان:

( قال ابن عباس وجه الرسول ـ ص ـ غلامًا من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب ـ رض ـ وقت الظهيرة ليدعوه, فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته كذلك, فقال يا رسول الله: لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا فى حال الإستئذان, فأنزل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ سورة النور 58 , أسباب النزول للواحدى ص 222 ].



ومن كتب التفسير نقتصر على ما أورده القمى النيسابورى فى الغرائب: ( يروى أن مدلج بن عمرو ـ وكان غلامًا أنصاريًا ـ أرسله رسول الله وقت الظهيرة إلى عمر ليدعوه فدخل عليه وهو نائم وقد انكشف ثوبه, فقال عمر لوددت أن الله عز وجل نَهَى أبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا هذه الساعات إلا بإذن, ثم انطلق معه إلى النبى ـ ص ـ فوجده وقد أُنْزِلَت عليه هذه الآية ). [ غرائب القرآن ورغائب الفرقان: للقمى النيسابورى ـ المجلد الثامن ـ ص 237 ].





*******



اللهم إعطنى فهمًا


إذن توافق الذكر الحكيم مع كلمات عمر بن الخطاب فى عدة مواضع بأن نقلها بحُروفها: اتخاذ مقام إبراهيم مُصلى, والعداوة لجبريل وميكال, وتبارك الله أحسن الخالقين, وإبدال الأزواج ( الزوجات ) خيرًا منهن, وبعضها بالمعنى مثل الإستئذان وهو أمر بالغ الإدهاش وربما أقرب تعليل عقلانى له هو استمرار التساق العدوىّ بـ ( محمود ).



إنما ينتصب إعتراض أو دفع بالغ الأهمية:

إن التيمىّ عتيق بن أبى قحافة ( أبا بكر ) أطول منه صحبة وأعمق منه ملازمة فلماذا لم يفعل فعله أو يصنع صنيعه؟.

فيقتحم الرد بأن العدوىّ مُلْهَم ومُحَدّث, وهاتان صفتان شديدتا الإبهام, غزيرتا الالتباس, كثّـتا الغموض, هذا من رجا.



ومن صوب آخر,



فإنهما تَشِيان بِمَنْحَى غُنُوصِى.



ولقد وقفت مليًّا وتَرَيَّثْت كثيرًا وتَأَنَيْت طويلاً أمام هذه الظاهرة.

والمعروف أن الواقعة إذ تتواتر تغدو ظاهرة .

فأعيانى البحث وأرهقنى التنقير وأتعبنى التنقيب أن أجد حلاً عقلانيًا يطمئن إليه تفكيرى بل حتى يرتاح إليه وجدانى.





*******

مزيدًا من التوثيق


والشطر الآخر:

هو أن يطرح العدوىّ عمر فكرة أو رأيًا ثم تتهادى آية كالنجم الثاقب:

إما أن تتبنى فكرته أو رأيه كما زَبَرنا بشأن منع المحادثة مع نِسُوَن ( العابد ) ومع من يتردد عليهن فى حجراتهن وألا يتكلمن معه إلا من وراء حجاب أو ساتر يمنع رؤيتهن.



وإلى مزيد من التوثيق:

( أخبرنا حميد بن انس قال قال عمر بن الخطاب ـ رض ـ قلت يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب, فأنزل الله تعالى آية الحجاب ـ رواه البخارى ). [ أسباب النزول للواحدى ـ ص 243 ].



وأورده السيوطى فى الـ ( لباب ) ( فقال له عمر: يارسول الله لو اتخذت حجابًا فإن نساءك لسن كسائر النساء وذلك أطهر لقلوبهن, فنزلت آية الحجاب ). [ لباب النقول للسيوطى ـ ص142 ].



وجاء به أيضًا الأزهرى فى المقبول ص 554, وعزاه إلى الطبرانى وابن مردويه وسبق أن رقمنا أن الواحدى أسنده للبخارى.



ثم ذكر الأزهرى له رواية أخرى تزيده تثبيتًا ( أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود: قال فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع ـ وبذكره الحجاب: أمر أن يحتجبن فقلت له زينب: وإنك علينا والوحى ينزل فى بيوتنا ؟! فأنزل الله { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ } إلى آخر الآية. [ المقبول للأزهرى ـ ص 555 ـ ونهاية السول ص222 ].



إن العبارات التى إنضوت عليها الخبر من المتعين أن تلفت النظر, فزوجة أخرى من زوجات ( السلطان ـ الحجة ) تنتقد العدوى على أنه يحشر أنفه فى أخص أمورهن, كما يفهم منه أن اقتراح ابن الخطاب لم يصادف قبولاً لديهن وإلا لما زَبَرته ( = زجرته وزنًا ومعنى ) زينب بنت حجش وهى أيضًا ذات مقام رفيع لأنها نصف قرشية ونكاحها وثقته آية من ( الأحسن ـ القرآن ) فضلاً عن أنها أثيرة للغاية لدى ( الذى اختار الرفيق الأعلى ), لما تمتعت به من وضاءة وقسامة ورداحة ( سمنة ) وبلدحة ( بدانة ).





*******

كتب التفسير تؤيد


ثم نصل لمحطة كتب التفسير: ( ... إن عمر كان يحب ضرب الحجاب عليهن محبة شديدة وكان يقول يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت ). [ غرائب القرآن: للقمى النيسابورى ـ المجلد التاسع ـ ص218 ].



يلفت النظر فى هذا الجزء أن العدوىّ أحب ضرب الحجاب عليهن محبة شديدة فهل مرده وجود ابنته العدوية حفصة بينهن وسنها آن ذاك لم تتعد الثاية والعشرين, أم أنه غيور؟, بيد ان ( المهذب ) أفصح فى حديث أنه يلى ربه فى الغيرة, ولدى القرطبى ( روى أبو داود الطيالسى عن أنس بن مالك قال: قال عمر: وافقت ربى فى أربع ... الحديث ...

وفيه قلت يارسول الله لو ضربت على نسائك الحجاب يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل الله عز وجل { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ...}. [ تفسير القرطبى ـ المجلد الثامن ص 218 ].

وهكذا تكاملت أدلة الثبوت لهذا الحديث من كتب التفسير ومصنفات أسباب النزول.





*******

حديث: حِسّ أو .. أو


بيد أن هناك حديثًا آخر يحمل سببًا مغايرًا اظهور آية الحجاب.



( أخرج البخارى فى " الأدب المفرد" والنسائى والطبرانى وغيرهم عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبى ـ ص ـ فى قِعْب ـ أى قدح ـ فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعى فقال: حِسّ أو ...أو. [ المقبول للأزهرى ـ ص 553 ]. لو أطاع فيكن ما رأتكن عين, فنزلت آية الحجاب ).



وصفه المصنف بصحة الإسناد وأضاف أن السيوطى صحح إسناده فى الدرّ المنثور وزاد نسبته لابن أبى حاتم وابن مردويه.

( أخرج الطبرانى بسند صحيح عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبى ـ ص ـ فى قِعْب ـ أى قدح ـ فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعى فقال: أوه, لو أطاع فيكن ما رأتكن عين, فنزلت آية الحجاب ). [ لباب النقول للسيوطى ـ ص 142 ].



وأضاف السيوطى ( قال ابن حجر العسقلانى ... لامانع من تعدد الأسباب ) [ ذات المصدر والصفحة ].



وابن حجر هو صاحب ( الفتح ) وهو من أقوى مصنفات شرح الحديث المحمدى.

نخرج من هذا الحديث انه حتى وقت ظهور الآية الكريمة من المباح أن ياكل ( المشاور / القائد ) وزوجته وصاحبه فى طبق واحد, وإذ إنها ( آية الحجاب ) أشرقت فى السنة الخامسة فمعناه أنه ظل كذلك ثمانية عشر عامصا أى اكثر من ثلثى عمر الدعوة الإسلامية.



ثم تسببت غَيْرة العدوى فى تحريمه عليهن. ونحن نرى أن ما جاء فى آية الحجاب جِماعه خاص بنسون ( الواحد ) ولا ينسحب على نساء سائر المسلمين, وإذ هو حكم خاص بهن لمكانتهن العالية ورتبتهن المنيفة ومقامهن المحمود. ومع تقديرنا للفقهاء الذين ذهبوا إلى تعميم هذا الحكم على الأمة باسرها فإن الذى دفعهم إليه النزعة الذكورية, وهو ليس الوحيد بل توجد عشرات الأحكام والقواعد والفتاوى التى يقبع وراءها المنزع الحثيث, وإلا فما هو التعليل المنطقى لتأخر صدور الحكم ذاك المدى المستطيل؟ كما أن تطور المجتمعات وصعودها درجات سلم الرقى يجعل منحى الفقهاء هذا يصيب أفرادها بالعنت والحرج والضيق وكلها حاربها الفرآن العظيم{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }

[ الحج 78 ]. أو أن يتخذ موقفًا محددًا خاصصا به وحده وقد يجئ مخالفًا للآخرين بمن فيهم سيدهم وقائدهم ( مقدم ولد آدم ) فيؤيده ( الإيمان/ الشفاء ) وأبرز مثل:



مسالة أسارى غزاة بدر فعندما استشار ( المنصور بالرعب مسيرة شهر ) التيمىّ أبا بكر فيما يفعله فيهم أشار بالرفق بهم وأخذ الفداء منهم وقد طابق ميل ( الرحمة المهداة ) إذ إنه رءؤف رحيم بالناس أجمعين.



ولما أخذ رأى ابن الخطاب ذهب إلى ضرورة ضرب أعناقهم لأن صفحتهم معه سوداء حالكة السواد فهم كذبوه وهَزئوا به وأخرجوه من بلد ثم حاربوه ولو أنهم ظفروا به لما أفلت منهم ولم يراعوا فيه إلا ولا ذمة ولا صلة القرابة الحميمة.



بيد أن ( المرحمة ) لرقة قلبه ولشمائله التى لا ضروب لها ولأخلاقه العالية التى ليس لها نديد ولمناقبه المعدومة النظير أخذ بمشورة عتيق بن أبى قحافة وتسلم الفداء من أهالى الأسرى ثم أطلق سراحهم.



فأسرعت آية عظيمة تسجل الواقعة وتأخذ برأى عمر وبعد أن تلاها على أصحابه قال فى أسى: لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه أحد إلا ابن الخطاب.





*******



أُحْجِيَّة ( لغز ) من التاريخ الإسلامى


( قال ابن عمر: استشار رسول الله ـ ص ـ فى الأسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك, خلّ سبيلهم. واستشار عمر فقال اقتلهم, ففاداهم رسول الله ـ ص ـ فأنزل الله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال 67, 68 ] , قال تلقى النبى ـ ص ـ الآية فقال: كاد أن يصيبنا فى خلافك بلاء ). [ أسباب النزول للواحدى ـ ص 160 ].



من هذا الأثر يتضح لنا أن ( المُعزّز ) داب على استشارة أبى بكر وعمر ومن ثم فهما وزيراه ... والأمر بالنسبة للتيمىّ طبيعى أو بديهى إنما بالنسبة للعدوىّ فهو مثار تساؤل:

لماذا خصه ( الغَوْث ) بهذه الرتبة من دون الصحاب مع أن من بينهم من هو أسبق منه فى اعتناق الديانة التى دعا إليها, ومنهم من ولد قبله , ومنهم من ينتسب لفرع أطول قامة من رهطه بنى عدىّ فى قبيلة بنى سخينة , ومنهم من هو أعلم منه واحفظ للقرآن العظيم؟.

هل بسبب قوة شخصيته التى أطبق الجميع عليها,

أم لأن الإسلام تعزّز به واستعلن المسلمون بعد تواريهم عن الأنظار واختفائهم فى دويرة الأرقم بن أبى الأرقم؟.



إنه من الجائز أن يتمتع شخص بقوة الأسر, ومتانة الذراعين, وشدة العضل, ثم تبلوه فتلفاه فَطِير الرأى, أفيْن العقل, ركيك الفكر, هزيل القريحة, ضيّق الأفق, أعشى البصيرة!.



وعلى كل فإن تقريب ( الهُمام ) للعدوىّ دون غيره من الصحابة واتخاذه المستشار التالى بعد عتيق دون غيره من الصُحبة رغم ما تمتعوا به من شمائل وامتازوا به من مناقب وانفردوا به من تحاميد, أُحْجِيّة من أحاجى التاريخ الإسلامى وكم فيه من ألغاز؟.





*******

الآية الخامسة


( روى أحمد وغيره عن أنس قال: استشار النبى ـ ص ـ الناس فى الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد أمكنكم منهم, فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه فقام أبو بكر فقال: نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء, فأنزل الله الآية ) [ لباب النقول للسيوطى ص 91, وهو هنا ذكر أن مصدره هو احمد بن حنبل فى مسنده ].



ثم أتحفنا السيوطى برواية أخرى مقاربة:

لما كان يوم بدر وجئ بالأسارى, قال رسول الله ـ ص ـ:

ما تقولون فى هؤلاء الأسارى ـ الحديث, وفيه نزل القرآن بقول عمر { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ..... } إلى آخر الآيات. [ ذات المصدر والصفحة ].



والفقرة الْعجْز فيها ( = فى هذه الرواية ) بالغة الثمانة لأنها نصّت على أن الآيات الكريمات:

{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى .....إلخ } جاءت على لسان ابن الخطاب أى أنه فاه بها أولاً ثم ضمّنها الذكر الحكيم آياته هذه . وبذا لا يغدو عمر هو صاحب الفكرة فحسب بل نطق بالكامات التى حملتها الآيات العظيمات, وبهذا تضاف إلى ما سبقتها من آيات حكيمات, وافق فيها العدوىّ الذكر الحكيم , أو وافقه فيها القرآن العظيم ـ الله أعلم ـ مثل الآية الكريمة الخاصة باتخاذ مقام إبراهيم مُصلى.

ومنذ تلك الساعة ومئات الملايين من تبع ( النور ) يصلّون فيه فهل ينال ابن الخطاب شطرًا من ثواب صلواتهم؟.



هذا ما لم أتحققه, لأن كتب العلوم الإسلامية التى طالعتها لم تتحدث عنه , أو لم تجرؤ عن التحدث عنه, ولكن لو صح لصار نصيب العدوىّ من الحسنات يستعصى على الإحصاء.





*******

تشريع قتل الأسارى


نصل الآن إلى كتب التفسير:

{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى .....إلخ } لما أخذ الأسرى يوم بدر أشار أبو بكر بحياتهم وأشار عمر بقتلهم فنزلت الآية عتابًا على استبقائهم . [ التسهيل لعلوم التنزيل: لمحمد بن جزىّ الكلبى ـ الجزء الثانى ـ ص 68 ].



هنا يصف ابن جزىّ الآية على أنها عتاب على استبقاء الأسارى. والأصوب فى رأينا أنها تشريع يتعين إتباعه فى الوقائع المشابهة. وينسخ الفخر الرازى الحديث بشئ من التطويل وجاء فيه:

( فقام عمر وقال: كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أثمة الكفر وإن الله أغناك عن الفداء فمَكّن عَليًا من عقيل, وحمزة من العباس ومَكّن من فلان ينتسب له فنضرب أعناقهم ... ومال إلى قول أبى بكر ) [ التفسير الكبير للرازى ـ المجلد السابعـ الجزء الرابع عشر ـ ص 538, 539 ].



ولا ندرى كيف يواجه الإمام على ـ رض ـ إخوة عقيل وأسرته لو قتله؟ وكيف يصبح موقف حمزة من أم الفضل ( مَرَة العباس ) وأولادها منه أو نفّذ مشورة العدوىّ وقتل أخاه الذى هو فى ذات الوقت عم ( يس ) الذى أفزعته تلك المشورة فقال لصاحبها:

أتأمرنى أن أقتل العباس؟ فجعل عمر يقول: ويل لعمر ثكلته أمه . [ ذات المصدر والصفحة ].

لقد استشعر العدوى بشاعة رأيه, وينتقش القرطبى ذات الحديث وفى مؤخرة الرواية ( ... فقال رسول الله ـ ص ـ إن كان ليصيبنا فى خلاف ابن الخطاب عذاب, ولو نزل عذاب ما أفلت إلا عمر ) [ تفسير القرطبى ص 2886 ].



نخرج من هذا الأثر الشريف أن ( المُهَيْمِن / المرسل رحمة للعالمين ) توافق مع مذهب ابن الخطاب

فى ضرورة تصفية أسرى بدر جسديًا وعدم استبقائهم ,

ولو نزل عذاب من السماء ,

مثلما حدث على عهود ( الكُمّل ) السابقين,

لأفلت منه العدوىّ منفردًا وهو أمر بالغ الإدهاش.



بيد أن القمى النيسابورى زاده توثيقًا فبعد أن روى حديث الإستشارة أردف به حديثًا آخر : ( وروى أنهم لما أخذوا الفداء نزلت الآية فدخل عمر على رسول الله ـ ص ـ فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرنى:

فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء يباكيت. فقال: أبكى على أصحابك فى اخذهم الفداء ولقد عُرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه ). [ غرائب القرآن للقمى النيسابورى ص 3770 ].

ويفسر لنا النيسابورى نجاة عمر لو أنزل العذاب ( لقوله كان الإثخان فى القتل أحب إلى ). [ ذات المصدر والصفحة ].



وذكر الواقدى: ( وقَبِل رسول الله ـ ص ـ منهم الفداء وقال رسول الله ـ ص ـ لو نزل عذاب يوم بدر ما نجا منه إلا عمر, كان يقول اقتل ولا تأخذ الفداء ) [ المغازى للواقدى ـ تحقيق مارسدن جونز ـ الأول ص 110 ].



وهكذا وثّقنا أن عمر بن الخطاب توافق مع الذكر الحكيم فى عدد من الآيات ذهب البعض إنها ثلاث وأصلها آخرون إلى خمس وفى هذا يقول السيوطى: ( عمر بن الخطاب نزل فيه آيات منها موافقاته الشهيرة ) [ التحبير فى علم التفسير: للسيوطى المتوفى سنة 911 هـ ـ تحقيق وتقديم د. فتحى عبد القادر فريد ـ ص 437 ـ الطبعة الأولى 1406هـ /1986م ـ دار المنار للنشر والتوزيع ـ القاهرة ].



وذكر الأزهرى ( أفردها بعضهم بالتأليف ) [ نهاية السول: لأبى عمر نادى الأزهرى ـ ص27 ].





*******

أصحاب آخرون


هناك أصحاب آخرون لهم مقترحاتهم أو موافقاتهم لآيات الذكر الحكيم بيد أها أخفض شأنًا مما قدمه العدوىّ ابن الخطاب.

( 1 ) أبو طلحة:
( عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله ـ ص ـ إذ مرّ من حجرة فرأى فيها قومًا جُلوسًا يتحدثون ثم عاد فدخل الحجرة وأرخى السِتْر دونى, فجئت أبا طلحة فذكرت ذلك له فقال: لئن كان ما تقول حقًا لَيُنزلن الله فيه قرآنًا, فانزل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا } [ سورة الأحزاب 53 ] [ أسباب النزول ص 342 ].



راوى الحديث هو أنس خادم ( المصون ). أورده السيوطى بألفاظ مقاربة وذكر أن الترمذى أحد اصحاب الصحاح الستة أخرجه وحسنه وراويه هو أنس. [ لباب النقول للسيوطى ـ ص 142 ].





من هو أبو طلحة؟:
( هو زيد بن سهيل بن الأسود بن حرام .. بن مالك بن النجار الأنصارى ... مشهور بكنيته أبو طلحة. من فضلاء الصحابة وزوج أم سُليْم, كان يرمى بين يدىّ النبى ـ ص ـ يوم احد ... وعم أنس أن النبى ـ ص ـ لما حلق شعره بِمنى فرّق شقه الأيمن على أصحابه: الشعرة والشعرتين وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله ... ) [ الإصابة فى تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلانى ـ المجلد الثالث ـ ص 30 ].



يؤكد بن عبد البر أن أبا طلحة من بنى مالك النجار من ناحيتى أبيه وأمه وأنه شهد بدرًا. [ الإستيعاب فى معرفة الأصحاب: لابن عبد البر النمرى ـ المجلد الثانى ـ ص 641 ].



وتأكيد نسب أبى طلحة لبنى النجار له أهمية إذ أنهم أخوال ( المُسدّد ) لأن جده المباشر عبد المطلب أمه سلمى بنت زيد بن عمرو ... بن النجار رآها أبوه هاشم فى يثرب وهو فى طريقه إلى الشام فأعجبته فخطبها لأبيها فأنكحه إياها. [ تاريخ الرسل والملوك ـ تاريخ الطبرى: لابن جرير الطبرى ـ الجزء الثانى ـ ص 247 ].



وبذا فغن طلحة بالإضافة على الأوسمة المُشَرِّفة التى زيّنَت صدره فهو يمت إلى ( النَجِيْد ) بصلة قربى حميمة. اما زوجته أم سُليْم أيضًا فهى نجارية خُزرجيّة وتخرج الغزوات معه ومنها وقعة أحد وهى التى قدّمت له أنَسًا ( من زوج سلبق على أبى طلحة اسمه مالك ) كيما بخدمه وطلبت منه أن يدعو له ففعل, ولها أحاديث رويت عنها وهى من عقلاء النساء. [ أسد الغابة فى معرفة الصحابة: المجلد السابع ـ كتاب النساء ص 345, 346 ].



وهكذا وَثّقنا أن أبا طلحة لَزِيق بـ ( المصون ) ومُلْتَبك به بقوة ومن ثمّ عندما حكى له ربيبه أنس الواقعة حَدّس بزوغ آية كريمة ولقد صدق توقعه. وموجز الواقعة أنه فى ليلة دخل ( صاحب البيان ) على زينب بنت جحش التى ( وصفتها الرواية بأنها كانت بيضاء سمينة من اتم نساء قريش ). [ نساء النبى لبنت الشاطئ ـ ص 133 ].



( دعا القوم طَعِموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلما قام من قام وقعد ثلاثة نَفَر, فجاء النبى ليدخل فإذا القوم جُلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فأخبرت النبى ـ ص ـ أنهم انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت لأدخل فألقى الحجاب بينى وبينه فأنزل الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ .. }. [ السمط الثمين: للمحب الطبرى ـ ص 181, وأسباب النزول للواحدى ـ ص 241 ].



وأضاف أن أم سُليم بعثت مع ابنها أنس هدية مساهمة فى وليمة العرس هى: حَيْس فى تُوْرّة من حجارة مما يؤكد الصلة الحميمة.[ والحَيْس: تمر وأقط وسمن تُخلط وتُعجن وتُسوّى كالثريد ـ المعجم الوجيز ـ أم التَوْر: قال الأزهرى: إناء معروف تذكره العرب ـ المصباح المنير أ.هـ. ].



والواقعة تدل على جلافة وجفاوة وبداوة أولئك العُربان ولو أن لديهم ذرة من حضارة أو مُسكة من مدنية أو فُتيتة من رقى لما سلكوا ذاك المسلك البعيد عن الذوق بعد السماء والأرض.



وهى ( = الواقعة ) تنفحنا مؤشرًا ذا دلالة غائرة عما عاناه ( اللبيب ) من أولئك الأعاريب من رذالات وسخافات ودناءات صبر عليها كثيرًا.

أبو طلحة لطول صحبته وقوة الالتصاق به ولمتانة الآصرة به دلّته فراسته على ضرورة بزوغ آية كريمة تردع ـ مستقبلاً ـ أولئك العربة المتبدين لئلا يعودوا لمثله أبدًا.



وبذا أثبت أنه يتمتع بفراسة كبيرة من الطراز الأول لمعرفته أن الرسول لايقدر ان يصبر عنهن

خاصة زينب التى أنكحها الله من السماء بآيات كريمة من الذكر الحكيم.





*******

( 2 ) أبو أيوب الأنصارى:
( عن أفلح مولى أبى أيوب قالت أم أيوب لأبى أيوب: ألا تسمع ما يقول للناس فى عائشة؟ قال: بلى وذلك الكذب, أفكنت يا أم ايوب فاعلة ذلك؟ فقالت لا والله. قال: فعائشة خير منك.

فلما نزل القرآن وذكر أهل الإفك قال الله تعالى : { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ } [ سورة النور 12] , يعنى أبا أيوب حين قال لأم أيوب ) [ المغازى للواقدى ـ المجلد الثانى ـ ص 434 ].



إن تعليق الواقدى الوارد فى عُجُز الخبر بقوله ( يعنى أبا أيوب حين قال لأم أيوب ) فغُنية عن الشرح والتوضيح.

( عن بعض رجال بنى النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب:

يا أبا أيوب ألا تسمع ما يقول الناس فى عائشة؟

قال بلى وذلك الكذب, أكنت يا أم أيوب فاعلة؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله, قال فعائشة خير منك, ثم قال الله تعالى { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } أى فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ) [ السيرة النبوية لابن إسحق ـ المجلد الثانى ـ ص 120, 121 ـ طبعة أخبار اليوم ].



وفى هامش ص 121: أى قالوا يعنى أبو وأم أيوب خيرًا فى حق عائشة.



ومن مصنفات أسباب النزول اخترنا ما نفحنا به الواحدى النيسابورى ـ ص 218, فى هذه الواقعة وما على لسان أبى أيوب:

( سمعت عطاء الخراسانى عن الزهرى عن عودة عروة أن عائشة ـ رض ـ حدثته بحديث الإفك وقالت فيه وكان أيوب الأنصارى حين اخبرته امرأته وقالت:

يا أبا أيوب ألم تسمع بما حدّث الناس؟ قال: وما يتحدثون؟ فأخبرته بقول أهل الإفك, فقال ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. فأنزل الله تعالى وجل: { وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور 16 ].



ومن هذا النص البالغ الثمانة يسفر وينكشف أن الآية العظيمة حملت ذات الكلمات التى خرجت من بين شفتى أبى أيوب اليثربى:

( ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم )



وهو ( أبو أيوب ) يُشاكل ما حدث من العدوىّ ابن الخطاب ولو أن هذا الأخير فاقه فى العدد.



*******



اتباعًا لخطوات المنهج الذى التزمنا به نختم بمدونات التفسير زيادة فى التوثيق:

فى تفسيره للآية الثانية عشرة من سورة النور أورد النيسابورى ما يلى:

( روى أن أبا أيوب الأنصارى قال لأم أيوب: أما ترين ما يقال؟ فقالت: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله سوءًا؟.

قال: لا, قالت ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله ـ ص ت فعائشة خير منى وصفوان خير منك ). [ غرائب القرآن للقمى النيسابورى ـ المجلد الثامن ـ ص 262 ].



وعسى ما قدمناه فيه مقنع بأن الآية العظيمة المذكورة طابقت فى معناها لا فى لفظها أو فى أُسّها لا فى رَصْفها أو فى لُبَّها لا فى قشرها ما ذهب إليه أبو وأم أيوب.



*******



تلك أمثلة على بزوغ آيات كريمات من القرآن إما موافقة لجمل

تكلم بها أحدهم أو اقتراحات طرحوها أو توقعوها لظروف أو احوال تستنفر هلها,

وقد تجئ مرة باللفظ أو أخرى بالمعنى





*******





بداية الكتاب






--------------------------------------------------------------------------------

المكتبة

الصفحة الرئيسية

No comments: