Monday, May 14, 2007

الدولة الاسلامية بين النظرية و التطبيق - كامل النجار(1)ا

الحب.. الجنس.. والإسلام

ومقالات أخرى



ـ د. كامل النجار



جدول المحتويات



جدول المحتويات 2
الحب.. الجنس.. والإسلام (1) 3
الحب.. الجنس.. والإسلام (2) 9
فتاوى ضد النساء 14
الارتداد ... هل هو حق من حقوق الإنسان ؟ 19
أما آن للفكر الإسلامي أن يتحرر؟ 24
الاعتقاد ليس ضرورة لإنسان اليوم 28
النقيضان لا يجتمعان: الدين والعقل 34
في طبيعة الأديان 38
أمثلة من المنطق الأعرج في الخطاب الديني 42
المسلمون والإسلام: كلاهما يُسفّه الحياة 48
هل نصلب البابا أم نصلب المنطق؟ 53
الحكومات العربية وكابوس حقوق الإنسان 58

الحب.. الجنس.. والإسلام (1)

بدأ الإنسان الأول حياته في مجموعات صغيرة لا تعدى العشرات من الرجال والنساء. ولم تكن هناك قوانين ولا أديان، فمارسوا الجنس دون قيود. ومع مرور الزمن ومعرفتهم أن قوتهم وقابليتهم للبقاء تعتمد على قوة مجموعاتهم وكثرة رجالها الذين يصدون الحيوانات المفترسة ويصطادون الطعام، فقد شجعت هذه المجموعات من البشر الاقتران بين النساء والرجال للتناسل لتعويض ما يموت من أفرادها. ولم تكن هناك ملكية فردية، كل شيء كان مشاعاً بما في ذلك الجنس. وكما قال الدكتور علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي إن مثل هذه المجتمعات لم تكن تعرف الآحادية، فهم يشبعون جماعةً إذا اصطادوا حيواناً ويجوعون جماعة إذا لم يصطادوا. وكذلك كان الجنس عندهم جماعياً مشاعاً.
وعندما اكتشف الإنسان الزراعة والاستقرار وكبرت المجتمعات، كان قد تعدى فترة عبادة الأسلاف في أغلب المجتمعات وتعرّف على المعابد التي بُنيت لإقامة الآلهة. وحتى في هذه الفترة كان كل شيء مشاعاً وخاصة الجنس. فقد عكفت بعض المجتمعات على وضع كمية من النساء والفتيات الجميلات ليخدمن المعابد ويقدمن الجنس لزوار المعبد وللمسافرين والغرباء وغيرهم. وقد قدسوا هؤلاء النساء اللاتي خدمن آلهة السماء. وإذا أنجبت إحداهن أصبح مولودها من أملاك المعبد وقام على تربيته كهنة المعبد من رجال ونساء. ورغم أن هذه المجتمعات اعتبرت أن المرأة نجسة في فترة حيضها وحرمّت الاتصال بها جنسياً، فهي لم تفصل بينها وبين الرجال. وفي مثل هذه المجتمعات نشأت الموسيقى وازدهر الغناء في مواسم الحج لتلك المعابد لتشجيع الآلهة على منحهم الخصوبة والإنجاب والمطر. وخلقوا أعياداً للحب كان لحمتها وسداها الموسيقى والطرب والرقص والجنس.
وقد استمرت أغلب المجتمعات على هذا المنوال من الحب والإنجاب دون قيود وكثر أفراد تلك المجتمعات التي لم تضع قيوداً على الحب. فمجتمعات شرق آسيا التي لم تعتنق الديانات السماوية المعروفة وطورت ديانتها الأرضية مثل الصين والهند واليابان وفيتنام ازداد عدد السكان فيها بشكل ملحوظ. أما مجتمعات الشرق الأوسط التي ظهرت فيها اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد، فقد قننت الاتصال بين المرأة والرجل وجعلت له عقوداً ملزمة وفصلت المرأة عن الرجل وجعلت المرأة ملكاً للرجل لا تعاشر سواه مدى حياتها وسنت عقوبة الرجم لمن تخالف القانون السماوي وترتكب جريمة الزنا. ولذلك ظلت حجم أتباع الديانة اليهودية صغيراً رغم أنها أقدم الديانات السماوية المدونة. وبما أن طبيعة الرجل والمرأة تجعل اللقاء بينهما يقود في أغلب الأحيان إلى ممارسة الجنس، فقد فرضت اليهودية على المرأة أن تتحجب في حضرة الرجال الغرباء وأن لا تغريهم بجسدها. وأعطت الزوج الحق إذا شك في أن زوجته لها علاقة مع رجل آخر أن يأخذها غصباً عنها إلى المعبد ليستجوبها الحاخام استجواباً دقيقاً ويهددها بالانتقام الإلهي أن هي كذبت عليه. ورغم أن الحاخام والزوج والجميع كان يعرف أن المرأة لن تعترف إن كانت لها علاقة برجل آخر لأن ذلك يعني قتلها، وأنها سوف تكذب سواء أأنتقم منها الإله أم لا، فقد اقنع الحاخام والزوج نفسيهما بأن نكرانها يعني براءتها. واستمرت الممارسات الجنسية ولكنها اتخذت شكل الخفاء بعد أن كانت معلنة للجميع ولا يستتر منها أحد. فكل ما فعلته اليهودية يمكن تلخيصه في أنها دفعت بالعلاقات الجنسية تحت الأرض وسنت لها قوانين صارمة لا تشجع المرأة أو الرجل على الاعتراف بالعلاقة. ولكن سيئ الحظ الذي يُضبط متلبساً بالجريمة أصبح عقابه رادعاً.
وعندما جاءت المسيحية التي مشت في خطى اليهودية، حاول المتزمتون رجم المومسات مع أن الدعارة كانت تقدم خدمة جليلة للمجتمع بإشباع رغبات الرجال الذين لا يستطيعون الزواج والمسافرين الذين تركوا أزواجهم خلفهم وبذلك منعت جرائم الاغتصاب وأتاحت للمومس دخلاً يتيح لها العيش، حتى وإن كان بلا كرامة. ويبدو أن السيد المسيح كان يعرف أن الإنسان مجبول على النفاق والكذب، فعندما حاولوا أن يرجموا مومساً قال لهم: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) وطبعاً لم يستطع أحد أن يرميها بحجر لأن أغلب الرجال الحاضرين كانوا يرفلون في الخطيئة السرية وقد اتخذوا تدابير تمنع اكتشافهم وتعرضهم إلى المحاسبة. وفي القرون الوسطى في أوربا عندما كانت المسيحية هي الحاكم عن طريق الكنيسة، وضعت الأخيرة قوانين صارمة فرضت على النساء زياً معيناً وجعلت العلاقات الجنسية قبل الزواج "تابو" يعاقب عليه المجتمع من يرتكبه، وقننت الزواج الأبدي ومنعت الطلاق، إلا أن طبيعة الإنسان وميله التلقائي إلى الجنس تغلب في النهاية على قوانين الكنيسة وأصبح الجنس الآن في أوربا وفي جميع الأقطار المسيحية، خاصة أمريكا اللاتينية، في شبه المشاع كما كان في المجتمعات البدائية. ولم تتضرر هذه المجتمعات من إباحة الجنس، بل بالعكس قد حررت عقول الرجال والنساء وجعلتهم يمنحون كل وقتهم أثناء العمل إلى التفكير في زيادة الإنتاج وكسب الخبرة، بدل التفكير المستمر في الجنس. وازداد عدد السكان في أوربا زيادةً عظيمة في السنوات الأخيرة بعد أن كسر الناس قيود الكنيسة على الجنس ومارسوا الحب والإنجاب بحرية كاملة.
وجاء الإسلام وكان متسامحاً مع الحب والجنس حتى في أيام المدينة عندما كان الرجال يأتون النبي يشتكون من أنهم وجدوا رجالاً مع أزواجهم. وكل ما فعله النبي كان أن أتى بآيات الملاعنة التي ترغم الزوج الذي يرمي زوجته بتهمة الزنا ولا يملك أربعة شهود أن يحلف هو وتحلف زوجته خمسة مرات أنه كاذب. ورغم أنه بالضرورة لا بد أن يكون أحدهما كاذباً، فلم يُشرّع النبي لهم عقاباً إنما اكتفي بالتفريق بينهما، أي الطلاق. والرجل يستطيع بكل الأحوال أن يطلقها دون أن يحلف خمسة مرات. فلا عقاب هنا على المدعي ولا المدعى عليه. ولكن تحت إصرار عمر بن الخطاب أتى النبي بالحجاب وأمر النساء أن يقرن في بيوتهن ولا يبرحنها إلا بإذن أزواجهن وجعل المرأة الخادمة المطيعة لزوجها، وقال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.) ثم أباح ملك اليمين وأصبحت المرأة سلعة تباع في سوق النخاسة. وعندما جاء العصر العباسي استغل الخلفاء ملك اليمين أسوأ استغلال فاقتنوا الجواري بالمئات. ذكر الأصفهاني أنه كان للرشيد زهاء ألفي جارية. وعن المسعودي، كان للمتوكل أربعة آلاف جارية. وفعل الفاطميون في مصر نفس الشيء وكذلك ملوك الأندلس. ولم ينحصر ملك الجواري في قصور الملوك والأمراء، بل تعداهم إلى منازل الخاصة وأرباب اليسار من تجار ومالكين وعلماء، ومن يليهم من طبقات الشعب (أمراء الشعر العربي في العصر العباسي،أنيس المقدسي، ص 54). وكانت أثمان الجواري تختلف من عشرات الدنانير إلى الألوف. وكان الأمراء يتهادون الجواري، فقد أهدى طاهر إلى المتوكل هدية بها مائتي وصيفة ووصيف. بل كانت المرأة أحياناً تهدي زوجها بعض الجواري كما فعلت زبيدة مع الرشيد. وانتشر الغناء والنبيذ بين الطبقات العليا من المجتمع. وبلغ التحرر الجنسي أعلى مستواه في الدولة الإسلامية لدرجة أن ولادة بنت المستكفي، أخت الخليفة الأندلسي، كانت تقول:
أمكّن عاشقي من صحن خدي **** وأعطي قبلتي من يشتهيها
وانتشر شعر الغزل والموشحات وقصص الحب، وصرف الناس طاقاتهم في الأندلس للعلم والبناء بدل التفكير في الجنس الممنوع. ثم تحرك مارد الصحوة الدينية في أشخاص الأئمة ومن أتى بعدهم فحرّموا الغناء والموسيقي وجعلوا الحجاب واجباً على كل النساء وحجزوهن بالبيوت وبالقصور وأصدر السلطان العثماني فرماناً يأمر بحمل المرأة التي تخرج إلى الشارع بدون حجاب على حمار ويُطاف بها في شوارع اسطتنبول للتشهير بها، بعد أن يقصوا شعرها. وازداد فصل النساء عن الرجال مما أدى إلى انتشار عادة مصاحبة الغلمان في الدولة العثمانية وفي مستعمراتها مثل العراق ومصر.
والغريب أن الشيوخ قد رووا حديثاً عن النبي يقول: (تناكحوا تناسلوا فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة). ومع ذلك ضيقوا الخناق على النساء والرجال ومنعوا الاتصال بينهم وانكبوا على تأليف الكتب التي تقنن كل شيء للمرأة حتى فترة حيضها واستحاضتها وطهورها ونجاستها ومتى يحل لها أن تجامع زوجها، وهل يجوز لها أن تمص لسانه أو عضوه التناسلي، وما إلى ذلك. والنتيجة الحتمية لهذا الهوس الجنسي كانت ازدياد اللواط في المجتمعات المسلمة مع ازدياد أعداد العوانس، وانغماس النساء في السحاق لإشباع الغريزة الجنسية التي لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها. وهاهي دول الخليج الآن تعاني أشد المعناة من ظاهرة العنوسة بين فتياتها بينما يسافر شبابها ورجالها إلى جنوب شرق آسيا وأوربا لممارسة الجنس والحب.
وبزوال الدولة العثمانية واقتسام فرنسا وإنكلترا البلاد العربية، تحررت بعض البلاد العربية مثل مصر والسودان ولبنان وسوريا وبلاد المغرب من تحكم رجالات الدين وأصبحت للنساء حرية الخروج والتعليم والعمل واختيار ما يحلو لهن من ملابس ومستلزمات تجميل. واختلط الشباب في الجامعات وانتشرت دور السينما والأندية الليلية. وأصبح الشرق يتخلى عن الثيولوجية ويسير نحو العلمانية والتقدم التكنولوجي بعد أن تحررت عقولهم من التفكير في كيفية الحصول على الجنس وإضاعة الوقت بالتفكير فيه. ولكن لعنة البترودولار حلت بالبلاد العربية، وفي ظرف وجيز بعد استقلال تلك البلاد بدأت الصحوة الدينية الثانية التي دعمتها الدول الخليجية بدولاراتها. وكالمتوقع فإن رجال الدين كانوا المستفيدين الوحيدين من هذه الصحوة التي ملأت جيوبهم ذهباً وفتحت لهم القنوات الفضائية ليحرضوا العامة ضد المرأة التي تخلت عن الموضة والتفت بالعباءة وانفصلت عن زملائها الرجال في مجال العمل والدرس. وبمساعدة القنوات الفضائية ودور الفتوى استطاعوا أن يغسلوا عقل المرأة حتى أنها صارت تطالب بأن تُسجن في دارها وتُحرم من المكاسب التي اكتسبتها بكفاحها قبل ظهور الصحوة الإسلامية. فأصبحت النساء في البرلمانات العربية يطالبن بتطبيق الشريعة في اللبس والإرث والطلاق، أكثر مما يطالب بها الرجال، ويطالبن بإلغاء مواد دستورية تبيح للنساء المساواة بالرجل، كما حدث في البرلمان العراقي. والشخص مغسول الذهن لا يختلف عن المريض الذي يُحبس في مصحة عقلية عالية الجدران كل حياته فتصبح المصحة بالنسبة له هي العالم الطبيعي. فإذا أرادوا إخراجه من المصحة يرفض ذلك لخوفه من العالم المجهول خارج أسوار المصحة، كما في الفيلم One Flew Over the Cuckoo’s Nest.
ورجال الدين الذين أصبح شغلهم الشاغل فصل الرجال عن النساء يعلمون علم اليقين أنهم يخلقون مجتمعاتٍ منافقة، كنفاقهم. ولأن جل وقت رجالات الدين يذهب سداً في حديث وكتابات عن الجنس والعورة والعفة وهم يعلمون أن عفتهم التي يدعون لها ما هي إلا عفة بالاسم وفي مخيلتهم فقط. وبعد أن راءوا ما حدث في مجتمعات الخليج من ازدياد حالات الأمراض النفسية والإدمان والعجز الجنسي الذي يطال 34 بالمائة من الرجال السعوديين (سالمة الموشي، إيلاف 9 يناير 2005)، حاولوا الآن إباحة الجنس بطرق ملتوية مثل زواج المسيار وزواج الفرند الذي لا يختلف عن ما يفعله الغربيون من علاقة جنسية بين الرجل وصديقته، وقد ظل رجال الدين المسلمون يتهمون الغرب بالفساد الأخلاقي بسبب هذه العلاقات التي تبنوها هم أنفسهم الآن، بينما البلاد الغربية تفوق بلاد المسلمين في الأخلاق واحترام الإنسان وحقوقه واحترام الغير في كل المجالات. وعقول بعض رجالات الدين عبارة عن كهوف تسكنها شياطين الجنس، فلا يفكرون ولا يتحدثون إلا بما يمت إلى المرأة والجنس. ويبررون اغتصاب الأطفال بحوادث تاريخية حدثت في القرن السابع الميلادي، وما زالوا يدافعون عن زواج البنات في سن التاسعة. وقد أفتى الإمام الخميني بحلة مفاخذة الطفلة الرضيعة، وفعل كل شيء معها إلا الإيلاج. وهذه الأفعال تُعتبر جريمة نكراء في المجتمعات الغربية التي يرمونها بالفساد.
وكنتيجة حتمية لنفاق رجالات الدين فقد أصبحت بلاد الإسلام عبارة عن بؤر فساد يحاولون جاهدين أن يخفوها عن أعين الناس رغم أن رائحتها قد عمت جميع أنحاء العالم. فإذا أخذنا مثلاً إيران نجد أن الدعارة فيها بلغت أرقاماً قياسية رغم تغطية النساء بالشادور ورغم رجم بعض البنات الصغيرات اللاتي غرر بهن رجال في عمر آبائهن، كما حدث في إيران مؤخراً عندما شنقوا بنت عمرها ست عشرة سنة كان قد غرر بها سائق تاكسي في عمر أبيها. ونسبة لانتشار هذه الظاهرة، أخرج رجل الدين المحافظ مسعود دهناماكي فيلماً عن الدعارة في إيران. ويتعرض دهناماكي الى انتقادات من المحافظين والإصلاحيين لإخراجه الفيلم. فقد اشتاط المحافظون غضبا شديدا، ليس لأن واحدا منهم سلط الأضواء على مرض اجتماعي، وانما لكونه بدا متعاطفا مع المومسات. ويعتقد الإصلاحيون انه تعمد المبالغة في تصوير حجم المشكلة (نازيلا فتحي، الشرق الأوسط 27 نوفمبر 2005).
ويتجاهل الملالي ما يحدث من علاقات جنسية بين الشباب في المدن الإيرانية الساحلية حول بحر غزوين لأنهم لن يستطيعوا منعها. وكم من رجل دين استغل زواج المتعة ليروي ظمأه الجنسي من فتيات صغيرات معدمات. فلماذا يمارسون البغاء ويمنعون الشباب من الاختلاط؟
وكالعادة يدفن الملالي رؤوسهم في الرمال لتفادي رؤية المشاكل الجنسية التي تسببوا في خلقها بقوانينهم الجائرة، فقد أصدرت السلطات القضائية الإيرانية، قرارا بمنع صحافية إيرانية من العمل لمدة خمس سنوات، بعد نشر مقال لها حول الايدز يدعو الى معالجته في العلن، بدلا من التخفي والتستر عليه. وقال محامي الصحافية لوكالة أنباء «ايسنا» الطلابية، إن موكلته وتدعى الهام افروتان، منعت من العمل كصحافية، ومن ممارسة حقوقها الاجتماعية لخمس سنوات، بسبب مقالها في أسبوعية «تمادون ـ اي هرمزغان»، بعنوان «لنجعل موضوع الإيدز علنيا»، موضحا أن موكلته وهي في أوائل العشرينات من العمر، اتهمت بـ«نشر الرذيلة» بسبب المقال (الشرق الأوسط، 5 يوليو 2006). فهذه الصحافية تنشر الرذيلة بمطالبتها السلطات بأخذ موضوع الأيدز مأخذ الجد، واللذين يبيحون مفاخذة الأطفال ينشرون الفضيلة الوهمية.
وفي بلد كالعراق تمزقه الحرب الأهلية بين السنة والشيعة باسم الله والإسلام، أصبح اختطاف البنات واغتصابهن وحتى بيعهن في أسواق الدعارة بدول الخليج أمراً مسلماً به حتى أن النساء لم يعدن يخرجن من منازلهن. ويقوم بهذه الأعمال الملتحون الذين تسلحوا للدفاع عن الإسلام والفضيلة. ويحدثنا رجالات الدين بالبصرة عن فرض الحجاب بالقوة على النساء حتى غير المسلمات من مسيحيات وصابئيات وغيره، للحفاظ على العفة، وجامعات العراق أصبحت لا تخفي الزواج العرفي الذي أصبح موضة بين الطلبة والطالبات، رغم فرض الحجاب عليهن.
أما الدعارة فلا يخلو منها بلد مسلم، عربي أو أعجمي، خاصة دول الخليج التي أصبحت من أكبر مراكز الدعارة في الشرق الأوسط وأصبحت تجلب المومسات من المغرب والعراق والجزائر ومصر ولبنان ودول الاتحاد السوفيتي السابقة، وحتى من روسيا. والبنات العربيات في أوربا يمارسن الدعارة في كل المدن الأوربية، خاصة في هولندا حيث يعملن في حوانيت الجنس المعروفة ب "المنطقة الحمراء" Red District. وتكفي زيارة واحدة إلى بيكادلي بارك في لندن لنرى كمية النساء العربيات اللاتي يبيعن الهوى.
وفي فرنسا، إضافة إلى الدعارة نجد الفتيات المسلمات اللاتي أصبحن يمارسن الجنس مع أصدقائهن قبل الزواج، يلجأن إلى الجراحين لترقيع غشاء البكارة الذي يبني عليه رجال الدين مفهومهم للعفة. فقد أجرى الجراح الفرنسي برنارد بانيال خلال العامين الماضيين فقط 200 عملية جراحية لفتيات مسلمات وكاثوليكيات ويهوديات، ولكن الأغلبية من هذه المجموعة من الجالية العربية. ويضيف بانيال: "أعرف الكثير من الجزائريات والتونسيات اللواتي يجرين هذه العمليات الجراحية في تونس لأنها قريبة وبسبب المشكل المادي، غير أنني أسعى بدوري لإجراء العمليات هنا في فرنسا لأني لمست عندما درست في جامعة عنابة في الجزائر أن معظم الطالبات تسألنني عن كيفية إجراء عملية خياطة غشاء البكارة" (شفاف الشرق الأوسط، 9 يناير 2006). وهناك من يجري هذه العمليات في مصر والسودان واليمن. وهناك مواقع على شبكة الانترنت الآن تعلن عن ترقيع غشاء البكارة بدون جراحة، في دبي ولها وكلاء في جميع الدول العربية.
ومع كل هذه الحقائق الدامغة في المجتمعات المسلمة يصر الملالي ورجالات الدين على الحديث عن العفة والشرف ويبالغون في فصل النساء عن الرجال كما يفعل خمسة آلاف ملتحي ينتمون إلى جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية. ولكنهم يبيحون لأنفسهم كل أنواع الجنس. فكم من شيخ ملتحي ومتعمم ضاجع امرأة لا تحل له في غرفتة بالفندق عندما كان في إحدى المؤتمرات في أوربا أو أحد عواصم الدول العربية. وكم مؤذن ومطوع ضاجع صبياً صغيراً قبل صلاة الجمعة عندما يهش بعصاه ليدفع الرجال إلى المسجد ويندفع هو إلى غرفة خاصة بالسوق.
فبدل أن يضيعوا مجهوداتهم في محاولة يائسة لفرض العفة على الطلبة والطالبات، بفصلهم عن بعض في الجامعات العربية في مصر والأردن والبحرين والسعودية وغيرها، لماذا لا يركزون مجهوداتهم في تنقية دينهم من الشوائب التي تكاد أن تقضي عليه، ويجعلونه ديناً يسراً لا يرهق المسلمين وديناً بين العبد وربه ولا دخل للدولة فيه ولا مكان لبوليس الآداب الذين يحاولون فرض المستحيل الذي يعارض طبيعة الإنسان والحيوان؟

الحب.. الجنس.. والإسلام (2)

الجنس هو أحد الغرائز التي ورثها الإنسان من أسلافه في الغابة. وبما أنه غريزة فإن الإثارة والرغبة في ممارسة الجنس تحدث تلقائياً ومن الصعب التحكم فيها. وإذا لم يشبع الرجل رغبته الجنسية ويفرغ الأكياس التي تخزّن السائل المنوي، فإنه في الغالب يحتلم ويفرغها ليجدد السائل المنوي الذي يمنح الحياة، في تلك الأكياس حتى تكون الحيوانات المنوية في أحسن حالاتها لإخصاب البويضة عندما تحين الفرصة المناسبة، لأن التخزين يُفقد الحيوانات المنوية فعاليتها وقوة حركتها. وبالإضافة إلى المحافظة على النوع من الانقراص فإن للجنس فوائدَ جسدية عديدة وكذلك نفسية، منها أن ممارسة الجنس تزيد من إفراز هورمون الاستروجين الذي يساعد على المحافظة على بشرة المرأة ونضارتها. والجنس علاج للاكتئاب لأنه يزيد من إفراز مادة الاندورفين في الدماغ وهذا الهورمون يزيد من الشعور بالبهجة وهو كذلك من أكثر المهدئات سلامة ومن أفضل المنومات للرجال. فلماذا يا تُرى يشدد شيوخ الدين الإسلامي على فصل النساء من الرجال ومنع كل ما يمكن أن يؤدي إلى علاقة حب تتوجها العلاقة الجنسية؟ فالحب أجمل شعور عرفه الإنسان، وعبر عنه الشاعر نزار قباني أحسن تعبير حينما قال:
الحبُ في الإرض بعضٌ من تصورنا **** إن لم نجده عليها لاخترعناه
وقال إيليا أبو ماضي عن حب الإنسان وحب الحياة وحب الطبيعة:
والذي نفسه بغير جمالٍ لا **** يرى في الوجود شيئاً جميلا
يرى الشوكَ في الورود ويعمى **** أن يرى فوقها الندى إكليلا
فتمتع بالصبح ما دمت فيه **** لا تخف أن يزولَ حتى يزولا
ويبدو أن رجالات الدين أغلبهم بغير جمال، فلا يرون في الوجود شيئاً جميلا خلاف بنات الحور اللاتي ينتظرنهم في الجنة. ولذلك هم لا يرون الورود بل يرون الشوك الذي سوف يفتك بفضيلة المرأة المسلمة. ولذلك حرموها من الحب. فكم من فتاة مسلمة عرفت الحب وسمت بروحها إلى طبقات الأثير.
ولا بد أن خوف رجالات الدين من تحرر المرأة المسلمة هو الذي يدفعهم لمثل هذا السلوك ليثبتوا لأنفسهم وللنساء أن الرجال قوامون على النساء لأنهم أقوى وأذكى منهن. بينما تثبت الدراسات الحديثة أن المرأة لا تقل ذكاءً عن الرجل إن لم تبزه. بل هي أخصب منه خيالاً وأكثر لباقةً وأصبر على الشدائد منه. ولكنه خوف رجال الدين من تحرر المرأة لأنه سوف يُثبت خطأ كل أحكامهم عن المرأة. وقد صدق سلمان رشدي حينما قال "كابوس رجال الدين الإسلامي هو تحرر المرأة جنسياً". فالمرأة المتحررة جنسياً لن تقبل أن يتزوجها شيخ ناهز السبعين وهي بعد طفلة لم تتعد عامها السادس عشر. والمرأة المتحررة جنسياً لن تقبل أن تظل في علاقة زوجية أو غير زوجية مع رجل يكاد يكون عنيناً. وحتى تظل المرأة سجينة جدران الفقه الإسلامي برع الفقهاء في مناقشة كل ما جادت به قرائحهم عن الجنس، حتى وإن كان مستحيلاً. وإليكم بعض أنواع الفقه الجنسي الذي شغل كبار الفقهاء عقوداً من الزمن.
في موجبات الغسل، يقولون: (التقاء الْخِتانين مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ بِالاتفاق, لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: { إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأرْبَعِ, ثم جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ } وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: { وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ }, وَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعبها الأربع, وَمَسَّ الختان الختانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ }, وَالْتِقَاءُ الْختانين يحصل بتغييب الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ, ذَلِكَ أَنَّ ختان الرجل هو الجلد الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الختان, وختان المرأةِ جِلدةٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ الْفَرَجِ، فَيقطع مِنْهَا فِي الْخِتَانِ, فَإِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرَجِ حاذى ختانه ختانها, وإذا تحاذيا فقد التقيا, وَلَيْسَ الْمُرَادُ بالتقاء الختانين الْتِصَاقَهُمَا وَضَمَّ أَحَدِهِمَا إلَى الأخَرِ, فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ خِتانه عَلَى مَوْضِعِ خِتَانِهَا وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ, وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: الْحَشَفَةُ رَأْسُ الذَّكَرِ.وَلا بُدَّ لإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ بِكَمَالِهَا فِي الْفَرْجِ, فَإِنْ غَيَّبَ بَعْضَهَا فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ تُخْلَقْ لَهُ حَشَفَةٌ فَيعتبر قَدْرُهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: إذَا قُطِعَ بَعْضُ الذَّكَرِ, فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الأحْكَامِ, وَإِنْ كَانَ قَدْرَهَا فَقَطْ تَعَلقت الأحكام بِتَغييبه كله دُونَ بَعْضِهِ, وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِبَعْضِهِ, وَلا يَتَعَلَّقُ إلا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي (الموسوعة الفقهية الكويتية، باب الغسل).
ورغم وصف الفقهاء لأخص خصوصيات المرأة فقد كانوا يجهلون ما يحكون عنه. فالجلدة التي يقولون عنها أنها مثل عرف الديك، هي البظر الذي في أعلى فتحة المهبل. وإذا كانت المرأة مستلقية على ظهرها فإن البظر يكون شبه عموديٍ ويتجه إلى الأسفل، وذكر الرجل بالفرج يكون أفقياً بموازة الفراش. فلا التقاء بين الختانين ولا موازاة كما يقولون. وفي الوضع الطبيعي للجنس فإن الذكر لا يمس البظر إطلاقاً. ولا بد أن خيالهم كان واسعاً فيما يتعلق بالجنس فتخيلوا أن الرجل مقطوع الحشفة يمارس الجنس. وطبعاً الرجل مقطوع الحشفة لا حاجة له بالجماع إذ أنه لن يشعر بشيء من اللذة. ثم حتى لو حاول الجماع فكيف يقيس مقدار الحشفة حتى يعرف إذا كان قد وجب عليه الغسل. هل يُركّز على الجماع أم يُركّز انتباهه على كم من القضيب مقطوع الرأس قد دخل الفرج؟ ويقول النووي إذا قُطع الذكر وما تبقى منه أقل من حجم الحشفة فلا تتعلق أحكام الغسل بهذا الرجل. وهل يستطيع رجل بقي له من ذكره أقل من حجم الحشفة أن يباشر الجماع؟
أما الإمام الشافعي فيقول: ( وإذا غيب الرجل ذكره في فرج امرأة متلذذا أو غير متلذذ، ومتحركا بها أو مستكرها لذكره، أو أدخلت هي فرجه في فرجها وهو يعلم أو هو نائم لا يعلم أوجب عليه وعليها الغسل. وكذلك كل فرج أو دبر أو غيره من امرأة أو بهيمة وجب عليه الغسل إذا غيب الحشفة فيه مع معصية الله تعالى في إتيان ذلك من غير امرأته وهو محرم عليه إتيان امرأته في دبرها عندنا وكذلك لو غيبه في امرأته وهي ميتة ) (كتاب الأم، باب ما يوجب الغسل).
فالرجل الذي يعصي الله مع سابق العلم ويأتي امرأته في دبرها أو يأتي البهيمة في دبرها، هل يكترث إن اغتسل أو توضأ؟ ومن هذا الرجل المسلم الذي يأتي من خير أمة أُخرجت للناس ثم تكون له الرغبة في اشتهاء امرأةٍ ميته وينتصب ويدخل ذكره في فرجها. هل مثل هذا يجب عليه الغسل أم يجب أن يُعالج في مصحة عقلية؟ فمثل هذا الرجل مريضٌ والقاعدة تقول: ليس على المريض حرج. ولولا تشدد الفقهاء في منع المعاشرة بين الرجال والنساء لما فكر رجل في إتيان امرأة ميتة، إن لم يكن مريضاً نفسياً. وكيف يأتي الرجل المسلم الذي يهتم بالغسل، امرأةً غير امرأته؟ هل يضحك على نفسه أم على الله؟ يأتي امرأة غير امرأته في معصية واضحة لله ثم يغتسل ويصلي له؟ والفقهاء من واجبهم صياغة القوانين الفقهية لكل شيء محتمل أن يحدث، ونحن نتفهم ذلك، ولكن يبدو أنهم أطلقوا لخيالهم العنان فشطح وتعدى حدود المعقول. فمن الصعب أن نتخيل أن رجلاً نائماً، وفي الغالب يكون ذكره نائماً كذلك، إلا في الصباح الباكر عندما تمتلئ المثانة بولاً وتضغط على الأعصاب التي تغذي الذكر فينتصب، تعتدي عليه امرأة بجانبه وتُدخل ذكره في فرجها، إن استطاعت، وهو ما زال يغط في نوم عميق ولا يعلم ما يحدث، ثم يجب عليه الغسل إذا أدخلت كل الحشفة بفرجها. فكيف يعرف أنها أدخلت الحشفة كلها وهو نائم لا يدري؟ وممارسة الجنس تتطلب إفراز هرمونات الأدرينالين والنورا أدرينالين وكلاهما منشط يزيد من ضربات القلب وضغط الدم وتهييج الإنسان للحرب أو الهرب، وعليه يستبعد أن يظل نائماً وهي تمارس معه الجنس. ومرة أخرى نقول لولا تشددهم لما احتاجت هذه المرأة المحرومة من متعة الجنس إلى إدخال ذكر رجلٍ نائمٍ في فرجها.
ويستمر الإمام الشافعي فيقول ( ولا نوجب الغسل إلا أن يغيبه في الفرج نفسه أو الدبر فأما الفم أو غير ذلك من جسدها فلا يوجب غسلا إذا لم يُنزل، ويتوضأ من إفضائه ببعضه إليها. ولو أنزلت هي في هذه الحال اغتسلت وكذلك في كل حال أنزل فيها. فأيهما أنزل بحال اغتسل. ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل، لم يجب عليه الغسل حتى يستيقن بالإنزال، والاحتياط أن يغتسل).
ومع احترامنا للإمام الشافعي نقول إنه كان يتحدث عن شيء يجهله. المرأة إذا اهتاجت قبل مباشرة الجنس تفرز غدد بارثولين الموجودة في شفايف المهبل موادا لزجة لتسهيل عملية الإيلاج، ويحدث هذا سواء أولج الرجل بها أو لم يولج. والمرأة عندما تصل ذروة متعتها لا تقذف كالرجل ولا ماء لها. والمرأة في العادة يفرز مهبلها كميات صغيرة من الإفرازات على مدي الأربع وعشرين ساعة، سواء باشرت الجنس أم لم تباشره. وقد تكرم الإمام الشافعي وأعفاها من الغسل في حال إدخال الذكر في فمها. ولكننا لا نفهم كيف يشك الرجل في أنه أنزل أم لا؟ لا اعتقد أن هناك رجلاً يشك في أنه أنزل أم لا.
ولم ينس المالكية والحنابلة أن يشددوا على الإيلاج في الميت وهل يجوز غسله مرة أخرى، فقالوا: (يميلون إلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُولِجِ فِي فَرْجِ الْمَيِّتِ لِعُمُومِ الأدِلَّةِ, وَلا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُغَيَّبِ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ, وَفِي الأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ, وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتَةِ الْمَوْطُوءَةِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لا غُسْلَ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا مَا لَمْ تُنْزِلْ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا) (الموسوعة الفقهية الكويتية، نفس الباب).
وهل هناك مرض وحرمان جنسي أكثر من أن يضاجع الرجل امرأة ميتة، أو امرأةٌ رجلاً ميتاً؟ وبدل أن يختلف الفقهاء في وجوب غسل الميتة مرة أخرى، أما كان الأحرى بهم أن يسألوا كيف تم لهذا الرجل المحروم من الجنس الاختلاء بالمرأة الميتة بعد أن غسلوها، وفي العادة تغسلها النساء وتكفنها النساء، ليدخل ذكره في فرجها؟ وهل مثل هذا الرجل يكون عاقلاً؟ فالغسل لا يجب إلا على العاقل. وهل يتطوع مثل هذا الرجل ويخبر الناس أنه قد أدخل ذكره في الميتة، حتى يعيدوا غسلها، لأن المنطق يتطلب أن يكون مثل هذا الرجل في خلوة تامة مع الجنازة حتى يستطيع أن يفعل ما فعل. ونرى أن المالكية والحنفية كانوا أكرم من الشافعية والحنابلة على المرأة المحرومة من الجنس التي تُدخل ذكر الميت في فرجها فأعفوها من الغسل، وكان حرياً بهم أن يعوضوها عن هذا الحرمان الذي اضطرها لتفعل ما فعلت. وكان يجب أن يمنحوها جائزة نوبل لمقدرتها على إدخال ذكر ميت كصاحبه، في فرجها. ولماذا يعيدون غسل الميتة في مثل هذه الحالة وقد تنجست بعد موتها بأن أدخل الرجل ذكره في فرجها، فهل سوف يعاقبها الله إن لم يغسلوها، على عمل قام به شخص آخر وهي ميتة؟ وإلا فما الحكمة في إعادة غسلها؟
مرة أخرى يرجع الفقهاء إلى الأطفال فيقولون (َاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ - الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ - فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ, فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكَلَّفًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ فَقَطْ دُونَ الْآخَرِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمُغَيِّبُ إنْ كَانَ بَالِغًا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِ, وَكَذَا عَلَى الْمُغَيَّبِ فِيهِ إنْ كَانَ بَالِغًا, وَإلا وَجَبَ عَلَى الْمُغَيِّبِ دُونَ الْمُغَيَّبِ فِيهِ. فَإِنْ كَانَ الْمُغَيِّبُ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ غَيَّبَ فِيهِ, سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَمْ لا، مَا لَمْ يُنْزِلْ بِذَلِكَ الْمُغَيَّبُ فِيهِ, وَإلا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ للإنْزَالِ)
ومرة أخرى نسأل: هل الرجل المسلم الذي يغيب ذكره في صبي لم يبلغ بعد، يحق له أن يغتسل ثم يصلي لله، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ونلاحظ هنا أن الفقهاء كانوا يعرفون، أو تخيلوا، أن الرجال المسلمين يمارسون الجنس مع الأطفال غير البالغين، لكننا لا نرى أحكاماً بحق هؤلاء الرجال. بل ذهب بعضهم إلى القول أن الرجل إذا قبّل صبياً أو امرأةً غريبة فلا حد ولا إثم عليه.
ولكي ننصف الفقهاء المسلمين لا بد أن نعترف أنهم قد اكتشفوا الكوندوم قبل الغربيين، فقالوا (فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الإيلاجِ بِحَائِلٍ، {قماش يحول بين الذكر والفرج} فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ الْغُسل عَلَى مَنْ أَوْلَجَ حَشَفَته أَوْ قَدْرَهَا مَلْفُوفَةً بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ تَمْنَعُ اللَّذَّةَ, فَإِنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً بِحَيْثُ يَجِدُ مَعَهَا اللَّذَّةَ وَحَرَارَةَ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فِي الْخِرْقَةِ الْكَثِيفَةِ ; لأنَّهُ يُسَمَّى مُولِجًا, وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا الْتَقَىالختانان, أَوْ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ) أما الحنابلة فكانوا أكثر كرماُ فذهبوا (إلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَوْلَجَ بِحَائِلٍ مُطْلَقًا, مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنُصُّوا عَلَى كَوْنِ الْحَائِلِ رَقِيقًا أَوْ كَثِيفًا). ولا بد أن نسأل هنا: لماذا يمارس الرجل الجنس إذا كان سوف يلف ذكره بخرقة قماش كثيفة تمنعه من أن يحس حرارة المهبل وتمنع عنه الإحساس باللذة؟ اللهم إلا إذا أراد أن يغتسل وأراد عذراً لذلك.
ولم يكن تعريف الفرج سهلاً بالنسبة للفقهاء فاختلفوا، كالعادة، في نوعية الفرج الذي يوجب الغسل (فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي مُطْلَقِ الْفَرْجِ, سَوَاءٌ كَانَ لإِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ, قُبلٍ أَوْ دُبُرٍ, ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى, حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ. لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ شَرَطُوا إطَاقَةَ ذِي الْفَرجِ سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ, فَإِنْ لَمْ يُطِقْ فلا غُسْلَ عَلَى ذِي الْحَشَفَةِ الْمُغَيِّبِ مَا لَمْ يُنْزِلْ. وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْجُمْهُورَ فِي ذَلِكَ, إلا أَنَّهُمْ استثنَوْا فَرْجَ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ, وَالصَّغِيرَةِ غَيْرَ الْمُشْتَهَاةِ, وَالْعَذْرَاءِ إنْ لَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إنْزَالٌ, وَذَلِكَ لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ فِي الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةُ وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ مَقَامَ الإنْزَالِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عِنْدَ الإيلاج)
ويظهر هنا أن الحنفية يقولون إذا لم تحتمل البنت الصغيرة أو الحيوان ذكر الرجل المولج، أو دخول حشفة البالغ في الفرج، فلا غسل على الرجل إلا إذا أنزل. منتهى التسامح مع رجل يدخل حشفته في الأطفال الذين لا يتحملون، والبهائم والجنائز.
وحتى لا ينسى الفقهاء إي شيء يمكن أن تفعله المرأة المحرومة من الجنس ، قالوا (اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ إيلاجِ ذَكَرِ غَيْرِ الآدمي. فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ إيلاج ذَكَرِ غَيْرِ الآدميِ كَالْبَهِيمَةِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لا غُسْلَ مِنْ إيلاج ذَكَرِ غَيْرِ الآدَمِيِّ)
فالمرأة التي تأتي بخروف أو قردٍ إلى غرفة نومها وتداعبه حتى ينتصب وتدخل ذكره في فرجها يجب عليها الغسل إلا إن كانت حنفية المذهب. واختلاف العلماء لا ينتهي أبداً، فهم يختلفون في وجوب الغسل إذا جامع الجني امرأة أو جامع الرجل جنية، فقالوا (اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ وَطْءِ الْجِنِّ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ إتيانِ الْجِنِّ لِلْمَرْأَةِ, وإتيان الرَّجُلِ لِلْجِنِّيَّةِ, إذَا لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نقلاً عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَتْ: مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لا غُسْلَ عَلَيْهَا لانعدام سَبَبِهِ, وَهُوَ الإيلاج أَوْ الاحتلام. وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مَا إذَا ظَهَرَ لَهَا فِي صُورَةِ الآدمي فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ).
فإذا جامعت المرأة جني ولم تره لا تغتسل أما لو بدا لها في صورة رجل يجب أن تغتسل.
مسكينة المرأة المسلمة التي شرّعوا لها في كل احتمالات معاطاة الجنس وهي مسجونة ببيتها لا تبرحه إلا مع محرم ومغطاة بعباءة سوداء، ولا مجال لها في لقاء حبيب أو حتى حيوان. فالفقهاء قد اختزلوا عملية الجنس في حركات ميكانيكية تعتمد على قياس طول الجزء الذي يدخل فرج المرأة، وهل أنزل الرجل أو المرأة، حتى يجب عليهم الغسل أو عدمه. وأجزم قاطعاً أنه ليس هناك على وجه المعمورة دينٌ آخر أو قوانين مدنية تسهب في الجنس وأوصافه بقدر إسهاب الفقه الإسلامي الذي اغتال الحب وحرم الرجال والنساء من مباشرة أجمل متعة أتاحتها لهم الطبيعة.

فتاوى ضد النساء

تحت هذا العنوان كتبت السيدة/ الآنسة ليلي أحمد الأحدب مقالاً في صحيفة "الوطن" السعودية وأعادت إيلاف نشره في قسم "جريدة الجرائد" بتاريخ 20 يونيو 2005. والعنوان الأصلي للمقال كان "هل لدماغ المرأة أي فائدة؟" ناقشت فيه رأي علماء الدين عامة والشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني، رئيس جامعة الإيمان، خاصة عن مقدرة المرأة العقلية. ويتفق علماء الدين من كل المذاهب على نقص عقل المرأة ودينها كذلك، اعتماداً على حديث "المرأة ناقصة عقل ودين" وعلى بعض آيات من القرآن مثل "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" (البقرة 282). وقالت السيدة ليلي الأحدب عن الشيخ الزنداني و كتابه (المرأة وحقوقها السياسية في الإسلام) ما يلي: "فقد جاء في حديثه المتلفز وكتابه المذكور أن تخزين المعلومات والقدرات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت: ففي الفتى تتجمع قدرات الكلام في مكان مختلف عن قدرات التفكير بما فيها الذاكرة، بينما هي موجودة في فصي المخ لدى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تخصّصاً من مخ أخته، ويأتي الزنداني برسم لدماغ كل من الأنثى والذكر، ويعلّق تحته بما يلي: واضح من الصورة أن المرأة تشغِّل جزءين من أقصى المخ عند الكلام، بينما يستعمل الرجل فصاً واحداً مما يجعله أكثر تخصصاً ودقةً في ضبط الكلام لأن الجزء الآخر قد تخصّص عند الرجل لوظيفة الذاكرة فلا يحدث أي تشويش في الذاكرة عند الكلام، ويستنبط الزنداني أن هذا التخصص المفقود في المرأة يمنعها من التذكر عندما تتكلم، لذلك جعل القرآن شهادتها نصف شهادة الرجل، وهنا يتبدّى إعجاز القرآن العلمي حسب رأي الزنداني." وبداية نقول إنه لا داعي للتعقيب على ما ذكر الشيخ الزنداني لأن ما ذكره لا يمت للحقيقة بصلة، إنه مجرد افتراء على العلم. وثانياً أن الشيخ الزنداني رجلٌ معروف بتعصبه وسلفيته الزائدة التي جعلته يُكفّر عدداً كبيراً من صحفيي ومفكري اليمن مثل الصحافي سمير اليوسفي رئيس تحرير "الثقافية" والشهيد جار الله عمر الذي اغتاله أحد خريجي جامعة الإيمان التي يترأسها الشيخ الزنداني (مقابلة مع سمير اليوسفي، إيلاف 28 يناير 2004). وبما أن الشيخ الزنداني مسؤول عن الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في رابطة العالم الإسلامي، فقد دفعه إيمانه بالإعجاز العلمي إلى شطحات متكررة في مجال العلوم الطبية الحديثة، فقد ادعى حديثاً أنه اكتشف علاجاً ناجعاً لمرض فقدان المناعة المكتسب (الأيدز). فهذا إن دل على شي فإنما يدل على تفوق دماغ الشيخ الزنداني على أدمغة النساء.
وحديث الفقهاء الإسلاميين عن عقل المرأة يذكرنا بالمجادلات التي كانت دائرة في أمريكا في خمسينات القرن المنصرم عندما ابتدأ العلماء إجراء اختبارات تقيس نسبة ذكاء الإنسان Intelligence Quotient أو اختصاراً I.Q. فقد ظهر وقتها أن الأطفال البيض يحصلون على نسب عالية مقارنة مع الأطفال السود. فهلل وقتها دعاة التفوق العرقي والنازيون وقالوا إن العلماء أثبتوا أن الرجل الأبيض يتفوق على الرجل الأسود في الذكاء وعليه حق له أن يستعبده. ولم تدم فرحتهم طويلاً إذ أثبت العلماء أن نتائج اختبارات الذكاء تعتمد على البيئة وعلى الفرص التي تتاح للطفل لينمّي مواهبه العقلية. فأغلب الأطفال السود الذين تم اختبارهم كانوا من عائلات فقيرة لم توفر لهم التعليم والكتب ولا حتى لعب الأطفال التي تساعد على تنمية المواهب. ولما أخذ العلماء بعض الأطفال السود الذين تربوا في بيئة شبيهة ببيئة البيض وأُتيحت لهم فرص التعليم وتنمية المواهب وجدوا أن نتائج اختبار ذكائهم كانت مشابهة للبيض.
ووضع المرأة في التاريخ لا يختلف كثيراً عن وضع الأطفال السود. فمنذ بداية التاريخ البشري كانت المرأة تُعامل على أساس أنها أقل من الرجل في كل شيء إلى جاءت الثورة الصناعية التي أتاحت للمرأة العمل بالمصانع وبالتالي نمّت مقدرتها على كسب قوتها ومنحتها بعض الاستقلال عن الرجل، ثم أُتيحت للمرأة فرص التعليم فأثبتت جدارتها ومقدرتها العقلية التي تفوقت على مقدرة الرجال في مجالات العلوم الطبيعية والطب، فظهرت سيدات مثل مدام كيوري مكتشفة الراديوم وبعض بالنساء اللاتي برعن في الطب والهندسة والفيزياء مثل المهندسة المعمارية العراقية هدى حديد التي كسبت مسابقات عالمية في تصميم أحدث المباني في أوربا وأمريكا وكتبت عنها مجلة " تايم " الأمريكية. ولكن المرأة العربية ظلت أسيرة الأفكار الدينية المتطرفة التي أصبحت "معروفة من الدين بالضرورة" منذ خطبة حجة الوداع عندما أوصى النبي المؤمنين بالنساء فقال: "اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن من أمرهن شيئاً" وقال علماء اللغة إن كلمة "عوان" تعني "أسيرات". فالمرأة المسلمة صارت أسيرة عند الرجل تُعامل معاملة الأسرى المحبوسين في السجون. فمثلاً عندما روى ابن إسحق عن فاطمة بنت المنذر زوجة هشام بن عروة بن الزبير، قال هشام: "لقد كذب. لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين وما رآها مخلوق حتى لحقت بالله عز وجل" (تاريخ بغداد للبغدادي، ج1، ص 237). فكيف إذاً يتسنى للمرأة العربية مثل فاطمة بنت المنذر أن تُنمي مواهبها العقلية وهي لم تر مخلوقاً غير زوجها منذ كان عمرها تسع سنوات؟ ولم يكتف الفقهاء بجعل المرأة ناقصة عقل فقط بل جعلوها كذلك تُخل بميزان عقل الرجل، فيقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه (فتاوى النساء): "على أننا لا بد أن نلتفت إلى حقيقة هامة.. هي أن الله سبحانه وتعالى يريد أن تعتدل الموازين في كونه، ويريد للعقل الذي ميّز الله به الإنسان أن يُعطى حرية الاختيار دون أي مؤثرات، حتى تستقيم الأمور في الكون، ولكن إظهار المرأة لمفاتنها يجعل الميزان يختل...لماذا؟ لأن المرأة إذا تعمدت إغراء رجل غريب بزينتها والكشف عن جسدها، تتدخل في عمل العقل. لأنه في هذه الحالة قد يتخذ قراراً ويعلم أنه باطل لينال من هذه المرأة ويرضيها." ( ص 61).
ولكن في واقع الأمر فإن المرأة العربية ظلت طوال الوقت تتمتع بذكاء وحكمة أكثر من ذكاء وحكمة الرجل. وقد ظهرت هذه الحكمة والمعرفة في بعض النساء اللاتي استطعن الهروب من سجن الرجل. فنجد مثلاً في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام نساء عربيات كن يعرفن القراءة والكتابة عندما كان معظم الرجال أميين، نذكر منهن: الشفاء بنت عبد الله العدوية من رهط عمر بن الخطاب‏، قال لها النبي: "ألا تعلمين حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة ". وكانت الشفاء كاتبة في الجاهلية‏.‏ وقال البلاذري: حدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن سعد قال‏:‏ كانت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكتب‏.‏ وحدثني الوليد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن علقمة بن أبي علقمة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تكتب‏.‏ وحدثني الوليد عن الواقدي عن فروه عن عائشة بنت سعد أنها قالت‏:‏ علمني أبي الكتاب ( فتوح البلدان للبلاذري، ص 527)‏. ‏فإذا كانت المرأة في الجاهلية قد تعلمت القراءة والكتابة قبل الرجال، كيف يحق للفقهاء أن يقولوا إنها ناقصة عقل؟ وحتى بعد ظهور الإسلام كانت المرأة العربية متفقهة في الدين حافظة للحديث، فقد التقى ابن عساكر، الذي قال عنه ابن النجار إنه كان أعلم رجال زمانه، بضع وثمانين امرأةً جمع منهن الحديث وألف كتاب "معجم النسوان" (تاريخ دمشق لابن عساكر، ج1، ص 19). برع هؤلاء النسوة في الحديث والعلم رغم محاولة الفقهاء منعهن من ذلك، فقد قال ابن الجوزي في كتابه (أحكام النساء): "فإن كان لها أب أو أخ أو زوج أو محرم يعلّمها الفرائض ويُعرّفها كيف تؤدي الواجبات، كفاها ذلك" (ص 102).
وكان هناك نساء عربيات عرفن بالذكاء والمقدرة الفائقة في تصريف أمور الناس مثل الزباء بنت عمرو بن ظرب التي تولت الحكم في العراق بعد مقتل أبيها، وعُرفت بالملكة الزباء وكان اسمها نائلة. وكان جنود الزباء من العماليق والعاربة الاولي ومن قبائل قضاعة وكانت للزباء اخت يقال لها زبيبة فبنت لها قصراً حصينا علي شاطئ الفرات الغربي. (تاريخ الطبري، ج1، ص364). هذه الزباء كانت من الذكاء بمكان مكنها من خداع عدة ملوك استدرجتهم إلى قصرها وقتلتهم. وفي شمال أفريقيا عندما غزاها حسان بن النعمان وهزم الرومان قال لهم دلّوني على أعظم من بقي من ملوك أفريقية فدلّوه على امرأة تملك البربر تُعرف بالكاهنة -وكانت تُخبرهم بأشياء من الغيب ولهذا سُميت "لكاهنة - وكانت بربرية وهي بجبل أوراس وقد اجتمع حولها البربر بعد قتل كسيلة، فسأل أهل إفريقية عنها فعظّموا محلها وقالوا له: إن قَتَلْتَها لم تختلف البربر بعدها عليك، فسار إليها فلما قارَبها هَدمت حصنَ باغاية ظناً منها انه يريد الحصون فلمْ يعرّج حسان على ذلك وسار إليها فالتقوا على نهر نيني واقتتلوا أشد قتال رآه الناس، فانهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير وانهزم حسان، وأسِرَ جماعة كثيرة أطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي - وكان شريفاً شجاعاً - فاتخذته ولداً (الكامل في التاريخ للمبرد، ج4، ص 134). فهذه المرأة من البربر التي هزمت جيوش وقادة المسلمين، كيف تكون أنقص منهم عقلاً؟
وحتى بالنسبة للنبوة التي هي أسمى ما يمكن أن يصبو إليه الإنسان، ‏فقد تنبأت أم صادرٍ سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة من تميم ويقال هي سجاح بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة وتكهنت‏.‏ فاتبعها قوم من بني تميم وقومٌ من أخوالها بني تغلب‏ ( البلاذري ص 99).‏ فهذه المرأة لا بد أنها أقنعت كل هؤلاء الرجال بنبوءتها فآمنوا بها واتبعوها، فكيف تكون أنقص منهم عقلاً؟
وفي عالمنا اليوم نجد أن 52 بالمائة من طلبة الجامعات في السعودية من الإناث (الشرق الأوسط 23 ديسمبر 2003) و56 بالمائة من طلبة كلية الطب بالكويت من الإناث كذلك. فهل يعني هذا أن 56 بالمائة من أطباء الكويت ناقصو عقل؟
وإذا تركنا العقل وتحدثنا عن الشجاعة البدنية نجد أن المرأة العربية قد أثبتت رباطة جأش لم نرها في الرجال. فقد قاتلت أم حبيب نسيبة بنت كعب يوم اليمامة وأصيبت بجراحات، وقاتلت يوم أُحد أيضاً (فتوح البلدان للبلاذري، ص 92). وقاتلت أم حكيم بنت الحارث المخزومية امرأة عكرمة بن أبي جهل، الروم بعمود فسطاطها ويقال إنها قتلت من الروم سبعة (البلاذري، ص 119). وقاتلت أسماء بنت يزيد بن السكن (أم عامر) الأنصارية يوم اليرموك فقتلت تسعة من الروم (تاريخ الإسلام للذهبي ص 1147). حدث هذا في وقت كان فيه الرجال المسلمون يهربون من المعارك، فقد هرب عثمان بن عفان يوم أُحد فأنزل الله: "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم" (تفسير ابن كثير للآية 155، آل عمران). وهرب عمر بن الخطاب حتى صعد الجبل وقال فيما بعد "لما كان يوم أُحد، هُزمنا، ففرت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني انزوي كأنني أروى والناس يقولون: قٌُتل محمد – ص-. فقلت: لا أجد أحداً يقول قُتل محمد إلا قتلته، حتى اجتمعنا على الجبل. " تفسير الطبري، ج7، ص 327). فقال له عتيق بن أبي قحافة: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام.
وبعد هذا نقرأ في كتب مثل المنتظم في التاريخ لابن الجوزي قصصاً تضع من قدر النساء، فقد حكى أن النبي إبراهيم جاء إلى مكة ليزور ابنه إسماعيل فلم يجده بالبيت ووجد زوجته التي أكرمته وأحسنت استقباله، فقال لها قولي لإسماعيل "غيّر عتبة بابك". فلما رجع إسماعيل أخبرته، فقال لها إن أبي يأمرني أن أطلقك، فطلقها وتزوج غيرها (ص 63). فالمرأة بعد أن كانت ناقصة عقل أصبحت عتبة باب. وحتى في عصرنا هذا نجد رجالاً في أعلى مراتب الدولة لا يعترفون بمساواة المرأة للرجل، فعندما قرر الرئيس المصري حسني مبارك تعيين المحامية تهاني الجبالي كقاضي في المحكمة الدستورية لتكون أول سيدة تتولى منصب القضاء في تاريخ مصر الحديث قال المستشار أحمد عبيد نائب رئيس محكمة النقض "إن الشريعة الإسلامية والدستور يمنعان عمل المرأة بالقضاء، ولأن جمهور العلماء وفيهم جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية والشيعة الزيدية والشيعة الإمامية والإباضية يرون أنه لا يجوز تولي المرأة القضاء..... ووجه الدلالة في الآية (الرجال قوامون على النساء) أن جنس الرجال قوامون على جنس النساء بسبب تفضيل الرجال على النساء لرجاحة العقل وكمال الدين." ( الشرق الأوسط 6 فبراير 2003).
وليس في جسم المرأة شئ استحوذ على تفكير فقهاء الإسلام أكثر مما استحوذ عقلها إلا عضوها التناسلي الذي ملئوا به صحائف عدة وأفتوا فيه بأقوال اعتبروها علمية بحتة وهي أبعد ما تكون عن العلم، فقد قال الشيخ الشعراوى عن أهمية الختان في كتاب فتاوى العصر "لماذا ختان المرأة كرامة إذن؟ لأن القدر الزائد (من البظر) يكون خارجاً عن الشفرتين فإن كان مرتفعاً وجاء الثوب عليه أو مر به أهاج شهوة المرأة وإذا أهاج شهوة المرأة جعلها تطلب الرجل فتكون هلوكاً، إذن فنقول نشيل هذا الزائد علشان دائماً لا تصبح فى حاجة إلى هذا الموضوع.. إذن هذا سيصبح كرامة لها لأنها لو ظلت كما هي فإنها ستصبح هائجة ودائماً هي التي تحتك بالرجل وتتمحك فيه!!" (د. خالد منتصر في إيلاف عدد 22 يناير 2004). وعندما استأنف الشيخ يوسف بدري قرار وزير الصحة المصري الذي منع ختان البنات، قالت له صحفية ألمانية من "ديرسبغل": إن المسلمين في المغرب والجزائر لا يختنون بناتهم، فأفتى الشيخ يوسف بدري بأن حجم البظر في البنات المصريات يفوق حجم نظيره في المغرب والجزائر وعليه وجب قصه" (www.religioustolerannce.org/fem_cirm.htm). كل هذه الفتاوى التي ألبسوها لباس العلم ما هي إلا خزعبلات يلعبون بها على عقول البسطاء. فهل بعد هذا تستغرب السيدة ليلي أحمد الأحدب فتاوى العلماء ضد النساء؟

الارتداد ... هل هو حق من حقوق الإنسان ؟

تحت هذا العنوان كتب السيد جاسم محمد الشيخ زيني مقالاً بموقع "كتابات" بتاريخ 28 أكتوبر 2005 يناقش فيه تبرير قتل المرتد من ناحية شرعية. والإسلام عموماً ملئ بالمتناقضات، غير أنه لا يوجد موضوع أكثر تناقضاً في الإسلام من موضوع الارتداد. وليس هناك قانون في أي دين آخر غير الإسلام، توحيدي أو تعددي، يبيح قتل من يخرج عن ذلك الدين. والمادة 18 من حقوق الإنسان، كما تكرم السيد جاسم بذكرها، تقول: " (لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة). فالمادة هذه صريحة فيما تقول ولا مجال للتخبط في فهمها، غير أن فقهاء الإسلام اختاروا ما يعارضها وساروا عليه، وليس لديهم أي سند فيما ذهبوا إليه غير حرب أبي بكر للمرتدين بعد موت الرسول. فلا القرآن ولا أفعال النبي محمد تساند ما ذهبوا إليه. ولكن أولاً دعونا نناقش تعريف العلامة الحلي ( 648-726 هجرية) للارتداد، فهو يقول: (قطع الإسلام من مكلف ، أما بفعل كالسجود للصنم وعبادة الشمس وإلقاء المصحف في القاذورات ، وشبه ذلك مما يدل على الإستهزاء . وأما بقول عنادا أو إستهزاءََ أو إعتقاداَََََ ، ولا عبرة بردة الصبي والمجنون والمكره والسكران). وتعريف الحلي يفترض أن كل من ارتد عن الإسلام يستهزئ به ويهينه، وهذا القول لا يمت للحقيقة بصلة. فالذين يرتدون عن أي دين يفعلون ذلك إما بدافع أن الأديان عامة تتعارض مع العقل وهم يودون احترام عقولهم دون أن يسيئوا إلى الدين المرتد عنه، وإما لأنهم درسوا الأديان الأخرى ووجدوا ديناً يناسب تفكيرهم أكثر من الدين الذي تربوا عليه. وليس في هذا المنهج أي استهزاء بالدين المرتد عنه. ثم أن أصحاب النبي والتابعين لهم لم يعملوا بهذا التعريف. فعندما مزق الوليد بن يزيد بن عبد الملك المصحف وقال له:
أتوعد كل جبار عنيد *** فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا لاقيت ربك يوم حشر*** فقل يا رب مزقني الوليد
لم يرمِ المسلمون يومئذ الوليد بالارتداد، بل بايعوه خليفةً على المسلمين، وهم كانوا أقرب عهداً بالنبي وتعاليمه من العلامة الحلي. ثم أن النبي نفسه عندما ارتد كاتب وحيه عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقال إن القرآن ليس وحياً من الله وإنه كان يقترح على محمد بعض التعديلات وكان يقبلها، أمر النبي بقتله يوم الفتح ثم عفا عنه عندما جاء إليه مع أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان. فإذا كان قتل المرتد حقاً إلهياً فليس من حق النبي أن يتنازل عنه. وإذا لم يكن حقاً إلهياً، فأفعال النبي لا تساند القول بقتل المرتد. ثم أن تعريف العلامة الحلي فيه تناقضات عقلية واضحة، فهو يقول: "قطع الإسلام من مكلف". والمكلف هو الشخص البالغ العاقل المالك لكل قواه العقلية، ولذلك قال: "ولا عبرة بردة الصبي والمجنون والمكره والسكران" لأن المذكورين ليسوا في كامل قواهم العقلية إما لصغر سنهم أو للجنون أو لتأثير المشروب عليهم. فإذا اشترط العلامة الحلي التكليف في المرتد، فالمنطق يتطلب أن يشترط نفس الشرط في اعتناق الإسلام أولاً قبل الردة عنه. والغالبية العظمى من المسلمين المعاصرين ورثوا الإسلام عن أبويهم وبيئتهم وهم صغار غير مكلفين. ومن شب على شئ شاب عليه، ولذلك هم يتمسكون بالإسلام لأنهم لم يعرفوا ديناً غيره، خاصة وأن غالبيتهم أميين لا يستطيعون قراءة الأديان الأخرى التي غالباً لا تتوفر لديهم في بلادهم الإسلامية لأن السلطات الدينية تصادر أي عمل كتابي يشرح أو يدعو إلى دين آخر. فهؤلاء قد اعتنقوا الإسلام عن جهل في صغرهم واستمروا عليه في جهل نسبة لظروفهم والبيئة التي يعيشون فيها. ولا شك أن الله يفضل أن يعتنق المسلمون الإسلام عن وعي وفهم وبمحض إرادتهم بدل أن يفرض عليهم وهم صغار جهلاء. والقوانين الوضعية في البلاد المتقدمة لا تقبل التوقيع على أي وثيقة إلا إذا أثبتت الجهة التي تقدم الوثيقة أن الشخص الموقع عليها فعل ذلك بمحض إرادته وبعد أن فهم فهماً تاماً كل ما تحتويه الوثيقة. ويسمون هذا الشرط Informed Consent أي "موافقة عن إدراك". فأنا كجراح لو أعطيت مريضاً مكتوباً يشرح العملية التي سوف أجريها له، ووقع الشخص على هذا "الفورم" ثم أجريت له العملية وحدثت له مضاعفات، فرغم أنه قد وقّع على "الفورم إلا أن ذلك "الفورم" لا يساوي الحبر الذي كُتب به، لأني لم أشرح للمريض العملية والمضاعفات التي يمكن أن تحدث له، والعلاجات الأخرى المتوفرة له بخلاف العملية الجراحية. فلو وافق المريض بعد الشرح الوافي فهو ملزم بما وقّع عليه. فهل غالبية المسلمين أو المسيحيين تربوا في بيئة لا دينية ثم شرحوا لهم الأديان بعد أن صاروا بالغين مكلفين ثم اختاروا الإسلام أو المسيحية عن إدراك وفهم؟
والمرتد عن الإسلام، كما يقول السيد جاسم، نوعان: الأول: فطري: وهو الذي ولد على الإسلام ثم كفر به. والثاني: الملّي: أي الذي لم يولد على الإسلام بل اعتنقه فيما بعد (على الكبر) ثم ارتد عنه. وموقف الفقهاء المسلمين من هذين النوعين من الارتداد يظهر تناقض الإسلام جلياً. فالمرتد الأول لم يُعط خياراً في اتباع الإسلام وإنما شاء حظه أن يولد في عائلة مسلمة لقنته الإسلام وهو صغير فنشأ عليه. فإذا ارتد بعد أن كبر، يحكم عليه بالقتل ولا تُقبل توبته. بينما المرتد الآخر الذي دخل الإسلام طواعيةً بعد أن بلغ ودرس الإسلام وفهمه، إذا ارتد عنه، يمنحه الفقهاء ثلاثة أيام أو أكثر ليتوب ويرجع إلى الإسلام. فإن فعل فلا غبار عليه. فهل هناك تناقض أكثر من هذا ؟ أما المرأة المسلمة المرتدة فلا تُقتل سواء نشأت على الإسلام أو اعتنقته فيما بعد على الكبر. وهذا إن دلّ على شئ فإنما يدل على امتهان الإسلام لعقل المرأة. فالفقهاء هنا يعاملون المرأة كالطفل الذي لا عبرة بارتداده لأن عقله ناقص كالسكران أو المجنون. وبما أن المرأة ناقصة عقل ودين في الإسلام، فهي تعامل معاملة الطفل.
والقرآن، كلام الله، يقول صراحةً: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " ولكن الفقهاء المسلمين قرروا أنهم أحرص من الله على الإسلام فقرروا أن المرأة المرتدة إذا أصرت على ارتدادها تُحبس في السجن ويُضيّق عليها في المأكل والمشرب، وتُضرب وقت كل صلاة حتى ترجع إلى الإسلام. هل سوف ينهار الإسلام إذا ارتدت عنه امرأة لا يقيم لها الإسلام وزناً أصلاً ؟ وهل هناك إكراه في الدين أكثر من هذا ؟
ثم يقول السيد جاسم: إن الله قرر (إن الدين عند الله الإسلام) والله قد قرن الارتداد بالكفر. فلنبدأ أولاً بتعريف الإسلام. فما هو الإسلام الذي هو الدين عند الله ؟ القرآن يقول:
1- "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" (البقرة 132)
2- " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون " ( البقرة 133)
3- " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" (البقرة 136)
4- " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون" (آل عمران 52)
5- " وإذ أوحيتُ إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأنا مسلمون " ( المائدة 111)
فالحواريون واليهود والأسباط والذين اتبعوا إسحق وإبراهيم وعيسى، كلهم أشهدوا الله أنهم مسلمون. فعندما يقول الله "إن الدين عند الله الإسلام" يقصد أن اليهودية والمسيحية والإسلام كلها دين واحد هو الإسلام. فإذا ارتد الشخص المسلم وأصبح مسيحياً فهو ما زال مسلماً
وحتى لو اتبعنا فقهاء الإسلام في قولهم إن المسيحية واليهودية ليستا إسلام، فماذا قال الله عن المرتد؟ يقول الله:
1- من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من ربهم وعذاب عظيم ( النحل 106)
2- يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين (المائدة 54)
3- يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل (المائدة 105)
4- إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم (آل عمران 177)
5- ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم (آل عمران 176)
فالله الذي أنزل الإسلام يقول إن الذين يرتدون عنه لن يضروه شيئاً ولذلك لم يقرر عليهم عقاباً في الدنيا وإنما قال سوف يخلدون في نار جهنم. فهل الفقهاء أحرص على الإسلام من ربه؟ أما الأحاديث التي أوردها الفقهاء فكلها أحاديث موضوعة ومتأخرة في توقيتها الزمني إذ أن الخليفة أبا بكر عندما قرر قتال القبائل العربية التي ارتدت بعد موت النبي، قد خالفه عمر وعلي بن أبي طالب، فقال لهم أبو بكر: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه للرسول لحاربتهم عليه ". فلو كانت هذه الأحاديث معروفة وقتها لاستشهد بها أبو بكر، وربما لم يعترض عليه عمر وعلي لأنهما لا بد أن يكونا على علم بهذه الأحاديث لو كانت موجودة.
والسيد جاسم يقول: " إن قتل المرتد يعتبر دفاعاً عن حقوق الإنسان وليس انتهاكا لها، وفق النظرية الإسلامية، وللأسباب آلاتية:
1 . إنه دفاع عن الدين، وقد تعرض المرتد لهذا الدين وحاربه من الداخل وكوّن خطراََ عليه. إن الحكم بقتل المرتد يأتي سداََ لباب ما يسمى بلغة العصر ب (الطابور الخامس).
أولاً: ما كل من يرتد عن الإسلام يتعرض له ويحاربه. أعتقد أن أغلب المرتدين يكون سبب ارتدادهم أنهم فضلوا اتباع عقولهم بدل اتباع الغيبيات، وليس من الضروري أنهم سوف يحاربون الدين من الداخل. ثم لو فرضنا أنهم أرادوا محاربة الدين من الداخل لأنهم "طابور خامس" أي جواسيس، هل الإسلام بهذه الهشاشة بحيث يضر به شخص عرف الإسلام ثم تركه ؟ ألا يستطيع فقهاء الإسلام الدفاع بالمنطق عن معتقداتهم ؟ أم هل بالإسلام نواقص وعيوب يريد الفقهاء إخفاءها ويخافون أن يكشفها الطابور الخامس ؟
2 . دفاع عن حق الحرية العام، إذ أن الإسلام لم يجبر الإنسان المرتد على اعتناقه والسكوت عن هذا الإنسان يعيق حركة الإنسان التكاملية في الإسلام.
"الارتداد يعيق حركة الإنسان التكاملية في الإسلام" كلام عائم لم أفهم منه شيئاً. أما قولهم إن قتل المرتد دفاع عن الحرية العامة لأن الإسلام لم يجبر المرتد على اعتناقه، فقول لا يقول به عاقل أبداً إذ أن الطفل يُجبر على اتباع الإسلام وهو صغير، حتى أن النبي قال يضرب الطفل البالغ من العمر عشرة أعوام إذا ترك الصلاة. فهل هناك إجبار أكثر من هذا؟
3 . دفاعُ عن حرية العقيدة، إذ إن العقيدة هي أساس كل عمل، وأن العقائد الفاسدة تؤدي إلى تحلل المجتمع وتفسخه، وأن مكافحتها يعتبر إجراءََ في طريق تحرير الفكر، وهذا ما يوجبه العقل
كيف تدافع عن حرية العقيدة بأن تقتل شخصاً أراد أن يغير عقيدته؟ والقول إن العقائد الفاسدة تؤدي إلى تحلل المجتمع قول مفتوح لعدة أسئلة. ما هو تعريف العقيدة الفاسدة ؟ وهل إذا ارتد المسلم وأصبح مسيحياً، هل يعني ذلك أنه اتبع عقيدةً فاسدة ؟ فهل العقل يقبل أن نجبر الإنسان وهو صغير على اتباع عقيدة معينة ثم نمنعه من اتباع غيرها ؟ أين حرية الاختيار ؟
4 . دفاعُ عن المجتمع الإسلامي الصالح ، صحيح عن قتل المرتد بنفسه قد يراه البعض خلاف الرحمة والرأفة، لكن إذا لوحظت المصلحة العامة، وهي نظام المجتمع الإسلامي القائم على أساس العقائد السليمة والمفاهيم الأخلاقية العليا، فأنها تقدّم، بلا شك، على الفرد الذي لم يحفظ كرامته ولم يحترم نفسه. قال تعالى: (ولكم في القصاص حياةُ يا أولي الألباب لعلكم تتقون).
"دفاع عن المجتمع الإسلامي الصالح " هذا القول يفترض أن أي مجتمع غير إسلامي فهو مجتمع غير صالح. الإسلام يمتلك الحقيقة الكاملة ولا حقيقة في أي معتقد آخر. وكذلك القول "وهي نظام المجتمع الإسلامي القائم على أساس العقائد السليمة والمفاهيم الأخلاقية العليا " وهنا كذلك يفترض الفقهاء أن العقائد غير الإسلامية غير سليمة وأخلاقهم دون أخلاق المسلمين. والفرد الذي يرتد عن الإسلام نقول عنه إنه لم يحفظ كرامته ولم يحترم نفسه. فما هي الكرامة التي يحفظها المسلم دون غيره من متبعي العقائد الأخرى؟
5 . دفاع عن حق الكرامة، وهذه الكرامة التي وهبها الله الإنسان والمبتنية على أساس الفطرة والعقل ليست للنقل والانتقال، فمن لم يحترم هذا الحق وأستخف بكرامة آلاخرين القائمة على أساس العقيدة الحقة، وظل مصراََ عليه، لابد أن يعاقب.
"دفاع عن حق الكرامة" هل يعني هذا أن المسيحي أو اليهودي أو البوذي لا كرامة له؟ وما هو حق الكرامة الذي ندافع عنه ؟ وهل وهب الله الكرامة للمسلمين فقط ؟ ماذا حدث لهذه الكرامة قبل أن يأتي الإسلام ؟ هل الأنبياء من زمن آدم لم يكن لهم كرامة ؟ وإذا كانت لهم ولأتباعهم كرامة، هل انتهت هذه الكرامة بظهور الإسلام ؟ وإذا ارتد المسلم عن دينه، كيف يكون قد استخف بكرامة الآخرين ؟
6 . إن صاحب الحق المطلق على الإنسان هو الله عز وجل، فأن الارتداد بما فيه من جحود وعناد، وتمرد واستعلاء على صاحب هذا الحق وخروج عن دائرة العبودية، لذا لابد أن يوقف المرتد عند حده.
فقد رأينا أن صاحب الحق (الله) لم يقل اقتلوا من ارتد عن دينه، بل قال الذين يرتدوا لن يضروا الله شيئاً، فمن أعطى الفقهاء الحق في أن تعلوا كلمتهم فوق كلمة الله ؟
7 . وفقاََ للنظرية الإسلامية وما تؤمن به، من إن آلاخرة هي الحياة الحقيقية للإنسان وأن الدنيا دار ممر، وأن الكافر كلما بقي في هذه الدنيا زاد عذابه في آلاخرة، قال تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرُ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماََ ولهم عذاب مهين). لذا فأن قتل المرتد يعتبر رحمة به وتخفيفاََ من عذابه
فالكافر كلما بقى في الدنيا مدة أطول كلما زاد الله له العقاب يوم القيامة، والله يقول " ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرُ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماََ ولهم عذاب مهين " وهذا يعني أن الله يمد لهم في الحياة الدنيا حتى يزيد من عذابهم في الآخرة. فالمرتد الذي أصبح كافراً يريد الله أن يمد له في الحياة الدنيا حتى يزيد عقابه في الآخرة، فلماذا يقتله الفقهاء ويحرمون الله من أن يزيد في عقابه في الآخرة ؟
8 . إن النظام الإسلامي الذي أقره المجتمع المسلم وأرتضى أطروحته يعتبر موافقاََ للديمقراطية في الكثير من جهاته. فموافقة الشعب على هذا النظام وتبنيه له جعل منه شريعة مختارةُ لا مفروضة عليه. والإختيار يولد مسوؤلية وإلتزام
وهذا لعمري عين الإجحاف وتحريف الكلم عن مواضعه. فالديمقراطية تعنى في المقام الأول بحرية الاختيار. فإذا منح المجتمع الإسلامي نفسه الحرية في أن يكون مسلماً فالديمقراطية تتطلب أن يمنح الشخص أو الفرد حرية الاختيار ليختار أي معتقد يريد. ثم أن المجتمعات الإسلامية كما بينا سابقاً لم تختر الإسلام وإنما تربوا عليه منذ صغرهم ولم يمنحوا حرية الاختيار عن علم. فمحاولة تبرير قتل المرتد ما هي إلا محاولات يائسة كمحاولة الغريق التشبث بما يطفوا أمامه مهما كان واهياً.

أما آن للفكر الإسلامي أن يتحرر؟

الزمان: عام 399 قبل الميلاد
المكان: أثينا عاصمة اليونان
المناسبة: محاكمة سقراط، أكبر الفلاسفة القدماء الذي كرس حياته لتعليم الناس الورع والفضيلة والسلوك السوي. وعندما بلغ الأربعين كرمه الأثينيون في معبد دلفي وخلعوا عليه لقب " أحكم الحكماء ". ولما سئل عن السبب في ذلك، قال: " لأن أغلب الناس يجهلون مدى عِظم جهلهم، وأنا أعرف مدى جهلي. " وهذا القول يجسد التواضع للعلم وكأنه يقول: رأيي صواب لكنه يحتمل الخطأ لجهلي بأشياء كثيرة. هذا الرجل العظيم أثار حفيظة رجال الدين، حراس الفضيلة، فاتهموه بإفساد عقول النشئ وبإدخال البدع في دين آبائه، لأنهم لم يعرفوا مدى جهلهم واعتقدوا أنهم يملكون الحقيقة الكاملة. فعقدوا له محكمة دينية حكمت عليه بشرب السم، فشربه ومات. حدث هذا قبل أن تدخل الديانات السماوية أوربا. وبانتشار المسيحية في أوربا في القرون الوسطى أصبح إخضاع العقل للتعاليم السماوية أمراً حتمياً مسلّماً به. وسلطت الكنيسة سيف الله البتار على رقاب العلماء. وفي عام 1611 ميلادية اخترع العالم جاليليو التلسكوب واستطاع أن يرصد النجوم والكواكب مما أقنعه بصحة نظرية كوبرنكس التي تقول إن الشمس هي مركز الكون، والأرض تدور حولها. ولسوء حظ جاليليو كانت الكنيسة قد أصدرت فتوى في ذلك العام جعلت نظرية كوبرنكس نظرية إلحادية لأنها تقول بعكس التعاليم الإلهية التي جعلت الأرض مركز الكون وجعلت الشمس تجري حولها. وعرضوا جاليليو على محاكم التفتيش التي أجبرته على التراجع عن أقواله العلمية ثم حكموا عليه بالحبس المنزلي إلى أن مات.
وفي عام 1553 حكمت محاكم التفتيش البروتستانتية على الطبيب والمفكر الإسباني ميخائيل سيرفيتيوس Michael Servetus بالحرق حياً، مع كتبه العديدة التي انتقد فيها فكرة الثالوث المسيحي مما أغضب عليه القس كالفن الذي كان قد أنشأ أول حكومية دينية في سويسرا. وفعلاً أحرقوا سيرفيتيوس يوم 27 أكتوبر عام 1553. حدث هذا بعد خمسة عشر قرناً من ظهور السيد المسيح الذي دعا للتسامح، (من كان منكم بل خطيئة فليرمها بحجر)
وحتى الحركات السياسية التي جذبت أنظار الناس بعيداً عن الكنيسة أخضعوا القائمين بها للمحاكم الدينية بدعوى الهرطقة والبدعة. فالشابة الفرنسية جان دارك كانت قد ألّبت الفرنسيين ضد الاحتلال الإنكليزي واستطاعت أن تجذب إليها أعداداً كبيرة من الرجال ليحاربوا معها بادعائها أن الإيحاء يأتيها من الله عن طريق أصوات القديسين الذين ماتوا. واستطاعت في فترة قصيرة أن تلحق الهزائم الفادحة بالجيوش الإنكليزية. وأخيراً تمكن منها الإنكليز، ولكن لخوفهم من ردة الفعل إن أصابوها بضرر، سلموها للمحاكم الكنسية برئاسة قساوسة متعاونين مع الإنكليز (وعاظ سلاطين) فأجبروها أن تتراجع عن مزاعمها وسجنوها، لكنها رجعت إلى زعمها الأول بأنها تسمع أصوات القديسين، فحكم عليها وعاظ السلاطين بالحرق حيةً حتى الموت في عام 1413م ولم يتجاوز عمرها التاسع عشرة سنة. وفي عام 1911 قدستها نفس الكنيسة التي أحرقتها، وجعلتها " سانت جان دارك " Saint Joan of Arc
ولم ينحصر كبت الفكر في الكنيسة المسيحية فقط، ففي عام 1656م تصادم الكاتب الفبلسوف ورجل الدين اليهودي باروش إسبنوسا Baruch Spinoza مع الحاخامات اليهود في هولندا التي كان قد هرب إليها من إسبانيا عندما أجلت إسبانيا يهودها. وكان باروش قد درس فلسفة توماس هوبز وديكارت وتأثر بهما وأثّر بدوره في الفلاسفة الألمان الذين تبنوا فلسفته. وكانت آراؤه عن الصالح والطالح والطيب والخبيث قد أغضبت الحاخامات، فقد عرّف " الطيب " بكل ما يجد فيه الإنسان متعة. وقد رفض باروش أن يفرّق بين العقل والإرادة، وقال إن الإنسان لا يمكن أن تكون له إرادة بفعل شئ يتعارض وعقله. وبدون أي تردد حكم الحاخامات بإخراج باروش من الديانة اليهودية ( لأنهموكلاء الله على الأرض)، فغيّر باروش اسمه إلى " بنيدكت " Benedict. وخسر الحاخامات الهولنديون الذين نسى الناس أسماءهم لكنهم لم ينسوا اسم باروش.
واستمر تعتيم الأديان على العقل وانتشر انتشار النار في الهشيم في الدولة الإسلامية، خاصةً بعد أن أغلق فقهاء بغداد باب الاجتهاد في القرن الثاني عشر الميلادي. واستمر هذا التعتيم حتى الآن. وصاحب هذا التعتيم قتل المفكرين، فمنذ أن أعدم الخليفة الأموي هشام المفكر جعد بن درهم في عام 742م بتهمة الزندقة أصبح قتل المفكرين وحرق كتبهم وحرق المكتبات العامة ديدن الدولة الإسلامية. ومن المفارقات العجيبة أن النهضة العلمية والترجمة وتعلم الفلسفة وصل ذروته في الدولة العباسية، وكذلك، للأسف، وصل قتل المفكرين ذروته فيها. فقتلوا ابن المقفع عام 760م بعد أن قطّعوا أوصاله وألقوها في النار، وابن العوجة في عام 772. وفي عهد الخليفة المهدي ( 775-785) أقاموا محاكم الزنادقة التي قتلت وحرقت أعداداً كبيرة من المفكرين مثل بشار بن برد الذي قُتل عام 784، وصلاح بن عبد القدوس عام 783، وحماد عجرد. وأعدموا الحلاج والسهروردي وغيرهم. والمفكرون الذين لم يُقتلوا اتهموهم بالزندقة وصادروا كتاباتهم، فمن هؤلاء ابن العربي وابن رشد وابن المقفع وأبو العتاهية وأبو تمام وأبو عيسى محمد بن الوراق، وغيرهم كثير.
وكنا نعتقد أن فقهاء الإسلام المعاصرين قد تعلموا من التاريخ وعرفوا أن جهدهم في محاولة كبت الفكر، مثل جهد سيزيف الذي حاول مراراً دفع الصخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، سوف يحالفه الفشل، فليس بمقدور إنسان إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. ولكن فقهاء الإسلام استمروا في إصدار أحكام الإعدام على المفكرين مثل محمود محمد طه المفكر السوداني الذي شنقه أمير المؤمنين النميري، والمفكر والأستاذ الجامعي والكاتب الإيراني هاشم أغاجاري الذي حكمت عليه محكمة الملالي في مايو 2004 بالإعدام بتهمة الإساءة إلى الدين. ومن لم يحكم عليه الملالي والفقهاء بالإعدام مباشرة، حكموا عليه بالإعدام بطريقة غير مباشرة بأن أصدروا فتوى بردته وخروجه عن الملة مما حدا بالمتزمتين إلى قتلهم كما حدث مع المرحوم فرج فودة ومحاولة قتل الكاتب المصري نجيب محفوظ. وفي الجزائر قتلوا المئات باسم الإسلام منهم: محمّد بو خبزة وبختي بن عودة وسعد بختاوي وعبد الرّحمان شرقو، ويوسف فتح اللّه وزيان فرحات ويوسف سبتي، وعبد القادر علولة وزيان فرحات وغيرهم (د. رجاء بن سلامة، إيلاف 31/أكتوبر/ 2004).
ومن لم يكفروه صادروا كتبه، فقد صادروا وليمة أعشاب البحر للكاتب حيدر حيدر بعد ثلاثين سنة من نشرها، وصادروا نقد الخطاب الديني للدكتور نصر حامد أبو زيد، وصادروا نوال السعداوي وجمال البنا والمفكر الأزهري د. أحمد صبحي منصور. وقرر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر منع نشر وتداول كتاب «مدعو النبوة في التاريخ» لمؤلفه الصحافي وليد طوغان، وهو الكتاب الذي يقدم قراءة تاريخية واجتماعية ودينية للفترة التي سبقت عهد الرسول إلى الخلافة الفاطمية. وفي الوقت الذي صرح فيه مسؤول بمجمع البحوث الإسلامية بأن أعضاء المجمع استندوا في قرارهم بمنع نشر الكتاب إلى احتوائه على العديد من العبارات والألفاظ الخاطئة التي تثير الخرافات والبلبلة بين المواطنين وأنه ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ( الشرق الأوسط 12 يناير 2005). كأنما المسلمين ليس لديهم ما يكفيهم من الخرافات فاحتاجوا وليد طوغان لينشر بينهم الخرافات. وكذلك أصدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر برئاسة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي قراراً بمصادرة كتاب بعنوان «ملامح النصوص الأدبية في العصر الحديث» للدكتور عبد الحميد علي عميد كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر بالزقازيق والذي كان يدرسه لطلاب الكلية ضمن المقررات الدراسية وذلك لاحتوائه على نصوص أدبية وأشعار ومسرحيات تخالف المنهج الذي يسير عليه الأزهر. ( لأن مخافة الأزهر تُعتبر كفراً بواحاً)
وفي اليمن كفّر الشيخ الزنداني رئيس الجامعة الإسلامية السيد سمير اليوسفي رئيس تحرير " الثقافية " الحكومية أبرز الصحف اليمنية إثارة للجدل في الوسطين الثقافي والسياسي، خاصة وأن البعض يراها منبرا للعلمانيين واليساريين وشعراء الحداثة، بالإضافة إلى كونها تخوض دائما معارك قوية ضد الإسلاميين، وتهاجم بشراسة أفكار الغلو والتشدد . " ( إيلاف 28 يناير 2004)
وفي الكويت حُكم على الدكتور أحمد البغدادي الأستاذ بجامعة الكويت الذي أدانته محكمة الاستئناف الكويتية بتهمة «تحقير مبادئ الدين» على خلفية قيامه بنشر مقال في صحيفة «السياسة» الكويتية تحت عنوان «أما لهذا التخلف من نهاية؟»، اعتبرها البعض، من بينها هيئة المحكمة، تحتوي على آراء وأفكار تميل إلى تحقير الدين والاستهزاء به. ( الشرق الأوسط، 21 مارس 2005). وكل ما فعله الدكتور البغدادي أنه هاجم وزارة التربية والتعليم لاقتراحها إلغاء دروس الموسيقى وإحلال دروس تجويد القرآن محلها.
وفي الرياض اصّدرت المحكمة الجزائية حكماً على أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود الدكتور / حمزة المزيني على دعوة حسبه قدمها ضده / عبد الله بن صالح البراك ، الأستاذ المشارك في قسم الثقافة الإسلاميـة " وقد تضمن الحكم ثلاثة أمور أولها المنع من ممارسة الكتابة وثانيها السجن أربعة اشهر والثالثة ( 200 ) جلدة. والجدير بالذكر أن القاضي حكم أولاً على د. المزيني بالسجن سنة والجلد 70 جلدة، وعندما اعترض الدكتور على صلاحية المحكمة لمحاكمة شكاوي المطبوعات، غضب القاضي وزاد الحكم. وبما أن المحكمة شرعية وتأتمر بأمر الشارع، كان لزاماً على القاضي ألا يحكم وهو غضبان، فقد قال الرسول (ص) "لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان" ومثل هذا عند مالك أن يكون عطشانا أو جائعا أو خائفا أو غير ذلك من العوارض التي تعوقه عن الفهم. و إذا حكم وهو غضبان، يحتمل أن يقال: لا ينفذ حكمه فيما وقع عليه النص وهو الغضبان، لأن النهي يدل على فساد المنهى عنه. ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام ابن رشد القرطبي، كتاب الأقضية، الباب السادس، متى يقضي). والأهم في الأمر أن القاضي حاول منع الفكر وإبداء الرأي بجلد أستاذ جامعي يُفترض فيه أن يربي أجيال المستقبل. ولعمري هذه إهانة لا يعادلها إلا إهانة ضرب المرأة ضرباً غير مبرح، كما يقول الفقهاء. ولولا تدخل ولي العهد سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز لوقف هذا الحكم الممعن في احتقاره للعقل، لتحدثت كل بلاد العالم بتخلف العقلية الإسلامية.
وفي بعض الحالات ينقلب السحر على الساحر وتأتي الفتاوى بنتائج عكسية على المفتي لأن المجتمعات الإسلامية مجتمعات ذكورية أبوية لا تعترف بحق إبداء الرأي للمواطنين، فقد قررت محكمة الجنايات الكويتية برئاسة المستشار وائل العتيقي حبس الخطيب الديني الشيخ حامد العلي عامين مع وقف التنفيذ لإدانته بالطعن علنا وفي مكان عام في حقوق الأمير وسلطته لسماحه بالمشاركة في حرب تحرير العراق العام الماضي ( الشرق الأوسط 20 يونيو 2004). فالمواطن في غير بلادنا يحق له أن ينتقد ويهاجم قرارات حكامه دون خوف أو وجل.
ومنذ بداية الألفية الأولى قبل الميلاد وحتى اليوم ونحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد، لم يكف رجالات الدين عن محاولة كبت العقل وادعاء امتلاكهم للحقيقة دون أن ينجحوا في مسعاهم. ولن ينجحوا لأن التطور هو سنة الحياة، وقد أظهر تطور الرسالات السماوية والعدد الهائل من الرسل والأنبياء أن لا شئ يظل راكداً وجامداً دون أن يموت أو يتطور. فهل آن لرجالات الإسلام أن يحترموا العقل ويكفوا عن عبادة النقل ؟ نأمل ذلك.

الاعتقاد ليس ضرورة لإنسان اليوم

كتب د. عصام عبد الله، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، مقالأ في إيلاف تحت عنوان "ضرورة الاعتقاد" شرح فيه أهمية الاعتقاد الديني للبشر وتطرق إلى نظريات بعض الفلاسفة والمفكرين مثل باروخ سبنوزا وتوماس مور وميكافلي. والمقال، مع قصره، قد لخص تلخيصاً جميلاً آراء المفكرين الذين تعرض لهم. ولكن لديّ بعض الملاحظات التي أرجو أن يتسع صدر د. عصام عبد الله لعرضها على القراء.
يقول د. عصام: "أرتبط لفظ (اعتقاد Belief ) في أذهان معظم الناس بالاعتقاد الديني مع أن هناك معتقدات كثيرة غير المعتقدات الدينية يؤمن بها الناس. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية وخطورة الاعتقاد الديني في أنظار جميع الناس." واعتقد أن د. عصام قد عمم تعميماً لا تسنده الحقائق، فلو قال إن الاعتقاد الديني كان مهماً في أنظار جميع الناس، لقبلنا منه هذه المقدمة، إذ أن الاعتقاد الديني في مرحلة تطور الإنسان كان سائداً في جميع المجتمعات الإنسانية. وكان هذا الاعتقاد ضرورياً لقصور الذهن البشري في تلك الحقبة من تاريخه في فهم من أين أتى وإلى أين يصير ولماذا تغيب الشمس وتتركه في الظلام لفترة طويلة كل يوم. ولعجز هذا الذهن عن فهم الطبيعة وظواهرها احتاج الإنسان إلى القوى الميتافيزيقية ليستعين بها في قبول ما يحدث ومحاولة التأثير فيما سوف يحدث. ولكن مع تقدم نمو الذهن البشري وميلاد العلوم الطبيعية ما عاد كل إنسان يعتمد على هذه القوى الميتافيزيقية ليطمئن قلبه. ولذلك أصبح عدد الذين لا يعتقدون أي اعتقاد ديني Agonists حوالي 1.1 مليار شخص في عالم اليوم www.adherents.com . وهذا العدد لا يقل كثيراً عن أتباع الدين الإسلامي في عالم اليوم (1.2 مليار شخص). ولذلك لا يمكن أن نقول إن الاعتقاد الديني مهم في أنظار جميع الناس، كما قال الدكتور.
ويقول د. عصام: " والإنسان لا يستطيع أن يعيش يومًا واحدًا دون الاعتقاد في شيء يجلب له الطمأنينة، ذلك أنه لا يحرك الأحداث والمصائر والمقادير وفق مشيئته. فالاعتقاد ليس زخرفًا يتحلى به الإنسان، بل هو قوام جوهري لاستمرار الحياة، فاللحظة التي يفقد فيها المرء قدرته على الاعتقاد تكون هي ذاتها اللحظة التي يجن فيها، أو ينهي حياته عندها دون تردد على الإطلاق. " وأعتقد أن هذه المقولة مبالغ فيها بعض الشئ إذ أننا نعرف من تجاربنا اليومية أن الطفل يحتاج إلى ما يُطمئن قلبه ويجعله يخلد للنوم إذا لم يكن جائعاً. وقد يكون هذا الشئ مصاصة اعتادت أمه أن تضعها في فمه قبل النوم أو كلما بكى، وقد يكون "تيدي بير" صغير يحضنه في ذراعيه. وهكذا كان حال الإنسان البدائي الذي لم يكن ذهنه قد نما ليفهم ما حوله. ولكن حتى الطفل الصغير إذا لم يجد مصاصته التي تطمئن قلبه فإنه سوف يبكي ويتضجر لفترة قد تطول يخلد بعدها للنوم مطمئن البال. ولو تكرر غياب مصاصته فسوف يتخلى عنها نهائياً ويستمر في حياته دون أن يموت. وإنسان اليوم يستطيع أن يعيش دون الاعتقاد في أي شئ بدليل الأعداد المتزايدة من اللادينيين الذين أصبحت لهم مواقع عديدة بالإنترنت، نذكر منها على سبيل المثال www.ladeeni.com. ورغم أن الإنسان لا يستطيع أن يتحكم في المصائر والمقادير، لا يمثل الاعتقاد قوام جوهري لاستمرار حياته. فالإنسان الذي قد وصل إلى درجة كبيرة من النمو العقلي يعرف أنه لا يستطيع التحكم في كل ما يحدث له رغم أنه يستطيع تغيير مجرى الأحداث باتخاذ خطوات معينة لسلامته تشمل الحيطة واتباع قواعد السلامة المعروفة. وما لا يستطيع التحكم فيه أو التأثير عليه فلن تستطيع قوى ميتافيزيقية السيطرة عليه أو التأثير به، ولذلك فهو يتقبل ما لا يستطيع تغييره. والإنسان اللاديني لا يموت ولا يجن فينهي حياته.
وتوماس مور الذي كان كاثوليكياً ملتزماًً ربما كان محبطاً نفسياً وعقلياً بثقل اعتقاده الكاثوليكي الذي كان في تلك الحقبة أكثر تزمتاً من إسلامويي اليوم ولم يكن يتحمل الآخر البروتستاني أو المسلم، وربما حمل هذا التزمت توماس مور لكتابة "يتوبيا" تلك الجزيرة التي بلغت أقصى درجة في تحمل الغير حتى أن بعض ساكنيها كانوا يعبدون الأسلاف، وهي انعكاس لحقيقة العالم الواسع في تلك الأيام. وربما كان توماس مور يتوق في داخل نفسه أن يتحرر من ذلك الاعتقاد الذي جعل حياته العملية تختلف كل الاختلاف عن كتاباته عن حرية " يوتوبيا". فقد كان توماس مور بمثابة وزير العدل في عهد الملك هنري الثامن الذي كان متعصباً للكاثوليكية في بداية حياته وكان توماس مور من مستشاريه المفضلين. والاعتقاد الديني لتوماس مور جعله يحرق ستةً من البروتستانت على الصليب وهم أحياء وسجن ملا يقل عن أربعين آخرين. وهذا الاعتقاد الذي منعه من مسايرة أفكاره التحررية أفقده حياته في نهاية المطاف لأنه لم يستطع أن يحمل نفسه على الاعتراف بالملك هنري الثامن رأساً على الكنيسة الإنكليزية التي كانت قد انفصلت عن روما لمعارضة الأخيرة زواج هنري من مطلقة. فالاعتقاد لم يكن ضرورياً لتوماس مور، الرجل الذكي والمفكر الواعي، وإنما كان ضاراً له إذ كلفه حياته.
وقد لخص د. عصام أفكار توماس مور في اليوتوبيا بأن الشعور الديني عند الإنسان يعني أمرين: "الأول.. أن الشعور الديني منذ البداية يستشعر وجود إله واحد مجرد ولكن وسائل الاتصال به لا تكون واضحة منذ البداية، كما أن المفهوم الخاص به لا يكون قد تبلور بعد.
الأمر الثاني .. أن عملية تطور الشعور الديني من مرحلة عبادة الظواهر الطبيعية Fetishism أو عبادة الأسلاف، إلى مرحلة عبادة الإله الواحد المجرد .. إنما تتم على نحو استدلالي عقلي خالص، دون الاستعانة بوحي أو تبليغ من نبي أو رسول، ومعنى هذا أن الديانة في هذه الحالة تؤول إلى نوع من اللاهوت الطبيعي Natural Theology.
والاستنتاج الأول ليس بالضرورة مقبولاً لكل الناس، فالشعور الديني في بدايته وحتى الألفية الأولى بعد الميلاد لم يكن قد قاد إلى فكرة الإله الواحد المجرد إذ أن الناس في جميع أنحاء المعمورة، ما عدا أتباع موسى، كانوا يؤمنون بالتعددية سواء في الإسلاف أو آلهة السماء عند البابليين أو الإغريق أو الرومان. فيمكن أن نقول إن فكرة الوحدانية كمفهوم عالمي لم تنتشر إلا بعد أن اعتنقت الإمبراطورية الرومانية المسيحية في عام 325 ميلادية. وعمر الوحدانية بالمقارنة مع عمر التعددية منذ أن استقر الإنسان وعرف الأديان بعد العصر الجليدي الأخير قبل حوالي اثني عشر مليوناً من السنين يمثل جزءاً بسيطاً من عمر الإنسان على هذه الأرض. فلم تكن وسائل الاتصال بالإله هي التي كانت متعددة وإنما الآلهة أنفسهم كانوا متعددين.
أما الأمر الثاني بأن الاستدلال على الإله الواحد يتم بالاستدلال العقلي دون حاجة للوحي، فلا يتفق وتجارب الإنسان في هذه الحياة. فالاستنتاج العقلي قد يقود الإنسان إلى أن هناك قوة ما خلقته وخلقت الأرض والقوانين الطبيعية، لكن الاستدلال العقلي لم يكف في الماضي إلى التوصل إلى الوحدانية، بل حتى بعد أن جاء الأنبياء بالوحي لم يقبل العقل البشري فكرة التوحيد وقاومها عندما جاء موسى وقاومها عندما جاء عيسى وقاومت قريش محمداً. فليس هناك لاهوت طبيعي يُقنع العقل.
والغريب أن توماس مور لم يستفد من أفكاره عن اليوتوبيا بقدر ما استفاد منها المفكر العظيم كارل ماركس ليخلق اليوتوبيا الشيوعية التي أبعدت الاعتقاد الديني وحلت محله الاعتقاد العقائدي، الذي لم يكن أكثر تحملاً للغير من الكنيسة الكاثوليكية أو السلف الإسلامي أو اليهودي. ولكن عامة الناس في الاتحاد السوفيتي فقد تخلصوا بالتدريج من اعتقاداتهم الدينية والعقائدية وكانوا في حالة استعداد لموت النظام الشيوعي. ولم يؤدِ إنهيار الشيوعية إلى تسابق الناس لاعتناق الأديان أو أي عقائد أخرى، مما يُثبت أن الاعتقاد ليس ضرورياً وإنما يُزرع في الناس وهم أطفال فيخيل إليهم عندما يكبرون أنه ضروري.
أما ميكافلي المُنظّر السياسي البارع فيقول في كتابه "أحاديث عن ليفيوس"، كما ذكر د. عصام: "الأمراء والحكومات الجمهورية الذين يريدون أن يحافظوا على أنفسهم من الفساد ينبغي عليهم قبل كل شيء آخر أن يحافظوا على شعائر دينهم مبرأة من الفساد، وأن يحترموها على الدوام، فليست هناك دلالة على خراب دولة أوضح من الاستهانة بقدر العبادات الإلهية. ومن اليسير إدراك ذلك إذا عرف المرء على أية قواعد يقوم الدين الذي يولد به هذا الإنسان. فكل دين تقوم أركانه على بنية أساسية هامة خاصة به." والسبب الذي من أجله قال ميكافلي هذه المقولة رغم أنه لم يكن رجل دين هو أن الدولة في ذلك الوقت لم يكن لها قانون يحكمها ولا لها نظام يعاقب رجل الدولة إذا فسد. فكان الحل الوحيد أن يلجأ ميكافلي إلى الدين عله يقوم مقام الشرطي عند رجل الدولة الفاسد، فيقلل من نسبة الفساد فيهم. أما في وقتنا هذا فلا نحتاج للدين لينظم لنا عمل الدولة أو يحاسب رجل الدولة الفاسد المرتشي، فقوانينا الوضعية تقوم بهذا الدور أفضل مما قامت به القوانين الدينية التي اعتمدت على الوازع والضمير، بينما كان أغلب رجالات الدولة لا ضمير لهم.
يقول د. عصام: "فحياة الديانة الوثنية كانت مؤسسة على إشارات العرافة، وعلى جماعة المتنبئين وقارئي الغيب، فكل شعائرهم وأضاحيهم وطقوسهم الأخرى كانت تتوقف على هذه الإشارات، فقد كان من السهل عليهم أن يعتقدوا أن الله قادر على التنبؤ بالخير أو الشر في المستقبل قادر أيضًا على تحقيقه. ومن هنا كانت القرابين والصلوات وكل طقس فـي إجلال الآلهة. كان هذا أساس عرافة ديلوس، وكهانة معبد جوبيتر أمون، وغيرهما من أماكن الوحي الشهيرة التي ملأت العالم بالإعجاب والتمسك بالدين، فلما بدأت هذه العرافات تتنبأ بما يوافق رغبات الأقوياء، واكتشف الناس هذا الزيف، فقد الناس إيمانهم وظهر استعدادهم لنقض كل العادات الصالحة." وتاريخ الأديان والدول منذ أيام دولة الفراعنة ومروراً بالدولة الإسلامية الأولى يؤكد لنا أن الكهنة وفقهاء الدين كانوا دائماً يتنباؤون أو يفتون بما يوافق رغبات الأقوياء، وقد أصاب عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي حينما سماهم "وعاظ السلاطين". فلو قرأنا تاريخ ولادة الكتابة عند الإنسان نجد أن أول من تعلمها كانوا الكهنة الذين كانوا يشرفون على بيت مال السلطان الملئ بالضرائب التي جمعوها من قوت الشعب، فكان الكهنة يكتبون ما يسر السلطان ويختلسون الجزء الأكبر من الضرائب بلا خوف إذ لم يكن هناك من يعرف الكتابة والقراءة غيرهم. والشعب الجائع كانوا يعرفون الحقيقة ولذلك فقدوا إيمانهم.
واستمر ميكافلي، رجل السياسة فقال: "فواجب من يحكمون الجمهورية أو المملكة إذن هو أن يحافظوا على أسس الدين الذي يتبعونه. فإن وفقوا إلى ذلك في أنفسهم، أمكنهم في يسر أن يحافظوا على التدين في بلادهم، وأن يحفظوا بلادهم في خير واتحاد، وينبغي عليهم أن يهتموا بكل الاحداث التي يبدو أنها تقوي الدين وأن يضخموا من شأنها، ولو كانوا يعتقدون أنها كاذبة، وكلما ازداد حرصهم وازداد فهمهم للعلوم الطبيعية، ازداد التزامهم بالاهتمام بالأحداث التي تدعم الدين. ونظرًا لأن هذا كان النهج الذي سلكه الحكماء، فقد نشأ الاعتقاد في المعجزات التي تشتهر بها "الأديان"، لأن أهل الفطنة يضخمون من شأنها أيا كان مصدرها. وهكذا تضفي محبتهم على المعجزات مصداقية عند كل الناس" انتهى. فميكافلي هنا يستعمل الدين كوسيلة، وبما أن مقولته المشهورة هي "الغاية تبرر الوسيلة" فقد أباح لرجال الدولة أن يكذبوا ويرفعوا من شأن الدين والمعجزات ليوهموا الرجرجة والدهماء أن رجال دولتهم خيرين ولذلك الدولة كلها خيرة، رغم الفساد المستشري بها. وكلما فهم هؤلاء الساسة العلوم الطبيعية التي تُظهر لهم زيف معتقداتهم كلما تشددوا في نشر هذه المعتقدات حتى يبقى الشعب بقرتهم الحلوب. فرجال الدولة أنفسهم لا يتبعون تعاليم دينهم إلا مظاهراً فقط، ولكنهم يحثون العامة على اتباعه كي يطلوا مخدرين، إذ أن الدين أفيون الشعوب، كما قال ماركس.
يقول د. عصام: "القضية عند مكيافيللي ليست في صحة الدين أي دين، أو في زيفه، ولكن في وجوب التمسك به نظرًا لوظيفته الهامة في ضبط المجتمع. وليس من الضروري أن تكون المعجزات أو الكرامات مثلاً صحيحة، وإنما المهم أن يعاملها الحكام على أنها صحيحة، بل وأن يقووا اعتقاد الناس فيها، وأن يدعموا فيهم الإيمان بالغيبيات ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا بغض النظر عن صدقها أو عدم صدقها. فدين زائف خير من لا دين على الإطلاق، كما يقول بعض المفكرين." وهذا هو سبب مأساة الشعوب الجاهلة في العالم الثالث. فالدين من المفروض فيه أن يزرع في النفوس الفضائل ويحصد منها الرذائل مثل الكذب والخيانة والسرقة. ولكن رجال الدولة، رغم عدم اعتقادهم بالدين، فإنهم يحببونه للعامة ويقوون اعتقادهم في المعجزات حتى يخدر الشعب نفسه في انتظار تلك المعجزات التي سوف تزيح عنهم الفقر والعبودية. وفي اعتقادي أن اللادين أفضل مليون مرة من دينٍ زائف.
ويسأل الدكتور عصام ويجيب: "متى تنحرف الأمم إذن عن الدين؟ حين ينحرف عنه رجال الدين ويتحولون إلى مجرد أدوات تسوغ للناس ما يفعله الأقوياء وتبرر رغباتهم بالباطل طبعًا. المهم إذن هو المحافظة على "أسس" الدين الذي تدين به الجماعة، أيا كان هذا الدين، والعبث بهذه الأسس من جانب الحاكم ينتهي بالعبث بها من جانب المحكوم. وخير دليل على هذا هو ما نزل بالعالم المسيحي من تفكك في أواخر العصور الوسطى." انتهى. ويتضح من هذا الاستنتاج أن الاعتقاد ليس ضرورياً للبشر إنما ضروري لرجال الدولة حتى يكبتوا شعوبهم باسم الإله ودينه. وانحسار الدين في أوربا لم يكن سببه عبث رجال الدولة بالدين، فرجال الدولة يعبثون بالدين في كل الدول، وإنما كان سبب تراجع الدين هو الثورة الصناعية وما صاحبها من تعليم أصبح إجبارياً في أغلب دول أوربا. أما في العالم الثالث حيث يعشعش الجهل فما زال سلطان الدين قوياً رغم عبث رجالات الدولة به.
ويتعرض د. عصام إلى فلسفة الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبنوزا فيقول: "أما (اسبينوزا) (1632 – 1677) الذي أجمل العقائد الشائعة في عصره وعرضها في كتابه "البحث اللاهوتي السياسي" Tractatus Theologico-Politicus عام 1670، فلم يذهب بعيدًا عما ذهب إليه مكيافيللي، وإن تعمق أكثر في الوظيفة السيكولوجية والاجتماعية للمعتقدات الدينية، وحسب "برنشفيك": "فإنه مثلما وضع ديكارت أسس التحليل الخالص والفيزياء الرياضية، فكذلك يعد اسبينوزا واضع المنهج السيكولوجي والاجتماعي الذي هو أساس علم التفسير الحديث". انتهى. ورغم أن سبنوزا كان رجلاً ملماً بعلم الرياضيات الذي مكنه من معرفة أعماق الكون بواسطة التلسكوبات التي كان يخرط لها العدسات اللازمة، فقد كان مهتماً كذلك بالأخلاقيات وما وراء الطبيعة أي الغيبيات. ولذلك لم يكن اعتقاده في الديانة اليهودية التي تربى عليها كبيراً، فكان أول من بدأ نقد الإنجيل والتوراة. وعندما قال سبنوزا أن الله هو آلية الكون والطبيعة، وعليه لا يمكن أن تكون له شخصية مجسمة يمكن وصفها، طرده الحاخامات من الكنيس اليهودي فأصبح بلا دين رسمي. واستمر في تكوين أفكاره وفلسفته وقال "الله والطبيعة اسمان لنفس الحقيقة" وقال "كل شئ يفعله الإنسان أو الطبيعة فهو فعل جميل وإلهي". ودعا إلى أن تكون السلطة كلها في يد الدولة ولا سلطة لرجال الدين حتى لا يضطهدوا بقوانينهم أهل دين آخر. فهذه الأقوال لا تنم عن اعتقاد ديني لاسبنوزا الذي ربما كان اعتقاده في الطبيعة بمثابة اعتقاد الغير في الآلهة. وأدت أفكار سبنوزا إلى قيام حركة "الاعتقاد الكوني" Pantheism التي صاغ اسمها الكاتب الأيرلندي جون تولاند. فهؤلاء الناس لا يدعون إلى الاعتقاد بأي إله وإنما يقولون إن الطبيعة بنفسها قوة خلاقة. ويقولون "الإله هو الكل والكل هو الإله". ورغم أنهم لا ينكرون وجود إله إلا أنهم يقولون إن الربوبية لا تخترق أو تحل محل الحقيقة، وإنما تحيط بها وتختلط معها. والنبراس الذي يقودهم هو أخلاقيات الفرد Ethics ومقدرته على تحمل الآخر. ولذلك استهوت الفكرة أنشتين فقال "أنا أومن برب سبنوزا الذي يُبدي نفسه في انتظام ما هو موجود، وليس الإله الذي يشغل نفسه بالأقدار وأفعال العباد". وقال خربيشوف، الذي هو من أتباعهم: "بالنسبة لي الطبيعة مقدسة، الأشجار هي معبدي والغابات هي كاتدرائيتي". فهل يمكن أن نقول إن أشخاصاً مثل أنشتين وخوربيشوف لديهم اعتقاد يمكن أن يكون دينياً بأي حال من الأحوال ؟
ووظيفة العقيدة أو الاعتقاد كما يقول سبنوزا هي الوظيفة العملية التي تجعلنا نتحمل ونحب جارنا بدون أي اعتبار لدينه أو عرقه أو لونه، وما عدا ذلك متروك للعقل. وهذا بالضبط هو عكس ما يدعو إليه الاعتقاد الديني. فهل الاعتقاد حقاً ضروريٌ للبشر؟ أنا من جانبي أقول لا وألف لا

1 comment:

Anonymous said...

شكراً على هذا المقال الفارغ
كم أنت لوووول!