المخبر
كنت أتأهب للنوم عندما طرق الباب طارق، فتحت الشراعة فرأيت شبحا يكاد يسد الفراغ أمام عيني وقال :
مخبر من القسم :
ومد لي يده ببلاغ يأمرني بالحضور مع المخبر لأمر هام.
أصبح من المألوف في حينا أن يذهب هذا المخبر إلى أي ساكن لاستدعائه . يذهب في أي وقت ودون مراعاة لأي اعتبار، ولا مناص من التنفيذ ولا مفر، ولم أجد جدوى من المناقشة، فرجعت إلى غرفة نومي لارتداء ملابسي . سرت في إثره دون أن نتبادل كلمة واحدة.
ولمحت في النوافذ أشباح الناس يتابعوننا ويتهامسون.
إني أعرف ما يتهامسون به، فقط طالما فعلت ذلك وأنا أتابع السابقين.
الريح تفعل ما تشاء
قد ضجرت الساعة من دقة عقاربي في الزمان الأول.
وعقدت حبال العزيمة حول ذراع الأمان ونمت . ولكن حملتني ريح الغربة فوق السحاب صادعة بأمر المجهول لم يكن في نيتي ما أفعل ولا فعلت ما كنت نويت.
وأيقظني رفيقي الرقيق من غفوتي قائلا : "غدا نسفك الدماء " فقلت مشهدا الكون على استسلامي المطلق " لتكن مشيئة الله ".
المرشد والبائعة
من أول يوم اكتشفت أن عملي في المنطقة يحتم على التجوال المستمر في أنحائها. سألت عن مرشد طريق فدلوني على رجل يقيم بالدرب الأحمر، تبين لي أنه أعمى، ولكن أهل الحل والعقد أكدوا لي صدق فراسته وعمق خبرته، وحفظه زوايا الحي عن ظهر قلب.
وتأبطت ذراعة فسار بي بقدمين ثابتتين وسرعان ما وثقت به وآنست إليه .
كان يمكن أن أبقى معه وحده حتى نهاية العمر، لولا أن صادفتنا ذات يوم بائعة خبز ذات حسن، فودعت مرشدي وسرت معها. وتجمعنى الطريق أحياناً بمرشدي القديم فأحييه بوجد، ولكنه يرد علي بفتور ويمضي كل في سبيله.
وربما حلا لنا في بعض أوقات الفراغ أن نذكره في سياق الدعابة والعبث، ولكن هيهات أن ينكر عاقل فضله.
سلم نفسك
خطر على بالى فتفجر قلبي بالشوق، ذهبت إلى مسكنه في آخر مساكن الضاحية المحفوفة بالحقول.
مضى عمر على آخر زيارة ، ولكن جئت في وقت مناسب.
قال ذلك وهو يشير إلى خوان قصير، وضعت عليه صينية بالعشاء المكون من سمك مشوي وزيتون مخلل وخبر ساخن.
ودعائي للعشاء فجلست.
وما كدنا نبسمل حتى ترامي إلينا صوت من مكبر يصيح " سلم نفسك".
وثب إلى مفتاح الكهرباء فأغلقه ، فساد الظلام، وسرعان ما انهال علينا الرصاص من جميع الجهات كالمطر.
وقلت لنفسي وأنا ارتعد من الرعب " سعيد من يستطيع أن يسلم نفسه".
بعد الخروج من السجن
غص البهو بطلاب الحاجات. جلسنا نتبادل النظر في قلق، ونمد البصر إلى الباب العالي المفضي إلى الداخل المغطي بجناحي ستارة عملاقة خضراء.
متى يبتسم الحظ ويجئ دوري؟ متى أدعى إلى المقابلة فأعرض حاجتي وأتلقى الرجاء الباب مفتوح لا يصد قاصدا، ولكن لا يفوز باللقاء إلا أصحاب الحظوظ.
على ذلك تمضي الأيام، فأذهب بصدر منشرح بالأمل ثم أعود كاسف البال وخطر لي خاطر: لماذا لا أختفي في مكان في الحديقة حتى إذا أنفض السامر وخرج الرجل لرحلته المسائية رميت بنفسي تحت قدميه.
لكن الخدم انتبهوا لتسللي ، وساقوني إلى القسم، ومن القسم إلى السجن، فألقيت في ظلماته عبثا حاولت تبرئة ساحتى كيف أذهب طامعا في وظيفة شريفة ، فينتهي بي المآل إلى السجن؟
وانتهى إلينا التهامس بأن الرجل الجليل سيزور السجن، ويتفقد حاله، ويستمع إلى شكاوي المظلومين.
عجب أن تيسر لي في السجن ما تعذر في الحياة. وهذه حاجتي إلى عطفه تشتد وتتضاعف وأحنيت رأسي بين يديه وقصصت قصتي لم يبد عليه أنه صدق ولم يبد عليه أن كذب قلت بضراعة:
كل ما أتمنى أن يسمح لي باللقاء بعد الخروج من السجن. فقال بصوت هادئ وهو يهم بالسير:
بعد الخروج من السجن.
النهر
في دوامة الحياة المتدفقة جمعنا مكان عام في أحد المواسم من تلك العجوز التي ترنو بنظرة باسمة؟
لعل الدنيا استقبلتنا في زمن متقارب.
واتسعت ابتسامتها فابتسمت رادا التحية بمثلها .
سألتني :
ألم تتذكر؟
فازدادت ابتسامتى اتساعا
قالت بجرأة لا تتأتي إلا للعجائز.
كنت أول تجربة لي وأنت تلميذ.
وساد الصمت لحظة ثم قالت :
لم يكن ينقصنا إلا خطوة !
وتساءلت مذهولا : أين ضاعت تلك الحياة الجميلة!
حديث من بعيد
في حارتنا بيت مسكون لا يقربه أحد، فهو مغلق الباب والنوافذ، مستسلم لعوامل البلى.
أمر به فلا أصدق عيني وأقول لنفسي : ما هي إلا أسطورة من أساطير الأولىن. وفاجأني المطرب يوما وأنا أمر أمام بابه، وأسخر منه كعادتي ، وإذا بصوت يتهادى إلى هادئا.
إن كنت في شك بت ليلة في البيت يأتيك البرهان بلا وسيط.
ركبني الرعب وانعقد لساني.
وتذكرت ما قرأت عن عالم الأرواح فقال الصوت:
كن مع العقل وإلا تعرضت لتجربتنا القاسية.
واشتد المطر ، فسكت الصوت وكأنما قد ذاب فيه.
الدرس
كنت منطلقا مهرولا لأشهد حلقة الذكر مررت في طريقي بعجوز رث الملبس تعيس المنظر وهو يبكي . صرفت نفسي عن الاشتغال به أن يفوت على قصدي. ولما احتل الشيخ مكانه وسط حلقة الذكر نظر فيما حوله حتى وقع بصره على فأومأ إلى لأقترب منه ومال على أذني هامسا.
أهملت العجوز الباكي فأضعت فرصة للخير لن تحظى بمثلها باستماعك إلى درسي اليوم.
فيلسوف صغير جدا
يطاردني الشعور بالشيخوخة رغم إرادتي وبغير دعوة. لا أدري كيف أتناسى دنو النهاية وهيمنة الوداع. تحية للعمر الطويل الذي أمضيته في الأمان والغبطة. تحية لمتعة الحياة في بحر الحنان والنمو والمعرفة.
الآن يؤذن الصوت الأبدي بالرحيل. وده دنياك الجميلة وأذهب إلى المجهول. وما المجهول يا قلبي إلا الفناء. دع عنك ترهات الانتقال إلى حياة أخرى. كيف ولماذا وأي حكمة تبرر وجودها؟ أما المعقول حقا فهو ما يحزن له قلبي. الوداع أيتها الحياة التي تلقيت منها كل معنى ثم انقضت مخلفة تاريخا خاليا من أي معنى. ( من خواطر جنين في نهاية شهر التاسع).
أصل الحكاية
الست في الشرفة ترنو إلى أسفل من وراء الخصاص بعينين ملؤهما اليقظة والحنان. الصبي يلعب أسفل البيت ويغني. وبين الحين والحين يمضى إلى حارة من الحارات التي تصب في جوانب الميدان آتية من أنحاء المدينة المترامية. وعند المغيب ينتزع الصبي نفسه من دينا اللعب والسياحة ويدخل البيت.
ولم يدم الحال على ذلك طويلا.
خلت الشرفة من الحنان.
وأدخل الصبي داخل حارة فلم يرجع.
المتنبئ
دعينا إلى سهرة في بيت صديق. وجلسنا حوله في الحديقة الصغيرة يسكرنا شذا زهر البرتقال.
وحدثنا الصديق عن مشروع قيم لعلنا نسهم فيه. ولمحت على ضوء عود ثقاب زميلا غائبا عن وجودنا في دنيا أحلامه. فلمسته بكوعي، ولكنه لم يلتفت نحوي . وفي طريق العودة قلت له:
- يقينا أنك لم تسمع كلمة مما قال صاحبنا.
- فقال ببساطة مثيرة:
- قلبي حدثني بأنه سيرحل عن دنيانا قبل طلوع الشمس.
- العجب أن صاحب المشروع رحل حقا قبل شروق الشمس.
- أما الأعجب فهو أن الصديق الآخر الذي تنبأ رحل عند الفجر.
ومن يومها كلما جاء الزمان بساعة طيبة، أبيت أن أغيب عنها بشئ مضى أو بشئ آت.
شكوى القلب
ثقل قلبي بعد أن أعرض عني الزمن، وراح الطبيب، يبحث عن سر علته في صورته التي طبعتها الأشعة. تأملته بفضول حتى خيل إلى أنه يراني كما أراه وأنا نتبادل النظر. وجالت أيضا نظرة عتاب في عينيه، فقلت له كالمعتذر:
فإذا به يقول :
- والله ما أسقمني إلا الشفاء.
ملخص التاريخ
أحببت أول ما أحببت وأنا طفل، ولهوت بزمني حتى لاح الموت في الأفق. وفي مطلع الشباب عرفت الحب الخالد الذي يخلفه الحبيب الفاني. وغرقت في خضم الحياة. ورحل الحبيب. واحترقت الذكريات تحت شمس الظهيرة. وأرشدني مرشد في أعماقي إلى الأهداف المراوغة . فطورا يلوح السيد الكامل. وطورا يترائ الحبيب الراحل.
وتبين لي أن بيني وبين الموت عتابا، ولكنني مقضي على بالأمل.
رجل الأقدار
لم أنس ذلك الرجل .. كان معلمي فترة طويلة من العمر . اشتهر في حياته بتلاحق المحن. والتعاسة الزوجية ، ورقة الحال. ولكنه اشتهر أيضا بالصبر والقدرة على معايشة الألم والانغماس في الكآبة. ولما تقدم به العمر انضاف إلى متاعبه تصلب الشرايين . وأخذت ذاكرته تضعف وتتلاشى . ومضى ينسى فيما ينسى خسائره وجميع ما ناله من عنت الحياة ، فخف عبئه وهو لا يدري. وطعن في المرض . فنسى زوجته تماما وأنكرها، وأصبح يتساءل عن سر وجودها في بيته. وذهب عنه الكثير من كدره . وبلغ به المرض مداه فنسى شخصه ولم يعد يعرف من هو ، وبذلك تسنم قمة الراحة، هكذا أفلت من قبضة الحياة القاسية حتى غبطه من كان يرثى إليه.
الصفح
إعجابي بك يا سيدتي يفوق أي حساب. إنك تنورين المكان بصفاء شيخوختك . تلقين الإساءة بالصمت وتغفرين للمسيئين إليك، فلم أعرف أما قبلك بهذا الوفاء.
قلت لها يوما :
- إنك ضحية القسوة والإنانية.
- فقالت باسمة:
- بل إني ضحية الحب.
- ولما قرأت الدهشة في وجهي قالت :
- أنت تتوهم أن سلوكهم معي صادر من قسوة وأنانية، الحقيقة أنه صادر من
- حبهم الشديد لأبنائهم، وهكذا كنت أحبهم، ومن أجل ذلك قد صفح قلبي عنهم.
الضحكة
وقفت فوق فوهة القبر ألقي نظرة الوداع على جثة العزيز التي يعدونها للرقاد الأخير. ترامت إلى ضحكته المجلجلة قادمة من الماضي الجميل، فجلت بنظري فيما حولي، ولكني لم أر إلا وجوه المشيعين المتجهمة.
وعند الرجوع من طريق المقابر همس صديق في أذني :
ما رأيك في ساعة راحة بالمقهى!
وسرت الدعوة في أعصابي برعشة ارتياح.
ونشطت قدماي إلى حيث المجلس، وقدح الماء المثلج والقهوة المحوجة، ومناجاة اللاحقين عن السابقين.
الاختيار
ذهبت إلى السوق ، حاملا ما خف وزنه وإلا ثمنه ، واتخذت موضعي منتظرا رزقي، وهدأ الضجيج فجأة واشرأبت الأعناق نحو الوسط نظرت فرأيت ست الحسن تتهادى في خطى ملكة على أحسن تقويم. سلبت عقلي وإرادتي قبل أن تتم خطوة ، فنهضت لاتبعها مخلفا ورائي العقل والإرادة وأسباب رزقي ، حتى دخلت بيتا صغيرا أنيقا يطالع القادم بحديقة الورد . واعترض سبيلي بواب مهيب الجسم حسن الهندام وحدجني بنظرة مستنكرة فقلت:
- إني على أتم استعداد لأهبها جميع ما أملك.
- فقال الرجل بلهجة قاطعة:
- إنها لا ترحب بمن يجيئون إليها هاجرين عملهم في السوق.
السؤال
راحت القافلة تخوض الصحراء ، يقودها عزيف الناي، ودق الطبول، والصمت من حولها محيط، ولا يبدو أن لشيء نهاية، وخطر لي أن أتساءل عن الموضع الذي يحب صاحب القافلة أن يسير فيه.
سمعنى جار فقال :
في مقدمة القافلة كما يليق بمقامه، ولكن ماذا دعاك للسؤال؟ وإذا بجار آخر يقول :
- بل لعله في المؤخرة ليراقب كل حركة ، ماذا يهمك من ذلك؟
- ولم أجد ما أجيب به. وظننت أن الأمر انتهى، وأنني سأعرف الجواب عند انتهاء الرحلة.
- ولكن وجدت الرؤوس تتقارب، والأعين تسترق النظر إلي، والريبة تتفشى في الجميع، رباه كيف أقنعهم بأنني لم أقصد سوءا ، وأنني لا أقل عن أي منهم ولاء للرجل؟
- ودنا مني رجل صارم الوجه وقال لي :
- أترك القافلة ودعنا في سلام.
- ولم أر بدا من الخروج لأجد نفسي في خلاء مطبق وكرب مقيم.
في الظلام
كنت راجعا إلى بيتي أخوض ظلمات الليل ولا بصيص نور يشع في الظلماء، وارتطمت بشبح فوقفت حذرا متوثبا وأنا أتساءل :
من أنت يا عبد الله ؟
فقال :
لعلك صاحب الحظ الذي أبحث عنه أي حظ تعني ؟
فقال بعذوبة :
إني أدعوك إلى سهرة في بيتي يجول فيها الحب والطرب.
فخطر لي أنه يهذي.
وفي لحظة الشك غابت أنفاسه المترددة ، فعلمت أنه اختفى.
وغصني الندم على إفلات فرصة قد تكون هي الحظ المأمول.
وما زلت أدور في الظلام مناديا حتى بح صوتي.
أقوى من النسيان
طالعني وجهه بوضوح ومن قريب بقوة نفاذه وهمس في أذني:
تذكرني لتعرفني حين ألقاك.
ولما صحوت لما تغب عني صورته. وكم شغلت عنه بالعمل حينا وباللهو حينا، ولكنه يعود بكل قوته وكأنه لم يغب لحظة واحدة.
وأتساءل تحت وطأة القلق : متى يلقاني؟ كيف يتم اللقاء؟ وما الداعي إلى ذلك كله؟ ويندر أن أطرد عني الهواجس حتى في الأحضان الدافئة.
ذكاء الجسد
فوق السطح وقفا يتناجيان ، هو أطول قامة وهي أجمل وجها، أما أنا فألعب بالطوق مرة ثم أراقبهما ولا أفهم. ويغيبان في حجرة السطح قليلا ثم يرجعان فأعود إلى استراق النظر بمزيد من الحيرة.
وجاء الإدراك متعثرا من خلال الأعوام الحامية.
الشروق والغروب
رأيته في حالين مختلفين.
مرة والشمس تشرق عليه فبدا غاية في البهاء والجلال، يتكلم فيجد السامع الحكمة فيما يفهمه من كلامه ، والشعر فيما لا يفهمه.
ومرة والشمس تغيب عنه فبدا ضئيلا مسكينا يهول في أسمال بالية ، يتكلم فيجد الابتذال فيما يفهمه من كلامه والبلاهة فيما لا يفهمه.
الشبيه
كان الشبه العجيب بين القاضي والمتهم ملفتا لأنظار النساء والرجال الذين صحبوا جارتهم أم المتهم إلى المحكمة.
وتذكر أناس منهم بكرى المرأة الذي فقدته فلا يقع إلا في أيدي أولاد الحرام. وكانت الأم قد نسيت بكريها تماماً، ولم تعد تفكر إلا في ابنها القابع في القفص.
حتى نطق القاضي بالحكم الرهيب.
وعند ذاك دوى الصوت في قاعة الجلسة
ربة البيت
يا ربة البيت أصحي، صلي ثم ابسطي يديك بالدعاء.
جهزي الفطور وادعي إلى المائدة رجلك وأولادك.
عاوني الصغار على تنظيف أنفسهم وكشري لمن يركن إلى الكسل.
اكنسي بيتك ورتبيه وتسلي بترديد أغنية.
سوف يجمعهم الحظ السعيد حول مائدة العشاء إذا سمح الدهر ويبقي الأولاد للمذاكرة. ويذهب الرجل إلى المقهى للسمر.
اغتسلي ومشطي شعرك وغيري ملابسك وبخري غرفة النوم . قد شهد اليوم ما يستحق الشكر والحمد.
تذكري ذلك إذا جاء اليوم الذي يتفرق فيه الجميع كل إلى سكنه واليوم الذي تجد هذه الذكريات من يتذكرها.
شهد الضحك علينا
شهدنا مجلس السمر بالحديقة على أتم ما نكون من العدد والمرح . ينتقل بنا الحديث من شأن إلى شأن كالنحل بين الزهور، والجو الرطيب يضج بضحكاتنا.
في تلك الجلسة نسينا الدهر ونسيناه، وإذا بأحدنا يقول فجأة ، ودون مناسبة ظاهرة :
- تصوروا أين وكيف نكون بعد نصف قرن؟
- الجواب أيها الصديق غاية في البساطة ، وأن يكن في الوقت نفسه غاية في التعقيد، ولكن لماذا تذكرنا بذلك؟
- اليوم يمر على تلك الجلسة ربع قرن فقط، على ذاك لم يبق من سمارها إلا اثنان.
- ويذكر أحدهما الآخر بقول العزيز الراحل.
- ويتنهدان ويتخيلان أين وكيف ما حلا لهما التخيل.
- هل حقا عاش أولئك جميعا، وتبادلوا المودة والأمل.
أصل الحكاية
سارت في ظل أمها وكان هو يلعب في الطريق. أسعد ما يسعد أمها ضفيرتها الفواحة بشذا القرنفل، أما هو فكان يعلب الحجلة، توقف قليلا ريثما تمر الأيام وابنتها الصغيرة نظرت إليه نظرة غامضة ، فامتلأ بالخيلاء وانطلق يعدو ليشهد الجميع على قوته وسرعته.
ودعت الأم بالخير لكل مخلوق وهمست.
- أخاف عليها من النظرة وأخاف عليه من الجري، فأشملهما بالرعاية يا رب، وكان ثمة رجل جالسا في ركن ممن يقرءون الخواطر فقال لها وكأنما لا يعنيها بالذات:
- فلتنظر إليه ما طاب لها النظر، وليجر هو حتى تخور قواه فيخمد.
مأوى النعمة
ما أجمل العصفور في طيرانه وشدوه. مرة في سكرة من النشوة هتفت : يا ليتني خلقت عصفورا. وإذا بي انقلب عصفورا يحلق ويشدو ويثب من غصن إلى غصن . ومن خبرتي السابقة حذرت القطط والزواحف وعشقت شعاع الشمس منذ قديم وأنا أغبط العصافير على تحليقها ورؤيتها لجمال حبيبتي الذي لا يبلغه الهائمون فوق الأرض، أيقنت مع الجهد الضائع أنه لا سبيل إلى الفوز إلا بالطيران واستراق النظر من فوق هامات الشجر. وجعلت أخطف النظرات المحترقة بالأشواق وهي تتهادى في أعماق البيت. وارتويت برحيق الهناء حتى ثملت. ويوما رأيت فوق سور السطح طبقا مملوءا بالقرطم ، فتحلب ريقي، ونسيت الحذر وطرت نحو الطبق، وحططت عليه، ورحت ألتقم بمقاري الحب بنهم وسرور، وإذا بيد تقبض على بحنان وصوت عذب يقول :
- أخيراً وقعت ؟
وأودعتني القفص ، وقد بعث مسها في كياني لا تجئ إلا من خمر الفراديس.
وكلما فاض كأس حظي بالسعادة ، أقبلت بحسنها الدري لترنو إلى وتقدم لي الماء والغذاء. وها أنا يغمرني جنون السرور والفرح.
وفي أوقات الفراغ أتطلع إلى جماعات العصافير فوق الشجرة سعيدة بين الشدو والطيران، ولكن لا شدوها ولا طيرانها بشيء يذكر إلى جانب قرب الحبيب.
التعارف
وكان لي صديق خطاط ومن مريدي الشيخ فرجوته أن يقدمني إليه، فمضى بي إلى الكهف مخترقين صحراء المماليك ، وهناك رأيته وسط صحبه يتبادلون أنخاب المناجاة في نشوة هادئة نقية، فقدمني صديقي بين يديه ولكنه استمر فيما كان فيه غير ملتفت إلى مما أضرم الحياء في قلبي، ولكن صديقي أخذني من يدي وجلسنا في آخر الصف.
وهمست في أذنه.
- الأفضل أن نذهب.
فهمس في أذني.
- لقد قبل صداقتك، ولو كان رفضك لطردك بإشارة من يده.
- وختمت الليلة بغناء طويل جميل، ولدى العودة سألني صاحبي:
- ما رأيك في المكان وأهله؟
فقلت :
- دخلوا قلبي بلا وسيط ، عروتهم ( صحبتهم) ساحرة ، أصواتهم عذبة، والمكان جذاب هادئ ورائحته زكية.
عندما التقت العينان
مضى زمن قبل أن يلتفت إليّ وتلتقي عينانا. ولما شاعت ابتسامة في ملامحه ، وثبت إلى جانبه وقلت :
- أقبلني في طريقتك ..
فسألني :
- ماذا يدفعك إلينا؟
فقلت بعد تردد :
- أكاد أضيق بالدنيا وأروم الهروب منها.
فقال بوضوح :
- حب الدنيا محور طريقتنا وعدونا الهروب . وشعرت بأنني أنطلق من مقام البحيرة.
الانتظار
ولكن لماذا هذا الكف بالذات؟
قيل إن سيدة المكان كانت تطوف بالموقع حول الكهف في المواسم. وكثيرون قد جنوا بسحر جمالها وجدوا في البحث عنها دون جدوى. وقيل إنها قد تختار قرينها ذات يوم في الكهف، وقصد الكهف أناس لا حصر لهم.. ولكن عبد ربه
التائه ومريديه صمدوا إلى النهاية.
أغلب أحاديثهم وأغانيهم عن المرأة الجميلة. ينتظرون الرضا ولا يعرفون اليأس.
داء
قال الشيخ عبد ربه التائه :
بالأمس وأنا راجع من السهرة قبيل الفجر اعترضني في ظلمة الحارة شخص لم أتبين معالمه وقال لي :
- أنا قادم إليك من وراء النجوم.
فهزتني العزة وقلت بفرح:
- من أجلي أنا هبطت؟
فقال بنبرة لم تخل من امتعاض:
- لم تسلم بعد من الخيلاء.
واختفى صاعدا بسرعة البرق
فمن يعيده إلى ومعه الغفران؟!
فسألته:
- وماذا كنت تنوي أن تطلب مني؟
فأجاب متجاهلا سؤالى :
الحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان . أما الموت فهو الحقيقة الراسخة.
الشكوى
كان الكهف عامرا بالخلان، والنشوة تذيب الأحجار.
ونفخ نافخ فأطفأ الشموع، وترددت الأنفاس في ظلام دامس وتهادى صوت إليهم يقول : " في السماء ضجروا من الأفعال الخسيسة والروائح المنكرة".
وذهبت تاركا صمتا ثقيلا، فقال أحدهم :
- إنها رسالة.
فقال آخر :
- بل هو أمر.
وانطلقوا في الأسواق يحملون على كل خسيس ومنكر وغضب السادة، فزمجروا بالغضب، ولوحوا بالعصي.
السمح والطاعة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
قلت له بخشوع وعيناي لا تفارقان طلعته.
- لم أر أحد في مثل بهائك من قبل .
- فقال باسما:
- الفضل لله رب العالمين.
- أريد أن أعرف من تكون يا سيدي؟
- فقال بهدوء وكأنه يتذكر.
- أنا الذي كان يوقظك من النوم قبل شروق الشمس.
أصغيت باهتمام، فواصل :
- أنا الذي ناصرتك على الكسل فانطلقت مع العمل .
فكرت بعمق فيما قال ، واستمر هو :
- أنا الذي أغراك بحب المعرفة.
فهتفت :
- نعم .. نعم .
- وجمال الوجود.
- أنا الذي أرشدتك إلى منابعة.
- أني مدين لك إلى الأبد.
وساد صمت متوتر . وشعرت بأنه جاء يطالبني بشيء فقلت :
- أني طوع أمرك :
فقال بهدوء شديد.
- جئت لأضع فوق عملي نقطة الكمال.
سؤال عن الدنيا
سألت الشيخ عبد ربه عما يقال عن حبه للنساء والطعام والشعر والمعرفة والغناء, فأجاب جادا:
- هذا من فضل الملك الوهاب.
فأشرت إلى ذم الأولىاء للدنيا، فقال :
- أنهم يذمون ما ران عليها من فساد .
قول
قال الشيخ عبد ربه ذات ليلة في سهرة الكهف
- ما أجمل قصص الحب، عفا الله عن الزمن الذي يحييها ويميتها.
تعريف
سألت الشيخ عبد ربه :
- ما علامة الكفر؟
- فأجاب دون تردد:
- الضجر.
سيدتي الجميلة
قال الشيخ عبد ربه :
- حدث ذلك وأنا أسير بين الطفولة والصبا. رأيت فوق الكنبة الوسطى تحت البسملة، امرأة جالسة لم أشهد في حياتي شيئا أجمل منها ابتسمت إلى فذهبت إليها ، فحنت على وقبلته ووهبتني قطعة من الملبن ، وكتمت السر ليدوم العطاء . وكلما ذهبت إلى الحجرة ، رجعت مجبور الخاطر بقبلة وقطعة من الحلوى.
- ويوما ذهبت كالعادة، فوجدت الحجرة خالية .
هل أفقد الجمال والسعادة ؟
وسألت أمي عن الضيفة الجميلة الكريمة. فدهشت لسؤالي. كما دهش أبي، وجعلت أحلف بأغلظ الإيمان.
ولم يصدقا حرفا مما حكيت، وساورهما القلق طويلا.
وظلت الكآبة كانت في الأعماق حتى هلت ليالى القمر.
على وشك الهروب
حدث الشيخ عبد ربه التائه قال :
- أغرتني نشوة الطرب ذات مرة بالتمادي في الطرب حتى طمعت أن أثب من الطرب الأصغر إلى الطرب الأكبر. فسألت الله أن يكرمني بحسن الختام. عند ذاك همس في أذني صوت " لا بارك الله في الهاربين".
عندما
سألت الشيخ عبد ربه التائه.
- متى يصلح حال البلد؟
فأجاب :
- عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة.
ساعي البريد
في تلك الليلة من ليالى الكهف اشتدت الريح وانهل المطر ولعبت دفقات الهواء المتسللة من المدخل ذوابات الشمع، فخفقت القلوب بعنف، ومدوا الأبصار إلى المدخل وانتظروا فازداد خفقان القلوب.
وهمس أحدهم :
- يقولون إن ليلة هذا العام مباركة.
- وتطلعت القلوب إلى المدخل بكل ما تملك من قوة.
وترامى إليهم صفير فهبوا واقفين ، وعند ذلك دخل ساعي البريد بزيه المألوف وحقيبته، يكاد يغرق في الماء الذي تشربته ثيابه.
وبهدوء أعطي كل يد ممدودة رسالة وذهب دون أن ينبس .
وفضوا الظروف ونظروا في الرسائل على ضوء الشموع.
وجدوها بيضاء لا شيء فيها.
وهتف عبد ربه " العقبى للصابرين".
عزرائيل
قال الشيخ عبد ربه التائه :
استداعاني المأمور يوما وقا لي :
- كلمات تدفع الناس إلى التمرد ، فحذار!
- فقلت له .
- أسفي على من يطالبه واجبه بالدفاع عن اللصوص ومطاردة الشرفاء،
- فصاح بي:
هذا إنذار نهائي .
ولما كان عزرائيل يخف لنجدتي في الملمات فقد تجلي ثوان للمأمور ، حتى ارتعدت مفاصلة، وسقط عن كرسيه هاتفاً.
لله بينى وبينك.
الرحمة
سألت الشيخ عبد ربه التائه:
- كيف لتلك الحوادث أن تقع في عالم هو من صنع رحمن رحيم.
فأجاب بهدوء :
- لولا أنه رحمن رحيم ما وقعت!
الواعظة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
اعترضني في السوق امرأة آية في الجمال، وسألتني:
- هل أعظك أيها الواعظ؟
فقلت بثقة :
- أهلا بما تقولين.
فقالت :
- لا تعرض عني فتندم مدى العمر على ضياع النعمة الكبرى.
في الحظيرة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
حلمت بأنني واقف في حظيرة أغنام مترامية الأطراف وكانت تأكل وتشرب وتتبادل الحب في طمأنينة وسلام وتمنيت أن أكود أحدها، فكنت جديا بالغ القوة والجمال.
ويوما جاء صاحب الحظيرة يتبعه الجزار حاملا سكينه.
انتهاء المحنة
سألت الشيخ عبد ربه التائه :
- كيف تنتهي المحنة التي نعانيها؟
فأجاب :
- إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل.
لا تصدق
قال الشيخ عبد ربه التائه :
جاءني رجل قال لي : " لا تصدق .. ما أنت إلا ابن الصدفة العمياء.. بلا هدف جئت .. وبلا هدف تذهب .. وكأنك لم تكن" فقلت له " سبق أن صدق أبوك ما لا يجب تصديقه. فخسر الراحة والنعيم".
الفعل الجميل
حدث الشيخ عبد ربه التائه قال :
عثر يوما على حقيبة تحوي كنزا من المال وفيها ما يدل على شخص صاحبها وعنوانه. وكان من المنحرفين الذين ابتليت بهم البلاد، فقررت ألا أردها إليه ، وأودعتها سرا بدروم رجل فقير من أصحابنا عرف بالتقوى، وأنا لا أشك في أنه سينفقها في سبيل الله، ثم علمت أنه ردها إلى صاحبها نازلا عن حقه الشرعي فيها، فحزنت وأسفت.
ثم توفي صاحبنا التقي الفقير، فهرعت إليه، وغسلته وكفنته، وحملته إلى الجامع، وصليت عليه، ولما انتهت الصلاة لمحت بين المصلين خلف نعشه الرجل الغني المنحرف وهو يبكي بحرارة.
واهتز فؤادي وقلت " سبحانك يا مالك الملك تعلم ما لا نعلم وربما جاءت الصحوة بإذنك من حيث لا يدري أحد".
دعاء
أصابتني وعكة فزارني الشيخ عبد ربه التائه، ورقاني ودعا لي قائلا :
"اللهم من عليه بحسن الختام ، وهو العشق".
العزلة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
كنت أعبر ميدانا غاصا بالخلق فرأيت مجذوبا يضرب بعصاه في جميع الجهات كأنما يقاتل كائنات غير منظورة، حتى خارت قواه، فجلس على الطوار، وراح يجفف عرقه . وطيلة الوقت لم يبال به أحد، فاقتربت منه وسألته :
- ماذا كنت تفعل يا عبد الله؟
فأجاب بحنق :
كنت أقاتل قوة جاءت تروم القضاء على الناس ولكن لم يفهم عملي أحد ولم يعاوني أحد .
السر
طالما سمعت الحكايات عن الملاك المتجسد في صورة امرأة ، وكم بحثت عنه في الميادين والطرق والحواري وأنا أقول لنفسي، أن رؤيته تضارع رؤية النور في ليلة القدر.
وفي ليلة الموسم المباركة سمعت همسا بأنه سيمر عند السبيل حين سطوع القمر. وتجولت حول السبيل بنية العاشق وعزيمة البطل . وإذا بامرأة تلوح لفترة قصيرة، فاقتحمني وجهها السافر الملائكي وغمرني بالهيام والنشوة، ولكني لم أسمع وراءها لعلمي باستحالة العبور من دنيا البشر إلى دنيا الملائكة .
عند ذاك انكشف لي سر حبي الأول.
الثبات
رأيت الشيخ عبد ربه التائه ماشيا في جنازة . ولعلمي بأنه لا يشيع إلا الطيبين، انضممت إلى صفه حتى صلينا عليه معا. ثم سألت الشيخ عنه فقال :
رجل نبيل وما أندر الرجال النبلاء أبي رغم طعونه في العمر أن يقلع عن الحب حتى هلك.
رجل نبيل وما أندر الرجال النبلاء أبي رغم طعونه في العمر أن يقلع عن الحب حتى هلك.
ذلك الحب
قلت للشيخ عبد ربه التائه :
- سمعت قوما يأخذون عليك حبك الشديد للدنيا.
فقال :
- حب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل، وعلامة من علامات الصبر.
عتاب الموت
قال الشيخ عبد ربه التائه :
مرة ضايقتني فكرة الموت أكثر من المعتاد كنت أهم بالنوم فخطر لي أن الموت قد يزورني في النوم فلا يطلع على الصباح، وسألت الله السلامة رحمة بأناس ينتظرون معونتي في اليوم التالي.
واستغفر الله طويلا ثم غمغم " شد ما تشربت عمق التسبيح في مقام الجيزة"
الطوفان
قال الشيخ عبد ربه التائه :
سيجيء الطوفان غدا أو بعد غد سيكتسح النساء والفاسدين العاجزين ولن تبقي إلى قلة من الأكفاء . وتنشأ مدينة جديدة تنبعث من أحضانها حياة جديدة ليت العمر يمتد يا عبد ربه لتعيش ولو يوما واحد في المدينة الآتية.
في التجارة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
حذار .. فإنني لم أجد تجارة هي أربح من بيع الأحلام.
الزمن الحلو
قال الشيخ عبد ربه التائه:
وجدتني على ربوة أنظر إلى شاشة عرض مبسوطة في الفضاء. ورقصت فرقة من الفاتنات، وغنت على إيقاع كوني، فنثرن من حركاتهن لآلئ النور البهيج .
سألت بصوت جهير :
- من أنتن؟
فأجبن:
- نحن الأيام القليلة الحلوة التي مرت في غاية من البهاء والصفاء ولم يشبها كدر.
الراقصان
قال الشيخ عبد ربه التائه :
ما روعني شيء كما روعني منظر الحياة وهي تراقص الموت على ذلك الغيقاع المؤثر الذي لا تسمعه إلا مرة واحدة في العمر كله.
المطارد
قال الشيخ عبد ربه التائه :
هو يطاردني من المهد إلى اللحد، ذلك هو الحب.
الفائز
قال الشيخ عبد ربه التائه :
ذات في الحارة أن المرأة الجميلة ستهب نفسها للفائز. وانهمك الشباب في السباق بلا هوادة. ومضى الفائز إلى المرأة ثملا بالسعادة مترنحا بالإرهاق وعند قدميها تهاوى قرينا للوجد فريسة للتعب. وظل يرنو إليها في طمأنينة حتى لعب النعاس بأجفانه.
الهاوية
قال الشيخ عبد ربه التائه:
حتى أنا شهدتني حجرة الاستقبال وأنا أنتظر راجيا التوفيق.
ويدخل الأبواب وقورا ودودا ، ولكنه ينذر بالقيود والعواقب.
ودعاني صوت باطني إلى الهرب.
ثم تجئ هي متعثرة في الحياء فأسقط في الهاوية.
الحياء
قال الشيخ عبد ربه التائه :
ما تجلي لعيني إلا نور الوجنات وعذوبة الحياء.
أكرر السؤال فتغوص في الصمت أكثر.
تجود بكل ثمين ولكنها من الكلام تجفل.
الضيف
قال الشيخ عبد ربه التائه :
- كان بيتنا عامرا بالأحباب وذات يوم نزل بنا ضيف لم أره من قبل وحرصا على راحته أرسلني أبي لألعب بعيدا. ولما رجعت وجدت البيت خالياً، فلا أثر للضيف، ولا للأحباب.
-
حزن الحياة
سئل الشيخ عبد ربه التائه : هل تحزن الحياة على أحد؟
فأجاب :
- نعم .. إذا كان من عشاقها المخلصين..
القبر الذهبي
قال الشيخ عبد ربه التائه:
رأيت في المنام قبرا ذهبيا قائما تحت شجرة سامقة غاصة بالبلابل الشدية.
وعلى صورة نفشت بأحرف جميلة واضحة كلمات تقول :
هنيئا لمن عاش ومات في بوتقة الهجران.
الكمال
قال الشيخ عبد ربه التائه :
الكمال حلم سلسلة من الصراعات والدموع والمخاوف، ولكن لها سحر يفتن ويسكر.
الوفاء في الملاح
قال الشيخ عبد ربه التائه :
آه من تلك المرأة الجميلة التي لا وفاء لها .
لا هي تشبع، ولا عشاقها يتعظون.
طبيعتها
قلت مرة للشيخ عبد ربه التائه :
قد أرحب بتعب عام متصل ولكني أضيق بعطلة شهر واحد فقال :
طبعنا على حب الحياة وكره الموت.
الكذب الصادق
قال الشيخ عبد ربه التائه :
بعض أكاذيب الحياة تتفجر صدقا.
المشيئة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
في الكون تسبح المشيئة ، وفي المشيئة يسبح الكون.
الحب المتبادل
قال الشيخ عبد ربه التائه:
في الكون تسبح المشيئة وفي المشيئة يسبح الكون.
العقل
قال الشيخ عبد ربه التائه :
لقد فتح باب اللا نهاية عندما قال : أفلا تعقلون ".
شهيق زفير
قال الشيخ عبد ربه التائه :
مع شهيق الكون وزفيره تهيم جميع المسرات والآلام.
الحرية
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أقرب ما يكون الإنسان إلى ربه وهو يمارس حريته بالحق.
السر
لم يكن الشيخ عبد ربه التائه يخفي ولعه بالنساء .
وفي ذلك قال :
الحب مفتاح أسرار الوجود.
حديث الموت
قال الشيخ عبد ربه التائه :
رأيت الموت في هيئة شيخ فان وهو يقول معاتبا " لو كففت عن عملي عاما واحدا لانتزعت منكم الإقرار بفضلي".
التفاؤل
سألت الشيخ عبد ربه التائه :
- لماذا يغلب عليك التفاؤل؟
فأجاب :
- لأننا ما زلنا نعجب بالأقوال الجميلة حتى وإن لم نعمل بها.
ما تشاء
أثار الشيخ عبد ربه التائه عجب بعض المريدين بإغراقه في الحياة الدنيا، فقال لهم، "أفعل ما تشاء بشرط ألا تنسى وظيفتك الأساسية وهي الخلافة".
المهزلة والمأساة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
من خسر إيمانه خسر الحياة والموت .
السرعة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
ما نكاد نفرغ من إعداد المنزل حتى يترامى إلينا لحن الرحيل.
المستشار
قال الشيخ عبد ربه التائه :
حبا في الهداية قررت زيارة صاحبكم الذي ضجت الأرض من ظلمه وفساده؟ طلبت مقابلته فاستقبلني مستشاره وقدم لي القهوة. والتقت عينانا لحظة فعرفت فيه إبليس متنكرا ولما أحس بأنني عرفته ضحك قائلا :
- خسرت هذه الجولة فالعب غيرها.
الخصم القوي
قال الشيخ عبد ربه التائه :
يا من أيقظتن الفؤاد في دار الفناء ، أشهد بأنكن خلقتن الخصم القوي الذي يتحدى الموت.
الاختيار
قال الشيخ عبد ربه التائه :
جاءتني امرأة جميلة تسألني الرأي في مسألة تعنيها.
ولما وافيتها بالجواب قرأت طالعها في جبينها الوضاء. وقلت لها :
" أمامك طريقان، طريق العفة والسماء، وطريق الحب والإنجاب..؟"
فقالت بابتسام واحتشام:
" لقد أعدني ذو الجلال للحب والإنجاب، ولن أخالف له مشيئة.."
بحر
قال الشيخ عبد ربه التائه:
وجدتني في بحر تتلاطم فيه أمواج الأفراح والأكدار.
شكر
قال عبد ربه التائهه :
الحمد لله أنقذنا وجوده من العبث في الدنيا ومن الفناء في الآخرة.
خفقة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
خفقة واحدة من قلب عاشق جديرة بطرد مائة من رواسب الأحزان.
أنا الحب
كنا في الكهف نتناجى حين ارتفع صوت يقول :
" أنا أحب ، لولاي لجف الماء، وفسد الهواء، وتمطى الموت في كل ركن".
الاقتحام
قال الشيخ عبد ربه التائه :
حاولت يوما العزلة، ولكن تنهدات البشر اقتحمت خلوتي.
الحب والحبيبة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
قد تغيب الحبيبة عن الوجود، أما الحب فلا يغيب.
لا تلعن
قال الشيخ عبد ربه التائه :
لا تلعنوا الدنيا فهي تكاد ألا يكون لها شن بما يقع فيها.
واجب العزاء
قال الشيخ عبد ربه التائه :
جاءني رجل شاكيا ، فسألته عما به فقال :
- إني غريق في بحر المتع ولا أشبع!
فقلت له :
- سأزورك يوم تشبع، لأقدم لك واجب العزاء.
الدنيا والآخرة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
إذا أحببت الدنيا بصدق، أحبتك الآخرة بجدارة.
بلا ترحيب
قال الشيخ عبد ربه التائه :
الصديق الذي يندر أن نرحب به ، هو الموت .
السر
قال الشيخ عبد ربه التائه :
كما تحب تكون.
الوسط
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أناس شغلتهم الحياة، وآخرون شغلهم الموت.
أما أنا فقد استقر موضعي في الوسط.
الترنح
قال الشيخ عبد ربه التائه :
كتب على الإنسان أن يسير مترنحا بين اللذة والألم.
الجوهران
قال الشيخ عبد ربه التائه :
جوهران موكلان بالباب الذهبي
يقولان للطارق :
تقدم فلا مفر ، هما الحب والموت.
الدورة اليومية
قال الشيخ عبد ربه التائه :
استلقيت فوق الأرض الخضراء تحت ضوء القمر أهيم في الرؤية، فهمست الأرض في أذني شاكية :
" ينفسون على لقمتى اليومية . وما فعلت سوى أن استرددت ما سبق أن وهبت ".
سر وراء السر
قال الشيخ عبد ربه التائه :
قلت للحياة : حقا إنك سر من أسرار الوهاب .
فقالت بحياء : إن أبنائي يسألونني ، فلا يجدون عندي إلا السؤال.
الوقت الأخير
قال الشيخ عبد ربه التائه : " كيف نتعامل مع وقت الرضا والسرور؟".
فأجاب : أعتبره آخر ما تبقي لك من وقت.
انظر
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أن مسك الشك فانظر في مرآة نفسك مليا.
نسمة الحب
قال الشيخ عبد ربه التائه :
" نسمة حب تهب ساعة تكفّر عن سيئات رياح العمر كله".
خطبة الفجر
قال الشيخ عبد ربه التائه لسمار الكهف :
أسكت أنين الشكوى من الدنيا، لا تبحث عن حكمة وراء المحير من فعالها، وفر قولك لما ينفع، وارض بما قسمن وإذا راودك خاطر اكتئاب فعالجه بالحب والنغم.
الزمن
قال الشيخ عبد ربه التائه :
يحق للزمن أن يتصور أنه أقوى مدمرة، ولكنه يحقق أهدافه دون أن يسمع له صوت.
الصراع الشامل
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أشمل صراع في الوجود هو الصراع بين الحب والموت.
الأصل
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أطبق الشر على الإنسان من جميع النواحي فأبدع الإنسان الخير في جميع المسالك.
الخيال
قال الشيخ عبد ربه التائه : " قد يدرك المعمر يوما أنه أطول عمرا من أجمل رموز الحياة
الطائر الأخضر
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أحببت حتى الذروة، وحلقت بجناحي النجاح، وأطربني الغناء في الليالي البدرية. وعند المغيب هبط الطائر الأخضر، فغرد وأشجاني دون أن أفقه له معنى.
خفقة قلب
قال عبد ربه التائه :
ما بين كشف النقاب عن وجه العروس وإسداله على جثتها إلا لحظة مثل خفقة قلب.
الحركة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
جاءني قوم وقالوا إنهم قرروا التوقف حتى يعرفوا معنى الحياة، فقلت لهم تحركوا دون إبطاء ، فالمعنى كامن في الحركة.
لا تندم
قال الشيخ عبد ربه التائه :
اخفق يا قلبي واعشق كل جميل وابك بدمع غزير إذا شئت ولكن لا تندم.
حسن الختام
قال الشيخ عبد ربه التائه :
ما أجمل أن تودعها وقد ازداد كل منكما بصاحبه رفعة .
عنوان
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أقترح تعليق لوحة فوق مدخل الكهف يكتب فيا " الله يديم دولة حسنك".
ما يملأ الفضاء
قال الشيخ عبد ربه التائه :
لولا همسات الأسرار الجميلة السابحة في الفضاء لانقضت الشهب على الأرض بلا رحمة.
اللهفة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
كابدت من الشوق ما جعل حياتي لهفة مكنونة في حنين.
الغباء
قال الشيخ عبد ربه التائه :
لا يوجد أغبى من المؤمن الغبي ، إلا الكافر الغبي.
الغناء
قال الشيخ عبد ربه التائه :
الغناء حوار القلوب العاشقة.
الآن
قال الشيخ عبد ربه التائه :
الحاضر نور يخفق بين ظلمتين
الدين
قال الشيخ عبد ربه التائه :
الحياة دين ثقيل، رحم الله من سدده.
الصفح
قال الشيخ عبد ربه التائه :
أقوى الأقوياء من يصفحون.
تذكرة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
عندما يلم الموت بالآخر، يذكرنا بأننا ما زلنا نمرح في نعمة الحياة.
الواحة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
في الصحراء واحة هي أمل الضال.
الحديقة
قال الشيخ عبد ربه التائه :
ما أجمل راحة البال في حديقة الورد.
Monday, May 14, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment