مجموعة من
ألواح حضرة بهاء الله
شهر البهاء 137ب
آذار 1980م
مجموعة من
ألواح حضرة بهاء الله
(نُزِّلت بعد الكتاب الأقدس)
من منشورات دار النشر البهائية في بلجيكا
MAISON D’ÉDITONS BAHÁ’ÍES
205, RUE DU TRÔNE
1050 BRUSSELS, BELGIUM
المحتوى
العنوان الصفحة
الإشراقات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...... 3
البشارات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
35
الطّرازات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
47
التّجليات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
63
الكلمات الفردوسيّة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .... 73
لوح الدّنيا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 99
لوح الحكمة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 115
أصل كلّ الخير . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 131
لوح مقصود . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 139
لوح السّيد مهدي دهجي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 161
سورة الوفا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 169
لوح البرهان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 181
كتاب عهدي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 195
لوح أرض الباء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 203
تعريف
تشكّل هذه المجموعة من الألواح المباركة كنزاً ثميناً يضاف إلى ما تحتويه المكتبة البهائيّة باللّغة العربيّة من آثار لحضرة بهاءالله. فالجلال والعظمة والرّوعة الّتي تحيط بحياة المظاهر الإلهيّة، ونشاهدها إبّان الفترة القصيرة لوجودهم الدّنيويّ، لا يمكن أن تدرك على حقيقتها فقط عبر الأحداث التي تتكوّن منها حياتهم الطّاهرة، بل تبرز جليّةً في الأثر المحيّر الذي تتركه في نفوس البشر، هذا الأثر الذي يستمرّ في تفاعله عبر حقب طويلة من الزّمان ويمتدّ إلى كلّ مكان عن طريق الكلمة الخلاّقة التي تصبح الصّلة الوثيقة لارتباطنا بالمظهر الإلهيّ رغم صعوده إلى رحاب الملكوت الأعلى. فالمظهر الإلهيّ بمثابة المثل الأعلى لحضارة الإنسان في كلّ مكان، تتخطّى الحاضر لتسبر غور المستقبل ولتحفظ مجاهل الماضي البعيد. فالمظهر الإلهيّ هو الرّابط بين فترة وفترة من فترات التطوّر الإنسانيّ بدونه ينعدم الارتباط بين الأشياء، فهو الذي يبعث قوى روحيّة عميقة في الإنسانيّة، وعن طريق هذا المظهر الذي يتجسّد في الكلمة الّتي يأتي بها روحاً ونصّاً، يمكن للإنسان من أن يُولَدَ «ولادةً ثانية» أو «أن يبعث حيّاً» من جديد.
أ
هذه المجموعة الّتي تحتوي تلك الكلمة الخلاّقة توحي إلينا بكلّ المبادئ الإنسانيّة العليا والمثل الرّوحية السّامية التي جاءت بها رسالة حضرة بهاءالله، ولا نجد وصفاً لشمولها وخلاّقيتها وشرحاً لمضامينها وحدود آثارها أدقّ وأوفى من ذلك السّرد الشّيّق الذي جاء في كتاب God Passes By لحضرة وليّ أمرالله المحبوب شوقي أفندي رباني إذ يتفضل قائلاً ما تعريبه:
"بعد أن صاغَ حضرة بهاءالله شرائع دورته الأساسيّة في كتابه «الأقدس»، أعلن بعض المبادئ والتّعاليم التي تشكّل جوهر دينه، وكانت حينئذٍ مهمّته تقترب من نهايتها. من ذلك أَنَّه نبّه من جديد إلى ضرورة تفهّم الحقائق التي أعلنها من قبل، وهذّب بعض الأحكام الّتي صاغها وأوضحها وكشف عن نبوءات وإنذارات أخرى، وسنّ بعض الشّرائع الفرعيّة استكمالاً لمطالب «الكتاب الأقدس». وهذا ما حملته أَلواح تجلّ عن الحصر والعدّ، ظَلَّ ينزلها حتّى أواخر أيّامه على هذه الأرض: من أهمّها «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«التّجليات» و«الكلمات الفردوسيّة» و«اللّوح الأقدس» و«لوح الدنيا» و«لوح مقصود». وكانت هذه الألواح هي آخر ما فاض من قلمه الدّائب الّذي لا يكلّ. وهي تحتلّ مكانتها بين أينع ما أنتجته عقليّته من ثمار، وتشير إلى اكتمال مهمّته التي دامت أربعين عاماً.
وأهمّ المبادئ في تلك الألواح على الإطلاق مبدأ وحدة الجنس وكليّته. وهو المبدأ الذي يعتبر بحقّ علامة ظهور حضرة بهاءالله الفارقة وقطب تعاليمه البارز. وقد بلغ من أهميّة
ب
هذا المبدأ أن نصّ عليه في «كتاب عهده» كما أعلن – بلا تحفّظ – أَنّه هو جوهر دينه فهو يقول: «قد جئنا لاتّحاد من على الأرض واتّفاقهم»، ويقول مرّة أخرى: «إنّ آفاق العالم تنير بأنوار الأمر ما دام الاتّفاق»، ويكتب حضرة بهاءالله مشيراً إلى هدف ظهوره فيقول: «نطقنا بلسان الشّريعة حيناً، وبلسان الحقيقة والطّريقة حيناً آخر، إلاّ أنّ مقصدنا الأقصَى، وغايتنا القصوى، هي إظهار هذا المقام السّامي الرّفيع». ويقرّر أنّ الاتّحاد هو غاية الغايات وسلطان الآمال مؤكّداً أنّ «العالم في الحقيقة وطن واحد ومن على الأرض أهله»، وينبّه – فضلاً عن ذلك – إلى أنّ توحيد الجنس البشريّ أمر لا مفرّ منه، فهو المرحلة الأخيرة من تطوّر الإنسانيّة نحو البلوغ، وأنّه «لعمري سوف نطوي الدّنيا وما فيها ونبسط بساطاً آخر». ويعد الوعد الحقّ أنّ البشريّة سوف «ترى الأرض حاملة اليوم وعمّا قريب تشاهد أثمارها المنيعة وأشجارها الباسقة وأورادها المحبوبة ونعماءها الجَنِيَّة». ويبيّن حضرة بهاءالله قصور النّظم السّائدة ويكشف عن عدم كفاية حبّ الوطن كقوّة مرشدة ضابطة للمجتمع البشريّ ويعتبر «حبّ العالم» وخدمة مصالحه وترقيتها أكرم هدف للجهود الإنسانيّة، وأحقّها بالمدح والثناء. ويبدي ألمه لأنّ «قوّة الإيمان بالله تموت وتضمحلّ في كلّ بلد» وأنّ «وجه العالم يتّجه إلى الغفلة واللاّدينية» معلناً أنّ «الدّين هو النّور المبين والحصن الحصين لحفظ أهل العالم وراحتهم» وأنّه «السبب الأتمّ لنظم العالم». ويعود فيؤكّد أنّ الغاية الأساسيّة من الدّين هي ترويج الاتّحاد ونشر الوئام بين النّاس، ويحذر النّاس من أن يجعلوه سبباً للفرقة وللخلاف. ويوصي أيضاً بأن تعلّم مبادئه للأطفال في المدارس على نحو لا يغرس روح التّعصب
ج
ولا التحيّز في البشر، وينسب ضلال المارقين إلى اضمحلال قوّة الدين، ويتنبّأ بوقوع شدائد وأهوال «ترتعد بها فرائص العالم».
وهو لا يتحفّظ حين يدعو إلى الأخذ بمبدأ «أمن العالم» ويشجّع على أن تخفّض كلّ أمة من سلاحها، وينبّه على أن إقامة هيئة عالميّة يلجأ إليها ملوك الأرض وحكّامها لإقرار السلام بين الأمم أمر ضروريّ لا مفر منه. أما العدل فيثني عليه ويصفه بأَنّه «نور البشر» و«مربّي العالم» وأنّه «مبيّن أسرار عالم الوجود وحامل لواء المحبّة والبركة» ويعلن أنّ شعاعه فريد لا نظير له ولا قرين، وأنّ عليه يجب أن يعتمد «نظم العالم وأمن البشر» ويصف ركنيّ هذا العدل – وهما «المجازاة والمكافأة» – بأنّهما «ينبوع الحياة» للجنس البشريّ، ويوصي أهل العالم بأن يتهيّأوا ويجتهدوا انتظاراً لاستتباب هذا العدل، ذلك لأنّ شمس العدل سوف تشرق في تمام مجدها وأَوج جلالها بعد فترة من الاضطراب العظيم والظّلم الجسيم.
ويلقّن حضرة بهاءالله مبدأ الاعتدال في كلّ الأمور، ويعلن أنّه ما تجاوز شيء حدّ الاعتدال إلاّ كان له في الناس تأثير سيّء، سواء أكان ذلك الشّيء هو الحرّيّة أو التّمدن أو ما شابههما. ويلاحظ أيضاً أن التّمدن الغربيّ قد أفزع شعوب الأرض بشكل خطير، ويتنبّأ باقتراب يوم تحترق فيه المدن من ناره إن تجاوز حده.
أما الشّورى فيعتبرها حضرة بهاءالله مبدأً أساسياً من مبادئ دينه واصفاً إيّاها «بمصباح الهدى». و«واهبة الإدراك» وينعتها كذلك بأنّها أحد «نيّريّ سماء الحكمة الإلهيّة». ويقرّر أنّ العلم هو «بمثابة الجناح للإنسان والمرقاة
د
لصعوده ويعتبر تحصيله أمراً مفروضاً على كلّ فرد. ويرى أنّ «الفنون والحِرَف والعلوم» تؤدّي إلى السّموّ لعالم الوجود. ويوصي بأن يسعى الإنسان لاكتساب الرّزق عن طريق امتهان المهن واحتراف الحِرَف. ويعترف بأنّ أمم الأرض مدينة إلى العلماء وأهل الحرف والصّناعة، وينفّر من دراسة ما لا ينفع الناس من المعارف تلك التي «تبدأ بالألفاظ وتنتهي بالألفاظ».
وفضلاً عن ذلك يؤكد حضرة بهاءالله الدّعوة بقوله: «عاشروا يا قوم مع الأديان كلّها بالرَّوْح والرّيحان» فمثل هذه المعاشرة تفضي إلى «الاتّحاد والوئام» اللّذين هما أساس النّظام في العالم والرّشاد للأمم. ويكرّر التّنبيه إلى ضرورة إيجاد لغة عالميّة، ويرثي للوقت المضيّع في تعلم اللّغات المختلفة ويؤكّد أنّه باتّخاذ هذه اللّغة وهذا الخطّ ستصبح الأرض كلّها «مدينة واحدة وصعيداً واحداً» ... وإلى أمناء بيت العدل يعهد بواجب التّشريع، فيما لم ينزل به نصّ صريح في كتاباته، ويعدهم بأنّ الله سوف يلهمهم بما يشاء. ويوصي بإقامة لون من الحكومة النّيابية تتّحد فيه مُثل الجمهوريّة العليا مع جلال الملكيّة الّتي يصفها بأنّها «إحدى آيات الله» ويصف إقامة مثل هذه الحكومة بأنّه إنجاز مجيد جدير بالثّناء، ويحضّ على أن تولى شؤون الزّراعة عناية خاصة. ويشير إشارة خاصة إلى «الصّحف سريعة الانتشار» ويصفها بأنّها «مرآة العالم» وأنّها «ظاهرة مدهشة فعّالة» ويعهد إلى القائمين على إصدارها بواجب اجتناب الحقد والضّغينة والتّعصب والتّحيّز، ويوصيهم بالتّحلي بالعدل ورجاحة العقل والتّدقيق في تحقيقاتهم والتّأكد من صحّة الوقائع في كلّ حالة.
ﻫ
ثمّ يوضّح حضرة بهاءالله مبدأ العصمة الكبرى، ويعيد التّنبيه على ما فرضه على أتباعه من «السّلوك نحو حكومة القطر الذي يعيشون فيه بالولاء والإخلاص والأمانة»، ويعيد التّأكيد على النّهي القاطع عن إعلان الجهاد الدّينيّ وإتلاف الكتب. ويختصّ بالمدح والثّناء رجال العلم والحكمة ويصفهم بأنّهم مثل «البصر» للبشر وأنهم «أعظم عطيّة للعالم»".
٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭
تتضمن هذه المجموعة من الألواح المباركة أربعة عشر لوحاً نزّلت كلّها بعد نزول «الكتاب الأقدس»، منها خمسة ألواح نزّلت أصلاً باللّغة العربية وهي: «لوح الحكمة» و«لوح البرهان» و«لوح أرض الباء» و«لوح وفا» و«لوح أصل كلّ الخير»، وأمّا الأحد عشر لوحاً الباقية فقد نزّلت باللّغة الفارسية والعربية وهي: «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«التّجليات» و«الكلمات الفردوسيّة» و«لوح مقصود» و«لوح الدنيّا» ولوح «اسم الله المهديّ» و«كتاب عهدي».
ولقد تم نشر «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«الكلمات الفردوسيّة» عام 1923 بواسطة العالم الشّيخ فرج الله زكي الكردي الذي نقل الجزء الفارسيّ منها إلى اللّغة العربية، يعاونه في ذلك العالم الشيخ أسدالله فاضل المازندراني. أما الألواح الباقية المذكورة أعلاه فقد سبقَ وتمّ نشرها ضمن مجموعات الألواح الفارسيّة التي صدرت في السّنوات الماضية، وهذه هي المرة الأولى الّتي
و
تنشر فيها هذه الألواح في صياغة عربيّة كاملة ضمن هذه المجموعة المباركة التي يجدها القارئ بين يديه. وقد قام نفر من الأحبّاء بمهمّة الصّياغة هذه ومن ثمّ قام بتصويب المجموعة وتنقيحها لجنة متخصّصة وهي الّتي أشرفت أيضاً على إخراج الكتاب وتصميمه في حلّته الرّاهنة.
ومن أجل تمييز النّصوص العربيّة في الألواح المباركة الأحد عشر والّتي ترجمت عن الأصل الفارسيّ يجدر التّنويه بما يلي:
ما جاء في لوح الإشراقات من الصّفحة الثّالثة إلى الصّفحة العشرين كلّها نزّلت بالعربيّة، وأمّا بقية اللّوح فقد نزّل بالفارسيّة والعربيّة. النّصوص العربيّة أصلاً والمعرّبة منها تتميّز في النّصّ بنوعين من الحروف، فالحروف العريضة هي النّصوص العربيّة أصلاً، وأما ما طبعت منها بحروف رفيعة فهي معرّبة عن الأصل الفارسيّ، وقد روعي أيضاً في الألواح العشرة الباقية هذا التّرتيب تمييزاً بين النّصّ العربيّ الأصيل والنّصّ المعرّب عن الفارسيّة.
ز
الإِشْرَاقَاتُ
هَذِهِ صَحِيفَةُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ
هُوَ اللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الحِكْمَةُ والْبَيَانُ
أَلْحَمدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالعَظَمَةِ وَالقُدْرَةِ وَالْجَمَالِ. وَتَوحَّدَ بِالعِزَّةِ وَالقُوَّةِ وَالجَلاَلِ. وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الخَيَالُ أَوْ يُذْكَرَ لَهُ نَظِيرٌ وَمِثَالٌ. قَدْ أَوْضَحَ صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ بِأَفْصَحِ بَيَانٍ وَمَقَالٍ. إِنَّهُ هُوَ الغَنِيُّ المُتَعَالِ. فَلَمَّا أَرَادَ الخَلْقَ البَدِيعَ فَصَّلَ النُّقْطَةَ الظَّاهِرَةَ المُشْرِقَةَ مِنْ أُفُقِ الإِرَادَةِ وَإِنَّها دَارَتْ فِي كُلِّ بَيْتٍ عَلَى كُلِّ هَيْئَةٍ إِلَى أَنْ بَلَغَتْ مُنْتَهَى المَقامِ أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ مَوْلَى الأَنَامِ. وَإِنَّها هِيَ مَرْكَزُ دَائِرَةِ الأَسْمَآءِ وَمِخْتَمُ ظُهُورَاتِ الحُرُوفِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَآءِ وَبِهَا بَرَزَ مَا دَلَّ عَلَى السِّرِّ الأَكْتَمِ وَالرَّمْزِ المُنَمْنَمِ. الظَّاهِرِ الحَاكِي عَنِ الاسْمِ الأَعْظَمِ فِي الصَّحِيفَةِ النَّوْرَاءِ وَالوَرَقَةِ المُقَدَّسَةِ المُبَارَكَةِ البَيْضَآءِ. فَلَمَّا اتَّصَلَتْ بالحَرْفِ الثَّانِي1 الْبَارِزِ فِي أَوَّلِ المَثَانِي2 دَارَتْ
3
أَفْلاَكُ البَيَانِ وَالمَعَانِي وَسَطَعَ نُورُ اللهِ الأَبَدِيِّ. وَتَقَبَّبَ عَلَى وَجْهِ سَمَاءِ البُرهَانِ وَصَارَ مِنْهُ النِّيرَانُ. تَبَارَكَ الرَّحْمَنُ الَّذِي لاَ يُشَارُ بِإِشَارَةٍ وَلاَ يُعَبَّرُ بِعِبَارَةٍ وَلاَ يُعْرَفُ بِالأَذْكَارِ وَلاَ يُوصَفُ بِالآثَارِ. إِنَّهُ هُوَ الآمِرُ الوَهَّابُ فِي المَبْدَأِ وَالمَآبِ. وَجَعَلَ لَهُمَا حُفَّاظَاً وَحُرَّاسَاً مِنْ جُنُودِ القُدْرَةِ وَالاقْتِدَارِ إِنَّهُ هُوَ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ المُخْتَارُ.
قَدْ نُزِّلَتِ الخُطْبَةُ مَرَّتَيْنِ كَمَا نُزِّلَ المَثَانِي كَرَّتَيْنِ. والحَمْدُ للهِ الَّذِي أَظْهَرَ النُّقْطَةَ وَفَصَّلَ مِنْهَا عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَجَعَلَهَا مُنَادِيَةً بِاسْمِهِ وَمُبَشِّرَةً بِظُهُورِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأُمَمِ وَسَطَعَ النُّورُ مِنْ أُفُقِ العَالَمِ. إِنَّهَا هِيَ النُّقْطَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ بَحْرَ النُّورِ لِلْمُخْلِصِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَكُرَةَ النَّارِ لِلْمُعْرِضِينَ مِنْ خَلْقِهِ وَالمُلْحِدِينَ مِنْ بَرِيَّتِهِ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً وَمَائِدَةَ السَّمَاءِ نِفَاقَاً وَقَادُوا أَوْلِيَاءَهُم إِلَى بِئْسَ القَرَارِ. أُولَئِكَ عِبَادٌ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ فِي الآفَاقِ. وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ فِي يَوْمٍ فِيهِ اسْتَوَى هَيْكَلُ الْقِدَمِ عَلَى العَرْشِ الأَعْظَمِ وَنَادَى المُنَادِ مِنْ الشَّطْرِ الأَيْمَنِ فِي الوَادِي المُقَدَّسِ. يَا مَلأَ البَيَانِ اتَّقُوا الرَّحْمَنَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَمِنْ قَبْلِهِ الرُّوحُ وَمِنْ قَبْلِهِ الكَلِيمُ. وَهَذَا نُقْطَةُ البَيَانِ يُنَادِي أَمَامَ العَرْشِ وَيَقُولُ تَاللهِ قَدْ خُلِقْتُمْ لِذِكْرِ هَذَا النَّبَأِ الأَعْظَمِ وَهَذَا الصِّرَاطِ الأَقْوَمِ الَّذِي كَانَ مَكْنُونَاً فِي
4
أَفْئِدَةِ الأَنْبِيَاءِ وَمَخْزُونَاً فِي صُدُورِ الأَصْفِيَاءِ. وَمَسْطُورَاً مِنْ القَلَمِ الأَعْلَى فِي أَلْواحِ رَبِّكُم مَالِكِ الأَسْمَآء. قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ يَا أَهْلَ النِّفَاقِ قَدْ ظَهَرَ مَنْ لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِنْ شَيْءٍ وَأَتَى مَنْ افْتَرَّ بِهِ ثَغْرُ الْعِرْفَانِ وَتَزَيَّنَ مَلَكُوتُ الْبَيَانِ. وَأَقْبَلَ كُلُّ مُقْبِلٍ إِلَى اللهِ مَالِكِ الأَدْيَانِ. وَقَامَ بِهِ كُلُّ قَاعِدٍ وَسَرُعَ كُلُّ سَطِيحٍ إِلَى طُورِ الإِيْقَانِ. هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ نِعْمَةً لِلأَبْرَارِ وَنَقْمَةً لِلأَشْرَارِ وَرَحْمَةً لِلْمُقْبِلِينَ وَغَضَبَاً لِلْمُنْكِرِينَ وَالْمُعْرِضِينَ. إِنَّهُ ظَهَرَ بِسُلْطَانٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنْزَلَ مَا لا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. اتَّقُوا الرَّحْمَنَ يَا مَلأَ الْبَيَانِ وَلا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَهُ أُولُوا الْفُرْقَانِ الَّذِينَ ادَّعَوْا الإِيمَانَ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ. فَلَمَّا أَتَى مَالِكُ الأَنَامِ أَعْرَضُوا وَكَفَرُوا إِلَى أَنْ أَفْتَوْا عَلَيْهِ بِظُلْمٍ نَاحَ بِهِ أُمُّ الْكِتَابِ فِي الْمَآبِ. اذْكُرُوا ثُمَّ انْظُرُوا فِي أَعْمَالِهِم وَأَقْوَالِهِم وَمَرَاتِبِهِم وَمَقَامَاتِهِم وَمَا ظَهَرَ مِنْهُمْ إِذْ تَكَلَّمَ مُكَلِّمُ الطُّورِ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ. وَانْصَعَقَ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ عِدَّةَ أَحْرُفِ الْوَجْهِ. يَا مَلأَ الْبَيَانِ ضَعُوا أَوْهَامَكُم وَظُنُونَكُم، ثُمَّ انْظُرُوا بِطَرْفِ الإِنْصَافِ إِلَى أُفُقِ الظُّهُورِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ وَنُزِّلَ مِنْ لَدُنْه وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْدَائِهِ. هُوَ الَّذِي قَبِلَ الْبَلاَيَا كُلَّهَا لإِظْهَارِ أَمْرِهِ وَإِعْلآءِ كَلِمَتِهِ. قَدْ حُبِسَ مَرَّةً فِي الطَّاءِ (طهران) وَأُخْرَى فِي الْمِيمِ (مازندران)، ثُمَّ فِي الطَّاءِ مَرَّةً أُخْرَى لأَمْرِ اللهِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَكَانَ
5
فِيهَا تَحْتَ السَّلاَسِلِ وَالأَغْلاَلِ شَوْقَاً لأَمْرِ اللهِ الْعَزِيزِ الْفَضَّالِ.
يَا مَلأَ البَيَانِ هَلْ نَسِيْتُمْ وَصَايَايَ وَمَا ظَهَرَ مِنْ قَلَمِي وَنَطَقَ بِهِ لِسَانِي. وَهَلْ بَدَّلْتُمْ يَقِينِي بِأَوْهَامِكُمْ وَسَبِيلِي بِأَهْوَائِكُمْ. وَهَلْ نَبَذْتُمْ أُصُولَ اللهِ وَذِكْرَهُ وَتَرَكْتُمْ أَحْكَامَ اللهِ وَأَوَامِرَهُ. اتَّقُوا اللهَ دَعُوا الظُّنُونَ لِمَظَاهِرِهَا وَالأَوْهَامَ لِمَطَالِعِهَا وَالشُّكُوكَ لِمَشَارِقِهَا. ثُمَّ أَقْبِلُوا بِوُجُوهٍ نَوْرَاءَ وَصُدُورِ بَيْضَاءَ إِلَى أُفُقٍ أَشْرَقَتْ مِنْهُ شَمْسُ الإِيقَانِ أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَدْيَانِ.
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ العِصْمَةَ الكُبْرَى دِرْعَاً لِهَيْكَلِ أَمْرِهِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ. وَمَا قَدَّرَ لأَحَدٍ نَصِيبَاً مِنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ العُلْيَا وَالمَقَامِ الأَسْنَى. إِنَّهَا طِرَازٌ نَسَجَتْهُ أَنَامِلُ القُدْرَةِ لِنَفْسِهِ تَعَالَى. إَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ إِلاَّ لِمَنِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. مَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ بِمَا رُقِمَ فِي هَذَا الحِينِ مِنَ القَلَمِ الأَعْلَى إِنَّهُ مِنَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابِ التَّجْرِيدِ فِي كِتَابِ اللهِ مَالِكِ المَبْدَأِ وَالمَآبِ.
وَلَمَّا بَلَغَ الكَلاَمُ هَذَا المَقَامَ سَطَعَتْ رَائِحَةُ العِرْفَانِ وَأَشْرَقَ نَيِّرُ التَّوْحِيدِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ البَيَانِ. طُوبَى لِمَنْ اجْتَذَبَهُ النِّدَاءُ إِلَى الذِّرْوَةِ العُلْيَا وَالغَايَةِ القُصْوَى. وَعَرَفَ مِنْ صَرِيْرِ قَلَمِي الأَعْلَى مَا أَرَادَه رَبُّ الآخِرَةِ وَالأُولَى. إِنَّ الذِي مَا شَرِبَ مِنْ رَحِيقِنَا المَخْتُومِ الذِي فَكَكْنَا خَتْمَه بِاسْمِنَا القَيُّومِ. إِنَّهُ مَا فَازَ بِأَنْوَارِ
6
التَّوْحِيدِ وَمَا عَرَفَ المَقْصُودَ مِنْ كُتُبِ اللهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَمَالِكِ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَكَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ فِي كِتَابِ اللهِ العَلِيمِ الخَبِيرِ.
يَا أَيُّهَا السَّائِلُ الجَلِيلُ3 نَشْهَدُ أَنَّكَ تَمَسَّكْتَ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ فِي أَيَّامٍ فِيهَا مُنِعَ القَلَمُ عَنِ الجَرَيَانِ وَاللِّسَانُ عَنِ البَيَانِ فِي ذِكْرِ العِصْمَةِ الكُبْرَى وَالآيَةِ العُظْمِى التِي سَأَلْتَها عَنِ المَظْلُومِ لِيَكْشِفَ لَكَ قِنَاعَهَا وَغِطَاءَهَا وَيَذْكُرَ سِرَّهَا وَأَمْرَهَا وَمَقَامَهَا وَمَقَرَّها وَشَأْنَهَا وَعُلُوَّهَا وَسُمُوَّهَا. لَعَمْرُ اللهِ لَوْ نُظْهِرُ لَئَالِئَ البُرْهَانِ المَكْنُونَةَ فِي أَصْدَافِ بَحْرِ العِلْمِ وَالإِيقَانِ وَنُخْرِجُ طَلَعَاتِ المَعَانِي المَسْتُورَةَ فِي غُرَفَاتِ البَيَانِ فِي جَنَّةِ العِرْفَانِ لَتَرْتَفِعُ ضَوْضَاءُ العُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ وَتَرَى حِزْبَ اللهِ بَيْنَ أَنْيَابِ الذِّئَابِ الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ فِي المَبْدَأِ وَالمَآبِ. بِذَلِكَ أَمْسَكْنَا القَلَمَ فِي بُرْهَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَانِ حِكْمَةً مِنْ لَدَى الرَّحْمَنِ وَحِفْظَاً لأَوْلِيَائِي مِنَ الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُم دارَ البَوَارِ.
يَا أَيُّهَا السَّائِلُ النَّاظِرُ وَالذِي اجْتَذَبَ المَلأَ الأَعْلَى بِكَلِمَتِهِ العُلْيَا إِنَّ لِطُيُورِ مَمَالِكِ مَلَكُوتِي وَحَمَامَاتِ رِيَاضِ حِكْمَتِي تَغَرُّدَاتٍ وَنَغَمَاتٍ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا إِلاَّ اللهُ مَالِكُ المُلْكِ وَالجَبَرُوتِ. وَلَوْ يَظْهَرُ أَقَلُّ مِنْ سَمِّ الإِبْرَةِ لَيَقُولُ الظَّالِمُونَ مَا لاَ قَالَه الأَوَّلُونَ
7
وَيَرْتَكِبُونَ مَا لاَ ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ فِي الأَعْصَارِ وَالقُرُونِ. قَدْ أَنْكَرُوا فَضْلَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ وَحُجَّةَ اللهِ وَآيَاتِهِ. ضَلُّوا وَأَضَلُّوا النَّاسَ وَلاَ يَشْعُرُونَ. يَعْبُدُونَ الأَوْهَامَ وَلاَ يَعْرِفُونَ. قَدْ اتَّخَذُوا الظُّنُونَ لأَنْفُسِهِم أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ وَلاَ يَفْقَهُونَ. نَبَذُوا الْبَحْرَ الأَعْظَمَ مُسْرِعِينَ إِلَى الْغَدِيرِ وَلاَ يَعْلَمُونَ. يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم مُعْرِضِينَ عَنِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. قُلْ تَاللهِ قَدْ أَتَى الرَّحْمَنُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ. وَبِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَدْيَانِ. وَغَنَّ عَنْدَلِيبُ الْبَيَانِ عَلَى أَعْلَى غُصْنِ الْعِرْفَانِ. قَدْ ظَهَرَ مَنْ كَانَ مَكْنُونَاً فِي الْعِلْمِ وَمَسْطُورَاً فِي الْكِتَابِ. قُلْ هَذَا يَوْمٌ فِيهِ اسْتَوَى مُكَلِّمُ الطُّورِ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ وَقَامَ النَّاسُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا يَوْمٌ فِيهِ حَدَّثَتِ الأَرْضُ أَخْبَارَهَا وَأَظْهَرَتْ كُنُوزَهَا وَالبِحَارُ لآلِئَهَا وَالسِّدْرَةُ أَثْمَارَهَا وَالشَّمْسُ إِشْرَاقَهَا وَالأَقْمَارُ أَنْوَارَهَا وَالسَّمَاءُ أَنْجُمَها وَالسَّاعَةُ أَشْرَاطَهَا وَالْقِيَامَةُ سَطْوَتَهَا وَالأَقْلاَمُ آثَارَهَا وَالأَرْوَاحُ أَسْرَارَهَا. طُوبَى لِمَنْ عَرَفَهُ وَفَازَ بِهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ أَنْكَرَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ عِبَادَهُ عَلَى الرُّجُوعِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
يَا أَيُّهَا الْمُقْبِلُ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى وَالشَّارِبُ رَحِيقِيَ الْمَخْتُومَ مِنْ أَيَادِي الْعَطَاءِ فَاعْلَمْ لِلْعِصْمَةِ مَعَانٍ شَتَّى وَمَقَامَاتٌ شَتَّى. إِنَّ الَّذِي عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الاسْمُ فِي مَقَامٍ
8
وَكَذَلِكَ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الْخَطَأ وَالْعِصْيَانِ وَمِنَ الإِعْرَاضِ وَالْكُفْرِ وَمِنَ الشِّرْكِ وَأَمْثَالِهَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ اسْمُ الْعِصْمَةِ. وَأَمَّا الْعِصْمَةُ الْكُبْرَى لِمَنْ كَانَ مَقَامُهُ مُقَدَّسَاً عَنِ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمُنَزَّهَاً عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. إِنَّهُ نُورٌ لاَ تَعْقُبُهُ الظُّلْمَةُ وَصَوَابٌ لاَ يَعْتَرِيهِ الْخَطَأُ. لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الْمَاءِ حُكْمَ الْخَمْرِ وَعَلَى السَّمَاءِ حُكْمَ الأَرْضِ وَعَلَى النُّورِ حُكْمَ النَّارِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولَ لِمَ وَبِمَ. وَالَّذِي اعْتَرَضَ إِنَّهُ مِنَ الْمُعْرِضِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلٌّ عَنِ كُلٍّ يُسْئَلُونَ. إِنَّهُ أَتَى مِنْ سَمَاءِ الْغَيْبِ وَمَعَهُ رَايَةُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَجُنُودُ الْقُدْرَةِ وَالاخْتِيَارِ. وَلِدُونِهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ. لَوْ يَتَجَاوَزُ عَنْهَا عَلَى قَدْرِ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَيَحْبِطُ عَمَلُهُ. انْظُرْ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ أَتَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ [وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ] وَكَذَلِكَ الصَّلَوةُ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ كِتَابِ اللهِ مَوْلَى الْعَالَمِ وَمُرَبِّيِ الأُمَمِ. لِلْكُلِّ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ اللهُ وَالَّذِي أَنْكَرَهُ كَفَرَ بِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ إِنَّهُ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الصَّوَابِ حُكْمَ الْخَطَأِ وَعَلَى الْكُفْرِ حُكْمَ الإِيمَانِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِهِ. هَذَا مَقَامٌ لاَ يُذْكَرُ وَلاَ يُوجَدُ فَيهَ الْخَطَأُ وَالْعِصْيَانُ. انْظُرْ فِي الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمُنْزَلَةِ الَّتِي وَجَبَ
9
بِهَا حِجُّ الْبَيْتِ عَلَى الْكُلِّ. إِنَّ الَّذِينَ قَامُوا بَعْدَهُ4 عَلَى الأَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِم أَنْ يَعْمَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِي الْكِتَابِ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ حُدُودِ اللهِ وَسُنَنِهِ وَالَّذِي تَجَاوَزَ إِنَّهُ مِنَ الْخَاطِئينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى أُفُقِ الأَمْرِ اعْلَمْ إِرَادَةَ اللهِ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً بِحُدُودِ الْعِبَادِ. إِنَّهُ لاَ يَمْشِي عَلَى طُرُقِهِم لِلْكُلِّ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. إِنَّهُ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الْيَمِينِ حُكْمَ الْيَسَارِ أَوْ عَلَى الْجَنُوبِ حُكْمَ الشِّمَالِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّهُ مَحْمُودٌ فِي فِعْلِهِ وَمُطَاعٌ فِي أَمْرِهِ. لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حُكْمِهِ وَلاَ مُعِينٌ فِي سُلْطَانِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. ثُمَّ اعْلَمْ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ لَيْسَ لَهُمْ حَرَكَةٌ وَلاَ سُكُونٌ إِلاَّ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ.
يَا أَيُّهَا الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ وَالنَّاظِرُ إِلَى أَنْوَارِ وَجْهِ رَبِّكَ مَالِكِ الإِيجَادِ اشْكُرِ اللهَ بِمَا كَشَفَ لَكَ مَا كَانَ مَكْنُونَاً مَسْتُورَاً فِي الْعِلْمِ لِيَعْلَمَ الْكُلُّ أَنَّهُ مَا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ فِي الْعِصْمَةِ الْكُبْرَى شَرِيكَاً وَلاَ وَزِيرَاً. إِنَّه هُوَ مَطْلِعُ الأَوَامِرِ وَالأَحْكَامِ وَمَصْدَرُ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ وَمَا سِوَاهُ مَأْمُورٌ مَحْكُومٌ وَهُوَ الْحَاكِمُ الآمِرُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنَّكَ إِذَا اجْتَذَبَتْكَ نَفَحَاتُ آيَاتِ الظُّهُورِ وَأَخَذَكَ الْكَوْثَرُ الطَّهُورُ مِنْ أَيَادِي عَطَاءِ رَبِّكَ مَالِكِ يَوْمِ النُّشُورِ قُلْ إِلَهِي إِلَهِي لَكَ الْحَمْدُ بِمَا دَلَلْتَنِي إِلَيْكَ وَهَدَيْتَنِي إِلَى أُفُقِكَ
10
وَأَوْضَحْتَ لِي سَبِيلَكَ وَأَظْهَرْتَ لِي دَلِيلَكَ وَجَعَلْتَنِي مُقْبِلاً إِلَيْكَ إِذْ أَعْرَضَ عَنْكَ أَكْثَرُ عِبَادِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ. ثُمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ مِنْ عِنْدِكَ وَبُرْهَانٍ مِنْ لَدُنْكَ. لَكَ الْفَضْلُ يَا إِلَهَ الأَسْمَاءِ وَلَكَ الثَّنَاءُ يَا فَاطِرَ السَّمَاءِ بِمَا سَقَيْتَنِي رَحِيقَكَ الْمَخْتُومَ بِاسْمِكَ الْقَيُّومِ وَقَرَّبْتَنِي إِلَيْكَ وَعَرَّفْتَنِي مَشْرِقَ بَيَانِكَ وَمَطْلِعَ آيَاتِكَ وَمَصْدَرَ أَوَامِرِكَ وَأَحْكَامِكَ وَمَنْبَعَ حِكْمَتِكَ وَأَلْطَافِكَ. طُوبَى لأَرْضٍ فَازَتْ بِقُدُومِكَ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا عَرْشُ عَظَمَتِكَ وَتَضَوَّعَ فِيهَا عَرْفُ قَمِيصِكَ. وَعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَقُدْرَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ لاَ أُحِبُّ الْبَصَرَ إِلاَّ لِمُشَاهَدَةِ جَمَالِكَ وَلاَ أُرِيدُ السَّمَعَ إِلاَّ لإِصْغَاءِ نِدَائِكَ وَآيَاتِكَ. إِلَهِي إِلَهِي لاَ تَحْرِمِ الْعُيُونَ عَمَّا خَلَقْتَهَا لَهُ وَلاَ الْوُجُوهَ عَنْ التَّوَجُّهِ إِلَى أُفُقِكَ وَالْقِيَامِ لَدَى بَابِ عَظَمَتِكَ وَالْحُضُورِ أَمَامَ عَرْشِكَ وَالْخُضُوعِ لَدَى إِشْرَاقَاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ فَضْلِكَ. أَيْ رَبِّ أَنَا الَّذِي شَهِدَ قَلْبِي وَكَبِدِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانُ ظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إَلاَّ أَنْتَ. قَدْ خَلَقْتَ الْخَلْقَ لِعِرْفَانِكَ وَخِدْمَةِ أَمْرِكَ لِتَرْتَفِعَ بِهِ مَقَامَاتُهُم فِي أَرْضِكَ وَتَرْتَقِي أَنْفُسُهُم بِمَا أَنْزَلْتَهُ فِي زُبُرِكَ وَكُتُبِكَ وَأَلْوَاحِكَ. فَلَمَّا أَظْهَرْتَ نَفْسَكَ وَأَنْزَلْتَ آيَاتِكَ أَعْرَضُوا عَنْكَ وَكَفَرُوا بِكَ وَبِمَا أَظْهَرْتَهُ بِقُدْرَتِكَ وَقُوَّتِكَ. وَقَامُوا عَلَى ضَرِّكَ وَإِطْفَاءِ نُورِكَ وَإِخْمَادِ نَارِ سِدْرَتِكَ
11
وَبَلَغُوا فِي الظُّلْمِ مَقَامَاً أَرَادُوا سَفْكَ دَمِكَ وَهَتْكَ حُرْمَتِكَ. وَكَذِلَكَ مَنْ5 رَبَّيْتَهُ بِأَيَادِي عِنَايَتِكَ وَحَفَظْتَهُ مِنْ شَرِّ طُغَاةِ خَلْقِكَ وَبُغَاةِ عِبَادِكَ وَكَانَ أَنْ يُحَرِّرَ آيَاتِكَ أَمَامَ عَرْشِكَ فَآهٍ آهٍ عَمَّا ارْتَكَبَ فِي أَيَّامِكَ بِحَيْثُ نَقَضَ عَهْدَكَ وَمِيثَاقَكَ وَأَنْكَرَ آيَاتِكَ وَقَامَ عَلَى الإِعْرَاضِ وَارْتَكَبَ مَا نَاحَ بِهِ سُكَّانُ مَلَكُوتِكَ. فَلَمَّا خَابَ فِي نَفْسِهِ وَوَجَدَ رَائِحَةَ الْخُسْرَانِ صَاحَ وَقَالَ مَا تَحَيَّرَ بِهِ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَأَهْلُ خِبَاءِ مَجْدِكَ. تَرَانِي يَا إِلَهِي كَالْحُوتِ الْمُتَبَلْبِلِ عَلَى التُّرَابِ أَغِثْنِي ثُمَّ ارْحَمْنِي يَا مُسْتَغَاثُ وَيَا مَنْ فِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ النَّاسِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ. كُلَّمَا أَتَفَكَّرُ فِي جَرِيرَاتِيَ الْعُظْمَى وَخطِيَّاتِيَ الْكُبْرَى يَأْخُذُنِي الْيَأْسُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَكُلَّمَا أَتَفَكَّرُ فِي بَحْرِ عَطَائِكَ وَسَمَاءِ جُودِكَ وَشَمْسِ فَضْلِكَ أَجِدُ عَرْفَ الرَّجَاءِ مِنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَالْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ. كَأَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُبَشِّرُنِي بِأَمْطَارِ سَحَابِ سَمَاءِ رَحْمَتِكَ. وَعِزَّتِكَ يَا سَنَدَ الْمُخْلِصِينَ وَمَقْصُودَ الْمُقَرَّبِينَ شَجَّعَتْنِي مَوَاهِبُكَ وَأَلْطَافُكَ وَظُهُورَاتُ فَضْلِكَ وَعِنَايَتِكَ. وَإِلاَّ مَا لِلْمَفْقُودِ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ أَظْهَرَ الْوُجُودَ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ. وَمَا لِلْمَعْدُومِ أَنْ يَصِفَ مَنْ ثَبَتَ بِالبُرْهَانِ أَنَّهُ لاَ يُوصَفُ بِالأَوْصَافِ وَلاَ يُذْكَرُ بِالأَذْكَارِ. لَمْ يَزَلْ كَانَ مُقَدَّسَاً عَنْ إِدْرَاكِ خَلْقِهِ وَمُنَزَّهَاً عَنْ عِرْفَانِ عِبَادِهِ أَيْ رَبِّ تَرَى الْمَيِّتَ أَمَامَ وَجْهِكَ لاَ تَجْعَلْهُ
12
مَحْرُومَاً مِنْ كَأْسِ الْحَيَوانِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ. وَالْعَلِيلَ تِلْقَاءَ عَرْشِكَ لاَ تَمْنَعْهُ عَنْ بَحْرِ شِفَائِكَ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُؤَيِّدَنِي فِي كُلِّ الأَحْوَالِ عَلَى ذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ وَخِدْمَةِ أَمْرِكَ بَعْدَ عِلْمِي بِأَنَّ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعَبْدِ مَحْدُودٌ بِحُدُودِ نَفْسِهِ وَلاَ يَلِيقُ لِحَضْرَتِكَ وَلاَ يَنْبَغِي لِبِسَاطِ عِزِّكَ وَعَظَمَتِكَ. وَعِزَّتِكَ لَوْلاَ ثَنَاؤُكَ لاَ يَنْفَعُنِي لِسَانِي وَلَوْلاَ خِدْمَتُكَ لاَ يَنْفَعُنِي وُجُودِي وَلاَ أُحِبُّ الْبَصَرَ إِلاَّ لِمُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ أُفُقِكَ الأَعْلَى وَلاَ أُرِيدُ السَّمْعَ إِلاَّ لإِصْغَاءِ نِدَائِكَ الأَحْلَى. آهٍ آهٍ لَمْ أَدْرِ يَا إِلَهِي وَسَنَدِي وَرَجَائِي هَلْ قَدَّرْتَ لِي مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي وَيَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرِي وَيَفْرَحُ بِهِ قَلْبِي أَوْ قَضَاؤُكَ الْمُبْرَمُ مَنَعَنِي عَنِ الْحُضُورِ أَمَامَ عَرْشِكَ يَا مَالِكَ الْقِدَمِ وَسُلْطَانَ الأُمَمِ. وَعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَعَظَمَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ قَدْ أَمَاتَتْنِي ظُلْمَةُ الْبُعْدِ أَيْنَ نُورُ قُرْبِكَ يَا مَقْصُودَ الْعَارِفِينَ وَأَهْلَكَتْنِي سَطْوَةُ الْهَجْرِ أَيْنَ ضِيَاءُ وِصَالِكَ يَا مَحْبُوبَ الْمُخْلِصِينَ. تَرَى يَا إِلَهِي مَا وَرَدَ عَلَيَّ فِي سَبِيلِكَ مِنَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقَّكَ وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ وَجَادَلُوا بِآيَاتِكَ وَكَفَرُوا بِنِعْمَتِكَ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَكَلِمَتِكَ بَعْدَ إِنْزَالِهَا وَبِحُجَّتِكَ بَعْدَ إِكْمَالِهَا. أَيْ رَبِّ يَشْهَدُ لِسَانُ لِسَانِي وَقَلْبُ قَلْبِي وَرُوحُ رُوحِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِوَحْدَانِيِّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِقُدْرَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَعَظَمَتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَبِعِزَّتِكَ وَرِفْعَتِكَ وَاخْتِيَارِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ
13
كَنْزَاً مَخْفِيَّاً عَنِ الأَبْصَارِ وَالإِدْرَاكِ وَلاَ تَزَالُ تَكُونُ بِمِثْلِ مَا كُنْتَ فِي أَزَلِ الآزَالِ. لاَ تُضْعِفُكَ قُوَّةُ الْعَالَمِ وَلاَ يُخَوِّفُكَ اقْتِدَارُ الأُمَمِ. أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ بَابَ الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ عِبَادِكَ لِعِرْفَانِ مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَمَطْلِعِ آيَاتِكَ وَسَمَاءِ ظُهُورِكَ وَشَمْسِ جَمَالِكَ وَوَعَدْتَ مَنْ عَلَى الأَرْضِ فِي كُتُبِكَ وَزُبُرِكَ وَصُحُفِكَ بِظُهُورِ نَفْسِكَ وَكَشْفِ سُبُحَاتِ الْجَلاَلِ عَنْ وَجْهِكَ كَمَا أَخْبَرْتَ بِهِ حَبِيبَكَ الَّذِي بِهِ أَشْرَقَ نَيِّرُ الأَمْرِ مِنْ أُفُقِ الْحِجَازِ وَسَطَعَ نُورُ الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْعِبَادِ بِقَوْلِكَ [يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ]6. وَمِنْ قَبْلِهِ بَشَّرْتَ الْكَلِيمَ [أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ]7 وَأَخْبَرْتَ بِهِ الرُّوحَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. لَوْ يَظْهَرُ مِنْ خَزَائِنِ قَلَمِكَ الأَعْلَى مَا أَنْزَلْتَهُ فِي ذِكْرِ هَذَا الذِّكْرِ الأَعْظَمِ وَنَبَئِكَ الْعَظِيمِ لَيَنْصَعِقُ أَهْلُ مَدَائِنِ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ. إِلاَّ مَنْ أَنْقَذْتَهُ بِاقْتِدَارِكَ وَحَفَظْتَهُ بِجُودِكَ وَفَضْلِكَ. أَشْهَدُ أَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِكَ وَأَظْهَرْتَ الَّذِي بَشَّرَتْ بِظُهُورِهِ أَنْبِيَاؤُكَ وَأَصْفِيَاؤُكَ وَعِبَادُكَ. إِنَّهُ أَتَى مِنْ أُفُقِ الْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ بِرَايَاتِ آيَاتِكَ وَأَعْلاَمِ بَيِّنَاتِكَ وَقَامَ أَمَامَ الْوُجُوهِ بِقُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَدَعَا الْكُلَّ إِلَى الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا وَالأُفُقِ الأَعْلَى بِحَيْثُ مَا مَنَعَهُ ظُلْمُ الْعُلَمَاءِ وَسطْوَةُ الأُمَرَاءِ. قَامَ بِالاسْتِقَامَةِ الْكُبْرَى وَنَطَقَ بِأَعْلَى النِّدَاءِ قَدْ أَتَى الْوَهَّابُ رَاكِبَاً عَلَى السَّحَابِ.
14
أَقْبِلُوا يَا أَهْلَ الأَرْضِ بِوُجُوهٍ بَيْضَاءَ وَقُلُوبٍ نَوْرَاءَ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِلِقَائِكَ وَشَرِبَ رَحِيقَ الْوِصَالِ مِنْ أَيَادِي عَطَائِكَ وَوَجَدَ عَرْفَ آيَاتِكَ وَنَطَقَ بِثَنَائِكَ وَطَارَ فِي هَوَائِكَ وَأَخَذَهُ جَذْبُ بَيَانِكَ وَأَدْخَلَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى مَقَامَ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَمَامَ عَرْشِ عَظَمَتِكَ. أَيْ رَبِّ أَسْأَلُكَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَى الَّتِي جَعَلْتَها أُفُقَاً لِظُهُورِكَ وَبِكَلِمَتِكَ الْعُلْيَا الَّتِي بِهَا خَلَقْتَ الْخَلْقَ وَأَظْهَرْتَ الأَمْرَ وَبِهَذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ نَاحَتِ الأَسْمَاءُ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الْعُرَفَاءِ أَنْ تَجْعَلَنِي مُنْقَطِعَاً عَنْ دُونِكَ بِحَيْثُ لاَ أَتَحَرَّكُ إِلاَّ بِإرَادَتِكَ وَلاَ أَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِمَشِيئَتِكَ وَلاَ أَسْمَعُ إِلاَّ ذِكْرَكَ وَثَنَاءَكَ لَكَ الْحَمْدُ يَا إِلَهِي وَلَكَ الشُّكْرُ يَا رَجَائِي بِمَا أَوْضَحْتَ لِي صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وَأَظْهَرْتَ لِي نَبَأَكَ الْعَظِيمَ وَأَيَّدْتَنِي عَلَى الإِقْبَالِ إِلَى مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَمَصْدَرِ أَمْرِكَ بَعْدَ إِعْرَاضِ عِبَادِكَ وَخَلْقِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَالِكَ مَلَكُوتِ الْبَقَاءِ بِصَرِيرِ قَلَمِكَ الأَعْلَى وَبِالنَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ النَّاطِقَةِ فِي الشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ وَبِالسَّفِينَةِ الَّتَي جَعَلْتَهَا مَخْصُوصَةً لأَهْلِ الْبَهَاءِ. أَنْ تَجْعَلَنِي مُسْتَقِيمَاً عَلَى حُبِّكَ وَرَاضِيَاً بِمَا قَدَّرْتَ لِي فِي كِتَابِكَ وَقَائِمَاً عَلَى خِدْمَتِكَ وَخِدْمَةِ أَوْلِيَائِكَ. ثُمَّ أَيِّدْ عِبَادَكَ يَا إِلَهِي عَلَى مَا يَرْتَفِعُ بِهِ أَمْرُكَ وَعَلَى عَمَلِ مَا أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا تَشَاءُ وَفِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الأَشْيَاءِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
15
يَا أَيُّهَا الْجَلِيلُ قَدْ أَرَيْنَاكَ الْبَحْرَ وَأَمْوَاجَهُ وَالشَّمْسَ وَإِشْرَاقَهَا وَالسَّمَاءَ وَأَنْجُمَهَا وَالأَصْدَافَ وَلآلِئَهَا. اشْكُرِ اللهَ بِهَذَا الْفَضْلِ الأَعْظَمِ وَالْكَرَمِ الَّذِي أَحَاطَ عَلَى الْعَالَم. يَا أَيُّهَا الْمُتَوَجِّهُ إِلَى أَنْوَارِ الْوَجْهِ قَدْ أَحَاطَتِ الأَوْهَامُ عَلَى سُكَّانِ الأَرْضِ وَمَنَعَتْهُم عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى أُفُقِ الْيَقِينِ وَإِشْرَاقِهِ وَظُهُورَاتِهِ وَأَنْوَارِهِ. بِالظُّنُونِ مُنَعُوا عَنِ الْقَيُّومِ يَتَكَلَّمُونَ بِأَهْوَائِهِم وَلاَ يَشْعُرُونَ. مِنْهُم مَنْ قَالَ هَلْ الآيَاتُ نُزِّلَتْ قُلْ إِي وَرَبِّ السَّمَواتِ وَهَلْ أَتَتِ السَّاعَةُ بَلْ قَضَتْ وَمُظْهِرِ الْبَيِّنَاتِ. قَدْ جَاءَتِ الحَاقَّةُ وَأَتَى الحَقُّ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ. قَدْ بَرَزَتِ السَّاهِرَةُ وَالْبَرِيَّةُ فِي وَجَلٍ وَاضْطِرَابٍ. قَدْ أَتَتِ الزَّلاَزِلُ وَنَاحَتِ الْقَبَائِلُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْجَبَّارِ. قُلِ الصَّاخَّةُ صَاحَتْ وَالْيَوْمُ للهِ الوَاحِدِ المُخْتارِ. وَقَالَ هَلِ الطَّامَّةُ تَمَّتْ قُلْ إِي وَرَبِّ الأَرْبَابِ. وَهَلِ الْقِيَامَةُ قَامَتْ بَلْ الْقَيُّومُ بِمَلَكُوتِ الآيَاتِ. هَلْ تَرَى النَّاسَ صَرْعَى بَلَى وَرَبِّي الْعَلِيِّ الأَبْهَى. هَلْ انْقَعَرَتِ الأَعْجَازُ بَلْ نُسِفَتِ الْجِبَالُ وَمَالِكِ الصِّفَاتِ. قَالَ أَيْنَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ قُلْ الأُولَى لِقَائِي وَالأُخْرَى نَفْسُكَ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ الْمُرْتَابُ. قَالَ إِنَّا مَا نَرَى الْمِيزَانَ قُلْ إِي وَرَبِّي الرَّحْمَنِ لاَ يَرَاهُ إِلاَّ أُولُوا الأَبْصَارِ. قَالَ هَلْ سَقَطَتِ النُّجُومُ قُلْ إِي إِذْ كَانَ الْقَيُّومُ فِي أَرْضِ السِّرِّ8 فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ. قَدْ ظَهَرَتِ الْعَلاَمَاتُ كُلُّهَا إِذْ أَخْرَجْنَا يَدَ الْقُدْرَةِ مِنْ جَيْبِ
16
الْعَظَمَةِ وَالاقْتِدَارِ. قَدْ نَادَى الْمُنَادِ إِذْ أَتَى الْمِيعَادُ وَانْصَعَقَ الطُّورِيُّونَ فِي تِيهِ الْوُقُوفِ مِنْ سَطْوَةِ رَبِّكَ مَالِكِ الإِيجَادِ. يَقُولُ النَّاقُورُ هَلْ نُفِخَ فِي الصُّورِ قُلْ بَلَى وَسُلْطَانِ الظُّهُورِ إِذِ اسْتَقَرَّ عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الرَّحْمَن. قَدْ أَضَاءَ الدَّيْجُورُ مِنْ فَجْرِ رَحْمَةِ رَبِّكَ مَطْلِعِ الأَنْوَارِ. قَدْ مَرَّتْ نَسَمَةُ الرَّحْمَنِ وَاهْتَزَّتِ الأَرْوَاحُ فِي قُبُورِ الأَبْدَانِ كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَزِيزِ الْمَنَّانِ. قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَتَى انْفَطَرَتِ السَّمَاءُ. قُلْ إِذْ كُنْتُمْ فِي أَجْدَاثِ الْغَفْلَةِ وَالضَّلاَلِ. مِنَ الْمُشْرِكينَ مَنْ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَنْظُرُ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ قُلْ قَدْ عَمِيتَ لَيْسَ لَكَ الْيَومَ مِنْ مَلاذٍ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَلْ حُشِرَتِ النُّفُوسُ قُلْ إِي وَرَبِّي إِذْ كُنْتَ فِي مِهَادِ الأَوْهَامِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَلْ نُزَّلَ الْكِتَابُ بِالْفِطْرَةِ قُلْ إِنَّهَا فِي الْحَيْرَةِ اتَّقُوا يَا أُولِي الأَلْبَابِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَحُشِرْتُ أَعْمَى قُلْ بَلَى وَرَاكِبِ السَّحَابِ. قَدْ زُيِّنَتِ الْجَنَّةُ بِأَوْرَادِ الْمَعَانِي وَسُعِّرَ السَّعِيرُ مِنْ نَارِ الْفُجَّارِ. قُلْ قَدْ أَشْرَقَ النُّورُ مِنْ أُفُقِ الظُّهُورِ وَأَضَاءَتِ الآفَاقُ إِذْ أَتَى مَالِكُ يَوْمِ الْمِيثَاقِ. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ ارْتَابُوا وَرَبِحَ مَنْ أَقْبَلَ بِنُورِ الْيَقِينِ إِلَى مَطْلِعِ الإِيقَانِ. طُوبَى لَكَ يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ بِمَا نُزِّلَ لَكَ هَذَا اللَّوْحُ الَّذِي مِنْهُ تَطِيرُ الأَرْوَاحُ أَنِ احْفَظْهُ ثُمَّ اقْرَأْهُ لَعَمْرِي إِنَّهُ بَابُ رَحْمَةِ رَبِّكَ طُوبَى لِمَنْ يَقْرَؤُه فِي الْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ. إِنَّا سَمِعْنَا ذِكْرَكَ
17
فِي هَذَا الأَمْرِ الَّذِي مِنْهُ انْدَكَّ جَبَلُ الْعِلْمِ وَزَلَّتِ الأَقْدَامُ. الْبَهَاءُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. قَدْ انْتَهَى اللَّوْحُ وَمَا انْتَهَى الْبَيَانُ اصْبِرْ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الصَّبَّارُ. هَذِهِ آيَاتٌ أَنْزَلْنَاهَا مِنْ قَبْلُ وَأَرْسَلْنَاهَا إِلَيْكَ لِتَعْرِفَ مَا نَطَقَتْ بِهِ الأَلْسِنَةِ الْكَذِبَةُ إِذْ أَتَى اللهُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ. قَدْ تَزَعْزَعَ بُنْيَانُ الظُّنُونِ وَانْفَطَرَتْ سَمَاءُ الأَوْهَامِ وَالْقَوْمُ فِي مِرْيَةٍ وَشِقَاقٍ. قَدْ أَنْكَرُوا حُجَّةَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ بَعْدَ إِذْ أَتَى مِنْ أُفُقِ الاقْتِدَارِ بِمَلَكُوتِ الآيَاتِ. تَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَارْتَكَبُوا مَا مُنِعُوا عَنْهُ فِي الْكِتَابِ. وَضَعُوا إِلَهَهُم أَخَذُوا أَهْوَاءَهُم أَلا إِنَّهُم فِي غَفْلَةٍ وَضَلاَلٍ. يَقْرَؤُنَ الآيَاتِ وَيُنْكِرُونَهَا. يَرَوْنَ الْبَيِّنَاتِ يُعْرِضُونَ عَنْهَا أَلاَ إِنَّهُمْ فِي رَيْبٍ عُجَابٍ. إِنَّا وَصَّيْنَا أَوْلِيَاءَنَا بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي كَانَ مَطْلِعَ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ إِنَّهُ قَائِدُ جُنُودِ الْعَدْلِ فِي مَدِينَةِ الْبَهَاءِ. طُوبَى لِمَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ رَايَتِهِ النَّوْرَاءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ إِنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ الْحَمْرَاءِ الَّتِي نُزِّلَ ذِكْرُهَا فِي قَيُّومِ الأَسْمَاءِ. قُلْ يَا حِزْبَ اللهِ زَيِّنُوا هَيَاكِلَكُمْ بِطِرَازِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ ثُمَّ انْصُرُوا رَبَّكُمْ بِجُنُودِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ. إِنَّا مَنَعْنَاكُم عَنِ الْفَسَادِ وَالْجِدَالِ فِي كُتُبِي وَصُحُفِي وَزُبُرِي وَأَلْوَاحِي وَمَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ إِلاَّ عُلُوَّكُمْ وَسُمُوَّكُمْ تَشْهَدُ بِذَلِكَ السَّمَاءُ
18
وَأَنْجُمُهَا وَالشَّمْسُ وَإِشْرَاقُهَا وَالأَشْجَارُ وَأَوْرَاقُهَا وَالْبِحَارُ وَأَمْوَاجُهَا وَالأَرْضُ وَكُنُوزُهَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِدَّ أَوْلِيَاءَهُ وَيُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُوَفِّقَ مَنْ حَوْلِي عَلَى عَمَلِ مَا أُمُرِوا بِهِ مِنْ قَلَمِي الأَعْلَى.
يَا جَلِيلُ عَلَيْكَ بَهَائِي وَعِنَايَتِي إِنَّا أَمَرْنَا العِبَادَ بِالْمَعْرُوفِ وَهُمْ عَمِلُوا مَا نَاحَ بِهِ قَلْبِي وَقَلَمِي. اسْمَعْ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيَّتِي وَمَلَكُوتِ إِرَادَتِي. لَيْسَ حُزْنِي سِجْنِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعَدَائِي بَلْ مِنَ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُم إِلَى نَفْسِي وَيَرْتَكِبُونَ مَا تَصْعَدُ بِهِ زَفَرَاتِي وَتَنْزِلُ عَبَرَاتِي. قَدْ نَصَحْنَاهُمْ بِعِبَارَاتٍ شَتَّى فِي أَلْوَاحٍ شَتَّى. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُم وَيُقَرِّبَهُمْ وَيُؤَيِّدَهُم عَلَى مَا تَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ وَتَسْتَرِيحُ بِهِ النُّفُوسُ وَيَمْنَعَهُمْ عَمَّا لاَ يَنْبَغِي لأَيَّامِهِ. قُلْ يَا أَوْلِيَائِي فِي بِلاَدِي اسْمَعُوا نُصْحَ مَنْ يَنْصَحُكُم لِوَجْهِ اللهِ إِنَّهُ خَلَقَكُم وَأَظْهَرَ لَكُمْ مَا يَرْفَعُكُم وَيَنْفَعُكُم وَعَلَّمَكُم صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ وَنَبَأَهُ الْعَظِيمَ.
يَا جَلِيلُ وَصِّ الْعِبادَ بِتَقْوَى اللهِ تَاللهِ هُوَ الْقَائِدُ الأَوَّلُ فِي عَسَاكِرِ رَبِّكَ وَجُنُودُهُ الأَخْلاَقُ الْمَرْضِيَّةُ وَالأَعْمَالُ الطَّيِّبَةُ وَبِهَا فُتِحَتْ فِي الأَعْصَارِ وَالْقُرُونِ مَدائِنُ الأَفْئِدَةِ وَالْقُلُوبِ وَنُصِبَتْ
19
رَايَاتُ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى أَعْلَى الأَعْلاَمِ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ الأَمَانَةَ وَمَقَامَهَا عِنْدَ اللهِ رَبِّكَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. إِنَّا قَصَدْنَا يَوْمَاً مِنَ الأَيَّامِ جَزِيرَتَنَا الْخَضْرَاءَ وَلَمَّا وَرَدَنَا رَأَيْنَا أَنْهَارَهَا جَارِيَةً وَأَشْجَارَهَا مُلْتَفَّةً وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَلْعَبُ فِي خِلاَلِ الأَشْجَارِ تَوَجَّهْنَا إِلَى الْيَمِينِ رَأَيْنَا مَا لاَ يَتَحَرَّكُ الْقَلَمُ عَلَى ذِكْرِهِ وَذِكْرِ مَا شَهِدَتْ عَيْنُ مَوْلَى الْوَرَى فِي ذَاكَ الْمَقَامِ الأَلْطَفِ الأَشْرَفِ الْمُبَارَكِ الأَعْلَى. ثُمَّ أَقْبَلْنَا إِلَى الْيَسَارِ شَاهَدْنَا طَلْعَةً مِنْ طَلَعَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى قَائِمَةً عَلَى عَمُودٍ مِنَ النُّورِ وَنَادَت بِأَعْلَى النِّدَاءِ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ انْظُرُوا جَمَالِي وَنُورِي وَظُهُورِي وَإِشْرَاقِي تَاللهِ الْحَقِّ أَنَا الأَمَانَةُ وَظُهُورُهَا وَحُسْنُهَا وَأَجْرٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَعَرَفَ شَأْنَهَا وَمَقَامَهَا وَتَشَبَّثَ بِذَيْلِهَا. أَنَا الزِّينَةُ الْكُبْرَى لأَهْلِ الْبَهَاءِ وَطِرَازُ الْعِزِّ لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ وَأَنَا السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَأُفُقُ الاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا لَكَ مَا يُقَرِّبُ الْعِبَادَ إِلَى مَالِكِ الإِيجَادِ9.
قَدْ تَوَجَّهَ الْقَلَمُ الأَعْلَى مِنْ اللُّغَةِ الْفُصْحَى "الْعَرَبِيَّةِ" إِلَى اللُّغَةِ النَّوْرَاءِ "الْفَارِسِيَّةِ" لِيَعْرِفَ الْجَلِيلُ عِنَايَةَ رَبِّهِ الْجَمِيلِ وَيَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى قَد ارْتَفَعَ النِّدَاءُ
20
وَالْقُوَّةُ السَّامِعَةُ قَلِيلَةٌ بَلْ مَفْقُودَةٌ وَهَذَا الْمَظْلُومُ يَذْكُرُ أَوْلِيَاءَ الرَّحْمَنِ وَهُوَ فِي فَمِ الثُّعْبَانِ وَوَرَدَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا فَزَعَ وَجَزِعَ مِنْهُ الْمَلأُ الأَعْلَى. وَإِنَّ ظُلْمَ الْعَالَمِ وَضَرَّ الأُمَمِ لَمْ يَمْنَعْ مَالِكَ الْقِدَمِ عَنِ الذِّكْرِ وَلاَ عَمَّا أَرَادَ. وَالَّذَينَ تَوَارَوْا خَلْفَ الْحِجَابِ سِنِينَ وَأَعْوَامَاً لَمَّا شَاهَدُوا أُفُقَ الأَمْرِ مُنِيرَاً وَكَلِمَةَ اللهِ نَافِذَةً سَرُعُوا إِلَى الْفَضَاءِ شَاهِرِينَ سُيُوفَ الْبَغْضَاءِ وَارْتَكَبُوا مَا يَعْجَزُ الْقَلَمُ عَنْ ذِكْرِهِ وَيَقْصُرُ اللِّسَانُ عَنْ بَيَانِهِ. وَيَشْهَدُ الْمُنْصِفُونَ بِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ قَامَ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ أَمَامَ وُجُوهِ الْمُلوُكِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَالأُمَرَاءِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَحِجَابٍ. وَدَعَا الْكُلَّ بِأَعْلَى النِّدَاءِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَاصِرٌ إِلاَّ قَلَمُهُ وَلاَ مُعِينٌ إِلاَّ نَفْسُهُ. وَأَمَّا الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى أَصْلِ الأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَامُوا عَلَى الإِعْرَاضِ وَهُمْ النَّاعِقُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ بِانْتِشَارِهِمْ وَضَوْضَائِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ. طُوبَى لِلَّذِينَ يُشَاهِدُونَ مَنْ فِي الْوُجُودِ مَعْدُومَاً وَمَفْقُودَاً تِلْقَاءَ ذِكْرِ مَالِكِ الْقِدَمِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِعُرْوَةِ اللهِ الْوُثْقَى بِحَيْثُ لاَ تَمْنَعُهُمْ الشُّبُهَاتُ وَلاَ الإِشَارَاتُ وَلاَ تَقِفُ فِي سَبِيلِهِمْ السُّيُوفُ وَالْمَدَافِعُ طُوبَى لِلرَّاسِخِينَ وَطُوبَى لِلثَّابِتِينَ.
لَقَدْ ذَكَرَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِاسْتِدْعَاءٍ مِنْ جَنَابِكَ مَرَاتِبَ
21
الْعِصْمَةِ الْكُبْرَى وَمَقَامَاتِهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَعْلَمَ الْكُلُّ بِيَقِينٍ مُبَينٍ أَنَّ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ ولاَ مَثِيلٌ وَلاَ شَرِيكٌ فِي مَقَامِهِ. وَأَنَّ الأَوْلِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ خُلِقُوا بِكَلِمَتِهِ وَهُمْ أَعْلَمُ الْعِبَادِ وَأَفْضَلُهُم مِنْ بَعْدِهِ قَائِمُونَ بِمُنْتَهَى رُتْبَةِ الْعُبُودِيَّةِ فَبِحَضْرَتِهِ ثَبَتَ تَقْدِيسُ الذَّاتِ الإِلَهِيَّةِ عَنْ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ وَظَهَرَ تَنْزِيهُ كَيْنُونَتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ. هَذَا هُوَ مَقَامُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّفْرِيدِ الْمَعْنَوَيِّ وَقَدْ حُرِمَ الْحِزْبُ السَّابِقُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ وَمُنِعَ عَنْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ. قَالَ حَضْرَةُ النُّقْطَةِ10 رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ لَوْ لَمْ يَنْطِقُ حَضْرَةُ الْخَاتَمِ بِكَلِمَةِ الْوِلاَيَةِ لَمَا خُلِقَتِ الْوِلاَيَةُ فَالْحِزْبُ السَّابِقُ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْعِبَادِ مَعْ أَنَّهُمْ أَجْهَلُهُمْ فَكَانَ مِنْ جَزَاءِ هَؤُلاَءِ الْغَافِلِينَ أَنْ قَدْ أَصْبَحَتْ عَقَائِدُهُمْ وَمَرَاتِبُهُمْ وَمَقَامَاتُهُمْ وَاضِحَةً عِنْدَ كُلِّ ذِي خِبْرَةٍ وَمَعْلُومَةً عِنْدَ كُلِّ ذِي بَصِيرَةٍ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ. فَاسْأَلِ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عِبَادَ هَذَا الظُّهُورِ مِنْ ظُنُونِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَأَوْهَامِهِمْ وَأَنْ لاَ يَحْرِمَهُمْ مِنْ إِشْرَاقَاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ.
يَا جَلِيلُ إِنَّ مَظْلُومَ الْعَالَمِ يَقُولُ قَدْ سُتِرَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَاحْتَجَبَتْ شَمْسُ الإِنْصَافِ خَلْفَ السَّحَابِ وَقَامَ السَّارِقُ
22
مَقَامَ الْحَارِسِ وَالْحَافِظِ وَجَلَسَ الْخَائِنُ مَكَانَ الأَمِينِ. وَفِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ جَلَسَ ظَالِمٌ عَلَى كُرْسِيِّ حُكُومَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَصْدُرُ مِنْهُ فِي كُلِّ حِينٍ ضُرٌّ. لَعَمْرُ اللهِ قَدْ ارْتَكَبَ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَلَكِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى مَا مَنَعَهُ ظُلْمُ الْعَالَمِ وَلَنْ يَمْنَعَهُ.
وَلَقَدْ كَتَبْنَا بِمَحْضِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ لأُمَرَاءِ الأَرْضِ وَوُزَرَائِهَا مَا يَضْمَنُ الْحِفْظَ وَالْحِرَاسَةَ وَالأَمْنَ وَالأَمَانَ لِلْعِبَادِ لَعَلَّهُمْ يَظَلُّوا مَحْفُوظِينَ مِنْ شَرِّ الظَّالِمِينَ إِنَّهُ هُوَ الَحَافِظُ النَّاصِرُ الْمُعِينُ.
وَيَجِبُ عَلَى رِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ أَنْ يَجْعَلُوا رَائِدَهُمْ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مَا أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي تَرْبِيَةِ الْعِبَادِ وَتَعْمِيرِ الْبِلاَدِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ وَصِيَانَةِ النَّامُوسِ.
الإِشْرَاقُ الأَوَّلُ
لَمَّا أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْحِكْمَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ السِّيَاسَةِ نَطَقَتْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا: تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ وَأَصْحَابِ الْعِزَّةِ وَالْقُدْرَةِ مُلاَحَظَةُ حُرْمَةِ الدِّينِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنْ فِي الإِبْدَاعِ. فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِحِفْظِ أَهْلِ
23
الْعَالَمِ وَرَاحَتِهِم إِذْ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ تَأْمُرُ النَّاسَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُم عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَوْ احْتَجَبَ سِرَاجُ الدِّينِ لَتَطَرَّقَ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ وَامْتَنَعَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ عَنِ الإِشْرَاقِ وَشَمْسُ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنَانِ عَنِ الإِنْوَارِ. شَهِدَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ عَارِفٍ خَبِيرٍ.
الإِشْرَاقُ الثَّانِي
إِنَّا أَمَرْنَا الْكُلَّ بِالصُّلْحِ الأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِحِفْظِ الْبَشَرِ. إِنَّ سَلاَطِينَ الآفَاقِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَذَا الأَمْرِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِرَاحَةِ الْعَالَمِ وَحِفْظِ الأُمَمِ. فَهُمْ مَشَارِقُ قُدْرَةِ اللهِ وَمَطَالِعُ اقْتِدَارِهِ نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ الْعِبَادِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ شَرْحٌ لِهَذَا الْبَابِ مِنْ الْقَلَمِ الأَعْلَى. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ.
الإِشْرَاقُ الثَّالِثُ
إِجْرَاءُ الْحُدُودِ لأَنَّهُ السَّبَبُ الأَوَّلُ لِحَيَاةِ الْعَالَمِ فَإِنَّ سَمَاءَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ تَسْتَضِيءُ وَتَسْتَنِيرُ بِنَيِّرينِ الْمَشُورَةِ
24
وَالشَّفَقَةِ وَخَيْمَةُ نِظَامِ الْعَالَمِ تَقُومُ وَتَرْتَفِعُ عَلَى عِمَادَيْنِ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ.
الإِشْرَاقُ الرَّابِعُ
إِنَّ الْجُنُودَ الْمَنْصُورَةَ فِي هَذَا الظُّهُورِ هِيَ الأَعْمَالُ وَالأَخْلاَقُ الْمَرْضِيَّةُ. وَإِنَّ قَائِدَ هَذِهِ الْجُنُودِ تَقْوَى اللهِ وَهِيَ الْمَالِكَةُ لِلْكُلِّ وَالْحَاكِمَةُ عَلَى الْكُلِّ.
الإِشْرَاقُ الْخَامِسُ
فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَاتِ أَحْوَالَ مِأْمُورِيهَا وَإِعْطَائِهِمِ الْمَنَاصِبَ بِالْجَدَارَةِ وَالاسْتِحْقَاقِ. تَجِبُ عَلَى كُلِّ رَئِيسٍ وَسُلْطَانٍ مُرَاعَاةُ هَذَا الأَمْرِ حَتَّى لاَ يَغْتَصِبَ الْخَائِنُ مَقَامَ الأَمِينِ وَلاَ النَّاهِبُ مَكَانَ الْحَارِسِ فَبَعْضُ مَأْمُورِي الْحُكوُمَةِ الَّذِينَ أَتَوْا إِلَى السِّجْنِ الأَعْظَمِ11 مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ كَانُوا وَللهِ الْحَمْدُ مُزَيَّنِينَ بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَبَعْضُهُم نَعُوذُ بِاللهِ. نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يَهْدِيَ الْكُلَّ عَسَى أَنْ لاَ يُحْرَمُوا مِنْ أَثْمَارِ سِدْرَةِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ وَلاَ يُمْنَعُوا مِنْ أَنْوَارِ شَمْسِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ.
25
الإِشْرَاقُ السَّادِسُ
هُوَ اتِّحَادُ الْعِبَادِ وَاتِّفَاقُهُم. وَلاَ تَزَالُ بِالاتِّفَاقِ تَتَنَوَّرُ آفَاقُ الْعَالَمِ بِنُورِ الأَمْرِ. وَالسَّبَبُ الأَعْظَمُ لِذَلِكَ مَعْرِفَةُ بَعْضِهِمْ لُغَةَ بَعْضٍ وَخَطَّهُ.
إِنَّا أَمَرْنَا أُمَنَاءَ بَيْتِ الْعَدْلِ مِنْ قَبْلُ فِي الأَلْوَاحِ أَنْ يَخْتَارُوا لِسَانَاً مِنَ الأَلْسُنِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ يَبْتَدِعُوا لِسَانَاً وَيَخْتَارُوا أَيْضَاً خَطَّاً مِنَ الْخُطُوطِ وَيُعَلِّمُوا الأَطْفَالَ بِهِ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ حَتَّى يُشَاهَدَ الْعَالَمُ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَإِقْلِيمَاً واحداً. إِنَّ أَبْهَى ثَمَرَةٍ لِشَجَرَةِ الْعِرْفَانِ هِيَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا: كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ. لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا هُوَ سَبَبُ عِمَارِ الْعَالَمِ وَاتِّحَادِ الأُمَمِ طُوبَى لِلْفَائِزِينَ وَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ.
الإِشْرَاقُ السَّابِعُ
إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى يُوصِي الْكُلَّ بِتَعْلِيمِ الأَطْفَالِ وَتَرْبِيَتِهِم وَلَقَدْ نُزِّلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ سَمَاءِ الْمَشِيئَةِ الإِلَهِيَّةِ
26
فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بُعَيْدَ الْوُرُودِ فِي السِّجْنِ: كُتِبَ عَلَى كُلِّ أَبٍ تَرْبَيِةُ ابْنِهِ وِبِنْتِهِ بِالْعِلْمِ وَالْخَطِّ وَدُونِهِمَا عَمَّا حُدِّدَ فِي اللَّوْحِ وَالَّذِي تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلِلأُمَنَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا يَكُونُ لازِمَاً لِتَرْبِيَتِهِمَا إِنْ كَانَ غَنِيَّاً وَإِلاَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ مَأْوَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ. إِنَّ الَّذِي رَبَّى ابْنَهُ أَوْ ابْنَاً مِنَ الأَبْنَاءِ كَأَنَّهُ رَبَّى أَحَدَ أَبْنَائِي عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَرَحْمَتِي الَّتِي سَبَقَتِ الْعَالَمِينَ.
الإِشْرَاقُ الثَّامِنُ
قَدْ سُطِرَتْ فِي هَذَا الْحِينِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَتُعَدُّ مِنَ الْكِتَابِ الأَقْدَسِ. وَهِيَ أَنَّ أُمُورَ الْمِلَّةِ مُعَلَّقَةٌ وَمَنُوطَةٌ بِرِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ. أُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَمَطَالِعُ الأَمْرِ فِي بِلاَدِهِ. يَا حِزْبَ اللهِ إَنَّ مُرَبِّي الْعَالَمِ هُوَ الْعَدْلُ لأَنَّهُ حَائِزٌ لِرُكْنَيِّ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَهَذَانِ الرُّكْنَانِ هُمَا الْيَنْبُوعَانِ لِحَيَاةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. وَبِمَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَقْتَضِي أَمْرَاً وَكُلَّ حِينٍ يَسْتَدْعِي حِكْمَةً فَلِذَلِكَ تَرْجِعُ الأُمُورُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ لِيُقَرِّرَ مَا يَرَاهُ مُوافِقَاً لِمُقْتَضَى الْوَقْتِ. وَالَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ لِوَجْهِ اللهِ أُولَئِكَ مُلْهَمُونَ بِالإِلْهَامَاتِ الْغَيْبِيَّةِ
27
الإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ فُرِضَ عَلَى الْكُلِّ إِطَاعَتُهُمْ وَالأُمُورُ السِّيَاسِيَّةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَإِلَى مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي الْكِتَابِ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ كُنْتُمْ وَلاَ زِلْتُمْ مَشَارِقَ مَحَبَّةِ اللهِ وَمَطالِعَ عِنَايَتِهِ فَلاَ تُدَنِّسُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِسَبِّ أَحَدٍ وَلَعْنِهِ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا. أَظْهِرُوا مَا عِنْدَكُم فَإِنْ قُبِلَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ وَإِلاَّ فَالتَّعَرُّضُ بَاطِلٌ. ذَرُوهُ بِنَفْسِهِ مُقْبِلِينَ إِلَى اللهِ الْمُهَيْمِنَ الْقَيُّومِ. وَلاَ تَكُونُوا سَبَبَاً لِحُزْنِ أَحَدٍ فَضْلاً عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ عَسَى أَنْ تَتَرَبُّوا فِي ظِلِّ سِدْرَةِ الْعِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ وَتَعْمَلُوا بِمَا أَرَادَهُ اللهُ كُلُّكُمْ أَوْرَاقُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَرَاتُ بَحْرٍ وَاحِدٍ.
الإِشْرَاقُ التَّاسِعُ
إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ قَدْ نُزِّلَ وَظَهَرَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ لِمَحْضِ اتِّحَادِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الاخْتِلاَفِ وَالنِّفَاقِ. وَلَمْ يَزَلِ الدِّينُ الإِلَهِيُّ وَالشَّرِيعَةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّبَبَ الأَعْظَمَ وَالْوَسِيلَةَ الْكُبْرَى لِظُهُورِ نَيِّرِ الاتِّحَادِ وَإِشْرَاقِهِ. وَنُمُوُّ الْعَالَمِ وَتَرْبِيَةُ الأُمَمِ وَاطْمِئْنَانُ الْعِبَادِ وَرَاحَةُ مَنْ فِي الْبِلاَدِ مَنُوطٌ بِالأُصُولِ وَالأَحْكَامِ الإِلَهِيَّةِ. فَهِيَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ
28
لِهَذِهِ الْعَطِيَّةِ الْكُبْرَى تَهَبُ كَأْسَ الْبَقَاءِ وَتُعْطِي الْحَيَاةَ الْخَالِدَةَ وَتَمْنَحُ النِّعْمَةَ السَّرْمَدِيَّةَ. فَلَيَبْذُلْ رُؤَسَاءُ الأَرْضِ وَعَلَى الْخُصُوصِ أُمَنَاءُ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ الْجَهْدَ الْجَهِيدَ لِصَيَانَةِ هَذَا الْمَقَامِ وَيَعْمَلُوا عَلَى إِعْلائِهِ وَحِفْظِهِ. وَكَذلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَفَقُّدُ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالاطِّلاَعُ عَلَى أَعْمَالِ كُلِّ حِزْبٍ مِنَ الأَحْزَابِ وَأَحْوَالِهِمْ. نَطْلُبُ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ أَعْنِي الْمُلُوكَ وَالرُّؤَسَاءَ أَنْ يَبْذُلُوا الْهِمَّةَ عَسَى أَنْ يَرْتَفِعَ الْخِلاَفُ مِنْ بَيْنِ الْبَرِيَّةِ وَيَسْتَنِيْرُ الآفَاقُ بِنُورِ الاتِّفَاقِ. يَجِبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْكُلُّ وَيَعْمَلَ بِمَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى.
يَشْهَدُ الْحَقُّ وَذَرَّاتُ الْكَائِنَاتِ بِأَنَّنَا ذَكَرْنَا مَا هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَرِفْعَتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ وَحِفْظِهِمْ وَتَهْذِيبِهِمْ. وَنُزِّلَ ذَلِكَ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ الْعِبَادَ. وَمَا يَطْلُبُهُ هَذَا الْمَظْلُومُ مِنَ الْكُلِّ هُوَ الْعَدْلُ وَالإِنْصَافُ وَأَنْ لاَ يَكْتَفُوا بِالإِصْغَاءِ بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِيمَا ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْمَظْلُومِ. قَسَمَاً بِشَمْسِ الْبَيَانِ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ مَلَكُوتِ الرَّحْمَنِ لَوْ وُجِدَ مُبَيِّنٌ أَوْ نَاطِقٌ مَا جَعَلْتُ نَفْسِي عُرْضَةً لِشَمَاتَةِ الْعِبَادِ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَمُفْتَرَياَتِهِمْ.
وَلَمَّا وَرَدْنَا الْعِرَاقَ الْفَيْنَا أَمْرَ اللهِ خَامِداً وَنَفَحَاتِ الْوَحْيِ مَقْطُوعةً وَشَاهَدْنَا الأَكْثَرِينَ جَامِدِينَ بَلْ أَمْوَاتَاً غَيْرَ أَحْيَاءٍ
29
لِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى. وَجَرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْمُبَارَكَةُ مِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ. نَفَخْنَا فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى. وَأَحْيَيْنَا الآفَاقَ مِنْ نَفَحَاتِ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ. وَالآنَ قَدْ خَرَجَتْ نُفُوسٌ مِنْ خَلْفِ كُلِّ حِجَابٍ مُسْرِعَةً بِقَصْدِ أَذَى هَذَا الْمَظْلُومِ فَمَنَعُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى وَأَنْكَرُوهَا.
فَيَا أَهْلَ الإِنْصَافِ لَوْ يُنْكَرُ هَذَا الأَمْرُ فَأَيُّ أَمْرٍ فِي الأَرْضِ قَابِلٌ للإِثْبَاتِ أَوْ لائِقٌ لِلإِقْرَارِ. وَلَقَد اهْتَمَّ الْمُعْرِضُونَ بِجَمْعِ آيَاتِ هَذَا الظُّهُورِ وَأَخَذُوهَا بِالتَّمَلُّقِ مِمَّنْ وَجَدُوهَا عِنْدَهُ وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُمْ مِنْهُم. قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّهُ أَتَى بِأَمْرٍ لاَ يُنْكِرُهُ ذُو بَصَرٍ وَذُو سَمْعٍ وَذُو عَدْلٍ وَذُو إِنْصَافٍ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلَمُ الْقِدَمِ فِي هَذَا الْحِينَ الْمُبِينَ.
يَا جَلِيلُ عَلَيْكَ بَهَائِي إِنَّا نَأْمُرُ أَوْلِيَاءَ الْحَقِّ بِالأَعْمَالِ عَسَى أَنْ يُوفَّقُوا وَيَعْمَلُوا بِمَا نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ الأَمْرِ. وَإِنَّمَا يَنْفَعُ بَيَانُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ هُمْ بِهِ يَعْمَلُونَ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيُوَفِّقَهُمْ عَلَى الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ فِي هَذَا الأَمْرِ الْمُبْرَمِ وَيُعَرِّفَهُمْ آيَاتِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَقَدْ شَرَّعَ حَضْرَةُ الْمُبَشِّرِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ أَحْكَامَاً وَلكِنَّهُ عَلَّقَهَا بِقَبُولِ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ. فَلِذَا أَجْرَى هَذَا الْمَظْلُومُ
30
بَعْضَهَا وَنُزِّلَتْ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بِعِبَارَاتٍ أُخْرَى وَتَوَقَّفْنَا فِي الْبَعْضِ. الأَمْرُ بِيَدِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ.
وَنَزَّلَ أَيْضَاً بَعْضَ الأَحْكَامِ بِدْعَاً طُوبَى لِلْفَائِزِينَ وَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ. يَجِبُ عَلَى حِزْبِ اللهِ أَنْ يَبْذُلُوا الْجَهْدَ الْبَلِيغَ لَعَلَّ بِكَوْثَرِ الْبَيَانِ وَنَصَائِحِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ تَخْمُدُ نَارُ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ فِي صُدُورِ الأَحْزَابِ. وَتَتَزَيَّنُ أَشْجَارُ الْوُجُودِ بِالأَثْمَارِ الْبَدِيعَةِ الْمَنِيعَةِ إِنَّهُ هُوَ النَّاصِحُ الْمُشْفِقُ الْكَرِيمُ. الْبَهَاءُ اللاَّئِحُ الْمُشْرِقُ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْعَطَاءِ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ وَعَلَى كُلِّ ثَابِتٍ مُسْتَقِيمٍ وَكُلِّ رَاسِخٍ عَلِيمٍ.
وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنِ الْفَوَائِدِ وَالأَرْبَاحِ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَدْ صَدَرَ الْبَيَانُ الآتِي مِنْ مَلَكُوتِ الرَّحْمَنِ مُنْذُ عِدَّةِ سِنِينَ خَاصَّاً لاسْمِ اللهِ زَيْنِ الْمُقَرَّبِينَ12 عَلَيْهِ بَهَاءُ اللهِ الأَبْهَى قَوْلُهُ تَعَالَى يُرَى أَكْثَرُ النَّاسِ مُحْتَاجَاً إِلَى هَذِهِ الْفِقْرَةِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ النَّاسِ لَتَتَعَطَّلُ وَتَتَعَوَّقُ الأُمُورُ. وَقَلَّمَا نَجِدُ مَنْ يَتَوَفَّقُ بِمُرَاعَاةِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَأَبْنَاءِ وَطَنِهِ أَوْ إِخْوَانِهِ لِيُقْرِضَهُم قَرْضَاً حَسَنَاً. لِذَا فَضْلاً عَلَى الْعِبَادِ قَرَّرْنَا الرِّبَا كَسَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَيْ رِبْحِ النُّقُودِ. فَمِنْ هَذَا الْحِينِ الَّذِي نُزِّلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ الْمُبِينُ مِنْ سَمَاءِ
31
الْمَشِيئَةِ صَارَ رِبْحُ النُّقُودِ حَلاَلاً طَيِّبَاً طَاهِرَاً لِيَشْتَغِلَ أَهْلُ الأَرْضِ بِكَمَالِ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَالْفَرَحِ وَالانْبِسَاطِ بِذِكْرِ مَحْبُوبِ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ يَحْكُمُ كَيْفَ يَشَاءُ وَأَحَلَّ الرِّبَا كَمَا حَرَّمَهُ مِنْ قَبْلُ فِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الأُمْرِ يَفْعَلُ وَيَأْمُرُ وَهُوَ الآمِرُ الْعَلِيمُ.
يَا زَيْنَ الْمُقَرَّبِينَ اشْكُرْ رَبَّكَ بِهَذَا الْفَضْلِ الْمُبِينِ. إِنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ إِيرَانَ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِأَكْلِ الرِّبَا بِمَائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْحِيَلِ وَالْخُدَعِ وَلَكِنَّهُمْ زَيَّنُوا ظَاهِرَهُ بِطِرَازِ الْحِلِّيَّةِ حَسْبَ ظُنُونِهِمْ. يَلْعَبُونَ بِأَوَامِرِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ وَلاَ يَشْعُرُونَ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ بِالاعْتِدَالِ وَالإِنْصَافِ وَقَدْ تَوَقَّفَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي تَحْدِيدِهِ حِكْمَةً مِنْ عِنْدِهِ وَوُسْعَةً لِعِبَادِهِ. وَنُوصِي أَوْلِيَاءَ اللهِ بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَمَا يَظْهَرُ بِهِ رَحْمَةُ أَحِبَّائِهِ وَشَفَقَتُهُمْ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ هُوَ النَّاصِحُ المُشْفِقُ الْكَرِيمُ. نَرْجُو اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا جَرَى مِنْ لِسَانِ الْحَقِّ فَإِنْ عَمِلُوا بِمَا ذُكِرَ لَيُعْطِيَنَّهُم اللهُ جَلَّ جَلالُهُ ضِعْفَ ذَلِكَ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ. إِنَّهُ هُوَ الْفَضَّالُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَلَكِنْ فُوِّضَ إِجْرَاءُ هَذِهِ الأُمُورُ إِلَى رِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِمُقْتَضَيَاتِ الْوَقْتِ وَالْحِكْمَةِ وَنُوصِي الْكُلَّ مَرَّةً
32
أُخْرَى بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. إِنَّهُمْ أَهْلُ الْبَهَاءِ وَأَصْحابُ السَّفِينَةِ الْحَمْرَاءِ عَلَيْهِمْ سَلاَمُ اللهِ مَوْلَى الأَسْمَاءِ وَفَاطِرِ السَّمَاءِ.
____________________________
(1) يعني اتَّصلت النّقطة بحرف الباء.
(2) المثاني هي سورة الفاتحة التي تتصدّر بجملة «بسم الله الرحمن الرحيم»، فهذه السّورة نزلت في القرآن الكريم مرّتين، مرّة في مكّة وأخرى في المدينة.
(3) إنّ هذا اللّوح المبارك نزّل مخاطباً إلى شخص يدعى «جليل خوئي» وكان من البهائيّين الأقدمين في آذربيجان، إنّه نقض العهد بعد صعود بهاءالله.
(4) قاموا بعده أي قاموا بعد محمّد .
(5) يقصد بذلك ميرزا يحيى.
(6) القرآن الكريم سورة المطفّفين الآية 6.
(7) القرآن الكريم سورة إبراهيم الآية 5.
(8) يقصد بذلك مدينة أدرنة.
(9) إن البيانات الواردة أعلاه كلّها عربيّ النّصّ وليست معرّبة.
(10) المقصود من النّقطة حضرة الباب.
(11) السّجن الأعظم يعني مدينة عكا.
(12) زين المقرّبين هو أحد البهائيّين الأقدمين المشهورين لدى الأحباء بسبب استنساخه العديد من الآثار والألواح المباركة (راجع كتاب تذكرة الوفاء).
33
صفحة خالية
الْبِشَارَاتُ
35
صفحة خالية
هَذَا نِدَاءُ الأَبْهَى الَّذِي ارْتَفَعَ مِنَ الأُفُقِ الأَعْلَى فِي سِجْنِ عَكَّا
هُوَ الْمُبَيِّنُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
شَهِدَ الْحَقُّ وَمَظَاهِرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ارْتِفَاعِ النِّدَاءِ وَالْكَلِمَةِ الْعُلْيَا أَنْ تَطَّهَّرَ آذَانُ الإِمْكَانِ بِكَوْثَرِ الْبَيَانِ عَنِ الْقِصَصِ الْكَاذِبَةِ وَتَسْتَعِدَّ لإِصْغَاءِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ خِزَانَةِ عِلْمِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَخَالِقِ الأَسْمَاءِ طُوبَى لِلْمُنْصِفِينَ. يَا أَهْلَ الأَرْضِ:
الْبِشَارَةُ الأُولَى
الَّتِي مُنِحَتْ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْعَالَمِ مَحْوُ حُكْمِ الْجِهَادِ مِنَ الْكِتَابِ. تَعَالَى الْكَرِيمُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي بِهِ فُتِحَ بَابُ الْفَضْلِ عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ.
37
الْبِشَارَةُ الثَّانِيَةُ
صُدُورُ الإِذْنِ لأَحْزَابِ الْعَالَمِ بِأَنْ يَتَعَاشَرُوا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. عَاشِرُوا يَا قَوْمِ مَعَ الأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. كَذَلِكَ أَشْرَقَ نَيِّرُ الإِذْنِ وَالإِرَادَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
البِشَارَةُ الثَّالِثَةُ
تَعْلِيمُ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقَدْ صَدَرَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ قَبْلُ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. فَلْيَتَشَاوَرْ حَضَرَاتُ الْمُلُوكِ أَيَّدَهُمُ اللهُ أَوْ وُزَرَاءُ الْعَالَمِ وَيَخْتَارُوا لُغَةً مِنَ اللُّغَاتِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَوْ يُقَرِّرُوا لُغَةً جَدِيدَةً وَيُعَلِّمُوا بِهَا الأَطْفَالَ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ وَكَذَلِكَ الْخَطَّ. فَحِينَئِذٍ تُشَاهَدُ الأَرْضُ قِطْعَةً وَاحِدَةً. طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَعَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
الْبِشَارَةُ الرَّابِعَةُ
إِذَا قَامَ أَيُّ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ وَفَّقَهُم اللهُ عَلَى حِفْظِ هَذَا الْحِزْبِ الْمَظْلُومِ وَإِعَانَتِهِ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَتَسَابَقُوا فِي
38
مَحَبَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ. وَهَذَا فَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ.
البِشَارَةُ الْخَامِسَةُ
إِنَّ هَذَا الْحِزْبَ إِذَا أَقَامَ فِي بِلادِ أَيِّ دَوْلَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْلُكَ مَعَ تِلْكَ الدَّوْلَةِ بِالأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَالصَّفَاءِ. هَذَا مَا نُزِّلَ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ طُرَّاً إِعَانَةُ هَذَا الأَمْرِ الأَعْظَمِ الَّذِي نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ إِرَادَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ. عَسَى أَنْ تَخْمُدَ نَارُ الْبَغْضَاءِ الْمُشْتَعِلَةُ فِي صُدُورِ بَعْضِ الأَحْزَابِ بِمَاءِ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَالنَّصَائِحِ وَالْمَوَاعِظِ الرَّبَّانِيَّةِ وَتَسْتَضِيءَ الآفَاقُ بِنُورِ الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ. نَرْجُو مِنْ عِنَايَةِ مَظَاهِرِ قُدْرَةِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يَتَبَدَّلَ سِلاَحُ الْعَالَمِ بِالصَّلاَحِ وَأَنْ يَرْتَفِعَ الْفَسَادُ وَالْجِدَالُ مِنْ بَيْنِ الْعِبَادِ.
الْبِشَارَةُ السَّادِسَةُ
الصُّلْحُ الأَكْبَرُ الَّذِي نُزِّلَ شَرْحُهُ سَابِقَاً مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. نَعِيمَاً لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ.
39
الْبِشَارَةُ السَّابِعَةُ
فُوِّضَ زِمَامُ الأَلْبِسَةِ وَتَرْتِيبُ اللِّحَى وَإِصْلاَحُهَا إِلَى اخْتِيَارِ الْعِبَادِ. وَلَكِن إِيَّاكُمْ يَا قَوْمِ أَنْ تَجْعَلُوا أَنْفُسَكُمْ مَلْعَبَ الْجَاهِلِينَ.
الْبِشَارَةُ الثَّامِنَةُ
إِنَّهُ وَلَوْ كَانَتْ أَعْمَالُ حَضَرَاتِ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ مِنْ مِلَّةِ حَضْرَةِ الرُّوحِ عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ وَبَهَاؤُهُ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ إِلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْيَوْمَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِنْزِوَاءِ إِلَى سِعَةِ الْفَضَاءِ وَيَشْتَغِلُوا بِمَا يَنْفَعُهُم وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَأَذِنَّا الْكُلَّ بِالتَّزَوُّجِ. لِيَظْهَرَ مِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ اللهَ رَبَّ مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ.
الْبِشَارَةُ التَّاسِعَةُ
يَجِبُ عَلَى العَاصِي أَنْ يَطْلُبَ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ حِينَمَا يَجِدُ نَفْسَهُ مُنْقَطِعَاً عَمَّا سِوَى اللهِ. وَلاَ يَجُوزُ الاعْتِرَافُ بِالْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي عِنْدَ الْعِبَادِ لأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ سَبَبَاً
40
لِلْغُفْرَانِ أَوْ الْعَفْوِ الإِلَهِيِّ بَلْ الاعْتِرَافُ لَدَى الْخَلْقِ سَبَبٌ لِلذِّلَّةِ وَالْهَوَانِ. وَلاَ يُحِبُّ الْحَقُّ جَلَّ جَلاَلُهُ ذِلَّةَ عِبَادِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُشْفِقُ الْكَرِيمُ. يَنْبَغِي لِلْعَاصِي أَنْ يَطْلُبَ الرَّحْمَةَ مِنْ بَحْرِ الرَّحْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ وَيَسْأَلَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ سَمَاءِ الْكَرَمِ وَيَقُولَ:
إِلَهِي إِلَهِي أَسْأَلُكَ بِدِمَاءِ عَاشِقِيكَ الَّذِينَ اجْتَذَبَهُم بَيَانُكَ الأَحْلَى بِحَيْثُ قَصَدُوا الذُّرْوَةَ الْعُلْيَا مَقَرَّ الشَّهَادَةِ الْكُبْرَى وَبِالأَسْرَارِ الْمَكْنُونَةِ فِي عِلْمِكَ وَبِاللَّئَالِئِ الْمَخْزُونَةِ فِي بَحْرِ عَطَائِكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي وَلأَبِي وَأُمِّي. وَإِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَفُورُ الْكَرِيمُ. أَيْ رَبِّ تَرَى جَوْهَرَ الْخَطَاءِ أَقْبَلَ إِلَى بَحْرِ عَطَائِكَ وَالضَّعِيفَ مَلَكُوتِ اقْتِدَارِكَ وَالْفَقِيرَ شَمْسِ غَنَائِكَ. أَيْ رَبِّ لاَ تُخَيِّبْهُ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَلاَ تَمْنَعْهُ عَنْ فُيُوضَاتِ أَيَّامِكَ. وَلاَ تَطْرُدْهُ عَنْ بَابِكَ الَّذِي فَتَحْتَهُ عَلَى مَنْ فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ. آهٍ آهٍ خَطِيئَاتِي مَنَعَتْنِي عَنِ التَّقَرُّبِ إِلَى بِسَاطِ قُدْسِكَ وَجَرِيرَاتِي أَبْعَدَتْنِي عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى خِبَاءِ مَجْدِكَ. قَدْ عَمِلْتُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَتَرَكْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ. أَسْأَلُكَ بِسُلْطَانِ الأَسْمَاءِ أَنْ تَكْتُبَ لِي مِنْ قَلَمِ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ وَيُطَهِّرُنِي عَنْ جَرِيرَاتِي الَّتِي حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْفَيَّاضُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْفَضَّالُ.
41
الْبِشَارَةُ الْعَاشِرَةُ
قَدْ رَفَعْنَا حُكْمَ مَحْوِ الْكُتُبِ مِنَ الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ فَضْلاً مِنْ لَدَى اللهِ مُبْعِثِ هَذَا النَّبَأِ الْعَظِيمِ.
الْبِشَارَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
تَحْصِيلُ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ مِنْ كُلِّ الأَنْوَاعِ جَائِزٌ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعُلُومُ النَّافِعَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ فِي رُقِيِّ الْعِبَادِ. كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ حَكِيمٍ.
الْبِشَارَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ
قَدْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ الاشْتِغَالُ بِأَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ مِنَ الصَّنَائِعِ وَالاقْتِرَافِ وَأَمْثَالِهَا. وَجَعَلْنَا اشْتِغَالَكُمْ بِهَا نَفْسَ الْعِبَادَةِ للهِ الْحَقِّ. تَفَكَّرُوا يَا قَوْمِ فِي رَحْمَةِ اللهِ وَأَلْطَافِهِ ثُمَّ اشْكُرُوهُ فِي الْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ. لاَ تُضَيِّعُوا أَوْقَاتَكُمْ بِالْبِطَالَةِ وَالْكَسَالَةِ وَاشْتَغِلُوا بِمَا تَنْتَفِعُ بِهِ أَنْفُسُكُمْ وَأَنْفُسُ غَيْرِكُمْ كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ فِي هَذَا اللَّوْحِ الَّذِي لاَحَتْ مِنْ أُفُقِهِ شَمْسُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. أَبْغَضُ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْ يَقْعُدُ وَيَطْلُبُ
42
تَمَسَّكُوا بِحَبْلِ الأَسْبَابِ مُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللهِ مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ. فَكُلُّ مَنْ يَشْتَغِلُ بِصَنْعَةِ أَوِ احْتِرَافٍ وَيَعْمَلُ بِهَا يُعَدُّ عَمَلُهُ عِنْدَ اللهِ نَفْسَ الْعِبَادَةِ. إِنْ هَذَا إِلاَّ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ الْعَمِيمِ.
الْبِشَارَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ
إِنَّ أُمُورَ الْمِلَّةِ مَنُوطَةٌ بِرِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ أُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَمَطَالِعُ الأَمْرِ فِي بِلاَدِهِ.
يَا حِزْبَ اللهِ إِنَّ مُرَبِّي الْعَالَمِ هُوَ الْعَدْلُ لأَنَّهُ حَائِزٌ لِلرُّكْنَيْنِ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَهَذَانِ الرُّكْنَانِ هُمَا الْيَنْبُوعَانِ لِحَيَاةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. وَحَيْثُ إِنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَقْتَضِي أَمْرَاً وَكُلَّ حِينٍ يَسْتَدْعِي حُكْمَاً فَلِذَلِكَ تَرْجِعُ الأُمُورُ إِلَى وُزَرَاءِ بَيْتِ الْعَدْلِ لِيُقَرِّرُوا مَا يَرَوْنَهُ مُوافِقَاً لِمُقْتَضَى الْوَقْتِ. وَالَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ لِوَجْهِ اللهِ أُولَئِكَ مُلْهَمُونَ بِالإِلْهَامَاتِ الْغَيْبِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ إِطَاعَتُهُمْ. وَالأُمُورُ السِّيَاسِيَّةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَتَرْجِعُ إِلَى مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي الْكِتَابِ.
يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ كُنْتُمْ وَلاَ زِلْتُمْ مَشَارِقَ مَحَبَّةِ اللهِ وَمَطَالِعَ عِنَايَتِهِ. فَلاَ تُدَنِّسُوا اللِّسَانَ بِسَبِّ أَحَدٍ وَلَعْنِهِ. غُضُّوا
43
أَبْصَارَكُمْ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا أَظْهِرُوا لِلنَّاسِ مَا عِنْدَكُمْ فَإِنْ قُبِلَ فَبِهَا وَإِلاَّ فَالتَّعَرُّضُ غَيْرُ جَائِزٍ. ذَرُوهُ بِنَفْسِهِ مُقْبِلِينَ إِلَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. وَلاَ تَكُونُوا سَبَبَاً لِحُزْنِ أَحَدٍ فَضْلاً عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ. عَسَى أَنْ تَتَرَبُّوا فِي ظِلِّ سِدْرَةِ الْعِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ وَتَعْمَلُوا بِمَا أَرَادَهُ اللهُ. كُلُّكُمْ أَوْرَاقُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَرَاتُ بَحْرٍ وَاحِدٍ.
الْبِشَارَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ
لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ خَاصَّةً لِزَيارَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ فَإِنْ دَفَعَ أُولُوا السَّعَةِ وَالْقُدْرَةِ مَصَارِيفَ ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَمَحْبُوبٌ عِنْدَ اللهِ نَعِيمَاً لِلْعَامِلِينَ.
الْبِشَارَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ
إِنَّ الْجُمْهُورِيَّةَ وَإِنْ كَانَ نَفْعُهَا رَاجِعَاً إِلَى عُمُومِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَلَكِنَّ شَوْكَةَ السَّلْطَنَةِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ لاَ نُحِبُّ أَنْ يُحْرَمَ مِنْهَا مُدُنُ الْعَالَمِ فَإِنْ جَمَعَ أَهْلُ التَّدْبِيرِ بَيْنَ الاثْنَيْنِ فَأَجْرُهُمْ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ.
وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمُحَقَّقِ الثَّابِتِ فِي الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ
44
حُكْمُ الْجِهَادِ وَمَحْوُ الْكُتُبِ وَالنَّهْيُ عَنِ مُعَاشَرَةِ الْمِلَلِ وَمُصَاحَبَتِهِمْ وَالنَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ نَظَرَاً لِمُقْتَضَيَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِذَا أَحَاطَتْ مَوَاهِبُ اللهِ وَأَلْطَافُهُ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَالنَّبَأِ الْعَظِيمِ وَنُزِّلَ الأَمْرُ الْمُبْرَمُ مِنْ أُفُقِ إِرَادَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ بِنَسْخِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ هَذِهِ الأَحْكَامِ. نَحْمَدُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مَا أَنْزَلَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ.
فَلَوْ كَانَ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ جَمِيعِ الْبَشَرِ مَائَةُ أَلْفِ لِسَانٍ وَيَنْطِقُ بِالشُّكْرِ وَالْحَمْدِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي لاَ آخِرَ لَهُ لاَ يُعَادِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِحَقِّ عِنَايَةٍ مِنَ الْعِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ عَارِفٍ بَصِيرٍ وَكُلُّ عَالِمٍ خَبِيرٍ. أَسْأَلُ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يُؤَيِّدَ حَضَرَاتِ الْمُلُوكِ وَالسَّلاَطِينِ الَّذِينَ هُمْ مَظَاهِرُ الْقُدْرَةِ وَمَطَالِعُ الْعِزَّةِ عَلَى إِجْرَاءِ أَوَامِرِهِ وَأَحْكَامِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
45
صفحة خالية
الطِّرَازَاتُ
47
صفحة خالية
بِسْمِيَ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْمَاءِ
حَمْدَاً وَثَنَاءً يَلِيقُ وَيَنْبَغِي لِمَالِكِ الأَسْمَاءِ وَفَاطِرِ السَّمَاءِ الَّذِي ظَهَرَ وَتَمَوَّجَ بَحْرُ ظُهُورِهِ أَمَامَ الْعَالَمِ وَلَمْ تَحْتَجِبْ شَمْسُ أَمْرِهِ وَلَمْ يَتَطَرَّقِ الْمَحْوُ إِلَى ثُبُوتِ كَلِمَتِهِ وَلَمْ تَمْنَعْهُ عَمَّا أَرَادَ مُقَاوَمَةُ الْجَبَابِرَةِ وَلاَ ظُلْمُ الْفَرَاعِنَةِ جَلَّ سُلْطَانُهُ وَعَظُمَ اقْتِدَارُهُ.
سُبْحَانَ اللهِ لاَ يَزَالُ الْعِبَادُ مُشَاهَدِينَ فِي جَهْلٍ وَغَفْلَةٍ بَلْ مُعْرِضِينَ. مَعَ أَنَّ الآيَاتِ قَدْ أَحَاطَتِ الآفَاقَ وَظَهَرَتِ الْحُجَّةُ وَلاَحَ الْبُرْهَانُ كَالنُّورِ السَّاطِعِ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ. وَيَا لَيْتَهُمُ اكْتَفَوْا بِالإِعْرَاضِ بَلْ إِنَّهُمْ تَشَاوَرُوا فِي كُلِّ حِينٍ وَلاَ يَزَالُونَ يَتَشَاوَرُونَ عَلَى قَطْعِ السِّدْرَةِ الْمُبَارَكَةِ.
وَمِنِ ابْتِدَاءِ الأَمْرِ بَذَلَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا النَّفْسَ وَالْهَوَى جُهْدَهُمْ عَلَى إِطْفَاءِ النُّورِ الإِلَهِيِّ بِالظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ. وَلَكِنَّ اللهَ مَنَعَهُمْ وَأَظْهَرَ النُّورَ بِسُلْطَانِهِ وَحَفِظَهُ بِقُدْرَتِهِ إِلَى أَنْ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ بِضِيَائِهِ وَإِشْرَاقِهِ. لَهُ الْحَمْدُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ.
49
سُبْحَانَكَ يَا إِلَهَ الْعَالَمِ وَمَقْصُودَ الأُمَمِ وَالظَّاهِرُ بِالإِسْمِ الأَعْظَمِ الَّذِي بِهِ أَظْهَرْتَ لَئَالِئَ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ مِنْ أَصْدَافِ عُمَّانِ عِلْمِكَ وَزَيَّنْتَ سَمَوَاتِ الأَدْيَانِ بِأَنْوَارِ ظُهُورِ شَمْسِ طَلْعَتِكَ. أَسْأَلُكَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي بِهَا تَمَّتْ حُجَّتُكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَبُرْهَانُكَ بَيْنَ عِبَادِكَ أَنْ تُؤَيِّدَ حِزْبَكَ عَلَى مَا يَسْتَضِيءُ بِهِ وَجْهُ الأَمْرِ فِي مَمْلَكَتِكَ وَتُنْصَبُ رَايَاتُ قُدْرَتِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ وَأَعْلاَمُ هِدَايَتِكَ فِي دِيَارِكَ. أَيْ رَبِّ تَرَاهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِحَبْلِ فَضْلِكَ وَمُتَشَبِّثِينَ بِأَذْيَالِ رِدَاءِ كَرَمِكَ قَدِّرْ لَهُمْ مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْكَ وَيَمْنَعُهُمْ عَنْ دُونِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَالِكَ الْوُجُودِ وَالْمُهَيْمِنُ عَلَى الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ أَنْ تَجْعَلَ مَنْ قَامَ عَلَى خِدْمَةِ أَمْرِكَ بَحْرَاً مَوَّاجَاً بِإرَادَتِكَ وَمُشْتَعِلاً بِنَارِ سِدْرَتِكَ وَمُشْرِقَاً مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ مَشِيَّتِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُكَ اقْتِدَارُ الْعَالَمِ وَلاَ قُوَّةُ الأُمَمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ. يَا أَيُّهَا الشَّارِبُ رَحِيقَ بَيَانِي مِنْ كَأْسِ عِرْفَانِي قَدْ اسْتُمِعَ الْيَوْمَ مِنْ حَفِيفِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الَّتِي غُرِسَتْ مِنْ يَدِ قُدْرَةِ مَالِكِ الأَسْمَاءِ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْعَالِيَاتُ:
50
الطِّرَازُ الأَوَّلُ وَالتَّجَلِّي الأوَّلُ
الَّذِي أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ أُمِّ الْكِتَابِ فِي مَعْرِفَةِ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَمَا هُوَ سَبَبٌ لِعُلُوِّهِ وَدُنُوِّهِ وَذِلَّتِهِ وَعِزَّتِهِ وَثَرْوَتِهِ وَفَقْرِهِ فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَتَحَقُّقِ رُشْدِهِ أَنْ يَسْعَى لِلْحُصُولِ عَلَى الثَّرْوَةِ. وَهَذِهِ الثَّرْوَةُ إِنْ حَصَلَتْ مِنْ طَرِيقِ الصَّنْعَةِ وَالاقْتِرَافِ فَهِيَ مَمْدُوحَةٌ وَمَقْبُولَةٌ عِنْدَ أُولِى النُّهَى. وَبِالأَخَصِّ الَّذِين قَامُوا عَلَى تَرْبِيَةِ الْعَالَمِ وَتَهْذِيبِ نُفُوسِ الأُمَمِ. فَهُمْ سُقَاةُ كَوْثَرِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْهَادُونَ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ. وَهُمْ الَّذِينَ يُرْشِدُونَ النَّاسَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَيُطْلِعُونَهُمْ عَلَى سَبَبِ ارْتِقَائِهِمْ وَارْتِفَاعِهِمْ. لأَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الَّذِي يَجْذِبُ الإِنْسَانَ إِلَى مَشْرِقِ الْحِكْمَةِ وَمَطْلِعِ الْعِرْفَانِ وَيُوصِلُهُ إِلَى مَا يَكُونُ سَبَبَاً لِعِزَّتِهِ وَشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ.
وَلَنَا الرَّجَاءُ مِنْ عِنَايَةِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ أَنْ تُشْفَى الأَبْصَارُ مِنْ رَمَدِهَا وَيَزِيدَ فِي نُورِهَا حَتَّى تَطَّلِعَ وَتُبْصِرَ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ وُجُودِهَا. لأَنَّ الْيَوْمَ كُلُّ مَا يُقَلِّلُ مِنَ الْعَمَى وَيَزِيدُ فِي الْبَصِيرَةِ هُوَ اللاَّيِقُ بِالالْتِفَاتِ إِذْ نُورُ الْبَصِيرَةِ هُوَ السَّفِيرُ وَالْهَادِي لِلْعِلْمِ وَالْمُرْشِدُ لِلْعِرْفَانِ وَوَعْيُ الْعَقْلِ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحِكْمَةِ إِنّمَا هُوَ مِنَ الْعَيْنِ الْبَصِيرَةِ. يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ فِي جَمِيعِ
51
الأَحْوَالِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا يَلِيقُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَأَنْ يَكُونُوا سَبَبَاً لانْتِبَاهِ النُّفُوسِ.
الطِّرَازُ الثَّانِي
هُوَ الْمُعَاشَرَةُ مَعَ الأَدْيَانِ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَإِظْهَارُ مَا أَتَى بِهِ مُكَلِّمُ الطُّورِ وَالإِنْصَافُ فِي الأُمُورِ.
يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الصَّفَاءِ وَالْوَفَاءِ أَنْ يُعَاشِرُوا جَمِيعَ أَهْلِ العَالَمِ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ لأَنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَمْ تَزَلْ وَلاَ تَزَالُ سَبَبَ الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَهُمَا سَبَبَا نِظَامِ الْعَالَمِ وَحَيَاةِ الأُمَمِ. طُوبَى لِلَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِحَبْلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّأْفَةِ وَخَلَتْ نُفُوسُهُمْ وَتَحَرَّرَتْ مِنَ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ. وَإِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَيُوصِي أَهْلَ الْعَالَمِ بِالتَّسَامُحِ وَالْعَمَلِ الطَّيِّبِ وَهَذَانِ هُمَا السِّرَاجَانِ لِظُلْمَةِ الْعَالَمِ وَالْمُعَلِّمَانِ لِتَهْذِيبِ الأُمَمِ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ.
الطِّرَازُ الثَّالِثُ
فِي الْخُلُقِ إِنَّهُ أَحْسَنُ طِرَازٍ لِلْخَلْقِ مِنْ لَدَى الْحَقِّ زَيَّنَ
52
اللهُ بِهِ هَيَاكِلَ أَوْلِيَائِهِ لَعَمْرِي نُورُه يَفُوقُ نُورَ الشَّمْسِ وَإِشْرَاقَهَا. مَنْ فَازَ بِهِ فَهُوَ مِنْ صُفْوَةِ الْخَلْقِ. وَعِزَّةُ الْعَالَمِ وَرِفْعَتُهُ مَنُوطَةٌ بِهِ. فَالْخُلُقُ سَبَبٌ لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّبَأِ الْعَظِيمِ. طُوبَى لِنَفْسٍ تَزَيَّنَتْ بِصِفَاتِ الْمَلأِ الأَعْلَى وَبِأَخْلاَقِهِمْ. عَلَيْكُمْ بِمُرَاعَاةِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ. وَقَدْ نُزِّلَتْ فِي الْكَلِمَاتِ الْمَكْنُونَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنَ الْقَلَمِ الأَبْهَى. يَا ابْنَ الرُّوحِ أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِيَ الإِنْصَافُ لاَ تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ رَاغِبَاً وَلاَ تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِينَاً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذَلِكَ إِنْ تُشَاهِدْ الأَشْيَآءَ بِعَيْنِكَ لاَ بِعَيْنِ الْعِبَادِ وَتَعْرِفْهَا بِمَعْرِفَتِكَ لاَ بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي الْبِلاَدِ فَكِّرْ فِي ذَلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ، ذَلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنَايَتِي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ. وَإِنَّ أَصْحَابَ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ لَفِي الْمَقَامِ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا تَلُوحُ وَتُشْرِقُ مِنْهُمْ أَنْوَارُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. أَرْجُو أَنْ لاَ تُحْرَمَ الْبِلاَدُ وَالْعِبَادُ عَنْ أَنْوَارِ هَذَيْنِ النَّيِّرَيْنِ "الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ".
الطِّرَازُ الرَّابِعُ
فِي الأَمَانَةِ إِنَّهَا بَابُ الاطْمِئْنَانِ لِمَنْ فِي الإِمْكَانِ وَآيَةُ الْعِزَّةِ
53
مِنْ لَدَى الرَّحْمَنِ مَنْ فَازَ بِهَا فَازَ بِكُنُوزِ الثَّرْوَةِ وَالْغَنَاءِ. إِنَّ الأَمَانَةَ هُيَ الْوَسِيلَةُ الْعُظْمَى لِرَاحَةِ الْخَلْقِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ قِوَامُ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ مَنُوطَاً بِهَا وَبِهَا تَسْتَنِيرُ وَتَسْتَضِيءُ عَوَالِمُ الْعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ وَالثَّرْوَةِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ هَذَا الذِّكْرُ الأَحْلَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى:
إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ الأَمَانَةَ وَمَقَامَهَا عِنْدَ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. إِنَّا قَصَدْنَا يَوْمَاً مِنَ الأَيَّامِ جَزِيرَتَنَا الْخَضْرَاءَ فَلَمَّا وَرَدْنَا رَأَيْنَا أَنْهَارَهَا جَارِيَةً وَأَشْجَارَهَا مُلْتَفَّةً وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَلْعَبُ فِي خِلاَلِ الأَشْجَارِ. تَوَجَّهْنَا إِلَى الْيَمِينِ رَأَيْنَا مَا لاَ يَتَحَرَّكُ الْقَلَمُ عَلَى ذِكْرِهِ وَذِكْرِ مَا شَاهَدَتْ عَيْنُ مَوْلَى الْوَرَى فِي ذَاكَ الْمَقَامِ الأَلْطَفِ الأَشْرَفِ الْمُبَارَكِ الأَعْلَى. ثُمَّ أَقْبَلْنَا إِلَى الْيَسَارِ شَاهَدْنَا طَلْعْةً مِنْ طَلَعَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى قَائِمَةً عَلَى عَمُودٍ مِنَ النُّورِ وَنَادَتْ بِأَعْلَى النِّدَاءِ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ انْظُرُوا جَمَالِي وَنُورِي وَظُهُورِي وَإِشْرَاقِي. تَاللهِ الْحَقِّ أَنَا الأَمَانَةُ وَظُهُورُهَا وَحُسْنُهَا وَأَجْرٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَعَرَفَ شَأْنَهَا وَمَقَامَهَا وَتَشَبَّثَ بِذَيْلِهَا. أَنَا الزِّينَةُ الْكُبْرَى لأَهْلِ الْبَهَاءِ وَطِرَازُ الْعِزِّ لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ. وَأَنَا السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَأُفُقُ الاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا لَكَ مَا يُقَرِّبُ الْعِبَادَ إَلَى مَالِكِ الإِيجَادِ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ إِنَّهَا أَحْسَنُ طِرَازٍ لِهَيَاكِلِكُمْ
54
وَأَبْهَى إِكْلِيلٍ لِرُؤُسِكُمْ خُذُوهَا أَمْرَاً مِنْ لَدُنْ آمِرٍ خَبِيرٍ.
الطِّرَازُ الْخَامِسُ
فِي حِفْظِ وَصِيَانَةِ مَقَامَاتِ عِبَادِ اللهِ. يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ أَنْ لاَ يَحِيدُوا عَنِ الْحَقِّ فِي كُلِّ الأُمُورِ. وَأَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَلاَ يُنْكِرُوا فَضْلَ أَحَدٍ. وَيَحْتَرِمُوا أَرْبَابَ الْفُنُونِ. وَلاَ يُدَنِّسُوا أَلْسِنَتَهُمْ كَالطَّوَائِفِ السَّابِقَةِ بِبَذِيءِ الْكَلاَمِ. قَدْ ظَهَرَتِ الْيَوْمَ شَمْسُ الصِّنَاعَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْغَرْبِ وَتَفِيضُ أَنْهَارُ الْفُنُونِ مِنْ بُحُورِ تِلْكَ الأَقْطَارِ. يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالإِنْصَافِ وَيُقَدِّرُوا النِّعْمَةَ قَدْرَهَا. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ كَلِمَةَ الإِنْصافِ كَشَمْسٍ سَاطِعَةِ الأَنْوارِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَنِيرَ الْكُلُّ مِنْ أَنْوَارِهَا. إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ. إِنَّا نَرَى الاسْتِقَامَةَ وَالصِّدْقَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وَاقِعَيْنَ تَحْتَ مَخَالِبِ الْكَذِبِ وَالْعَدْلَ مُعَذَّبَاً بِسِيَاطِ الظُّلْمِ. وَأَحَاطَ الْعَالَمَ دُخَانُ الْفَسَادِ بِحَيْثُ لاَ يُرَى مِنَ الْجِهَاتِ إِلاَّ الصُّفُوفُ وَلاَ يُسْمَعُ مِنَ الأَرْجَاءِ إِلاَّ صَلِيلُ السُّيُوفِ. نَطْلُبُ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُؤَيِّدَ مَظَاهِرَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَا هُوَ سَبَبُ إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَرَاحَةِ الأُمَمِ.
55
الطِّرَازُ السَّادِسُ
إِنَّ الْعِلْمَ مِنَ النِّعَمِ الْكُبْرَى الإِلَهِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ تَحْصِيلُهُ. وَهَذِهِ الصَّنَائِعُ الْمَشْهُودَةُ وَالأَسْبَابُ الْمَوْجُودَةُ كُلُّهَا مِنْ نَتَائِجِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. إِنَّ الْقلَمَ الأَعْلَى هُوَ الْقَلَمُ الَّذِي ظَهَرَ وَبَرَزَ مِنْ خَزَائِنِهِ لَئَالِئُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَصَنَائِعُ الإِمْكَانِ.
وَقَدْ انْكَشَفَتِ الْيَوْمَ أَسْرَارُ الأَرْضِ أَمَامَ الأَبْصَارِ وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ الصُّحُفَ السَّيَّارَةَ مِرْآةُ الْعَالَمِ. تُظْهِرُ أَعْمَالَ الأَحْزَابِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَتُرِي أَفْعَالَهُمْ وَتُسْمِعُهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مِرْآةٌ ذَاتُ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَلِسَانٍ وَهِيَ ظُهُورٌ عَجِيبٌ وَأَمْرٌ عَظِيمٌ. وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِمُحَرِّرِهَا أَنْ يَكُونَ مُقَدَّسَاً عَنْ أَغْرَاضِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَمُزَيَّنَاً بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَيَتَحَرَّى الأُمُورَ بِقَدْرٍ مَقْدُورٍ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى حَقَائِقِهَا ثُمَّ يَنْشُرُهَا.
وَكَانَ أَكْثَرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي حَقِّ هَذَا الْمَظْلُومِ عَارِيَاً عَنِ الصَّوَابِ. وَلِقَوْلِ الصِّدْقِ وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ مَنْزِلَةٌ عُلْيَا كَالشَّمْسِ الْمُشْرِقَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْعِرْفَانِ. وَمَعَ أَنَّ آثَارَ قَلَمِ حِكْمَتِي ظَاهِرَةٌ وَأَمْوَاجَ بَحْرِ بَيَانِي مُتَلاَطِمَةٌ أَمَامَ وُجُوهِ الْعَالَمِينَ فَقَدْ كَتَبُوا فِي صُحُفِ الأَخْبَارِ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فَرَّ مِنْ أَرْضِ الطَّاءِ1 إِلَى
56
الْعِرَاقِ الْعَرَبِيِّ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَمْ يَخْتَفِ فِي حِينٍ مِنَ الأَحْيَانِ بَلْ كَانَ دَائِمَاً قَائِمَاً ظَاهِرَاً أَمَامَ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. إِنَّا مَا فَرَرْنَا وَلَمْ نَهْرُبْ بَلْ يَهْرُبُ مِنَّا عِبَادٌ جَاهِلُونَ. خَرَجْنَا مِنَ الْوَطَنِ وَمَعَنَا فُرْسَانٌ مِنْ جَانِبِ الدَّوْلَةِ الْعَليَّةِ الإِيرَانِيَّةِ وَدَوْلَةِ الرُّوسِ إِلَى أَنْ وَرَدْنَا الْعِرَاقَ بِالْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ.
للهِ الْحَمْدُ إِنَّ أَمْرَ هَذَا الْمَظْلُومَ قَدِ ارْتَفَعَ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَأَشْرَقَ وَلاَحَ كَالشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ. لَيْسَ فِي هَذَا الْمَقَامِ سَبِيلٌ لِلتَّسَتُّرِ وَالاخْتِفَاءِ وَلاَ مَقَامٌ لِلْخَوْفِ وَالصَّمْتِ قَدْ ظَهَرَتْ أَسْرَارُ الْقِيَامَةِ وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَلَكِنَّ النَّاسَ عَنْهَا غَافِلُونَ مُحْتَجِبُونَ. [وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ... وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ]2 تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ الصُّبْحَ تَنَفَّسَ وَالنُّورَ أَشْرَقَ وَاللَّيْلَ عَسْعَسَ طُوبَى لِلْعَارِفِينَ طُوبَى لِلْفَائِزِينَ. سُبْحَانَ اللهِ قَدْ تَحَيَّرَ الْقَلَمُ فِيمَا يُحَرِّرُهُ وَاللِّسَانُ فِيمَا يَذْكُرُهُ. فَإِنَّهُ بَعْدَ تَحَمُّلِ مَا لاَ يُطَاقُ مِنَ الْمَتَاعِبِ وَالْمَشَقَّاتِ وَالسَّجْنِ وَالأَسْرِ وَالتَّعْذِيبِ عِدَّةَ سِنِينَ رَأَيْنَا أَنَّ الْحُجُبَاتِ الَّتِي خُرِقَتْ وَزَالَتْ قَدْ ظَهَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا وَمَنَعَ الأَبْصَارَ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْحَقِّ وَسَتَرَ الْعُقُولَ عَنْ إِدْرَاكِ نُورِهِ فَزَادَتِ الْمُفْتَرَيَاتُ الْحَدِيثَةُ عَلَى الْقَدِيمَةِ بِمَرَاتِبَ كَثِيرَةٍ.
يَا أَهْلَ الْبَيَانِ اتَّقُوا الرَّحْمَنَ وَفَكِّرُوا فِي الْحِزْبِ الَّذِي
57
سَبَقَكُمْ مَاذَا كَانَتْ أَعْمَالُهُ وَكَيْفَ كَانَتِ الثَّمَرَةُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا قَالُوهُ بُهْتَانٌ وَكُلَّ مَا عَمِلُوهُ بَاطِلٌ إِلاَّ مَنْ حَفَظَهُ اللهُ بِسُلْطَانِهِ. لَعَمْرُ الْمَقْصُودِ لَوْ يَتَفَكَّرُ أَحَدٌ لَيَقْصِدُ النَّيِّرَ الأَعْظَمَ مُنْقَطِعَاً عَنِ الْعَالَمِ وَيُقَدِّسُ نَفْسَهُ مِنْ غُبَارِ الظُّنُونِ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ دُخَانِ الأَوْهَامِ. فَيَا هَلْ تُرَى مَاذَا كَانَ سَبَبُ ضَلاَلَةِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَمَنْ كَانَ عِلَّةَ ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُمْ إِلَى الآنِ مُعْرِضُونَ وَإِلَى أَهْوَائِهِمْ مُقْبِلُونَ. يَنْطِقُ الْمَظْلُومُ لِوَجْهِ اللهِ مَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُعْرِضْ إِنَّهُ كَانَ غَنِيَّاً عَمَّا كَانَ وَمَا يَكُونُ.
يَا أَهْلَ الْبَيَانِ إِنَّ الْمَانِعَ وَالْحَاجِبَ كَانُوا نُفُوسَاً مِثْلَ هَادِي دَوْلَتْ آبَادِي3 مِنْ أَرْبَابِ الْعَمَائِمِ وَالْعِصِيِّ غَرُّوا النَّاسَ الْمَسَاكِينَ وَابْتَلُوهُمْ بِالأَوْهَامِ حَتَّى إِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ إِلَى الآنِ ظُهُورَ شَخْصٍ مَوهُومٍ مِنْ مَكَانٍ مَوْهُومٍ. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأَلْبَابِ.
يَا هَادِي اسْمَعْ نِدَاءَ النَّاصِحِ الأَمِينِ وَتَوَجَّهْ مِنَ الشِّمَالِ إِلَى الْيَمِينِ وَمِنَ الظَّنِّ إِلَى الْيَقِينِ وَلاَ تَكُنْ سَبَبَاً لِلإِضْلاَلِ. فَالنُّورُ مُشْرِقٌ وَالأَمْرُ ظَاهِرٌ وَالآيَاتُ قَدْ أَحَاطَتِ الآفَاقَ. وَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. دَعِ الرِّئَاسَةَ لِوَجْهِ اللهِ وَاتْرُكِ النَّاسَ وَشَأْنَهُمْ لأَنَّكَ غَيْرُ خَبِيرٍ وَلاَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَصْلِ الأَمْرِ.
58
يَا هَادِي كُنْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَا وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلاَ تَكُنْ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكَاً وَعِنْدَ الْمُوَحِّدِينَ مُوَحِّدَاً. تَفَكَّرْ فِي الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي تِلْكَ الأَرْضِ لَعَلَّكَ تَعْتَبِرُ وَتَنْتَبِهُ مِنْ رَقْدَتِكَ. إِنَّ الَّذِي يَحْفَظُ جَسَدَهُ وَرُوحَهُ وَمَا عِنْدَهُ خَيْرٌ أَمِ الَّذِي أَنْفَقَ كُلَّهَا فِي سَبِيلِ اللهِ أَنْصِفْ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الظَّالِمِينَ.
تَمَسَّكْ بِالْعَدْلِ وَتَشَبَّثْ بِالإِنْصَافِ عَسَى أَنْ لاَ تَجْعَلَ الدِّينَ شَبَكَاً لِلاصْطِيَادِ وَلاَ تُغْمِضْ عَيْنَيْكَ عَنِ الْحَقِّ ابْتِغَاءَ الدِّينَارِ قَدْ بَلَغَ ظُلْمُكَ وَظُلْمُ أَمْثَالِكَ إِلَى حَدٍّ أَنِ اشْتَغَلَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِذِكْرِ هَذِهِ الأُمُورِ. خَفْ عَنِ اللهِ إِنَّ الْمُبَشِّرَ قَالَ إِنَّهُ يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ.
يَا أَهْلَ الْبَيَانِ قَدْ مَنَعُوكُمْ عَنْ مُلاَقَاةِ الأَوْلِيَاءِ فَهَلْ تَعْرِفُونَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ الْمَنْعِ. أَنْصِفُوا بِاللهِ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ. إِنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ وَاضِحٌ وَعِلَّتَهُ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَرِ وَأَهْلِ الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ. لِئَلاَّ يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى أَسْرَارِهِ وَأَعْمَالِهِ.
يَا هَادِي إِنَّكَ مَا كُنْتَ مَعَنَا وَلاَ أَنْتَ مِنَ الْمُطَّلِعِينَ فَلاَ تَعْمَلْ بِالظَّنِّ فَلْنَضْرِبْ صَفْحَاً عَمَّا مَضَى وَالآنَ عَلَيْكَ أَنْ تُرْجِعَ الْبَصَرَ وَأَنْ تُفَكِّرَ فِيمَا ظَهَرَ وَارْحَمْ نَفْسَكَ وَأَنْفُسَ الْعِبَادِ وَلاَ تَكُنْ سَبَبَ الضَّلاَلَةِ كَمَا كَانَ الْحِزْبُ السَّابِقُ. فَالسَّبِيلُ وَاضِحٌ وَالدَّلِيلُ لائِحٌ. عَلَيْكَ أَنْ تُبَدِّلَ الظُّلْمَ بِالْعَدْلِ وَالاعْتِسَافَ
59
بِالإِنْصَافِ. أَرْجُو أَنْ تُؤَيِّدَكَ نَفَحَاتُ الْوَحْيِ وَيَفُوزَ سَمْعُ فُؤَادِكَ بِالإِصْغَاءِ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ [قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُم فِي خَوْضِهِم يَلْعَبُونَ]4. يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ غَيْرُ الْمُطَّلِعِ إِنَّكَ ذَهَبْتَ وَرَأَيْتَ5 فَالآنَ تَكَلَّمْ بِالإِنْصَافِ وَلاَ تَجْعَلِ الأَمْرَ يَلْتَبِسُ عَلَيْكَ وَعَلَى النَّاسِ. اسْتَمِعْ نِدَاءَ الْمَظْلُومِ وَاقْصِدْ بَحْرَ الْعِلْمِ الإِلَهِيِّ لَعَلَّكَ تَتَزَيَّنُ بِطِرَازِ الْعِرْفَانِ وَتَنْقَطِعُ عَمَّا سِوَى اللهِ وَاسْتَمِعْ نِدَاءَ النَّاصِحِ الْمُشْفِقِ الَّذِي ارْتَفَعَ أَمَامَ وُجُوهِ كُلٍّ مِنَ الْمُلُوكِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَلاَ حِجَابٍ. وَادْعُ أَحْزَابَ الْعَالَمِ طُرَّاً إِلَى مَالِكِ الْقِدَمِ. وَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَشْرَقَ وَلاَحَ مِنْ أُفُقِهَا نَيِّرُ الْفَضْلِ.
يَا هَادِي قَدْ بَذَلَ هَذَا الْمَظْلُومُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْعَالَمِ الْجُهْدَ الْجَهِيدَ فِي إِطْفَاءِ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمُشْتَعِلَةِ فِي قُلُوبِ الأَحْزَابِ. وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَدْلٍ وَإِنْصَافٍ أَنْ يَشْكُرَ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ وَيَقُومَ عَلَى خِدْمَةِ هَذَا الأَمْرِ الأَعْظَمِ عَسَى أَنْ يَحُلَّ النُّورُ مَحَلَّ النَّارِ وَالْمَحَبَّةُ مَحَلَّ الْبَغْضَاءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ ذلِكَ هُوَ مَقْصُودُ هَذَا الْمَظْلُومِ. وَقَدْ تَحَمَّلَ البَلايَا وَالْبَأْسَاءَ وَالضَّرَّاءَ فِي إِظْهَارِ هَذَا الأَمْرِ الأَعْظَمِ وَإِثْبَاتِهِ وَإِنَّكَ لَوْ أَنْصَفْتَ لَتَشْهَدُ بِذَلِكَ. إِنَّ اللهَ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْجَمِيلُ، الْبَهَاءُ مِنْ لَدُنَّا عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ
60
الَّذِينَ مَا مَنَعَهُمْ ظُلْمُ الظَّالِمِينَ وَسَطْوَةُ الْمُعْتَدِينَ عَنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
____________________________
(1) أرض الطّاء تعني مدينة طهران العاصمة الإيرانيّة.
(2) القرآن الكريم سورة التّكوير الآية 6 و10.
(3) هادي دولت آبادي هو أحد علماء مدينة أصفهان، أصبح من أتباع حضرة الباب ثمَّ أيد ميرزا يحيى فعيّن ممثلاً وخليفة له في إيران، وحينما اضطهد البابيّون أنكر دينه على الملأ.
(4) القرآن الكريم سورة الأنعام الآية 91.
(5) يقصد بذلك جزيرة قبرص التي زارها دولت آبادي خصّيصاً لملاقاة يحيى أزل.
61
صفحة خالية
التَّجَلِّيَاتُ
63
صفحة خالية
صَحِيفَةُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ
هُوَ السَّامِعُ مِنْ أُفُقِهِ الأَعْلَى
شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالَّذِي أَتَى إِنَّهُ هُوَ السِّرُّ الْمَكْنُونُ وَالرَّمْزُ الْمَخْزُونُ وَالْكِتَابُ الأَعْظَمُ لِلأُمَمِ وَسَمَاءُ الْكَرَمِ لِلْعَالَمِ. وَهُوَ الآيَةُ الْكُبْرَى بَيْنَ الْوَرَى وَمَطْلِعُ الصِّفَاتِ الْعُلْيَا فِي نَاسُوتِ الإِنْشَاءِ. بِهِ ظَهَرَ مَا كَانَ مَخْزُونَاً فِي أَزَلِ الآزَالِ وَمَسْتُورَاً عَنْ أُولِي الأَبْصَارِ. إِنَّهُ هُوَ الَّذِي بَشَّرَتْ بِظُهُورِهِ كُتُبُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَبِآيَاتِهِ وَبَيِّنَاتِهِ إِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُ الْعَظَمَةِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَقَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مَلَكُوتُ الأَسْمَآءِ. بِهِ مَاجَ بَحْرُ الْعِلْمِ بَيْنَ الأَنَامِ وَجَرَى فُرَاتُ الْحِكْمَةِ مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَيَّامِ. طُوبَى لِبَصِيرٍ شَهِدَ وَرَأَى وَلِسَمِيعٍ سَمِعَ نِدَاءَهُ الأَحْلَى وَلِيَدٍ أَخَذَتِ الْكِتَابَ بِقُوَّةِ رَبِّهَا سُلْطَانِ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَلِسَرِيعٍ سَرُعَ إِلَى أُفُقِهِ الأَعْلَى وَلِقَوِيٍّ مَا أَضْعَفَتْهُ سَطْوَةُ الأُمَرَاءِ وَضَوْضَاءُ الْعُلَمَاءِ.
65
وَوَيْلٌ لِمَنْ أَنْكَرَ فَضْلَ اللهِ وَعَطَاءَهُ وَرَحْمَتَهُ وَسُلْطَانَهُ إِنَّهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ حُجَّةَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ فِي أَزَلِ الآزَالِ. وَنَعِيمَاً لِمَنْ نَبَذَ الْيَوْمَ مَا عِنْدَ الْقَوْمِ وَأَخَذَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَسْمَآءِ وَفَاطِرِ الأَشْيَاءِ الَّذِي أَتَى مِنْ سَمَاءِ الْقِدَمِ بِالاسْمِ الأَعْظَمِ وَبِسُلْطَانٍ لاَ تَقُومُ مَعَهُ جُنُودُ الأَرْضِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ أُمُّ الْكِتَابِ فِي أَعْلَى الْمَقَامِ. يَا عَلِيُّ قَبْلَ أَكْبَر1 إِنَّا سَمِعْنَا نِدَاءَكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. أَجَبْنَاكَ بِمَا لاَ تُعَادِلُهُ أَذْكَارُ الْعَالَمِ. وَيَجِدُ مِنْهُ الْمُخْلِصُونَ عَرْفَ بَيَانِ الرَّحْمَنِ وَالْعُشَّاقُ نَفَحَاتِ الْوِصَالِ وَالْعَطْشَانُ خَرِيرَ كَوْثَرِ الْحَيَوَانِ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِهِ وَوَجَدَ مَا تَضَوَّعَ فِي هَذَا الْحِينِ مِنْ يَرَاعَةِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. نَشْهَدُ أَنَّكَ أَقْبَلْتَ وَقَطَعْتَ السَّبِيلَ إِلَى أَنْ وَرَدْتَ وَحَضَرْتَ وَسَمِعْتَ نِدَاءَ الْمَظْلُومِ الَّذِي سُجِنَ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ وَبُرْهَانِهِ وَأَنْكَرُوا هَذَا الْفَضْلَ الَّذِي بِهِ أَنَارَتِ الآفَاقُ. طُوبَى لِوَجْهِكَ بِمَا تَوَجَّهَ وَلأُذُنِكَ بِمَا سَمِعَتْ وَلِلِسَانِكَ بِمَا نَطَقَ بِثَنَآءِ اللهِ رَبِّ الأَرْبَابِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَكَ عَلَمَاً لِنُصْرَةِ أَمْرِهِ وَيُقَرِّبَكَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ. وَنَذْكُرُ أَوْلِيَآءَ اللهِ وَأَحِبَّاءَهُ هُنَاكَ وَنُبَشِّرُهُمْ بِمَا نُزِّلَ لَهُمْ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِ رَبِّهِمْ مَالِكِ يَوْمِ الْحِسَابِ. ذَكِّرْهُمْ مِنْ قِبَلِي وَنَوِّرْهُمْ بِأَنْوَارِ نَيِّرِ بَيَانِي. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْعَزِيزُ الْفَضَّالُ. يَا أَيُّهَا النَّاطِقُ
66
بِثَنَائِي اسْمَعْ مَا قَالَهُ الظَّالِمُونَ فِي أَيَّامِي. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ افْتَرَى عَلَى اللهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ظَهَرَ لِلْفَسَادِ. تَبَّاً لَهُمْ وَسُحْقَاً لَهُمْ أَلاَ إِنَّهُمْ مِنْ عَبَدَةِ الأَوْهَامِ. إِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نُبَدِّلَ اللُّغَةَ الْفُصْحَى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْمُخْتَارُ.
أَرَدْنَا أَنْ نَنْطِقَ بِاللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ عَسَى أَنْ يَسْمَعَ أَهْلُ إِيرَانَ طُرَّاً بَيَانَاتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْ يُقْبِلُوا ويُدْرِكُوهَا.
التَّجَلِّي الأَوَّلُ
الَّذِي أَشْرَقَ مِنْ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ هُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ جَلَّ جَلاَلُه. وَلاَ تَتَحَقَّقُ مَعْرِفَةُ سُلْطَانِ الْقِدَمِ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ الاسْمِ الأَعْظَمِ. إِنَّهُ مُكَلِّمُ الطُّورِ السَّاكِنُ وَالْمُسْتَوِيْ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ وَإِنَّهُ هُوَ الْغَيْبُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ الْمَخْزُونُ. بِذِكْرِهِ تَزَيَّنَتِ الْكُتُبُ الإِلَهِيَّةُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَبِثَنَائِهِ نَطَقَتْ. بِهِ نُصِبَ عَلَمُ الْعِلْمِ فِي الْعَالَمِ وَارْتَفَعَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ بَيْنَ الأُمَمِ. لاَ يَتَحَقَّقُ لِقَاءُ اللهِ إِلاَّ بِلِقَائِهِ. بِهِ ظَهَرَ مَا كَانَ مَسْتُورَاً وَمَخْفِيَّاً مِنْ أَزَلِ الآزَالِ. إِنَّهُ ظَهَرَ بِالْحَقِّ وَنَطَقَ بِكَلِمَةٍ انْصَعَقَ بِهَا مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ. لاَ يَكُونُ الإِيمَانُ
67
بِاللهِ وَعِرْفَانِهِ كَامِلاً إِلاَّ بِتَصْدِيقِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَكَذلِكَ الْعَمَلِ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَبِمَا نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. عَلَى الْمُنْغَمِسِينَ فِي بَحْرِ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونُوا فِي كُلِّ حِينٍ نَاظِرِينَ إِلَى الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الإِلَهِيَّةِ. إِنَّ أَوَامِرَهُ هِيَ الْحِصْنُ الأَعْظَمُ لِحِفْظِ الْعَالَمِ وَصِيَانَةِ الأُمَمِ. نُورَاً لِمَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ وَنَارَاً لِمَنْ أَدْبَرَ وَأَنْكَرَ.
التَّجَلِّي الثَّانِي
هُوَ الاسْتِقَامَةُ عَلَى أَمْرِ اللهِ وَحُبِّهِ جَلَّ جَلاَلُه. وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِالْمَعْرِفَةِ الْكَامِلَةِ وَلا تَتَحَقَّقُ الْمَعْرِفَةُ الْكَامِلَةُ إِلاَّ بِالإِقْرَارِ بِكَلِمَةِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ الْمُبَارَكَةِ. كُلُّ نَفْسٍ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا وَشَرِبَ مِنْ كَوْثَرِ الْبَيَانِ الْمُودَعِ فِيهَا شَاهَدَ نَفْسَهُ مُسْتَقِيمَاً عَلَى شَأْنٍ لا تَمْنَعُهُ كُتُبُ الْعَالَمِ عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ. حَبَّذَا هَذَا الْمَقَامُ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةُ الْعُلْيَا وَالْغَايَةُ الْقُصْوَى. يَا عَلِيُّ قَبْلَ أَكْبَر فَكِّرْ فِي ضَعَةِ مَقَامِ الْمُعْرِضِينَ. يَنْطِقُ الْكُلُّ بِكَلِمَةِ إِنَّهُ هُوَ مَحْمُودٌ فِي فِعْلِهِ وَمُطَاعٌ فِي أَمْرِهِ. مَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ إِنْ ظَهَرَ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ سَمِّ إِبْرَةٍ مَا يُخَالِفُ نَفْسَهُمْ وَهَوَاهُمْ. قُلْ مَا مِنْ أَحَدٍ يَعْلَمُ مُقْتَضَيَاتِ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ الإِلَهِيَّةِ، إِنَّهُ لَوْ يَحْكمُ عَلَى الأَرْضِ حُكْمَ السَّمَاءِ لَيْسَ
68
لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، هَذَا مَا شَهِدَ بِهِ نُقْطَةُ الْبَيَانِ فِيمَا أَنْزَلَهُ بِالْحَقِّ مِنْ لَدَى اللهِ فَالِقِ الإِصْبَاحِ.
التَّجَلِّي الثَّالِثُ
هُوَ الْعُلُومُ وَالْفُنُونُ وَالصَّنَائِعُ. أَلْعِلْمُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَنَاحِ لِلْوُجُودِ وَمِرْقَاةٌ لِلصُّعُودِ. تَحْصِيلُهُ وُاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ. وَلَكِنَّ الْعُلُومَ الَّتِي يَنْتَفِعُ مِنْهَا أَهْلُ الأَرْضِ وَلَيْسَ تِلْكَ الَّتِي تُبْدَأُ بِالْكَلاَمِ وَتَنْتَهِي بِالْكَلاَمِ. إِنَّ لأَصْحَابِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ حَقَّاً عَظِيمَاً عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ أُمُّ الْبَيَانِ فِي الْمَآبِ نَعِيمَاً لِلسَّامِعِينَ. إِنَّ الْكَنْزَ الْحَقِيقِيَّ لِلإِنْسَانِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلْمُهُ، وَهُوَ عِلَّةُ الْعِزَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَالْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالْبَهْجَةِ وَالانْبِسَاطِ، كَذَلِكَ نَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ فِي هَذَا السِّجْنِ الْعَظِيمِ.
التَّجَلِّي الرَّابِعُ
هُوَ فِي ذِكْرِ الأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَأَمْثَالِهَا. لَوْ نَظَرَ كُلُّ ذِي بَصَرٍ فِي السِّدْرَةِ الْمُبَارَكَةِ الظَّاهِرَةِ وَأَثْمَارِهَا. إِنَّهَا تُغْنِيهِ عَنْ دُونِهَا وَيَعْتَرِفُ بِمَا نَطَقَ بِهِ مُكَلِّمُ الطُّورِ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ.
69
يَا عَلِيُّ قَبْلَ أَكْبَر ذَكِّرِ النَّاسَ بِآيَاتِ رَبِّكَ وَعَرِّفْهُمْ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ وَنَبَأَهُ الْعَظِيمَ. قُلْ يَا أَيُّهَا الْعِبَادُ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ لَصَدَّقْتُمْ بِمَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ فَالْبَيَانُ الْفَارِسِيُّ يُرْشِدُكُمْ وَيَكْفِيكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْفُرْقَانِ تَفَكَّرُوا فِي تَجَلِّي السِّدْرَةِ وَنِدَائِهَا لابْنِ عِمْرَانَ. سُبْحَانَ اللهِ كَانَ الظَّنُّ أَنَّ الْعِرْفَانَ قَدْ وَصَلَ لَدَى ظُهُورِ الْحَقِّ إِلَى حَدِّ الْكَمَالِ وَبَلَغَ غَايَتَهُ الْقُصْوَى، غَيْرَ أَنَّهُ تَبَيَّنَ الآنَ أَنَّ الْعِرْفَانَ لَدَى الْمُعْرِضِينَ تَدَنَّى وَبَقِيَ دُونَ حَدِّ الْبُلُوغِ.
يَا عَلِيُّ إِنَّ مَا قَبِلُوهُ مِنَ الشَّجَرَةِ لاَ يَقْبَلُونَهُ مِنْ سِدْرَةِ الْوُجُودِ. قُلْ يَا أَهْلَ الْبَيَانِ لاَ تَتَكَلَّمُوا بِمَا تُسَوِّلُ لَكُمُ النَّفْسُ وَالْهَوَى. إِنَّ أَكْثَرَ أَحْزَابِ الْعَالَمِ مُقِرُّونَ بِالْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنَ الشَّجَرَةِ. لعَمْرُ اللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُبَشِّرُ لَمَّا تَكَلَّمَ قَطُّ هَذَا الْمَظْلُومُ بِمَا هُوَ سَبَبُ اضْطِرَابِ الجُهَّالِ وَهَلاَكِهِمْ. يَتَفَضَّلُ فِي أَوَّلِ الْبَيَانِ فِي ذِكْرِ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ جَلَّ ظُهُورُهُ قَائِلاً: الَّذِي يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّ مَا دُونِي خَلْقِي. أَنْ يَا خَلْقِي إِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. وَكَذَلِكَ يَتَفَضَّلُ فِي مَقَامٍ آخَرَ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ يَظْهَرُ قَائِلاً: إِنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ.
70
وَالآنَ يَجِبُ التَّفَكُّرُ فِي الْعَابِدِ وَالْمَعْبُودِ، لَعَلَّ عِبَادَ الأَرْضِ يَفُوزُونَ بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ الْعِرْفَانِ وَيُدْرِكُونَ مَقَامَ الظُّهُورِ. إِنَّهُ ظَهَرَ وَنَطَق بِالْحَقِّ. طُوبَى لِمَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ وَوَيْلٌ لِكُلِّ مُنْكِرٍ بَعِيدٍ.
يَا مَلأَ الأَرْضِ اسْمَعُوا نِدَاءَ السِّدْرَةِ الَّتِي أَحَاطَ عَلَى الْعَالَمِ ظِلُّهَا وَلاَ تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الأَرْضِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ظُهُورَ اللهِ وَسُلْطَانَهُ وَكَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ. أَلاَ إِنَّهُمْ مِنَ الصَّاغِرِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الْبَهَاءُ الْمُشْرِقُ مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ عِنَايَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى مَنْ مَعَكَ وَيَسْمَعُ قَوْلَكَ فِي أَمْرِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.
__________________
(1) هو علي أكبر البنّآء أحد الأحبّاء الأوفياء في مدينة يزد، الذي وضع مخطّطاً لبناء مشرق الأذكار في مدينة عشق آباد وفاز مخطّطه بموافقة حضرة عبدالبهاء إنّه ضحّى بنفسه في سبيل عقيدته واستشهد عام 1903 في مدينة يزد.
71
صفحة خالية
الْكَلِمَاتُ الْفِرْدَوْسِيَّةُ
73
صفحة خالية
هُوَ النَّاطِقُ بِالْحَقِّ فِي مَلَكُوتِ الْبَيَانِ
يَا مَشَارِقَ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَمَطَالِعَ الصِّدْقِ وَالأَلْطَافِ إِنَّ الْمَظْلُومَ يَبْكِي وَيَقُولُ يَنُوحُ وَيُنَادِي: إِلَهِي إِلَهِي زَيِّن رُؤُوسَ أَوْلِيَائِكَ بِإِكْلِيلِ الانْقِطَاعِ وَهَيَاكِلَهُمْ بِطِرَازِ التَّقْوَى. يَنْبَغِي لأَهْلِ الْبَهَاءِ أَنْ يَنْصُرُوا الرَّبَّ بِبَيَانِهِمْ وَيَعِظُوا النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ. أَثَرُ الأَعْمَالِ أَنْفَذُ مِنْ أَثَرِ الأَقْوَالِ.
يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ1عَلَيْكَ ثَنَآءُ اللهِ وَبَهَاؤُهُ. قُلْ إِنَّ الإِنْسَانَ يَرْتَفِعُ بِأَمَانَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَعَقْلِهِ وَأَخْلاَقِهِ وَيَهْبِطُ بِخِيَانَتِهِ وَكَذِبِهِ وَجَهْلِهِ وَنِفَاقِهِ. لَعَمْرِي لاَ يَسْمُو الإِنْسَانُ بِالزِّينَةِ وَالثَّرْوَةِ بَلْ بِالآدَابِ وَالْمَعْرِفَةِ.
إِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ إِيرَانَ تَرَبَّوْا عَلَى الْكَذِبِ وَالظُّنُونِ. أَيْنَ مَقَامُ تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ مَقَامِ رِجَالٍ عَبَرُوا خَلِيجَ الأَسْمَآءِ وَرَفَعُوا الْخِبَآءَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرِ التَّقْدِيسِ. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ تِلْكَ النُّفُوسَ الْمَوْجُودَةَ لَمْ تَكُنْ وَلَنْ تَكُونَ لائِقَةً لاسْتِمَاعِ تَغْرِيدِ حَمَامَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ [وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ]2.
75
وَإِنَّ أَكْثَرَ الْعِبَادِ يَأْتَنِسُونَ بِالأَوْهَامِ يُرَجِّحُونَ قَطْرَةً مِنْ بَحْرِ الْوَهْمِ عَلَى بَحْرِ الإِيقَانِ يَتَمَسَّكُونَ بِالاسْمِ وَهُمْ مَحْرُومُونَ عَنِ الْمَعْنَى. يَتَشَبَّثُونَ بِالظُّنُونِ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ عَنْ مَشْرِقِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ. عَسَى اللهُ أَنْ يُؤَيِّدَكُمْ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ عَلَى كَسْرِ أَصْنَامِ الأَوْهَامِ وَخَرْقِ سُبُحَاتِ الأَنَامِ.
الأَمْرُ بِيَدِ اللهِ مُظْهِرِ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ وَمَالِكِ يَوْمِ الْقِيَامِ. قَدْ سَمِعْنَا مَا ذَكَرَهُ جَنَابُ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُبَلِّغِينَ. قَدْ نَطَقَ بِالْحَقِّ. فَإِنَّ بَعْضَاً مِنَ النُّفُوسِ الْغَافِلَةِ يَسِيرُونَ فِي الْبِلاَدِ بِاسْمِ الْحَقِّ وَيَشْتَغِلُونَ بِتَضْيِيعِ أَمْرِهِ وَسَمُّوا ذَلِكَ بِالنُّصْرَةِ وَالتَّبْلِيغِ. مَعَ أَنَّ أَنْجُمَ شَرَائِطِ الْمُبَلِّغِينَ مُشْرِقَةٌ وَلاَئِحَةٌ مِنْ آفَاقِ سَمَوَاتِ الأَلْوَاحِ الإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ شَهِدَ كُلُّ مُنْصِفٍ وَاطَّلَعَ كُلُّ بَصِيرٍ بِأَنَّ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ قَدْ تَكَلَّمَ وَعَلَّمَ الأَنَامَ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مَا هُوَ سَبَبُ ارْتِفَاعِ مَقَامَاتِ الإِنْسَانِ وَمَرَاتِبِهِ وَأَنَّ أَهْلَ الْبَهَاءِ كَالشَّمْعِ بَيْنَ الْجَمْعِ مُشْرِقُونَ وَلاَئِحُونَ وَبِإِرَادَةِ اللهِ مُتَمَسِّكُونَ. وَهَذَا الْمَقَامُ سُلْطَانُ الْمَقَامَاتِ. طُوبَى لِمَنْ نَبَذَ مَا عِنْدَ الْعَالَمِ رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللهِ مَالِكِ الْقِدَمِ. قُلْ: إِلَهِي إِلَهِي تَرَانِي طَائِفَاً حَوْلَ إِرَادَتِكَ وَنَاظِرَاً إِلَى أُفُقِ جُودِكَ وَمُنْتَظِرَاً تَجَلِّيَاتِ أَنْوَارِ نَيِّرِ عَطَائِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَحْبُوبَ أَفْئِدَةِ الْعَارِفِينَ وَمَقْصُودَ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ تَجْعَلَ أَوْلِيَاءَكَ مُنْقَطِعِينَ
76
عَنْ إِرَادَتِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ بِإرَادَتِكَ. أَيْ رَبِّ زَيِّنْهُمْ بِطِرَازِ التَّقْوَى وَنَوِّرْهُمْ بِنُورِ الانْقِطَاعِ. ثُمَّ أَيِّدْهُمْ بِجُنُودِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ لإِعْلآءِ كَلِمَتِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَإِظْهَارِ أَمْرِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَفِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الأُمُورِ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ.
يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الْوَجْهِ. قَدْ وَرَدَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْحُزْنِ الأَكْبَرِ. ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْحَقِّ مَا ارْتَعَدَتْ بِهِ فَرَائِصُ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ. وَمَعَ ظُهُورِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْلُومِ وَإِجْرَآءِ الْعَطَآءِ لَهُ فَعَلَ مَا بَكَتْ بِهِ عَيْنُ اللهِ وَلَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مَا يُوجِبُ التَّذَكُّرَ وَالانْتِبَاهَ وَسَتَرْنَاهُ سِنِينَ لَعَلَّهُ يَنْتَبِهُ وَيَرْجِعُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ أَثَرٌ. وَقَامَ أَخِيرَاً بِتَضْيِيعِ أَمْرِ اللهِ أَمَامَ وُجُوهِ الْخَلْقِ وَهَتْكِ سِتْرِ الإِنْصَافِ وَلَمْ يَرْحَمْ نَفْسَهُ وَلاَ أَمْرَ اللهِ. وَالآنَ قَدْ غَلَبَ حُزْنُ أَعْمَالِ بَعْضِ الآخَرِينَ عَلَى حُزْنِ أَعْمَالِهِ. أَطْلُبُ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُؤَيِّدَ النُّفُوسَ الْغَافِلَةَ عَلَى الرُّجُوعِ وَالإِنَابَةِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفَّارُ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ.
يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْكُلُّ بِالاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَيَشْتَغِلُوا بِنُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ لَعَلَّ النُّفُوسَ الْغَافِلَةَ تَفُوزُ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْفَلاَحِ الأَبَدِيِّ.
77
وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ اخْتِلاَفَ الأَحْزَابِ قَدْ صَارَ سَبَبَاً وَعِلَّةً لِلضَّعْفِ. وَكُلُّ حِزْبٍ اتَّخَذَ سَبِيلاً وَتَمَسَّكَ بِعُرْوَةٍ وَمَعَ الْجَهْلِ وَالْعَمَى يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أُولِي الْبَصَرِ وَالْعِلْمِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الأَحْزَابِ عُرَفَآءُ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّ بَعْضَ تِلْكَ النُّفُوسِ تَشَبَّثُوا بِمَا هُوَ سَبَبُ الْخُمُودِ وَالانْزِوَآءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ ذَلِكَ يَحُطُّ مِنْ مَقَامِهِمْ وَيَزِيدُ فِي غُرُورِهِمْ. لاَ بُدّ أَنْ يَظْهَرَ مِنَ الإِنْسَانِ ثَمَرٌ لأَنَّ الإِنْسَانَ الْخَالِي مَنَ الثَّمَرِ كَمَا نَطَقَ بِهِ حَضْرَةُ الرُّوحِ3 بِمَثَابَةِ الشَّجَرِ بِلاَ ثَمَرٍ. وَالشَّجَرُ بِلاَ ثَمَرٍ لاَئِقٌ لِلنَّارِ. وَلَقَدْ ذَكَرَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ فِي مَقَامَاتِ التَّوْحِيدِ مَا هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِظُهُورِ خُمُودِ الْعِبَادِ وَأَوْهَامِهِمْ. وَفِي الْحَقِيقَةِ رَفَعُوا الْفَرْقَ وَحَسِبُوا أَنْفُسَهُمْ الْحَقَّ. وَالْحَقُّ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكُلِّ وَآيَاتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْكُلِّ. وَمِنْهُ الآيَاتُ وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ. وَالْكُلُّ مَذْكُورٌ وَمَشْهُودٌ فِي دَفْتَرِ الْكَوْنِ. وَصُورَةُ الْعَالَمِ أَعْظَمُ كِتَابٍ يُدْرِكُ مِنْهُ كُلُّ ذِي بَصَرٍ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُصُولِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّبَإِ الْعَظِيمِ. انْظُرُوا إِلَى تَجَلِّيَاتِ الشَّمْسِ فَإِنَّ أَنْوَارَهَا أَحَاطَتِ الْوُجُودَ وَلَكِنَّ ظُهُورَ التَّجِلِّيَاتِ مِنْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ نَفْسَها وَكُلُّ مَا يُشَاهَدُ فِي الْوُجُودِ حَاكٍ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَهُوَ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكُلِّ.
قَالَ حَضْرَةُ الْمَسِيحِ أَعْطَيْتَ الأَطْفَالَ مَا حُرِمَ مِنْهُ الْعُلَمَآءُ
78
وَالْحُكَمَآءُ. قَالَ الْحَكِيمُ السَّبْزَوارِيُّ4 لَوْ تُوجَدُ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَإِلاَّ فَزَمْزَمَةُ سِدْرَةِ الطُّورِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ. وَقَدْ خَاطَبْنَا ذَلِكَ الْحَكِيمَ الْمَذْكُورَ الْمَشْهُورَ فِي لَوْحِ أَحَدِ الْحُكَمَاءِ السَّائِلِ عَنْ بَسِيطَةِ الْحَقِيقَةِ بِأَنَّهُ إِذَا َكانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ صَدَرَتْ مِنْكَ فَلِمَ لَمْ تَسْمَعْ نِدَآءَ سِدْرَةِ الإِنْسَانِ الْمُرْتَفِعَ مِنْ أَعْلَى مَقَامِ الْعَالَمِ. وَإِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ وَمنَعَكَ عَنِ الْجَوَابِ الْخَوْفُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى رُوحِكَ فَمِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ لَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ لائِقَاً لِلذِّكْرِ وَإِنْ لِمْ تَسْمَعْ فَإِنَّكَ مَحْرُومٌ عَنِ السَّمْعِ.
وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّهُمْ فِي الْقَوْلِ فَخْرُ الْعَالَمِ وَفِي الْعَمَلِ عَارُ الأُمَمِ. إِنَّا نَفَخْنَا فِي الصُّورِ وَهُوَ قَلَمِيَ الأَعْلَى وَانْصَعَقَ مِنْهُ الْعِبَادُ إِلاَّ مَنْ حَفِظَهُ اللهُ فَضْلاً مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْقَدِيمُ. قُلْ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَعْتَرِضُونَ عَلَى قَلَمٍ إِذَا ارْتَفَعَ صَرِيرُهُ اسْتَعَدَّ مَلَكُوتُ الْبَيَانِ لإِصْغَائِهِ وَخَضَعَ كُلُّ ذِكْرٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ. اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَتَّبِعُوا الظُّنُونَ وَالأَوْهَامَ. اتَّبِعُوا مَنْ أَتَاكُمْ بِعِلْمٍ مُبِينٍ وَيَقِينٍ مَتِينٍ.
سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ كَنْزَ الإِنْسَانِ بَيَانُهُ. وَهَذَا الْمَظْلُومُ تَوَقَّفَ عَنْ إِظْهَارِهِ إِذْ الْمُنْكِرُونَ فِي الْمَكَامِنِ مُتَرَصِّدُونَ. أَلحِفْظُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينِ. إِنَّا تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ وَفَوَّضْنَا الأُمُورَ إِلَيْهِ
79
وَهُوَ حَسْبُنَا وَحَسْبُ كُلِّ شَيْءٍ. هُوَ الَّذِي بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ أَشْرَقَ نَيِّرُ الاقْتِدَارِ مِنْ أُفُقِ الْعَالَمِ. طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ وَعَرَفَ وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ وَالْمُنْكِرِينَ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لاَ يَزَالُ يُحِبُّ الْحُكَمَآءَ أَعْنِي الَّذِينَ لَيْسَتْ حِكْمَتُهُمْ مَحْضَ الْقَوْلِ بَلِ الَّذينَ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ فِي الوُجُودِ الآثارُ وَالأَثْمَارُ البَاقِيَةُ. يَلْزَمُ الْكُلَّ أَنْ يَحْتَرِمُوا تِلْكَ النُّفُوسَ الْمُبَارَكَةَ. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ وَطُوبَى لِلْعَارِفِينَ وَطُوبَى لِمَنْ أَنْصَفَ فِي الأُمُورِ وَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ عَدْلِيَ الْمَتِينِ. إِنَّ أَهْلَ إِيرَانَ تَرَكُوا الْحَافِظَ وَالْمُعِينَ وَتَمَسَّكُوا وَاشْتَغَلُوا بِأَوْهَامِ الْجَاهِلِينَ. بِحَيْثُ تَشَبَّثُوا بِأَوْهَامٍ تَشَبُّثَاً لاَ يُمْكِنُ زَوَالُهُ إِلاَّ بِذِرَاعَيّ قُدْرَةِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. فَاطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يَرْفَعَ حُجُبَاتِ الأَحْزَابِ بِإِصْبَعِ الاقْتِدَارِ لِيَجِدَ الْكُلُّ أَسْبَابَ الْحِفْظِ وَالْعُلُوِّ وَالسُّمُوِّ وَيُسْرِعُوا إِلَى شَطْرِ الْمَحْبُوبِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ.
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ الأَوَّلِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى الْمَذْكُورَةُ وَالْمَسْطُورَةُ مِنَ الْقَلَمِ الأَبْهَى هِيَ:
حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ الْحِفْظُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِعُمُومِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَهِيَ السَّبَبُ الأَكْبَرُ لِحِفْظِ الْبَشَرِ وَالْعِلَّةُ
80
الْكُبْرَى لِصِيَانَةِ الْوَرَى. نَعَمْ إِنَّ فِي الْوُجُودِ آَيَةً تَمْنَعُ الإِنْسَانَ وَتَحْرُسُهُ عَمَّا لا يَنْبَغِي وَلاَ يَلِيقُ. وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحَيَاءِ غَيْرَ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِعِدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَلَمْ يَكُنِ الْكُلُّ حَائِزَاً لِهَذَا الْمَقَامِ وَلَنْ يَكُونَ.
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ الثَّانِي مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى فِي هَذَا الْحِينِ يَنْصَحُ مَظَاهِرَ الْقُدْرَةِ وَمَشَارِقَ الاقْتِدَارِ مِنَ الْمُلُوكِ وَالسَّلاَطِينِ وَالرُّؤَسَآءِ وَالأُمَرَآءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُرَفَآءِ وَيُوصِيهِمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ. إِذْ هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَاطْمِئْنَانِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ. فَإِنَّ ضَعْفَ أَرْكَانِ الدِّينِ صَارَ سَبَبَاً لِقُوَّةِ الْجُهَّالِ وَجُرْأَتِهِمْ وَجَسَارَتِهِمْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نَقَصَ مِنْ عُلُوِّ مَقَامِ الدِّينِ يَزْدَادُ مِنْ غَفْلَةِ الأَشْرَارِ وَيَؤُولُ الأَمْرُ أَخِيرَاً إِلَى الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ. اسْمَعُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ثُمَّ اعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ.
81
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ الثَّالِثِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
يَا ابْنَ الإِنْسَانِ لَوْ تَكُونُ نَاظِرَاً إِلَى الْفَضْلِ ضَعْ مَا يَنْفَعُكَ وَخُذْ مَا يِنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَإِنْ تَكُنْ نَاظِرَاً إِلَى الْعَدْلِ اخْتَرْ لِدُونِكَ مَا تَخْتَارُهُ لِنَفْسِكَ. إِنَّ الإِنْسَانَ مَرَّةً يَرْفَعُهُ الْخُضُوعُ إِلَى سَمَآءِ الْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ. وَأُخْرَى يُنْزِلُهُ الْغُرُورُ إِلَى أَسْفَلِ مَقَامِ الذِّلَّةِ وَالانْكِسَارِ.
يَا حِزْبَ اللهِ إنَّ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَالنِّدَاءُ مُرْتَفِعٌ. وَفِي لَوْحٍ مِنَ الأَلْوَاحِ نُزِّلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنْ سَمَآءِ الْمَشِيَّةِ وَلَوْ بُدِّلَتْ قُوَّةُ الرُّوحِ بِتَمَامِهَا بِالْقُوَّةِ السَّامِعَةِ لأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا لائِقَةٌ لإِصْغَآءِ هَذَا النِّدَآءِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الأُفُقِ الأَعْلَى. وَإِلاَّ فَهَذِهِ الآذَانُ الْمُدَنَّسَةُ لَمْ تَكُنْ لائِقَةً لإِصْغَائِهَا وَلَنْ تَكُونَ طُوبَى لِلسَّامِعِينَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ.
82
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ الرَّابِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
يَا حِزْبَ اللهِ اسْأَلُوا الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يَحْفَظَ مَظَاهِرَ السَّطْوَةِ وَالْقُوَّةِ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ وَالْهَوَى. وَيُنَوِّرُهُمْ بِأَنْوَارِ الْعَدْلِ وَالْهُدَى.
صَدَرَ مِنْ حَضْرَةِ مُحَمَّد شَاهَ مَعَ عُلُوِّ مَقَامِهِ أَمْرَانِ مُنْكَرَانِ الأَوَّلُ نَفْيُ سُلْطَانِ مَمَالِكِ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ حَضْرَةِ النُّقْطَةِ الأُولَى. وَالثَّانِي قَتْلُ سَيِّدِ مَدِينَةِ التَّدْبِيرِ وَالإِنْشَاءِ5. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ خَطَأَهُ وَعَطَاءَهُ عَظِيمَانِ. إِنَّ السُّلْطَانَ الَّذِي لاَ يَمْنَعُهُ غُرُورُ الاقْتِدَارِ وَالاخْتِيَارِ عَنِ الْعَدْلِ وَلاَ تَحْرِمُهُ النِّعْمَةُ وَالثَّرْوَةُ وَالْعِزَّةُ وَالصُّفُوفُ وَالأُلُوفُ عَنْ تَجَلِّيَاتِ نَيِّرِ الإِنْصَافِ هُوَ حَائِزٌ لِلْمَقَامِ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا فِي الْمَلأِ الأَعْلَى. وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ إِعَانَةُ ذَلِكَ الْوُجُودِ الْمُبَارَكِ وَمَحَبَّتُهُ طُوبَى لِمَلِكٍ مَلَكَ زِمَامَ نَفْسِهِ وَغَلَبَ غَضَبَهُ وَفَضَّلَ الْعَدْلَ عَلَى الظُّلْمِ وَالإِنْصَافِ عَلَى الاعْتِسَافِ.
83
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ الخَامِسِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
إِنَّ الْعَطِيَّةَ الْكُبْرَى وَالنِّعْمَةَ الْعُظْمَى فِي الرُّتْبَةِ الأُولَى لَمْ تَزَلْ هِيَ الْعَقْلُ. وَهُوَ الْحَافِظُ لِلْوُجُودِ وَمُعِينُهُ وَنَاصِرُهُ فَالْعَقْلُ رَسُولُ الرَّحْمَنِ وَمَظْهَرُ اسْمِ الْعَلاَّمِ وَبِهِ ظَهَرَ مَقَامُ الإِنْسَانِ. وَهُوَ الْعَالِمُ وَالْمُعَلِّمُ الأَوَّلُ فِي مَدْرَسَةِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُرْشِدُ وَالْحَائِزُ لِلرُّتْبَةِ الْعُلْيَا. وَبِيُمْنِ تَرْبِيَتِهِ أَصْبَحَ عُنْصُرُ التُّرَابِ جَوْهَرَةً نَفِيسَةً إِلَى أَنْ جَاوَزَ الأَفْلاَكَ وَهُوَ الْخَطِيبُ الأَوَّلُ فِي مَدِينَةِ الْعَدْلِ.
وَفِي سَنَةِ التِّسْعِ نَوَّرَ الْعَالَمَ بِبِشَارَةِ الظُّهُورِ. وَهُوَ الْعَالَمُ الْوَحِيدُ الَّذِي ارْتَقَى فِي أَوَّلِ الْعَالَمِ عَلَى مِرْقَاةِ الْمَعَانِي. وَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ الْبَيَانِ بِإِرَادَةِ الرَّحْمَنِ نَطَقَ بِحَرْفَيْنِ. فَمِنَ الأَوَّلِ ظَهَرَتْ بِشَارَةُ الْوَعْدِ وَمِنَ الثَّانِي خَوْفُ الْوَعِيدِ. وَمِنَ الْوَعْدِ وَالْوِعِيدِ ظَهَرَ الْخَوْفُ وَالرَّجَآءُ وَعَلَى هَذَيْنِ الأَسَاسَيْنِ اسْتَقَرَّ وَاسْتَحْكَمَ نِظَامُ الْعَالَمِ تَعَالَى الْحَكِيمُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
84
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ السَّادِسِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
أَلْعَدْلُ سِرَاجُ الْعِبَادِ فَلاَ تُطْفِئُوهُ بِأَرْيَاحِ الظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ظُهُورُ الاتِّحَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا تَمَوَّجَ بَحْرُ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَإِنَّ دَفَاتِرَ الْعَالَمِ لاَ تَكْفِي تَفْسِيرَهَا. إِذَا تَزَيَّنَ الْعَالَمُ بِهَذَا الطِّرَازِ تُشَاهَدُ شَمْسُ كَلِمَةِ يَوْمَ يُغْنِي اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ طَالِعَةً وَمُشْرِقَةً مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ الدُّنْيَا. اعْرَفُوا مَقَامَ هَذَا الْبَيَانِ لأَنَّهُ ثَمَرَةٌ عُلْيَا مِنْ أَثْمَارِ شَجَرَةِ الْقَلَمِ الأَعْلَى. طُوبَى لِنَفْسٍ سَمِعَتْ وَفَازَتْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ الْمَشِيَّةِ الإِلهِيَّةِ هُوَ السَّبَبُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَالْعِلَّةُ لاتِّحَادِ الأُمَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ. كَذَلِكَ نَطَقَ لِسَانُ الْمَظْلُومِ فِي سِجْنِهِ الْعَظِيمِ.
85
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ السَّابِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
يَا عُلَمَاءَ الأُمَمِ غُضُّوا الأَعْيُنَ عَنِ التَّجَانُبِ وَالابْتِعَادِ وَانْظُرُوا إِلَى التَّقَارُبِ وَالاتِّحَادِ. وَتَمَسَّكُوا بِالأَسْبَابِ الَّتِي تَوجبُ الرَّاحَةَ وَالاطْمِئْنَانَ لِعُمُومِ أَهْلِ الإِمْكَانِ. إِنَّ وَجْهَ الأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ شِبْرٍ وَاحِدٍ وَوَطَنٍ وَاحِدٍ وَمَقَامٍ وَاحِدٍ فَتَجَاوَزُوا عَنِ الافْتِخَارِ الْمُوجِبِ لِلاخْتِلاَفِ. وَتَوَجَّهُوا إِلَى مَا هُوَ عِلَّةُ الاتِّفَاقِ فَالافْتِخَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَهَآءِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالأَخْلاَقِ وَالْحِكْمَةِ لاَ بِالْوَطَنِ وَالْمَقَامِ. يَا أَهْلَ الأَرْضِ اعْرَفُوا قَدْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ السَّفِينَةِ لِبَحْرِ الْمَعْرِفَةِ وَبِمَثَابَةِ الشَّمْسِ لِعَالَمِ الْبَصِيرَةِ.
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ الثَّامِنِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
إِنَّ دَارَ التَّعْلِيمِ فِي الابْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُعَلِّمَ الأَطْفَالَ شَرَائِطَ الدِّينِ لِيَمْنَعَهُمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ عَنِ الْمنَاهِي وَيُزَيِّنَاهُم بِطِرَازِ الأَوَامِرِ. وَلَكِنْ بِمِقْدَارٍ
86
لاَ يَنْتَهِي إِلَى التَّعَصُّبِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصَاً مِنَ الْحُدُودِ فِي الْكِتَابِ صَرَاحَةً يَجِبُ عَلَى أُمَنَاءِ بَيْتِ الْعَدْلِ التَّشَاوُرُ فِيهِ وَإِجْرَآءُ مَا يَسْتَحْسِنُونَهُ. إِنَّهُ يُلْهِمُهُمْ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْمُدَبِّرُ الْعَلِيمُ. مِنْ قَبْلُ قُلْنَا إِنَّ التَّكَلُّمَ مُقَدَّرٌ بِلِسَانَيْنِ. وَيَجِبُ بَذْلُ الْجَهْدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ خُطُوطُ الْعَالَمِ لِكَيْلا تَضِيعَ حَيَاةُ النَّاسِ فِي تَحْصِيلِ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ بَاطِلاً حَتَّى يُصْبِحَ جَمِيعُ الأَرْضِ مَدِينَةً وَاحِدَةً وَإِقْلِيمَاً وَاحِدَاً.
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ التَّاسِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ الْمَحْبُوبَ فِي كُلِّ أَمْرٍ مَنَ الأُمُورِ هُوَ الاعْتِدَالُ. وَمَتَى تَجَاوَزَ صَارَ سَبَبَ الأَضْرَارِ. انْظُرُوا إِلَى تَمَدُّنِ أَهْلِ الْغَرْبِ كَيْفَ أَصْبَحَ سَبَبَاً لاضْطِرَابِ الْعَالَمِ وَوَحْشَتِهِمْ حَيْثُ هُيِّئَتْ آلاَتٌ جَهَنَّمِيَّةٌ وَظَهَرَتْ قَسَاوَةٌ لِقَتْلِ النُّفُوسِ بِدَرَجَةٍ لَمْ تَرَ عَيْنُ الْعَالَمِ شِبْهَهَا. وَلَمْ تَسْمَعْ آذَانُ الأُمَمِ نَظِيرَهَا. وَإِنَّ إِصْلاَحَ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْقَوِيَّةِ الْقَاهِرَةِ مُسْتَحِيلٌ إِلاَّ بِاتِّحَادِ أَحْزَابِ الْعَالَمِ فِي الأُمُورِ أَوْ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ. اسْمَعُوا نِدَاءَ الْمَظْلُومِ وَتَمَسَّكُوا بِالصُّلْحِ الأَكْبَرِ.
87
إِنَّ فِي الأَرْضِ أَسْبَابَاً عَجِيبَةً غَرِيبَةً. وَلَكِنَّهَا مَسْتُورَةٌ عَنِ الأَفْئِدَةِ وَالْعُقُولِ. وَتِلْكَ الأَسْبَابُ قَادِرَةٌ عَلَى تَبْدِيلِ هَوَاءِ الأَرْضِ كُلِّهَا. وَسَمِّيَّتُهَا سَبَبٌ لِلْهَلاَكِ.
سُبْحَانَ اللهِ قَدْ شُوهِدَ أَمْرٌ عَجِيبٌ. وَهُوَ أَنَّ الْبَرْقَ أَوْ مَا يُمَاثِلُهُ مُطِيعٌ لِلْقَائِدِ وَيَتَحَرَّكُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى الْقَادِرُ الَّذِي أَظْهَرَ مَا أَرَادَ بِأَمْرِهِ الْمُحْكَمِ الْمَتِينِ.
يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ إِنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِنَ الأَوَامِرِ الْمُنْزَلَةِ حِصْنٌ مُحْكَمٌ لِحِفْظِ الْوُجُودِ. إِنَّ الْمَظْلُومَ مَا أَرَادَ إِلاَّ حِفْظَكُمْ وَارْتِقَاءَكُمْ. نُوصِي رِجَالَ بَيْتِ الْعَدْلِ وَنَأْمُرُهُمْ بِحِفْظِ الْعِبَادِ وَصِيَانَةِ الإِمَاءِ وَالأَطْفَالِ. وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعُوا فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ مَصَالِحَ الْعِبَادِ. طُوبَى لأَمِيرٍ أَخَذَ يَدَ الأَسِيرِ وَلِغَنِيٍّ تَوَجَّهَ إِلَى الْفَقِيرِ وَلِعَادِلٍ أَخَذَ حَقَّ الْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ وَلأَمِينٍ عَمِلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ.
يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ عَلَيْكَ بَهَائِي وَثَنَائِي. إِنَّ النَّصَائِحَ وَالْمَوَاعِظَ قَدْ أَحَاطَتِ الْعَالَمَ وَمَعَ ذَلِكَ صَارَتْ سَبَبَاً لِلأَحْزَانِ لاَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ لأَنَّ بَعْضَاً مِنْ مُدَّعِي الْمَحَبَّةِ طَغَوْا وَأَوْرَدُوا عَلَيْنَا مَا لَمْ يَرِدْ مِنَ الْمِلَلِ السَّابِقَةِ وَلاَ مِنْ عُلَمَاءِ إِيرَانَ.
قُلْنَا مِنْ قَبْلُ لَيْسَ بَلِيَّتِي سِجْنِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعْدَائِي
88
بَلْ عَمَلَ أَحِبَّائِي الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى نَفْسِي وَيَرْتَكِبُونَ مَا يَنُوحُ بِهِ قَلْبِي وَقَلَمِي. وَقَدْ تَكَرَّرَ نُزُولُ أَمْثَالِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ وَلَكِنْ مَا أَفَادَتِ الْغَافِلِينَ نَفْعَاً لأَنَّهُمْ أُسَرَآءُ النَّفْسِ وَالْهَوَى.
اسْأَلِ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الرُّجُوعِ وَالإِنَابَةِ. فَمَا دَامَتِ النَّفْسُ بَاقِيَةً عَلَى مُشْتَهَيَاتِهَا فَلاَ مَحَالَةَ مِنَ الْجُرْمِ وَالْخَطَأِ. وَالْمَأْمُولُ أَنْ تُدْرِكَ الْكُلَّ يَدُ الْعَطِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَتُزَيِّنَ الْكُلَّ بِطِرَازِ الْعَفْوِ وَالْعَطَاءِ. وَكَذَلِكَ تَحْفَظَهُمْ مِمَّا يُوجِبُ تَضْيِيعَ أَمْرِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
كَلِمَةُ اللهِ
فِي الوِرْقِ العَاشِرِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
يَا أَهْلَ الأَرْضِ إِنَّ الانْزِوَآءَ وَالرِّيَاضَاتِ الشَّاقَةَ غَيْرُ فَائِزَةٍ بِعِزِّ الْقَبُولِ. وَأَرْبَابُ الْبَصَرِ وَالْعَقْلِ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ سَبَبُ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. وَظَهَرَتْ أَمْثَالُ هَذِهِ الأُمُورِ مِنْ أَصْلاَبِ الظُّنُونِ وَتَوَلَّدَتْ مِنْ بُطُونِ الأَوْهَامِ. وَلَمْ تَلِقْ لأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَنْ تَلِيقَ.
وَقَدْ سَكَنَ بَعْضٌ مِنَ الْعِبَادِ سَابِقَاً وَلاَحِقَاً فِي كُهُوفِ الْجِبَالِ
89
وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ الآخَرُ إِلَى الْقُبُورِ فِي اللَّيَالِي. قُلْ اسْمَعُوا نُصْحَ الْمَظْلُومِ وَاتْرُكُوا مَا عِنْدَكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَقُولُهُ النَّاصِحُ الأَمِينُ. لاَ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَمَّا خُلِقَ لَكُمْ. إِنَّ الإِنْفَاقَ عِنْدَ اللهِ مَحْبُوبٌ وَمَقْبُولٌ وَيُعَدُّ مِن سَيِّدِ الأَعْمَالِ. انْظُرُوا ثُمَّ اذْكُرُوا مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقانِ [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولِئَكِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]6. وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْمُبَارَكَةَ شَمْسُ الْكَلِمَاتِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. طُوبَى لِمَنْ اخْتَارَ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَهَآءِ فِي السَّفِينَةِ الْحَمْرَآءِ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ.
كَلِمَةُ اللهِ
في الوِرْقِ الحَادِي عَشَرَ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى
إِنَّا نَأْمُرُ مَظَاهِرَ الأَسْمَآءِ وَالصِّفَاتِ أَنْ يَتَمَسَّكَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الآنِ فَصَاعِدَاً بِمَا ظَهَرَ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَلاَ يَكُونُوا أَسْبَابَ الاخْتِلاَفِ. وَأَنْ يَظَلُّوا إِلَى الآخِرِ الَّذِي لاَ آخِرَ لَهُ نَاظِرِينَ إِلَى آفَاقِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُشْرِقَاتِ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ. فَإِنَّ الاخْتِلاَفَ سَبَبٌ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَعِلَّةٌ لانْقِلاَبِ الْعِبَادِ. اسْمَعُوا نِدَآءَ
90
الْمَظْلُومِ وَلاَ تَتَجَاوَزُوا عَنْهُ فَإِذَا تَفَكَّرَتْ نَفْسٌ فِيمَا نُزِّلَ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي هَذَا الظُّهُورِ تَيَقَّنَتْ بِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ إِثْبَاتَ مَقَامٍ أَوْ شَأْنٍ لِنَفْسِهِ. بَلْ أَرَدْنَا بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْعَالِيَاتِ أَنْ نَجْذِبَ النُّفُوسَ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى وَنَجْعَلَهَا مُسْتَعِدَّةً لإِصْغَآءِ مَا هُوَ سَبَبُ التَّنْزِيهِ وَالتَّطْهِيرِ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنِ اخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلْبِي وَقَلَمِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي. فَلْيَتَوَجَّهِ الْكُلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلَى الْخَزَائِنِ الْمَكْنُونَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ.
يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ إِنَّ الْقُوَّةَ الْمُفَكِّرَةَ هِيَ مَخْزَنُ الصَّنَائِعِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ فَاجْتَهِدُوا حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ هَذَا الْمَعْدِنِ الْحَقِيقِيِّ لآلِئُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. وَتَكُونَ سَبَبَ الرَّاحَةِ وَالاتِّحَادِ لِلأَحْزَابِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْعَالَمِ. وَإِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالْعِزَّةِ وَالْعَذَابِ أَمَرَ الْكُلَّ بِالْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ وَالشَّفَقَةِ وَالاتِّحَادِ.
وَكُلُّ يَوْمٍ ظَهَرَ قَلِيلٌ مِنَ السُّمُوِّ وَالْعُلُوِّ خَرَجَتْ نُفُوسٌ مَسْتُورَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَتَفَوَّهُوا بِمُفْتَرَيَاتٍ أَحَدِّ مِنَ السَّيْفِ مُتَمَسِّكِينَ بِالْكَلِمَاتِ الْمَرْدُودَةِ الْمَجْعُولَةِ وَعَنْ بَحْرِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ مَحْرُومُونَ وَمَمْنُوعُونَ.
وَلَوْ لَمْ تَحُلْ تِلْكَ الْحُجُبَاتُ لَسُخِّرَتْ إِيرَانُ بِالْبيَانِ
91
فِي سَنَتَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ وَارْتَفَعَ مَقَامُ الدَّوْلَةِ وَالْمِلَّةِ لأَنَّ الْمَقْصُودَ كَانَ يَظْهَرُ بِكَمَالِ الظُّهُورِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَخَفَآءٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ قُلْنَا كُلَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ. تَارَةً بِالتَّصْرِيحِ وَأُخْرَى بِالتَّلْوِيحِ وَإِنَّ مِنْ بَعْدِ إِصْلاَحِ إِيرَانَ كَانَتْ تَتَضَوَّعُ نَفَحَاتُ الْكَلِمَةِ فِي سَائِرِ الْمَمَالِكِ لأَنَّ مَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى كَانَ وَلاَ يَزَالُ هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَسُمُوِّهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ. وَهُوَ الدِّرْيَاقُ الأَعْظَمُ لِكُلِّ الأَمْرَاضِ لَوْ هُمْ يَفْقَهُونَ وَيَشْعُرُونَ.
وَقَدْ فَازَ بِالْحُضُورِ وَاللِّقَاءِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ حَضَرَاتُ الأَفْنَانِ7 وَالأَمِينُ8 عَلَيْهِمْ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَكَذَلِكَ حَضَرَ نَبِيلُ ابْنُ نَبِيلِ9وَابْنُ سَمَنْدَرَ10عَلَيْهِمْ بَهَاءُ اللهِ وَعِنَايَتُهُ وَرُزِقُوا مِنْ كَأْسِ الْوِصَالِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُمْ خَيْرَ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَمَاءِ فَضْلِهِ وَسَحَابِ رَحْمَتِهِ بَرَكَةً مِنْ عِنْدِهِ وَرَحْمَةً مِنْ لَدُنْهُ إِنَّهُ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ.
يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ إِنَّ رَقِيمَتَكَ الأُخْرَى الَّتِي أَرْسَلْتَهَا بِاسْمِ الْجُودِ11 فَازَتْ بِسَاحَةِ الأَقْدَسِ. وَللهِ الْحَمْدُ كَانَتْ مُزَيَّنَةً بِنُورِ التَّوْحِيدِ وَالتَّقْدِيسِ وَمُشْتِعَلَةً بِنَارِ الْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ. فَاطْلُبْ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَهَبَ لِلأَبْصَارِ قُوَّةً وَيُنَوِّرَهَا بِأَنْوَارٍ جَدِيدَةٍ لَعَلَّهَا تَفُوزُ بِمَا لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَ مَثِيلَ. إِنَّ آيَاتِ أُمِّ
92
الْكِتَابِ الْيَوْمَ مُشْرِقَةٌ وَلاَئِحَةٌ كَالشَّمْسِ وَلاَ تَشْتَبِهُ قَطُّ بِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. إِنَّ الْمَظْلُومَ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَدِلَّ فِي أَمْرِهِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُحِيطُ وَمَا سِوَاهُ مُحَاطٌ. قُلْ يَا قَوْمِ اقْرَؤُا مَا عِنْدَكُمْ وَنَقْرَأُ مَا عِنْدَنَا لَعَمْرُ اللهِ لاَ يُذْكَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَذْكَارُ الْعَالَمِ وَمَا عِنْدَ الأُمَمِ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ. إِنَّهُ هُوَ اللهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ الْمُعْرِضِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ لَمْ يُعْلَمْ بِأَيِّ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ أَعْرَضُوا عَنْ سَيِّدِ الإِمْكَانِ. فَإِنَّ مَقَامَ هَذَا الأَمْرِ فَوْقَ مَقَامِ مَا ظَهَرَ وَيَظْهَرُ.
وَلَوْ حَضَرَ الْيَوْمَ نُقْطَةُ الْبَيَانِ وَتَوَقَّفَ فِي التَّصْدِيقِ – وَالْعِيَاذُ بِاللهِ – لَكَانَ مِصْدَاقَاً لِلْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنْ مَطْلِعِ بَيَانِهِ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ الْحقُّ: حَقٌّ لِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ أَنْ يَرُدَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مِنْهُ فَوْقَ الأَرْضِ. قُلْ أَيُّهَا الْجُهَلاَءُ إِنَّ حَضْرَتَهُ يَنْطِقُ الْيَوْمَ بِأَنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. فَبِضَاعَةُ عِرْفَانِ النَّاسِ مُزْجَاةٌ وَقُوَّةُ إِدْرَاكِهِمْ ضَعِيفَةٌ. شَهِدَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِفَقْرِهِمْ وَغَنَاءِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ وَهُوَ الْحَقُّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. قَدْ نُزِّلَ أُمُّ الْكِتَابِ وَالْوَهَّابُ فِي مَقَامٍ مَحْمُودٍ. قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَوْمُ لاَ يَفْقَهُونَ. قَدْ أَتَتِ الآيَاتُ وَمُنْزِلُهَا فِي حُزْنٍ مَشْهُودٍ. قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مَا نَاحَ بِهِ الْوُجُودُ.
93
قُلْ يَا يِحْيَى12 فَأتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ ذَا عِلْمٍ رَشِيدٍ. هَذَا مَا نَطَقَ بِهِ مُبَشِّرِي مِنْ قَبْلُ. وَفِي هَذَا الْحِينِ يَقُولُ إِنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. أَنْصِفْ يَا أَخِي هَلْ كُنْتَ ذَا بَيَانٍ عِنْدَ أَمْوَاجِ بَحْرِ بَيَانِي وَهَلْ كُنْتَ ذَا نِدَآءٍ لَدَى صَرِيرِ قَلَمِي وَهَلْ كُنْتَ ذَا قُدْرَةٍ عِنْدَ ظُهُورَاتِ قُدْرَتِي. أَنْصِفْ بِاللهِ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ كُنْتَ قَائِمَاً لَدَى الْمَظْلُومِ وَنُلْقِي عَلَيْكَ آيَاتِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ إِيَّاكَ أَنْ يَمْنَعَكَ مَطْلِعُ الْكَذِبِ عَنْ هَذَا الصِّدْقِ الْمُبِينِ.
يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الْوَجْهِ قُلْ أَيُّهَا الْعِبَادُ الْغَافِلُونَ قَدْ حُرِمْتُمْ بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ وَمُنِعْتُمْ بِذَرَّةٍ عَنْ تَجَلِيَّاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ. لَوْلاَ الْبَهَاءُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَمَامَ الْوُجُوهِ أَنْصِفُوا وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الظَّالِمِينَ. بِهِ مَاجَتِ الْبِحَارُ وَظَهَرْتِ الأَسْرَارُ وَنَطَقَتِ الأَشْجَارُ الْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ للهِ مُنْزِلِ الآيَاتِ وَمُظْهِرِ الْبَيِّنَاتِ.
انْظُرُوا إِلَى الْبَيَانِ الْفَارِسِيِّ لِحَضْرَةِ الْمُبَشِّرِ وَطَالِعُوهُ بِبَصَرِ الْعَدْلِ. إِنَّهُ يَهْدِيكُمْ إِلَى صِرَاطٍ يَنْطِقُ فِي هَذَا الْحِينِ بِمَا نَطَقَ لِسَانُهُ مِنْ قَبْلُ إِذْ كَانَ مُسْتَوِيَاً عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ. وَلَقَدْ ذَكَرْتَ أَوْلِيَاءَ تِلْكَ الْجِهَاتِ فِلِلّهِ الْحَمْدُ فَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذِكْرِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. وَلَقَدْ جَرَتْ أَسْمَاءُ الْكُلِّ مِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ في مَلَكُوتِ الْبَيَانِ. طُوبَى لَهُمْ وَنَعِيمَاً لَهُمْ بِمَا
94
شَرِبُوا رَحِيقَ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ مِنْ أَيَادِي عَطَآءِ رَبِّهِمِ الْمُشْفِقِ الْكَرِيمِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُمْ عَلَى الاسْتِقَامَةِ الْكُبْرَى. وَيُمِدَّهُمْ بِجُنُودِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. كَبِّرْ مِنْ قِبَلِي عَلَيْهِمْ وَبَشِّرْهُمْ بِمَا أَشْرَقَ وَلاَحَ نَيِّرُ الذِّكْرِ مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ عَطَاءِ رَبِّهِمِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ. وَذَكَرْتَ جَنَابَ حُسَيْن إِنَّا زَيَّنَّا هَيْكَلَهُ بِطِرَازِ الْعَفْوِ وَرَأْسَهُ بِإِكْلِيلِ الْغُفْرَانِ لَهُ أَنْ يُبَاهِي بَيْنَ الأَنَامِ بِهَذَا الْفَضْلِ الْمُشْرِقِ اللاَّئِحِ الْمُبِينِ. قُلْ لاَ تَحْزَنْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ كَأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فِي هَذَا الْحِينِ. قُلْ لِيْسَ لَكَ ذَنْبٌ وَلاَ خَطَأٌ. قَدْ طَهَّرَكَ اللهُ مِنْ كَوْثَرِ بَيَانِهِ فِي سِجْنِهِ الْعَظِيمِ نَسْأَلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُؤَيِّدَكَ عَلَى ذِكْرِهِ وَثَنَائِهِ. وَيُمِدَّكَ بِجُنُودِ الْغَيْبِ إِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ.
ذَكَرْتُمْ أَهْلَ طَار13. إِنَّا أَقْبَلْنَا إِلَى عِبَادِ اللهِ هُنَاكَ وَنُوصِيهِمْ فِي أَوَّلِ الْبَيَانِ بِمَا أَنْزَلَهُ نُقْطَةُ الْبَيَانِ لِهَذَا الظُّهُورِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَسْمَاءِ وَسَقَطَتْ أَصْنَامُ الأَوْهَامِ. وَنَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ مِنْ أُفُقِهِ الأَعْلَى تَاللهِ قَدْ ظَهَرَ الْكَنْزُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ الْمَخْزُونُ الَّذِي بِهِ ابْتَسَمَ ثَغْرُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: وَقَدْ كَتَبْتُ جَوْهَرَةً فِي ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُسْتَشَارُ بِإِشَارَتِي وَلاَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ. وَنُوصِيهِمْ بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَالأَمَاَنِة وَالدِّيَانَةِ وَمَا تَرْتَفِعُ بِهِ كَلِمَةُ اللهِ وَمَقَاماتُهُمْ بَيْنَ العِبادِ
95
وَأَنَا النَّاصِحُ بِالْعَدْلِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ جَرَى مِنْ قَلَمِهِ فُرَاتُ الرَّحْمَةِ وَمِنْ بَيَانِهِ كَوْثَرُ الْحَيَوَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. تَعَالَى هَذَا الْفَضْلُ الأَعْظَمُ وَتَبَاهَى هَذَا الْعَطَآءُ الْمُبِينُ. يَا أَهْلَ طَارَ اسْمَعُوا نِدَآءَ الْمُخْتَارِ إِنَّهُ يُذَكِّرُكُمْ بِمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِنَّهُ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ مِنْ سِجْنِ عَكَّاءَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مَا تَبْقَى بِهِ أَذْكَارُكُمْ وَأَسْمَاؤُكُمْ فِي كِتَابٍ لاَ يَأْخُذُهُ الْمَحْوُ وَلاَ تُبَدِّلُهُ شُبُهَاتُ الْمُعْرِضِينَ. ضَعُوا مَا عِنْدَ الْقَوْمِ وَخُذُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ تُنَادِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَتَقُولُ يَا قَوْمِ انْظُرُوا أَثْمَارِي وَأَوْرَاقِي ثُمَّ اسْتَمِعُوا حَفِيفِي إِيَّاكُمْ أَنْ تَمْنَعَكُمْ شُبُهَاتُ الْقَوْمِ عَنْ نُورِ الْيَقِينِ وَبَحْرُ الْبَيَانِ يُنَادِي وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الأَرْضِ انْظُرُوا إِلَى أَمْوَاجِي وَمَا ظَهَرَ مِنِّي مِنْ لآلِئِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ الْغَافِلِينَ.
لَقَدْ قَامَ الْيَوْمَ عِيدٌ عَظِيمٌ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ ظَهَرَ كُلُّ مَا وُعِدَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ الأَكْبَرِ. يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَقْصِدُوا بِسَاطَ الْقُرْبِ بِكَمَالِ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالسُّرُورِ وَالانْبِسَاطِ. وَيُنَجُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ نَارِ الْبُعْدِ.
يَا أَهْلَ طَارَ خُذُوا بِقُوِّةِ اسْمِي الأَعْظَمْ كُؤُوسَ الْعِرْفَانِ. ثُمَّ اشْرَبُوا مِنْهَا رَغْمَاً لأَهْلِ الإِمْكَانِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَأَنْكَرُوا حُجَّتَهُ وَبُرْهَانَهُ وَجَادَلُوا بِآيَاتِهِ الَّتِي أَحَاطَتْ
96
عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. يُشَاهَدُ الْمُعْرِضُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ بِمَثَابَةِ حِزْبِ الشِّيعَةِ. وَيَمْشُونَ عَلَى قَدَمِهِمْ. ذَرُوهُمْ فِي أَوْهَامِهِمْ وَظُنُونِهِمْ إِنَّهُمْ مِنَ الأَخْسَرِينَ فِي كِتَابِ اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. فَجَمِيعُ عُلَمَآءِ الشِّيعَةِ مُشْتَغِلُونَ الآنَ عَلَى الْمَنَابِرِ بِسَبِّ الْحَقِّ وَلَعْنِهِ فَسُبْحَانَ اللهِ إِنَّ دَوْلَتْ آبَادِي14 أَصْبَحَ أَيْضَاً مُتَابِعَاً لِهَؤُلاَءِ فَارْتَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَكَلَّمَ بِمَا صَاحَ بِهِ اللَّوْحُ وَنَاحَ الْقَلَمُ. تَفَكَّرُوا فِي عَمَلِهِ وَعَمَلِ أَشْرَفَ15عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي. وَكَذَلِكَ تَفَكَّرُوا فِي الأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَصَدُوا بِهَذَا الاسْمِ مَقَرَّ الْفِدَآءِ وَأَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ. فَالأَمْرُ ظَاهِرٌ وَلاَئِحٌ كَالشَّمْسِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ صَارُوا حِجَابَ أَنْفُسِهِمْ. نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى الرُّجُوعِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. يَا أَهْلَ طَارَ إِنَّا نُكَبِّرُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَنَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَسْقِيكُمْ رَحِيقَ الاسْتِقَامَةِ مِنْ أَيَادِي عَطَائِهِ إِنَّهُ هُوَ الْفَيَّاضُ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ. دَعُوا غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنَ الأَنَامِ الَّذِينَ يَتَحَرَّكُونَ بِالْهَوَى وَيَتَشَبَّثُونَ بِمَطَالِعِ الأَوْهَامِ. إِنَّهُ مُؤَيِّدُكُمْ وَمُعِينُكُمْ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَآءُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْعَزِيزُ الْعَظِيمُ. الْبَهَآءُ مِنْ لَدُنّا عَلَى الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى مَشْرِقِ الظُّهُورِ وَأَقَرُّوا وَاعْتَرَفُوا بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُ الْبَيَانِ فِي مَلَكُوتِ الْعِرْفَانِ فِي
97
هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ.
_______________
(1) ميرزا حيدر علي هو المبلّغ المشهور والمؤلّف البارز أمضى تسعة أعوام منفيّاً وسجيناً في مدينة الخرطوم، قام بأسفار متتالية وواسعة النّطاق في أنحاء إيران وصعد إلى الملكوت الأبهى عام 1920 في الأراضي المقدسة، له «دلائل العرفان» و«بهجة الصّدور» و«كتاب سيرة أبي الفضائل».
(2) القرآن الكريم سورة سبأ الآية 13.
(3) حضرة الرّوح هو عيسى ابن مريم عليه السّلام.
(4) الحكيم السّبزواري هو الحاج ملاّ هادي السّبزواري الفيلسوف والشّاعر الشّهير عاصر بهاءالله، توفي عام 1873.
(5) سيّد مدينة التّدبير والإنشاء هو ميرزا أبو القاسم فراهاني الملقب بقائم مقام كان عالماً وشاعراً شهيراً إبّان عهد فتح علي شاه القاجاري وكان صديقاً لميرزا بزرك والد بهاءالله، ثمّ أصبح رئيساً للوزراء عام 1821، وفي عام 1825 حكم عليه بالموت بأمر من محمد شاه القاجاري بتحريض من الحاج ميرزا آغاسي الذي كان رئيس الوزراء آنذاك.
(6) القرآن الكريم سورة الحشر الآية 9.
(7) الأفنان هم المنتمون إلى أسرة حضرة الباب.
(8) الأمين هو أيادي أمرالله الحاج أبو الحسن أردكاني أمين حقوق الله.
(9) نبيل ابن نبيل هو الشّيخ محمد علي القزويني أحد الأحبّاء المخلصين.
(10) سمندر هو الشّيخ محمد كاظم القزويني أحد المبلّغين البارزين له «تاريخ سمندر».
(11) اسم الجود هو محمد جواد القزويني الذي منحه بهاءالله لقب «اسم الله الجود». نسخ العديد من ألواح بهاءالله حين نزولها، لكنّه نقض العهد بعد صعود بهاءالله (راجع God Passes By لحضرة شوقي أفندي ربّاني الصفحة 247، 319).
(12) يحيى هو الميرزا يحيى الملقب ﺒ«أزل» أخ بهاءالله غير الشّقيق.
(13) طار قرية واقعة في محافظة أصفهان.
(14) راجع الهامش الثّالث من الصفحة 61.
(15) ميرزا أشرف أحد الأحبّاء الأوفياء، استشهد في سبيل الأمر المبارك بمدينة أصفهان في عهد بهاءالله (راجع God Passes By ص210).
98
لَوْحُ الدُّنْيَا
99
صفحة خالية
بِسْمِيَ النَّاطِقِ فِي مَلَكُوتِ الْبَيَانِ
حَمْدَاً وَثَنَآءً للهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِمَا وَحْدَهُ وَالْمُتَفَرِّدُ بِسُلْطَانِهِ الْمُبِينِ وَالَّذِي زَيَّنَ السِّجْنَ الْمَتِينَ بِحُضُورِ حَضْرَةِ عَلِيِّ قَبْلَ أَكْبَر1 وَحَضْرَةِ أَمِين2وَطَرَّزَهُ بِأَنْوَارِ الإِيقَانِ وَالاسْتِقَامَةِ وَالاطْمِئْنَانِ عَلَيْهِمَا بَهَاءُ اللهِ وَبَهَآءُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. النُّورُ وَالْبَهَآءُ وَالتَّكْبِيرُ وَالثَّنَاءُ عَلَى أَيَادِي أَمْرِهِ الَّذِينَ بِهِمْ أَشْرَقَ نُورُ الاصْطِبَارِ وَثَبَتَ حُكْمُ الاخْتِيَارِ للهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ. وَبِهِمْ مَاجَ بَحْرُ الَعَطَآءِ وَهَاجَ عَرْفُ عِنَايَةِ اللهِ مَوْلَى الْوَرَى. نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَهُمْ بِجُنُودِهِ وَيَحْرُسَهُمْ بِسُلْطَانِهِ وَيَنْصُرَهُمْ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي غَلَبَتِ الأَشْيَآءَ. الْمُلْكُ للهِ فَاطِرِ السَّمآءِ وَمَالِكِ مَلَكُوتِ الأَسْمآءِ. يَقُولُ النَّبَأُ الْعَظِيمُ يَا أَصْحَابَ إِيرَانَ كُنْتُمْ مَشَارِقَ الرَّحْمَةِ وَمَطَالِعَ الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَكَانَتْ آفَاقُ الْوُجُودِ مُنَوَّرَةً وَمُزَيَّنَةً بِنُورِ عَقْلِكُمْ وَعِلْمِكُمْ. فَمَا بَالُكُمْ أَلْقَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَأَحْبَابَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. يَا أَفْنَانِي عَلَيْكَ بَهَائِي وَعِنَايَتِي إِنَّ خَيْمَةَ الأَمْرِ الإِلَهِيِّ عَظِيمَةٌ وَلَمْ
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
1 comment:
هنيئا لك
تحياتى اليك ولأمثالك من العباقرة المخربين مثيرى الفتنه بين افراد الوطن الواحد
تحياتى اليك والى هيكلك المسخ فقد جعلت نفسك عدوا لله سبحانه وتعالى بكلمات هى العن من هتك عرض المحارم
اسمحلى ان انقل اليك كلمات هى بمثاية الحب والوفاء التى احملها اليك والى الكثير ممن انتهجوا سبيلك سبيل المرتزقة
واسمحلى أقول لك اذا كنت انت ممن ينتهجون منهج البهاء المزعوم فهنيئا لك به فقد اخترت لنفسك حقا ما تستحق ؛ الا أنى أحمل لك البشرى بأنه سيأتى يوم الندامه التى تتمنى أن يعود بك العمر لكى تعود الى النهج الصحيح ولكن هيهات
أما ان كنت من المرتزقه من مزيفى العقول والاديان من الملحدين الخائبين التائهين فى ظلمات بحر الفساد فأقول لك اجمع ما شئت من النقود والغنائم
اجمع ما شئت من الشهرة والمجد المزعوم
ولكن اعلم بأنك لن تستطيع أن تجمع لنفسك السعادة واتحداك ان كنت سعيدا فى حياتك
وسوف ترى ما تستحق من الله بعد مماتك
واعلم بان الفرصه بيدك الان فاغتنمها قبل أن يدهسك قطار الحياة وتجد نفسك بين يدى من خلقك ويسألك عن ما فعلته بالخلق والفساد الذى نشرته فى المجتمع بين الناس
هذه الكلمات احملها اليك خوفا عليك فافعل ما شئت
للمراسلة فهذا بريدى
all4all_all@yahoo.com
Post a Comment