Monday, May 14, 2007

ألواح - بهاءالله(2)ا

101

تَزَلْ تَبْقَى مُظَلِّلَةً عَلَى جَمِيعِ أَحْزَابِ الْعَالَمِ. إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُكُمْ وَأَلْفُ لَوْحٍ شَاهِدٌ لَكُمْ. قُومُوا عَلَى نُصْرَةِ الأَمْرِ وَسَخِّرُوا قُلُوبَ أَهْلِ الْعَالَمِ وَأَفْئِدَتَهُمْ بِجُنُودِ الْبَيَانِ. يَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكُمْ مَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ بُؤَسَآءِ الأَرْضِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. شُدُّوا أَزْرَ الْهِمَّةِ عَسَى أَنْ يَتَحَرَّرَ الْعِبَادُ مِنَ الأَسْرِ وَيَنَالُوا الْحُرِيَّةَ. قَدِ ارْتَفَعَ الْيَوْمَ أَنِينُ الْعَدْلِ وَحَنِينُ الإِنْصَافِ وَأَحَاطَ الْعَالَمَ وَالأُمَمَ دُخَانُ الظُّلْمِ الْقَاتِمُ. قَدْ نُفِخَتْ بِحَرَكَةٍ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى رُوحٌ جَدِيدَةٌ لِلْمَعَانِي فِي أَجْسَادِ الأَلْفَاظِ بِأَمْرٍ مِنَ الآمِرِ الْحَقِيقِيِّ. وَآثَارُهَا ظَاهِرَةٌ لاَئِحَةٌ فِي جَمِيعِ أَشْيَاءِ الْعَالَمِ. هَذِهِ هِيَ الْبِشَارَةُ الْعُظْمَى الَّتِي جَرَتْ مِنْ قَلَمِ هَذَا الْمَظْلُومِ. قُلْ يَا أَيُّهَا الأَحِبَّآءُ لِمَ الْخَوْفُ وَمِمَّنِ الرُّعْبُ. كَانَتِ طِفَالُ هَذِهِ الأَرْضِ وَلَمْ تَزَلْ تَتَلاَشَى بِأَقَلِّ رُطُوبَةٍ. فَنَفْسُ الاجْتِمَاعِ هُوَ عِلَّةُ تَفْرِيقِ النُّفُوسِ الْمَوْهُومَةِ. النِّزَاعُ وَالْجِدَالُ شَأْنُ سِبَاعِ الأَرْضِ. لَقَدْ عَادَتْ سُيُوفُ الْبَابِيِّينَ الشَّاحِذَةُ إِلَى أَغْمَادِهَا بِمَدَدٍ مِنَ اللهِ الْبَارِئِ وَبِالأَقْوَالِ الطَّيِّبَةِ وَالأَعْمَالِ الْحَمِيدَةِ. لَمْ يَزَلِ الأَخْيَارُ امْتَلَكُوا حَدَائِقَ الْوُجُودِ بِالْبَيَانِ. قُلْ يَا أَيُّهَا الأَحِبَّآءُ لاَ تَدَعُوا زِمَامَ الْحِكْمَةِ يَفْلِتُ مِنْ أَيْدِيكُمْ. أَصْغُوْا إِلَى نَصَائِحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى بِآذَانٍ وَاعِيَةٍ. يَجِبُ أَنْ يَسْلَمَ عُمُومُ أَهْلِ الْعَالَمِ مِنْ ضَرِّ أَيْدِيكُمْ وَأَلْسُنِكُمْ. قَدْ نُزِّلَ فِي

102

الكِتَابِ الأَقْدَسِ فِي مَا يَخْتَصُّ بِأَرْضِ الطَّآءِ مَا هُوَ سَبَبُ انْتِبَاهِ جَمِيعِ الْبَشَرِ. لَقَدْ اغْتَصَبَ ظَالِمُو الْعَالَمِ حُقُوقَ الأُمَمِ وَكَانُوا وَلاَ يَزَالُونَ مُنْهَمِكِينَ فِي مُشْتَهَيَاتِ أَنْفُسِهِمْ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ. فَسَالَتْ عَبَرَاتُ عُيُونِ الْمَلأِ الأَعْلَى دَمَاً لِمَا ظَهَرَ مِنْ ظَالِمِ أَرْضِ الْيَاءِ3. يَا أَيُّهَا الشَّارِبُ رَحِيقَ بَيَانِي وَالنَّاظِرُ إِلَى أُفُقِ ظُهُورِي تُرَى مَا بَالُ أَهْلِ إِيرَانَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُم سَابِقٌ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ تَرَاهُمُ الْيَوْمَ أَحَطَّ أَحْزَابِ الْعَالَمِ جَمْعَآءَ. يَا قَوْمِ لاَ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ فُيُوضَاتِ الْفَيَّاضِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْمُنِيرِ. لَقَدْ هَطَلَتِ الْيَوْمَ مِنْ سَحَابِ رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ أَمْطَارُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. طُوبَى لِمَنْ أَنْصَفَ فِي الأَمْرِ وَوَيْلٌ لِلظَّالِمِينَ. يَشْهَدُ الْيَوْمَ كُلُّ نَبِيهٍ بِأَنَّ الْبَيَانَاتِ النَّازِلَةَ مِنْ قَلَمِ هَذَا الْمَظْلُومِ هِيَ الْعِلَّةُ الْعُظْمَى لِرَفْعِ شَأْنِ الْبَشَرِ وَارْتِقَاءِ الأُمَمِ. قُلْ يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ انْصُرُوا أَنْفُسَكُمْ بِقُوَّةٍ مَلَكُوتِيَّةٍ لَعَلَّ الأَرْضَ تَتَطَهَّرُ مِنْ أَصْنَامِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ الَّتِي هِيَ حَقَّاً عِلَّةُ خُسْرَانِ الْعِبَادِ الْمَسَاكِينِ وَذُلِّهِم. وَلَقَدْ حَالَتْ هَذِهِ الأَصْنَامُ دُونَ سُمُوِّ النَّاسِ وَارْتِقَائِهِمْ. يُرْجَى أَنْ تُخَلِّصَ يَدُ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ النَّاسَ مِنْ الذِّلَّةِ الْكُبْرَى بِعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ. وَقَدْ نُزِّلَ فِي أَحَدِ الأَلْوَاحِ: يَا حِزْبَ اللهِ لاَ تَنْهَمِكُوا فِي شُؤُونِ أَنْفُسِكُمْ بَلْ فَكِّرُوا فِي إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَتَهْذِيبِ الأُمَمِ.

103

لَمْ يَزَلْ كَانَ إِصْلاَحُ الْعَالَمِ بِالأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ وَالأَخْلاَقِ الرَّاضِيَةِ الْمَرْضِيَّةِ. إِنَّ نَاصِرَ الأَمْرِ هُوَ الأَعْمَالُ وَمُعِينَهُ الأَخْلاَقُ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ تَمَسَّكُوا بِتَقْوَى اللهِ هَذَا مَا حَكَمَ بِهِ الْمَظْلُومُ وَاخْتَارَهُ الْمُخْتَارُ.

أَيُّهَا الأَحِبَّآءُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْتَعِشُوا وَتَنْشَطُوا مِنْ شَآبِيبِ نَيْسَانِ الإِلَهِيِّ فِي هَذَا الرَّبِيعِ الرُّوحَانِيِّ. لَقَدْ سَطَعَ شُعَاعُ شَمْسِ الْعَظَمَةِ وَأَوْرَفَ ظِلُّ سَحَابِ الْعَطَآءِ, هَنِيئَاً لِمَنْ لَمْ يَحْرِمْ نَفْسَهُ وَعَرَفَ الْحَبِيبَ فِي هَذَا الْقَمِيصِ. قُلْ إِنَّ الشَّيَاطِينَ مُتَرَصِّدُونَ فِي كَمَائِنِهِمْ. انْتَبِهُوا وَحَرِّرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ الظُّلْمَةِ بِنُورِ الاسْمِ الْبَصِيرِ. وَلِتَكُنْ نَظْرَتُكُمْ شَامِلَةً لِلْعَالَمِ لاَ أَنْ تَنْحَصِرَ فِي نُفُوسِكُمْ. إِنَّ الشَّيَاطِينَ هُمْ أُنَاسٌ يَمْنَعُونَ الْعِبَادَ مِنْ إِعْلاَءِ شُؤُونِهِمْ وَيَحُولُونَ دُونَ ارْتِقَآءِ مَقَامَاتِهِمْ. الْيَوْمَ مِنَ الْوَاجِبِ وَاللاَّزِمِ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ شَأْنِ الدَّوْلَةِ الْعَادِلَةِ وَرَفْعِ مُسْتَوَى الأُمَّةِ. وَقَدْ فَتَحَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ أَبْوَابَ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ. قُلْنَا وَقَوْلُنَا الْحَقُّ عَاشِرُوا مَعَ الأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. فَمِنْ هَذَا الْبَيَانِ زَالَ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلتَّجَانُبِ وَعِلَّةً لِلتَّفْرِقَةِ وَالاخْتِلاَفِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ أَجْلِ رُقِيِّ النُّفُوسِ وُعُلُوِّ شَأْنِهِمْ مَا هُوَ الْبَابُ الأَعْظَمُ لِتَرْبِيَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. إِنَّ مَا نُزِّلَ فِي هَذَا

104

الظُّهُورِ الأَعْظَمِ مِنْ سَمَآءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ هُوَ سُلْطَانُ مَا ظَهَرَ مِنْ أَلْسُنِ الْمِلَلِ الأُولَى وَأَقْلاَمِهِمْ. وَلَقَدْ قِيلَ سَابِقَاً حُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ وَنَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ فِي يَوْمِ الظُّهُورِ لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. فَعَلَّمَ طُيورَ الأَفْئِدَةِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْعَالِيَاتِ طَيَرَانَاً جَدِيدَاً وَمَحَا التَّحْدِيدَ وَالتَّقْلِيدَ مِنَ الْكِتَابِ. إِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ قَدْ مَنَعَ حِزْبَ اللهِ عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ وَالتَّخَلُّقِ بِالأَخْلاَقِ الْمَرْضِيَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ. إِنَّ الْجُنُودَ الَّتِي تَنْصُرُ الأَمْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ هِيَ الأَعْمَالُ وَالأَخْلاَقُ طُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ. يَا حِزْبَ اللهِ أُوصِيكُمْ بِالأَدَبِ فَهُوَ سَيِّدُ الأَخْلاَقِ فِي الرُّتْبَةِ الأُولَى. طُوبَى لِنَفْسٍ تَنَوَّرَتْ بِنُورِ الأَدَبِ وَتَزَيَّنَتْ بِطِرَازِ الصِّدْقِ. فَصَاحِبُ الأَدَبِ صَاحِبُ مَقَامٍ عَظِيمٍ. وَالأَمَلُ أَنْ يَفُوزَ بِهِ هَذَا الْمَظْلُومُ وَالْجَمِيعُ وَأَنْ نَتَمَسَّكَ وَنَتَشَبَّثَ بِهِ وَنَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ. هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمُحْكَمُ الَّذِي نَزَلَ وَجَرَى مِنْ قَلَمِ الاسْمِ الأَعْظَمِ، الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ ظُهُورِ لآلِئِ الاسْتِقَامَةِ مِنْ مَعْدِنِ الإِنْسَانِ، يَا حِزْبَ الْعَدْلِ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضِيئُوا كَالنُّورِ وَتَشْتَعِلُوا كَنَارِ السِّدْرَةِ. فَنَارُ الْمَحَبَّةِ هَذِهِ تَجْمَعُ الأَحْزَابَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى بِسَاطٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا نَارُ الْبَغْضَاءِ فَهِيَ سَبَبُ الْجِدَالِ وَعِلَّةُ التَّفْرِيقِ.

105

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عِبَادَهُ مِنْ شَرِّ أَعْدَائِهِ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِنَّ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ قَدْ فَتَحَ وللهِ الْحَمْدُ أَبْوَابَ الْقُلُوبِ وَالأَفْئِدَةِ بِمِفْتَاحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى وَإِنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ الْمُنْزَلَةِ هِيَ بَابٌ مُبِينٌ لِظُهُورِ الأَخْلاَقِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالأَعْمَالِ الْمُقَدَسَّةِ وَلاَ يَخْتَصُّ هَذَا النِّدَآءُ وَهَذَا الذِّكْرُ بِمَمْلَكَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ. عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ طُرَّاً أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِمَا ظَهَرَ وَنَزَلَ كَيْ يَفُوزُوا بِالْحُرِّيَّةِ الْحَقَّةِ. إِنَّ الْعَالَمَ تَنَوَّرَ بِأَنْوَارِ نَيِّرِ الظُّهُورِ. إِذْ إِنَّ حَضْرَةَ الْمُبَشِّرِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ بَشَّرَ بِرُوحٍ جَدِيدَةٍ فِي سَنَةِ السِّتِّينَ (1260 هجرية) وَفِي سَنَةِ الثَّمَانِينَ (1280 هجرية) فَازَ الْعَالَمُ بِنُورٍ جَدِيدٍ وَرُوحٍ بَدِيعَةٍ. وَالآنَ غَدَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ مُسْتَعِدِّينَ لِلإِصْغَآءِ إِلَى الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا الَّتِي أُنِيطَ بِهَا بَعْثُ النَّاسِ وَحَشْرُهُمْ جَمِيعَاً. وَجَاءَ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرَآءَ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي سِجْنِ عَكَّاءَ مَا هُوَ سَبَبُ رُقِيِّ الْعِبَادِ وَعَمَارُ الْبِلاَدِ. مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ فِيهَا مِنْ قَلَمِ مَالِكِ الإِمْكَانِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ:

إِنَّ الأَسَاسَ الأَعْظَمَ الَّذِي أُنِيطَتْ بِهِ إِدَارَةُ الْعَالَمِ الإِنْسَانِيِّ هُوَ:
أَوَّلاً – يَجِبُ عَلَى وُزَرَآءِ بَيْتِ الْعَدْلِ أَنْ يُحَقِّقُوا الصُّلْحَ الأَكْبَرَ حَتَّى يَرْتَاحَ الْعَالَمُ وَيَتَخَلَّصَ مِنَ الْمَصَارِيفِ الْبَاهِظَةِ. وَهَذَا الأَمْرُ وَاجِبٌ وَضَرُورِيٌّ لأَنَّ الْحَرْبَ وَالنِّزَاعَ هُمَا أَسَاسُ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ.

106

ثَانِيَاً – يَجِبُ أَنْ تَنْحَصِرَ اللُّغَاتُ فِي لُغَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُدَرَّسَ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ.
ثَالِثَاً – يَجِبُ أَنْ يَتَشَبَّثُوا بِأَسْبَابٍ تُوجِدُ الأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالاتِّحَادَ.
رَابِعَاً – عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ قَاطِبَةً أَنْ يُودِعُوا قِسْطَاً مِمَّا يَحْصُلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ عَنْ طَرِيقِ اشْتِغَالِهِمْ بِالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَالأُمُورِ الأُخْرَى لَدَى أَمِينٍ لِصَرْفِهِ فِي أَمْرِ تَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ وَتَعْلِيمِهِمْ وَذَلِكَ بِإشْرَافِ أُمَنَآءِ بَيْتَ الْعَدْلِ.
خَامِسَاً – الاعْتِنَآءُ الْكَامِلُ بِأَمْرِ الزِّرَاعَةِ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ وَلَوْ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي الرُّتْبَةِ الْخَامِسَةِ وَلَكِنَّ فِي الْوَاقِعِ لَهَا الْمَقَامُ الأَوَّلُ. وَيُلاَحَظُ تَقَدُّمٌ مَلْمُوسٌ فِي هَذَا الأَمْرِ فِي الْمَمَالِكِ الأَجْنَبِيَّةِ. بَيْدَ أَنَّ أَمْرَهَا فِي إِيرَانَ مَا زَالَ مُعَوَّقَاً وَالأَمَلُ أَنْ يَعْتَنِيَ السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللهُ بِهَذَا الأَمْرِ الْعَظِيمِ الْخَطِيرِ. وَقُصَارَى الْقَوْلِ إِنَّهُمْ لَوْ يَتَمَسَّكُونَ بِمَا نُزِّلَ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرَاءِ لَيَرونَ أَنْفُسَهُمْ فِي غِنَىً عَنْ قَوَانِينِ الْعَالَمِ. وَلَقَدْ كَرَّرَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بَعْضَ الأُمُورِ عَسَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مَشَارِقُ الْقُدْرَةِ وَمَطَالِعُ الْعِزَّةِ الإِلَهِيَّةِ مِنْ إِجْرَائِهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ. إِذَا مَا وُجِدَ طَالِبٌ كُشِفَ لَهُ لِوَجْهِ اللهِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْمَشِيئَةِ الْمُطْلَقَةِ النَّافِذَةِ. وَلَكِنْ أَيْنَ الطَّالِبُ وَأَيْنَ السَّائِلُ وَأَيْنَ الْعَادِلُ وَأَيْنَ

107

الْمُنْصِفُ فَفِي كُلِّ يَوْمٍ نَارُ ظُلْمٍ مُشْتَعِلَةٌ وَسَيْفُ اعْتِسَافٍ مَسْلُولٌ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ وُجَهَآءَ إِيرَانَ وَنُجَبَاءَهَا الْعِظَامَ يَفْتَخِرُونَ بِالأَخْلاَقِ الْهَمَجِيَّةِ وَالْحَيْرَةُ كُلُّ الْحَيْرَةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَصِ. يَحْمَدُ هَذَا الْمَظْلُومُ مَالِكَ الأَنَامِ وَيَشْكُرُهُ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ. إِذْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَوَاعِظَ وَالنَّصَائِحَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي أَخْلاقِ هَذَا الْحِزْبِ وَأَطْوَارِهِ الَّتِي فَازَتْ بِمَرْتَبَةِ الْقَبُولِ بِحَيْثُ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ مَا تَنَوَّرَتْ بِهِ عَيْنُ الْعَالَمِ وَهُوَ شَفَاعَةُ الأَحِبَّآءِ لأَعْدَائِهِمْ لَدَى الأُمَرَآءِ. فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ شَاهِدٌ عَلَى صِدْقِ الْقَوْلِ. وَالأَمَلُ أَنَّ الأَخْيَارَ يُضِيئُونَ الْعَالَمَ بِنُورِ أَعْمَالِهِمْ. نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الاسْتِقَامَةِ عَلَى حُبِّهِ وَأَمْرِهِ فِي أَيَّامِهِ إِنَّهُ وَلِيُّ الْمُخْلِصِينَ وَالْعَامِلِينَ. يَا حِزْبَ اللهِ إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى كَشَفَ الْعَوَالِمَ وَوَهَبَ الأَبْصَارَ نُورَاً حَقِيقِيَّاً بَيْدَ أَنَّ مُعْظَمَ الإِيرَانِيِّينَ مَا زَالُوا مَحْرُومِينَ مِنَ الْبَيَانَاتِ النَّافِعَةِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمُبَارَكَةِ. وَقَدْ نُزِّلَتْ بِالأَمْسِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلِى خِصِّيصَاً لأَحَدِ الأَوْلِيَآءِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا لَعَلَّ الْمُعْرِضِينَ يَفُوزُونَ بِالإِقْبَالِ وَيُدْرِكُونَ غَوَامِضَ أُصُولِ الْمَسَائِلِ الإِلَهِيَّةِ وَيَعُوهَا.

إِنَّ الْمُعْرِضِينَ وَالْمُنْكِرِينَ مُتَمَسِّكُونَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: الأُولَى «فَضَرْبُ الرِّقَابِ» وَالثَّانِيَةُ «إِحْرَاقُ الْكُتُبِ» وَالثَّالِثَةُ

108

«الاجْتِنَابُ عَنِ الْمِلَلِ الأُخْرَى» وَالرَّابِعَةُ «إِفْنَاءُ الأَحْزَابِ». وَقَدْ أُزِيلَتِ الآنَ هَذِهِ السُّدُودُ الْعَظِيمَةُ الأَرْبَعَةُ بِفَضْلِ الْكَلِمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَاقْتِدَارِهَا وَانْطَمَسَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ الأَرْبَعَةُ الْمُبَيَّنَةُ مِنَ اللَّوْحِ. فَتَبَدَّلَتِ الصِّفَاتُ الْوَحْشِيَّةُ إِلَى النُّعُوتِ الرُّوحَانِيَّةِ جَلَّتْ إِرَادَتُهُ وَجَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ. فَاسْأَلُوا اللهَ جَلَّ جَلالُهُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهْدِيَ حِزْبَ الشِّيعَةِ وَيُخَلِّصَهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ غَيْرَ اللاَّئِقَةِ. وَتَجْرِي مِنْ لِسَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْحِزْبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَلِمَةُ «اللَّعْنَةِ». وَبَاتَتْ كَلِمَةُ «الْمَلْعُونِ» مِمَّا يَتَغَذَّونَ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ.

إِلَهِي إِلَهِي تَسْمَعُ حَنِينَ بَهَائِكَ وَصَرِيخَهُ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ وَتَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ لِنَفْسِهِ أَمْرَاً بَلْ أَرَادَ تَقْدِيسَ نُفُوسِ عِبَادِكَ وَنَجَاتَهِمْ عَنْ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الَّتِي أَحَاطَتْهُمْ فِي كُلِّ الأَحْيَانِ أَيْ رَبِّ قَدْ ارْتَفَعَتْ أَيَادِي الْمُقَرَّبِينَ إِلَى سَمَآءِ جُودِكَ وَالْمُخْلِصِينَ إِلَى هَوَاءِ عَطَائِكَ. أَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخَيِّبَهَا عَمَّا أَرَادُوا مِنْ بَحْرِ عَطَائِكَ وَسَمَآءِ فَضْلِكَ وَشَمْسِ جُودِكَ. أَيْ رَبِّ أَيِّدْهُمْ عَلَى آدَابٍ تَرْتَفِعُ بِهَا مَقَامَاتُهُمْ بَيْنَ الأَحْزَابِ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ. يَا حِزْبَ اللهِ أَنْصِتُوا إِلَى مَا يَكُونُ الإِصْغَآءُ إِلَيْهِ سَبَبَاً لِتَحَرُّرِ الْجَمِيعِ

109

وَاطْمِئْنَانِهِمْ وَرَاحَتِهِمْ وَعُلُوِّهِمْ وَسُمُوِّهِمْ. وَقَدْ بَاتَ وُجُودُ قَانُونٍ وَأُصُولٍ لإِيرَانَ ضَرُورِيَّاً، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ إِرَادَةِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَيَّدَهُ اللهُ وَحَضَرَاتِ الْعُلَمَآءِ الأَعْلاَمِ وَالأُمَرَآءِ الْعِظَامِ. وَيَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ بِاطِّلاَعِهِمْ مَقَرٌّ يَجْتَمِعُ فِيهِ هَؤُلآءِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِحَبْلِ الْمَشُورَةِ وَيُقِرُّونَ مَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَمْنِ الْعِبَادِ وَنِعْمَتِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. وَيُنَفِذُّونَ مَا يُقِرُّونَهُ. فَإِذَا جَرَى الأَمْرُ بِغَيْرِ هَذَا التَّرْتِيبِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الاخْتِلاَفِ وَالْفَوْضَى. وَفِي أُصُولِ الأَحْكَامِ الَّتِي سَبَقَ نُزُولُهَا فِي الكِتَابِ الأَقْدَسِ وَسَائِرِ الأَلْوَاحِ قَدْ أُحِيلَتْ الأُمُورُ إِلَى الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ الْعَادِلِينَ وَأُمَنَآءِ بَيْتِ الْعَدْلِ. وَيَرَى الْمُنْصِفُونَ وَالْمُتَبَصِّرُونَ بَعْدَ التَّمَعُّنِ فِي مَا ذُكِرَ إِشْرَاقَ نِيِّرِ الْعَدْلِ بِالْبَصَرِ وَالْبَصِيرَةِ. وَيَبْدُو أَنَّ مَا تَتَمَسَّكُ بِهِ الأُمَّةُ الإِنْجِلِيزِيَّةُ فِي لُنْدُنْ مُسْتَحْسَنٌ إِذْ إِنَّهَا مُزَيَّنَةٌ بِكِلاَ النُّورَيْنِ: الْمَلَكِيَّةِ وَاسْتِشَارَةِ الأُمَّةِ.

وُضِعَ فِي الْمَبَادِئِ وَالْقَوَانِينِ فَصْلٌ فِي الْقِصَاصِ لأَجْلِ حِفْظِ الْعِبَادِ وَصِيَانَتِهِمْ. وَالْخَوْفُ مِنْهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ ارْتِكَابِ الأَعْمَالِ الشَّنِيعَةِ غَيْرِ اللاَّئِقَةِ عَلَنَاً فَقَطْ. بَيْدَ أَنَّ الأَمْرَ الَّذِي كَانَ وَمَا يَزَالُ سَبَبَاً فِي حِفْظِ النَّاسِ وَمَنْعِهِمْ عَنْ تِلْكَ الأَعْمَالِ

110

فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ كِلَيْهِمَا هُوَ خَشْيَةُ اللهِ. وَهُوَ الْحَارِسُ الْحَقِيقِيُّ وَالْحَافِظُ الْمَعْنَوِيُّ. إِذَاً يَجِبُ التَّمَسُّكُ وَالتَّشَبُّثُ بِمَا هُوَ السَّبَبُ لِظُهُورِ هَذِهِ الْمَوْهِبَةِ الْكُبْرَى. طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ مَا نَطَقَ بِهِ قَلَمِيَ الأَعْلَى وَعَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ.

يَا حِزْبَ اللهِ أَصْغُوْا بِأُذُنِ الرُّوحِ إِلَى وَصَايَا الْمَحْبُوبِ الْفَرِيدِ. إِنَّ الْكَلِمَةَ الإِلَهِيَّةَ بِمَثَابِةِ غَرْسَةٍ مَقَرُّهَا وَمُسْتَقَرُّهَا أَفْئِدَةُ الْعِبَادِ. يَجِبُ تَعَهُّدُهَا بِكَوْثَرِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ حَتَّى تَثْبُتَ جُذُورُهَا وَتَمْتَدَّ فُرُوعُهَا إِلَى الأَفْلاَكِ. يَا أَهْلَ الْعَالَمِ إِنَّ فَضْلَ هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ هُوَ أَنَّنَا مَحَوْنَا مِنَ الْكِتَابِ كُلَّ مَا هُوَ سَبَبُ الاخْتِلاَفِ وَالْفَسَادِ وَالنِّفَاقِ وَأَبْقَيْنَا كُلَّ مَا هُوَ عِلَّةُ الأُلْفَةِ وَالاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ نَعِيمَاً لِلْعَامِلِينَ. كُنَّا وَمَا زِلْنَا نُكَرِّرُ وَصِيَّتَنَا لِلأَحِبَّاءِ وَهِيَ أَنْ يَتَجَنَّبُوا عَنْ كُلِّ مَا تُسْتَشَمُّ مِنْهُ رِائِحَةُ الْفَسَادِ بَلْ يَفِرُّوا مِنْهُ فِرَارَاً. إِنَّ الْعَالَمَ مُنْقَلِبٌ وَإِنَّ أَفْكَارَ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَةٌ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُزَيِّنَهُمْ بِنُورِ عَدْلِهِ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ إِنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْمُتَعَالُ. قَدْ نَطَقْنَا سَابِقَاً بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا وَهِيَ أَنَّ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى هَذَا الْمَظْلُومِ يَجِبُ أَنْ يِكُونُوا عِنْدَ الْعَطَآءِ كَالسَّحَابِ الْمِدْرَارِ وَفِي كَبْحِ جِمَاحِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ شُعْلَةً مُلْتَهِبَةً. سُبْحَانَ اللهِ قَدْ ظَهَرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا هُوَ سَبَبُ الْحَيْرَةِ. فَمِنَ الْمَسْمُوعِ

111

أَنَّ شَخْصَاً وَرَدَ إِلَى مَقَرِّ سَلْطَنَةِ إِيرَانَ وَسَخَّرَ جَمْعَاً مِنَ الْعُظَمَآءِ تَحْتَ إِرَادَتِهِ. حَقَّاً إِنَّ مَوْقِفَاً كَهَذَا يَدْعُو لِلنَّدْبِ وَالنُّوَاحِ تُرَى مَا بَالُ مَظَاهِرِ الْعِزَّةِ الْكُبْرَى قَبِلُوا الذِّلَّةَ الْعُظْمَى؟ أَيْنَ الاسْتِقَامَةُ وَأَيْنَ عِزَّةُ النَّفْسِ؟ لَمْ تَزَلْ كَانَتْ شَمْسُ الْعَظَمَةِ وَالْعِلْمِ طَالِعَةً وَمُشْرِقَةً مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ إِيرَانَ وَلَكِنَّهَا انْحَطَّتِ الآنَ بِحَيْثُ جَعَلَ بَعْضُ رِجَالِهَا أَنْفُسَهُمْ مَلْعَبَةَ الْجَاهِلِينَ. وَنَشَرَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ بِحَقِّ هَذَا الْحِزْبِ فِي صُحُفِ مِصْرَ وَدَائِرَةِ مَعَارِفِ بَيْرُوتَ مَا تَحَيَّرَ مِنْهُ أَصْحَابُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى بَارِيسَ وَطَبَعَ صَحِيفَةً بِاسْمِ "الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى" وَأَرْسَلَهَا إِلَى أَطْرَافِ الْعَالَمِ وَإِلَى سِجْنِ عَكَّاءَ أَيْضَاً وَأَرَادَ بِهَذِهِ الذَّرِيعَةِ إِظْهَارَ الْمَحَبَّةِ وَتَدَارُكَ مَا فَاتَهُ. مُجْمَلُ الْقَوْلِ إِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ سَكَتَ عَنْهُ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهُ وَيُنَوِّرَهُ بِنُورِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ لَهُ أَنْ يَقُولَ:

إِلَهِي إِلَهِي تَرَانِي قَائِمَاً لَدَى بَابِ عَفْوُكِ وَعَطَائِكَ وَنَاظِرَاً إِلَى آفَاقِ مَوَاهِبِكَ وَأَلْطَافِكَ. أَسْأَلُكَ بِنِدَائِكَ الأحْلَى وَصَرِيرِ قَلَمِكَ يَا مَوْلَى الْوَرَى أَنْ تُوَفِّقَ عِبَادَكَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لأَيَّامِكَ وَيَلِيقُ لِظُهُورِكَ وَسُلْطَانِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ يَشْهَدُ بِقُوِّتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَعَظَمَتِكَ وَعَطَائِكَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ أَلْحَمْدُ لَكَ يَا إِلَهَ الْعَالَمِينَ وَمَحْبُوبَ أَفْئِدَةِ الْعَارِفِينَ. تَرَى يَا إِلَهِي كَيْنُونَةَ الْفَقْرِ أَرَادَتْ بَحْرَ غَنَائِكَ وَحَقِيقَةَ الْعِصْيَانِ فُرَاتَ مَغْفِرَتِكَ

112

وَعَطَائِكَ. قَدِّرْ يَا إِلَهِي مَا يَنْبَغِي لِعَظَمَتِكَ وَيَلِيقُ لِسَمَآءِ فَضْلِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْفَضَّالُ الْفَيَّاضُ الآمِرُ الْحَكِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْقَوِيُّ الْغَالِبُ الْقَدِيرُ.

يَا حِزْبَ اللهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَنْظَارُ الْكُلِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ مُتَوَجِّهَةً إِلَى كَلِمَةِ «يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» الْمُبَارَكَةِ وَحْدَهَا فَكُلُّ مَنْ فَازَ بِهَذَا الْمَقَامِ فَازَ بِالتَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَتَنَوَّرَ مِنْ نُورِهِ. وَمَا دُونَ ذَلِكَ مَذْكُورٌ وَمَرْقُومٌ فِي الْكِتَابِ الإِلَهِيِّ فِي عِدَادِ أَصْحَابِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ. اسْمَعُوا نِدَآءَ هَذَا الْمَظْلُومِ وَحَافِظُوا عَلَى الْمَرَاتِبِ. هَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ وَفَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ وَلَقَدْ نَطَقَ هَذَا الْمَظْلُومُ فِي جَمِيعِ الأَيَّامِ أَمَامَ وُجُوهِ أَهْلِ الْعَالَمِ دُونَ سِتْرٍ وَحِجَابٍ. وَتَكَلَّمَ بِمَا هُوَ مِفْتَاحٌ لأَبْوَابِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالثَّرْوَةِ وَالْغِنَى. لَمْ يَمْنَعِ الْقَلَمَ الأَعْلَى ظُلْمُ الظَّالِمِينَ عَنْ صَرِيرِهِ وَلَمْ تَقِفْ شُبُهَاتُ الْمُرِيبِينَ وَالْمُفْسِدِينَ حَائِلَةً دُونَ إِظْهَارِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا. أَسْأَلُ اللهَ آمِلاً أَنْ يَحْفَظَ أَهْلَ الْبَهَاءِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ وَيُقَدِّسَهُمْ عَنْ ظُنُونِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَأَوْهَامِهِ. يَا حِزْبَ اللهِ إِنَّ الْعُلَمَآءَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْكَبُّونَ عَلَى هِدَايَةِ الْعِبَادِ وَصَائِنُونَ أَنْفُسَهُمْ وَمُحَافِظُونَ عَلَيْهَا مِنْ وَسَاوِسِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ هُمْ مِنْ أَنْجُمِ سَمَآءِ الْعِرْفَانِ لَدَى مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ وَيَجِبُ احْتِرَامُهُم. وَهُمْ عُيُونٌ جَارِيَةٌ وَكَوَاكِبُ

113

مُضِيئَةٌ وَأَثْمَارُ السِّدْرَةِ الْمُبَارَكَةِ وَآثَارُ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ وَبُحُورِ الْحِكْمَةِ الصَّمَدَانِيَّةِ. طُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمْ إِنَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْبَهَآءُ مِنْ لَدَى اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ وَالثَّرَى عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ الْحَمْرَآءِ وَعَلَى الَّذِينَ سَمِعُوا نِدَاءَكُمُ الأَحْلَى وَعَمِلُوا بِمَا أُمِرُوا بِهِ فِي هَذَا اللَّوْحِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ.


___________________
(1) حضرة عليّ قبل أكبر هو أيادي أمر الله الحاج ملاّ علي أكبر شهمير زادي (راجع كتاب تذكرة الوفاء).
(2) حضرة أمين هو أيادي أمر الله الحاج أبو الحسن أردكاني أمين حقوق الله.
(3) ظالم أرض الياء هو الأمير محمود ميرزا الملقب ﺑ"جلال الدولة" متصرّف مدينة يزد، وأرض الياء هي مدينة «يزد» الإيرانيّة.

114

لَوْحُ الْحِكْمَةِ

115
صفحة خالية
بِسْمِهِ الْمُبْدِعِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ

كِتَابٌ أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ مِنْ مَلَكُوتِ الْبَيَانِ وَإِنَّهُ لَرُوحُ الْحَيَوَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ تَعَالَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. يَذْكُرُ فِيهِ مَنْ يَذْكُرُ اللهَ رَبَّهُ إِنَّهُ لَهُوَ النَّبِيلُ فِي لَوْحٍ عَظِيمٍ.

يَا مُحَمَّدُ1 اسْمَعِ النِّدَاءَ مِنْ شَطْرِ الْكِبْرِيَآءِ مِنَ السِّدْرَةِ الْمُرْتَفِعَةِ عَلَى أَرْضِ الزَّعْفَرَانِ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. كُنْ هُبُوبَ الرَّحْمَنِ لأَشْجَارِ الإِمْكَانِ وَمُرَبِّيهَا بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَادِلِ الْخَبِيرِ. إِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ لَكَ مَا يَتَذَكَّرُ بِهِ النَّاسُ لِيَدَعُنَّ مَا عِنْدَهُمْ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى اللهِ مَوْلَى الْمُخْلِصِينَ. إِنَّا نَنْصَحُ الْعِبَادَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا تَغَبَّرَ وَجْهُ الْعَدْلِ وَأَنَارَتْ وُجْنَةُ الْجَهْلِ وَهُتِكَ سِتْرُ الْعَقْلِ وَغاضَتِ الرَّاحَةُ وَالْوَفَاءُ وَفَاضَتِ الْمِحْنَةُ وَالْبَلآءُ وَفِيهَا نُقِضَتِ الْعُهُودُ وَنُكِثَتِ الْعُقُودُ. لاَ يَدْرِي نَفْسٌ مَا يُبْصِرُهُ وَيُعْمِيهِ وَمَا يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ.

قُلْ يَا قَوْمِ دَعُوا الرَّذَائِلَ وَخُذُوا الْفَضَائِلَ كُونُوا قُدْوَةً حَسنَةً بِيْنَ النَّاسِ وَصَحِيفَةً يَتَذَكَّرُ بِهَا الأُنَاسُ. مَنْ قَامَ لِخِدْمَةِ

117

الأَمْرِ لَهُ أَنْ يَصْدَعَ بِالْحِكْمَةِ وَيَسْعَى فِي إِزَالَةِ الْجَهْلِ عَنْ بَيْنِ الْبَرِيَّةِ. قُلْ أَنِ اتَّحِدُوا فِي كَلِمَتِكُمْ وَاتَّفِقُوا فِي رَأْيِكُمْ وَاجْعَلُوا إِشْرَاقَكُمْ أَفْضَلَ مِنْ عَشِيِّكُمْ وَغَدَكُمْ أَحْسَنَ مِنْ أَمْسِكُمْ. فَضْلُ الإِنْسَانِ فِي الْخِدْمَةِ وَالْكَمَالِ لاَ فِي الزِّينَةِ وَالثَّرْوَةِ وَالْمَالِ. اجْعَلُوا أَقْوَالَكُمْ مُقَدَّسَةً عَنِ الزَّيْغِ وَالْهَوَى وَأَعْمَالَكُمْ مُنَزَّهَةً عَنِ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. قُلْ لا تَصْرِفُوا نُقُودَ أَعْمَارِكُمُ النَّفِيسَةِ فِي الْمُشْتَهَيَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَلاَ تَقْتَصِرُوا الأُمُورَ عَلَى مَنَافِعِكُمُ الشَّخْصِيَّةِ. أَنْفِقُوا إِذَا وَجَدْتُمْ وَاصْبِرُوا إِذَا فَقَدْتُمْ إِنَّ بَعْدَ كُلِّ شِدَّةٍ رَخَآءٌ وَمَعَ كُلِّ كَدَرٍ صَفَآءٌ. اجْتَنِبُوا التَّكَاهُلَ وَالتَّكَاسُلَ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَالَمُ مِنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالشُّيُوخِ وَالأَرَامِلِ. قُلْ إِيَّاكُمْ أَنْ تَزْرَعُوا زُؤَانَ الْخُصُومَةِ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ وَشَوْكَ الشُّكُوكِ فِي الْقُلُوبِ الصَّافِيَةِ الْمُنِيرَةِ. قُلْ يَا أَحِبَّاءَ اللهِ لاَ تَعْمَلُوا مَا يَتَكَدَّرُ بِهِ صَافِي سَلْسَبِيلِ الْمَحَبَّةِ وَيْنَقَطِعُ بِهِ عَرْفُ الْمَوَدَّةِ. لَعَمْرِي قَدْ خُلِقْتُمْ لِلْوِدَادِ لاَ لِلضَّغِينَةِ وَالْعِنَادِ. لَيْسَ الْفَخْرُ لِحُبِّكُمْ أَنْفُسَكُمْ بَلْ لِحُبِّ أَبْنَاءِ جِنْسِكُمْ وَلَيْسَ الْفَضْلُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. كُونُوا فِي الطَّرْفِ عَفِيفَاً وَفِي الْيَدِ أَمِينَاً وَفِي اللِّسَانِ صَادِقَاً وَفِي الْقَلْبِ مُتَذَكِّرَاً. لاَ تُسْقِطُوا مَنْزِلَةَ الْعُلَمَآءِ فِي الْبَهَآءِ وَلاَ تُصَغِّرُوا قَدْرَ مَنْ يَعْدِلُ بَيْنَكُمْ مِنَ الأُمَرَاءِ. اجْعَلُوا جُنْدَكُمُ

118

الَعَدْلَ وَسِلاَحَكُمُ الْعَقْلَ وَشِيَمَكُمُ الْعَفْوَ وَالْفَضْلَ وَمَا تَفْرَحُ بِهِ أَفْئِدَةُ الْمُقَرَّبِينَ.

لَعَمْرِي قَدْ أَحْزَنَنِي مَا ذَكَرْتَ مِنَ الأَحْزَانِ لا تَنْظُرْ إِلَى الْخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ بَلْ إِلَى الْحَقِّ وَسُلْطَانِهِ. إِنَّهُ يُذَكِّرُكَ بِمَا كَانَ مَبْدَأَ فَرَحِ الْعَالَمِينَ. اشْرَبْ كَوْثَرَ السُّرُورِ مِنْ قَدَحِ بَيَانِ مَطْلِعِ الظُّهُورِ الَّذِي يَذْكُرُكَ فِي هَذَا الْحِصْنِ الْمَتِينِ. وَأَفْرِغْ جُهْدَكَ فِي إِحْقَاقِ الْحَقِّ بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَإِزْهَاقِ الْبَاطِلِ عَنْ بَيْنِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ مَشْرِقُ الْعِرْفَانِ مِنْ هَذَا الأُفُقِ الْمُنِيرِ. يَا أَيُّهَا النَّاطِقُ بِاسْمِي انْظُرِ النَّاسَ وَمَا عَمِلُوا فِي أَيَّامِي إِنَّا نَزَّلْنَا لأَحَدٍ مِنَ الأُمَرَآءِ مَا عَجَزَ عَنْهُ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَجْمَعَنَا مَعَ عُلَمَآءِ الْعَصْرِ لِيَظْهَرَ لَهُ حُجَّةُ اللهِ وَبُرْهَانُهُ وَعَظَمَتُهُ وَسُلْطَانُهُ. وَمَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ الْمَحْضَ، إِنَّهُ ارْتَكَبَ مَا نَاحَ بِهِ سُكَّانُ مَدَائِنِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَبِذَلِكَ قُضِيَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الحَاكِمُ الْخَبِيرُ. وَمَعَ مَا تَرَاهُ كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يَطِيرَ الطَّيْرُ الإِلَهِيُّ فِي هَوَآءِ الْمَعَانِي بَعْدَمَا انْكَسَرَتْ قَوَادِمُهُ بِأَحْجَارِ الظُّنُونِ وَالْبَغْضَآءِ وَحُبِسَ فِي سِجْنٍ بُنِيَ مِنَ الصَّخْرَةِ الْمَلْسَآءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ الْقَوْمَ فِي ظُلْمٍ عَظِيمٍ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فَهَذَا مَقَامٌ يَخْتَلِفُ

119

بِاخْتِلاَفِ الأَفْئِدَةِ وَالأَنْظَارِ لَوْ تَقولُ إِنَّهُ كَانَ وَيَكُونُ هَذَا حَقٌّ. وَلَوْ تَقُولُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ إِنَّهُ لاَ رَيْبَ فِيهِ نُزِّلَ مِنْ لَدَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ كَانَ كَنْزَاً مَخْفِيَّاً وَهَذَا مَقَامٌ لاَ يُعَبَّرُ بِعِبَارَةٍ وَلاَ يُشَارُ بِإِشَارَةٍ وَفِي مَقَامِ أَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ كَانَ الْحَقُّ وَالْخَلْقُ فِي ظِلِّهِ مِنَ الأَوَّلِ الَّذِي لاَ أَوَّلَ لَهُ. إِلاَّ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالأَوَّلِيَّةِ الَّتِي لاَ تُعْرَفُ بِالأَوَّلِيَّةِ وَبِالْعِلَّةِ الَّتِي لَمْ يَعْرِفْهَا كُلُّ عَالِمٍ عَلِيمٍ. قَدْ كَانَ مَا كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا تَرَاهُ الْيَوْمَ وَمَا كَانَ تَكَوَّنَ مِنَ الْحَرَارَةِ الْمُحْدَثَةِ مِنْ امْتِزَاجِ الْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ الَّذِي هُوَ عَيْنُهُ وَغَيْرُهُ. كَذَلِكَ يُنَبِّئُكَ النَّبَأُ الأَعْظَمُ مِنْ هَذَا البِنَآءِ الْعَظِيمِ. إِنَّ الْفَاعِلَيْنِ وَالْمُنْفَعِلَيْنِ قَدْ خُلِقَتْ مِنْ كَلِمَةِ اللهِ الْمُطَاعَةِ وَإِنَّهَا هِيَ عِلَّةُ الْخَلْقِ وَمَا سِوَاهَا مَخْلُوقٌ مَعْلُولٌ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُبَيِّنُ الْحَكِيمُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ لأَنَّهُ لَيْسَ بِطَبِيعَةٍ وَلاَ بِجَوْهَرٍ قَدْ كَانَ مُقَدَّسَاً عَنِ الْعَنَاصِرِ الْمَعْرُوفَةِ وَالاسْطَقِسَّاتِ الْعَوَالِي الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَصَوْتٍ وَهُوَ أَمْرُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الْعَالِمِينَ. إِنَّهُ مَا انْقَطَعَ عَنِ الْعَالَمِ وَهُوَ الْفَيْضُ الأَعْظَمُ الَّذِي كَانَ عِلَّةَ الْفُيُوضَاتِ وَهُوَ الْكوْنُ الْمُقَدَّسُ عَمَّا كَانَ وَمَا يَكُونُ. إِنَّا لاَ نُحِبُّ أَنْ نُفَصِّلَ هَذَا الْمَقَامَ لأَنَّ آذَانَ الْمُعْرِضِينَ مَمْدُودَةٌ

120

إِلَيْنَا لِيَسْتَمِعُوا مَا يَعْتَرِضُونَ بِهِ عَلَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ لأَنَّهُمْ لاَ يَنَالُونَ بِسِرِّ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ مَطْلِعِ نُورِ الأَحَدِيَّةِ لِذَا يَعْتَرِضُونَ وَيَصِيحُونَ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ يَعْتَرِضُونَ عَلَى مَا عَرَفُوهُ لاَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ الْمُبَيِّنُ وَأَنْبَأَهُ الْحَقُّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. تَرْجِعُ اعْتِرَاضَاتُهُمْ كُلُّهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُمْ لَعَمْرُكَ لاَ يَفْقَهُونَ. لا بُدَّ لِكُلِّ أَمْرٍ مِنْ مَبْدَإٍ وَلِكُلِّ بِنَآءٍ مِنْ بَانٍ وَإِنَّهُ هَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي سَبَقَتِ الْكَوْنَ الْمُزَيَّنَ بِالطِّرَازِ الْقَدِيمِ مَعَ تَجَدُّدِهِ وَحُدُوثِهِ فِي كُلِّ حِينٍ. تَعَالَى الْحَكِيمُ الَّذِي خَلَقَ هَذَا الْبِنَاءَ الْكَرِيمَ. فَانْظُرِ الْعَالَمَ وَتَفَكَّرْ فِيهِ إِنَّهُ يُرِيكَ كِتَابَ نَفْسِهِ وَمَا سُطِّرَ فِيهِ مِنْ قَلَمِ رَبِّكَ الصَّانِعِ الْخَبِيرِ وَيُخْبِرُكَ بِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِ وَيُفْصِحُ لَكَ عَلَى شَأْنٍ يُغْنِيكَ عَنْ كُلِّ مُبَيِّنٍ فَصِيحٍ.

قُلْ إِنَّ الطَّبِيعَةَ بِكَيْنُونَتِهَا مَظْهَرُ اسْمِيَ المُبْتَعِثِ وَالْمُكَوِّنِ وَقَدْ تَخْتَلِفُ ظُهُورَاتُهَا بِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ وَفِي اخْتِلاَفِهَا لآيَاتٌ لِلْمُتَفَرِّسِينَ. وَهِيَ الإِرَادَةُ وَظُهُورُهَا فِي رُتْبَةِ الإِمْكَانِ بِنَفْسِ الإِمْكَانِ وَإِنَّهَا لَتَقْدِيرٌ مِنْ مُقَدِّرٍ عَلِيمٍ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا لَهِيَ الْمَشِيئَةُ الإِمْكَانِيَّةُ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ. وَقُدِّرَ فِيهَا قُدْرَةٌ عَجَزَ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهَا الْعَالِمُونَ. إِنَّ الْبَصِيرَ لاَ يَرَى فِيهَا إِلاَّ تَجَلِّيَ اسْمِنَا الْمُكَوِّنِ قُلْ هَذَا كَوْنٌ لاَ يُدْرِكُهُ الْفَسَادُ وَتَحَيَّرَتِ

121

الطَّبِيعَةُ مِنْ ظُهُورِهِ وَبُرْهَانِهِ وَإِشْرَاقِهِ الَّذِي أَحَاطَ الْعَالَمِينَ. لَيْسَ لِجَنَابِكَ أَنْ تَلْتَفِتَ إِلَى قَبْلُ وَبَعْدُ اذْكُرِ الْيَوْمَ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ إِنَّهُ لَيَكْفِي الْعَالَمِينَ. إِنَّ الْبَيَانَاتِ وَالإِشَارَاتِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ تُخْمِدُ حَرَارَةَ الْوُجُودِ لَكَ أَنْ تَنْطِقَ الْيَوْمَ بِمَا تَشْتَعِلُ بِهِ الأَفْئِدَةُ وَتَطِيرُ أَجْسَادُ الْمُقْبِلِينَ. مَنْ يُوقِنُ الْيَوْمَ بِالْخَلْقِ الْبَدِيعِ وَيَرَى الْحَقَّ الْمَنِيعَ مُهَيْمِنَاً قَيُّومَاً عَلَيْهِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ فِي هَذَا الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ مُوقِنٍ بَصِيرٍ. امْشِ بِقُوَّةِ الاسْمِ الأَعْظَمِ فَوْقَ الْعَالَمِ لِتَرَى أَسْرَارَ الْقِدَمِ وَتَطَّلِعَ بِمَا لاَ اطَّلَعَ بِهِ أَحَدٌ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُؤَيِّدُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. كُنْ نَبَّاضَاً كَالشِّرْيَانِ فِي جَسَدِ الإِمْكَانِ لِيَحْدُثَ مِنَ الْحَرَارَةِ الْمُحْدَثَةِ مِنَ الْحَرَكَةِ مَا تُسْرِعُ بِهِ أَفْئِدَةُ الْمُتَوَقِّفِينَ. إِنَّكَ عَاشَرْتَ مَعِي وَرَأَيْتَ شُمُوسَ سَمَآءِ حِكْمَتِي وَأَمْوَاجَ بَحْرِ بَيَانِي إِذْ كُنَّا خَلْفَ سَبْعِينَ أَلْفِ حِجَابٍ مِنَ النُّورِ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِفَيَضَانِ هَذَا الْبَحْرِ فِي أَيَّامِ رَبِّهِ الْفَيَّاضِ الْحَكِيمِ. إِنَّا بَيَّنَّا لَكَ إِذْ كُنَّا فِي الْعِرَاقِ فِي بَيْتِ مَنْ سُمِّيَ بِالْمَجِيدِ أَسْرَارَ الْخَلِيقَةِ وَمَبْدَأَهَا وَمُنْتَهَاهَا وَعِلَّتَهَا فَلَمَّا خَرَجْنَا اقْتَصَرْنَا الْبَيَانَ بِأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْغَفُورُ الْكَرِيمُ.

كُنْ مُبِلِّغَ أَمْرِ اللهِ بِبِيَانٍ تَحْدُثُ بِهِ النَّارُ فِي الأَشْجَارِ

122

وَتَنْطِقُ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْعَزِيزُ الْمُخْتَارُ. قُلْ إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ. أَمَّا النُّفُوذُ مُعْلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطَةٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ. وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نَزَّلْنَاهَا فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. تَفَكَّرْ فِيمَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ مَشِيَّةِ رَبِّكَ الْفَيَّاضِ لِتَعْرِفَ مَا أَرَدْنَاهُ فِي غَيَاهِبِ الآيَاتِ.

إِنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا اللهَ وَتَمَسَّكُوا بِالطَّبِيعَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ مِنْ حِكْمَةٍ أَلاَ إِنَّهُمْ مِنَ الْهَائِمِينَ. أُولَئِكَ مَا بَلَغُوا الذِّرْوَةَ الْعُلْيَا وَالْغَايَةَ الْقُصْوَى لِذَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ. وَإِلاَّ رُؤَسَآءُ الْقَوْمِ اعْتَرَفُوا بِاللهِ وَسُلْطَانِهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ رَبُّكَ الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ. وَلَمَّا مُلِئَتْ عُيُونُ أَهْلِ الشَّرْقِ مِنْ صَنَائِعِ أَهْلِ الْغَرْبِ لِذَا هَامُوا فِي الأَسْبَابِ وَغَفَلُوا عَنْ مُسَبِّبِهَا وَمُمِدِّهَا مَعَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مَطَالِعَ الْحِكْمَةِ وَمَعَادِنَهَا مَا أَنْكَرُوا عِلَّتَهَا وَمُبْدِعَهَا وَمَبْدَأَهَا إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ وَالنَّاسُ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.

وَلَنَا أَنْ نَذْكُرَ فِي هَذَا اللَّوْحِ بَعْضَ مَقَالاَتِ الْحُكَمَاءِ لِوَجْهِ اللهِ مَالِكِ الأَسْمَآءِ لِيُفْتَحَ بِهَا أَبْصَارُ الْعِبَادِ وَيُوقِنُنَّ أَنَّهُ هُوَ الصَّانِعُ الْقَادِرُ الْمُبْدِعُ الْمُنْشِئُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَلَوْ

123

يُرَى الْيَوْمَ لِحُكَمَاءِ الْعَصْرِ يَدٌ طُوْلَى فِي الْحِكْمَةِ وَالصَّنَائِعِ وَلَكِنْ لَوْ يَنْظُرُ أَحَدٌ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ لَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَخَذُوا أَكْثَرَهَا مِنْ حُكَمَاءِ الْقَبْلِ وَهُمُ الَّذِينَ أَسَّسُوا أَساسَ الْحِكْمَةِ وَمَهَّدُوا بُنْيَانَهَا وَشَيَّدُوا أَرْكَانَهَا كَذَلِكَ يُنَبِّئُكَ رَبُّكَ الْقَدِيمُ. وَالْقُدَمَآءُ أَخَذُوا الْعُلُومَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لأَنَّهُمْ كَانُوا مَطَالِعَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَمَظَاهِرَ الأَسْرَارِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنَ النَّاسِ مَنْ فَازَ بِزُلاَلِ سَلْسَالِ بَيَانَاتِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرِبَ ثُمَالَةَ الْكَأْسِ لِكُلٍّ نَصِيبٌ عَلَى مِقْدَارِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْعَادِلُ الْحَكِيمُ.

إِنَّ أَبِيدَقْليسَ الَّذِي اشْتَهَرَ فِي الْحِكْمَةِ كَانَ فِي زَمَنِ دَاوُدَ وَفِيثَاغُورِثَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ ابْنِ دَاوُدَ وَأَخَذَ الْحِكْمَةَ مِنْ مَعْدِنِ النُّبُوَّةِ. وَهُوَ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَ حَفِيفَ الْفَلَكِ وَبَلَغَ مَقَامَ الْمَلَكِ إِنَّ رَبَّكَ يُفَصِّلُ كُلَّ أَمْرٍ إِذَا شَاءَ إِنَّهُ لَهُوَ الْعَلِيمُ الْمُحِيطُ. إِنَّ أُسَّ الْحِكْمَةِ وَأَصْلَهَا مِنَ الأَنْبِيَآءِ وَاخْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا وَأَسْرَارُهَا بَيْنَ الْقَوْمِ بِاخْتِلاَفَاتِ الأَنْظَارِ وَالْعُقُولِ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ نَبَأَ يَوْمٍ تَكَلَّمَ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَيْنَ الْوَرَى بِمَا عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُلْهِمُ الْعَزِيزُ الْمَنِيعُ فَلَمَّا انْفَجَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ مِنْ مَنْبَعِ بَيَانِهِ وَأَخَذَ سُكْرُ خَمْرِ الْعِرْفَانِ مَنْ فِي فِنَائِهِ قَالَ الآنَ قَدْ مَلأَ الرُّوحُ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَخَذَ هَذَا الْقَوْلَ وَوَجَدَ مِنْهُ عَلَى زَعْمِهِ رَائِحَةَ

124

الْحُلُولِ وَالدُّخُولِ وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِبَيَانَاتٍ شَتَّى وَاتَّبَعَهُ حِزْبٌ مِنَ النَّاسِ. لَوْ إِنَّا نَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَنُفَصِّلُ لَكَ لَيَطُولُ الْكَلاَمُ وَنَبْعُدُ عَنِ الْمَرَامِ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلاَّمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَازَ بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ الَّذِي فُكَّ بِمِفْتَاحِ لِسَانِ مَطْلِعِ آيَاتِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ قُلْ إِنَّ الْفَلاَسِفَةَ مَا أَنْكَرُوا الْقَدِيمَ بَلْ مَاتَ أَكْثَرُهُمْ فِي حَسْرَةِ عِرْفَانِهِ كَمَا شَهِدَ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُخْبِرُ الْخَبِيرُ.

إِنَّ بُقْرَاطَ الطَّبِيبَ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْفَلاَسِفَةِ وَاعْتَرَفَ بِاللهِ وَسُلْطَانِهِ وَبَعْدَهُ سُقْرَاطُ إِنَّهُ كَانَ حَمِيمَاً فَاضِلاً زَاهِدَاً اشْتَغَلَ بِالرِّيَاضَةِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى وَأَعْرَضَ عَنْ مَلاَذِّ الدُّنْيَا وَاعْتَزَلَ إِلَى الْجَبَلِ وَأَقَامَ فِي غَارٍ وَمَنَعَ النَّاسَ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَعَلَّمَهُمْ سَبِيلَ الرَّحْمَنِ إِلَى أَنْ ثَارَتْ عَلَيْهِ الْجُهَّالُ وَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ فِي السِّجْنِ كَذَلِكَ يَقُصُّ لَكَ هَذَا الْقَلَمُ السَّرِيعُ. مَا أَحَدَّ بَصَرَ هَذَا الرَّجُلِ فِي الْفَلْسَفَةِ إِنَّهُ سَيِّدُ الْفَلاَسِفَةِ كُلِّهَا قَدْ كَانَ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ مِنَ الْحِكْمَةِ. نَشْهَدُ أَنَّهُ مِنْ فَوَارِسِ مِضْمَارِهَا وَأَخَصِّ الْقَائِمِينَ لِخِدْمَتِهَا وَلَهُ يَدٌ طُولَى فِي الْعُلُومِ الْمَشْهُودَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمَا هُوَ الْمَسْتُورُ عَنْهُمْ كَأَنَّهُ فَازَ بِجُرْعَةٍ إِذْ فَاضَ الْبَحْرُ الأَعْظَمُ بِهَذَا الْكَوْثَرِ الْمُنِيرِ. هُوَ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَى الطَّبِيعَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْغَلَبَةِ وَإِنَّهَا

125

أَشْبَهُ الأَشْيَاءِ بِالرُّوحِ الإِنْسَانِيِّ قَدْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْجَسَدِ الْجَوَّانِيِّ وَلَهُ بَيَانٌ مَخْصُوصٌ فِي هَذَا الْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ. لَوْ تَسْأَلُ الْيَوْمَ حُكَمَاءَ الْعَصْرِ عَمَّا ذَكَرَهُ لَتَرَى عَجْزَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِهِ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ الْحَقَّ وَلَكِنَّ النَّاسَ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ.

وَبَعْدَهُ أَفْلاَطُونُ الإِلَهِيُّ إِنَّهُ كَانَ تِلْمِيذَاً لِسُقْرَاطَ الْمَذْكُورِ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْحِكْمَةِ بَعْدَهُ وَأَقَرَّ بِاللهِ وَآيَاتِهِ الْمُهْيْمِنَةِ عَلَى مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَبَعْدَهُ مَنْ سُمِّيَ بَأَرِسْطُوطَالِيسَ الْحَكِيمِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَ الْقُوَّةَ الْبُخَارِيَّةَ وَهَؤُلاَءِ مِنْ صَنَادِيدِ الْقَوْمِ وَكُبَرَائِهِمْ كُلُّهُمْ أَقَرُّوا وَاعْتَرَفُوا بِالْقَدِيمِ الَّذِي فِي قَبْضَتِهِ زِمَامُ الْعُلُومِ. ثُمَّ أَذْكُرُ لَكَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ بَلينوسُ الَّذِي عَرَفَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحِكْمَةِ مِنْ أَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ فِي أَلْوَاحِهِ الزَّبَرْجَدِيَّةِ لِيُوقِنَ الْكُلُّ بِمَا بَيَّنَّاهُ لَكَ فِي هَذَا اللَّوْحِ الْمَشْهُودِ الَّذِي لَوْ يُعْصَرُ بِأَيَادِي الْعَدْلِ وَالْعِرْفَانِ لَيَجْرِي مِنْهُ رُوحُ الْحَيَوَانِ لإِحْيَاءِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ. طُوبَى لِمَنْ يَسْبَحُ فِي هَذَا الْبَحْرِ ويُسَبِّحُ رَبَّهُ الْعَزِيزَ الْمَحْبُوبَ. قَدْ تَضَوَّعَتْ نَفَحَاتُ الْوَحْيِ مِنْ آيَاتِ رَبِّكَ عَلَى شَأْنٍ لاَ يُنْكِرُهَا إِلاَّ مَنْ كَانَ مَحْرُومَاً عَنِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ وَعَنْ كُلِّ الشُّؤُونَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ. إِنَّ رَبَّكَ يَشْهَدُ وَلَكِنَّ النَّاسَ لاَ يَعْرِفُونَ.

126

وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ أَنَا بَلينوسُ الْحَكِيمُ صَاحِبُ الْعَجَائِبِ وَالطِّلَسْمَاتِ وَانْتَشَرَ مِنْهُ مِنَ الْفُنُونِ وَالْعُلُومِ مَا لاَ انْتَشَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ ارْتَقَى إِلَى أَعْلَى مَرَاقِي الْخُضُوعِ وَالابْتِهَالِ. اسْمَعْ مَا قَالَ فِي مُنَاجَاتِهِ مَعَ الْغَنِيِّ الْمُتَعَالِ: أَقُومُ بِيْنَ يَدَيْ رَبِّي فَأَذْكُرُ آلاَءَهُ وَنَعْمَاءَهُ وَأَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لأَنْ أَكُونَ رَحْمَةً وَهُدَىً لِمَنْ يَقْبَلُ قَوْلِي. إِلَى أَنْ قَالَ: يَا رَبِّ أَنْتَ الإِلَهُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ وَأَنْتَ الْخَالِقُ وَلاَ خَالِقَ غَيْرُكَ أَيِّدْنِي وَقَوِّنِي فَقَدْ رَجَفَ قَلْبِي وَاضْطَرَبَتْ مَفَاصِلِي وَذَهَبَ عَقْلِي وَانْقَطَعَتْ فِكْرَتِي فَأَعْطِنِي الْقُوَّةَ وَأَنْطِقْ لِسَانِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ بِالْحِكْمَةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ الرَّحِيمُ. إِنَّهُ لَهُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي اطَّلَعَ بِأَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ وَالرُّمُوزِ الْمَكْنُونَةِ فِي الأَلْوَاحِ الهِرْمِسِيَّةِ3. إِنَّا لاَ نُحِبُّ أَنْ نَذْكُرَ أَزْيَدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَنَذْكُرُ مَا أَلْقَى الرُّوحُ عَلَى قَلْبِي إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَالِمُ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ. لَعَمْرِي هَذَا يَوْمٌ لاَ تُحِبُّ السِّدْرَةُ إِلاَّ أَنْ تَنْطِقَ فِي الْعَالَمِ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْفَرْدُ الْخَبِيرُ. لَوْلاَ حُبِّي إِيَّاكَ مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ اعْرَفْ هَذَا الْمَقَامَ ثُمَّ احْفَظْهُ كَمَا تَحْفَظُ عَيْنَيْكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّا مَا قَرَأْنَا كُتُبَ الْقَوْمِ وَمَا اطَّلَعْنَا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُلُومِ كُلَّمَا أَرَدْنَا أَنْ

127

نَذْكُرَ بَيَانَاتِ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ يَظْهَرُ مَا ظَهَرَ فِي الْعَالَمِ وَمَا فِي الْكُتُبِ وَالزُّبُرِ فِي لَوْحٍ أَمَامَ وَجْهِ رَبِّكَ نَرَى وَنَكْتُبُ إِنَّهُ أَحَاطَ عِلْمُهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. هَذَا لَوْحٌ رُقِمَ فِيهِ مِنَ الْقَلَمِ الْمَكْنُونِ عِلْمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَرْجِمٌ إِلاَّ لِسَانِيَ الْبَدِيعَ. إِنَّ قَلْبِي مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ قَدْ جَعَلَهُ اللهُ مُمَرَّدَاً عَنْ إِشَارَاتِ الْعُلَمَاءِ وَبَيَانَاتِ الْحُكَمَاءِ. إِنَّهُ لاَ يَحْكِي إِلاَّ عَنِ اللهِ وَحْدَهُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبِينِ.

قُلْ يَا مَلأَ الأَرْضِ إِيَّاكُمْ أَنْ يَمْنَعَكُمْ ذِكْرُ الْحِكْمَةِ عَنْ مَطْلِعِهَا وَمَشْرِقِهَا تَمَسَّكُوا بِرَبِّكُمُ الْمُعَلِّمِ الْحَكِيمِ. إِنَّا قَدَّرْنَا لِكُلِّ أَرْضٍ نَصِيبَاً وَلِكُلِّ سَاعَةٍ قِسْمَةً وَلِكُلِّ بَيَانٍ زَمَانَاً وَلِكُلِّ حَالٍ مَقَالاً. فَانْظُرُوا الْيُونَانَ إِنَّا جَعَلْنَاهَا كُرْسِيَّ الْحِكْمَةِ فِي بُرْهَةٍ طَوِيلَةٍ فَلَمَّا جَاءَ أَجَلُهَا ثُلَّ عَرْشُهَا وَكَلَّ لِسَانُهَا وَخَبَتْ مَصَابِيحُهَا وَنُكِسَتْ أَعْلاَمُهَا كَذَلِكَ نَأْخُذُ وَنُعْطِي إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الآخِذُ الْمُعْطِي الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. قَدْ أَوْدَعْنَا شَمْسَ الْمَعَارِفِ فِي كُلِّ أَرْضٍ إِذَا جَاءَ الْمِيقَاتُ تُشْرِقُ مِنْ أُفُقِهَا أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. إِنَّا لَوْ نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ قِطَعَاتِ الأَرْضِ وَمَا وَلَجَ فِيهَا وَظَهَرَ مِنْهَا لَنَقْدِرُ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ عِلْمُهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنَ الْقُدَمَاءِ مَا لَمْ يَظْهُرْ مِنَ الْحُكَمَاءِ

128

الْمُعَاصِرِينَ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ نَبَأَ مورْطِسْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْحُكَمَاءِ وَصَنَعَ آلَةً تُسْمِعُ عَلَى سِتِّينَ مِيلاً وَكَذَلِكَ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لاَ تَرَاهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِنَّ رَبَّكَ يُظْهِرُ فِي كُلِّ قَرْنٍ مَا أَرَادَ حِكْمَةً مِنْ عِنْدِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُدَبِّرُ الْحَكِيمُ. مَنْ كَانَ فَيْلَسُوفَاً حَقِيقَيَّاً مَا أَنْكَرَ اللهَ وَبُرْهَانَهُ وَأَقَرَّ بِعَظَمَتِهِ وَسُلْطَانِهِ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الْعَالَمِينَ. إِنَّا نُحِبُّ الْحُكَمَاءَ الَّذِينَ ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا انْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ وَأَيَّدْنَاهُمْ بِأَمْرٍ مَنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا قَادِرِينَ. إِيَّاكُمْ يَا أَحِبَّائِي أَنْ تُنْكِرُوا فَضْلَ عِبَادِي الْحُكَمَاءِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ مَطَالِعَ اسْمِهِ الصَّانِعِ بَيْنَ العالَمِين. أَفْرِغُوا جُهْدَكُمْ لِيَظْهَرَ مِنْكُمْ الصَّنائِعُ وَالأُمُورُ الَّتِي بِهَا يَنْتَفِعُ كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ. إِنَّا نَتَبَرَّأُ عَنْ كُلِّ جَاهِلٍ ظَنَّ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالْهَوَى وَالأِعْرَاضُ عَنِ اللهِ مَوْلَى الْوَرَى كَمَا نَسْمَعُ الْيَوْمَ مِنْ بَعْضِ الْغَافِلِينَ. قُلْ أَوَّلُ الْحِكْمَةِ وَأَصْلُهَا هُوَ الإِقْرَارُ بِمَا بَيَّنَهُ اللهُ لأَنَّ بِهِ اسْتَحْكَمَ بُنْيَانُ السِّيَاسَةِ الَّتِي كَانَتْ دِرْعَاً لِحِفْظِ بَدَنِ الْعَالَمِ تَفَكَّرُوا لِتَعْرِفُوا مَا نَطَقَ بِهِ قَلَمِيَ الأَعْلَى فِي هَذَا اللَّوْحِ الْبَدِيعِ. قُلْ كُلُّ أَمْرٍ سِيَاسِيٍّ أَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِهِ كَانَ تَحْتَ كَلِمَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنْ جَبَرُوتِ بَيَانِهِ الْعَزِيزِ الْمَنِيعِ. كَذَلِكَ قَصَصْنَا لَكَ مَا يَفْرَحُ بِهِ قَلْبُكَ وَتَقَرُّ عَيْنُكَ وَتَقُومُ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ بَيْنَ الْعَالَمِينَ.

129

نَبِيلِي لاَ تَحْزَنْ مِنْ شَيْءٍ افْرَحْ بِذِكْرِي إِيَّاكَ وَإِقْبَالِي وَتَوَجُّهِي إِلَيْكَ وَتَكَلُّمِي مَعَكَ بِهَذَا الْخِطَابِ الْمُبْرَمِ الْمَتِينِ. تَفَكَّرْ فِي بَلاَئِي وَسِجْنِي وَغُرْبَتِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ وَمَا يَنْسِبُ إِلَيَّ النَّاسُ أَلاَ إِنَّهُمْ فِي حِجَابٍ غَلِيظٍ. لَمَّا بَلَغَ الْكَلاَمُ هَذَا الْمَقَامَ طَلَعَ فَجْرُ الْمَعَانِي وَطَفِئَ سِرَاجُ الْبيَانِ. الْبَهَآءُ لأَهْلِ الْحِكْمَةِ وَالْعِرْفَانِ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ حَمِيدٍ.

قُلْ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يَا إِلَهِي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ سَطَعَ نُورُ الْحِكْمَةِ إِذْ تَحَرَّكَتْ أَفْلاَكُ بَيَانِهِ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ بِأَنْ تَجْعَلَنِي مُؤَيَّدَاً بِتَأْيِيدَاتِكَ وَذَاكِرَاً بِاسْمِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ. أَيْ رَبِّ تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ مُنْقَطِعَاً عَنْ سِوَائِكَ وَمُتَشَبِّثَاً بِذَيْلِ أَلْطَافِكَ فَأَنْطِقْنِي بِمَا تَنْجَذِبُ بِهِ الْعُقُولُ وَتِطيرُ بِهِ الأَرْوَاحُ وَالنُّفُوسُ. ثُمَّ قَوِّنِي فِي أَمْرِكَ عَلَى شَأْنٍ لاَ تَمْنَعُنِي سَطْوَةُ الظَّالِمِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَلاَ قُدْرَةُ الْمُنْكِرِينَ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ. فَاجْعَلْنِي كَالسِّرَاجِ فِي دِيَارِكَ لِيَهْتَدِيَ بِهِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ نُورُ مَعْرِفَتِكَ وَشَغَفُ مَحَبَّتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَفِي قَبْضَتِكَ مَلَكُوتُ الإِنْشَآءِ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

(1) هذا اللوح المبارك نزّل بإعزاز جناب الملاّ محمّد قائني أحد الأحبّاء البارزين الذي لقّب ﺑ«النبيل الأكبر» وذلك بسبب تساوي عدد اسمه «محمد» بكلمة «نبيل» حسب الحساب الأبجديّ (راجع كتاب تذكرة الوفاء).
(2) هرمس (HERMES) كاتب فيلسوف مصري قام برحلات واسعة النّطاق ويتضمّن كتابه وصف أسفاره حول ما وراء الطبيعة.

130

أَصْلُ كُلِّ الْخَيْرِ

131

صفحة خالية
هُوِ الْعَلِيُّ الأَعْلَى

أَصْلُ كُلِّ الْخَيْرِ
هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ وَالانْقِيَادُ لأَمْرِهِ وَالرِّضَآءُ بِمَرْضَاتِهِ.

أَصْلُ الْحِكْمَةِ
هُوَ الْخَشْيَةُ عَنِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَالْمَخَافَةُ مِنْ سَطْوَتِهِ وَسِيَاطِهِ وَالْوَجَلُ مِنْ مَظَاهِرِ عَدْلِهِ وَقَضَائِهِ.

رَأْسُ الدِّينِ
هُوَ الإِقْرَارُ بِمَا نُزِّلَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاتِّبَاعُ مَا شُرّعَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ.

أَصْلُ الْعِزَّةِ
هُوَ قَنَاعَةُ الْعَبْدِ بِمَا رُزِقَ بِهِ وَالاكْتِفَاءُ بِمَا قُدِّرَ لَهُ.

133


أَصْلُ الْحُبِّ
هُوَ إِقْبَالُ الْعَبْدِ إِلَى الْمَحْبُوبِ وَالإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ وَلاَ يَكُونُ مُرَادُهُ إِلاَّ مَا أَرَادَ مَوْلاَهُ.

أَصْلُ الذِّكْرِ
هُوَ الْقِيَامُ عَلَى ذِكْرِ الْمَذْكُورِ وَنِسْيَانُ دُونِهِ.

رَأْسُ التَّوَكُّلِ
هُوَ اقْتِرَافُ الْعَبْدِ وَاكْتِسَابُهُ فِي الدُّنْيَا وَاعْتِصَامُهُ بِاللهِ وَانْحِصَارُ النَّظَرِ إِلَى فَضْلِ مَوْلاَهُ. إِذْ إِلَيْهِ يَرْجِعُ أُمُورُ الْعَبْدِ فِي مُنْقَلَبِهِ وَمَثْوَاهُ.

رَأْسُ الانْقِطَاعِ
هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَى شَطْرِ اللهِ وَالْوُرُودُ عَلَيْهِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

رَأْسُ الْفِطْنَةِ
هُوَ الإِقْرَارُ بِالافْتِقَارِ وَالْخُضُوعُ بِالاخْتِيَارِ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ

134


الْمَلِكِ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ.

رَأْسُ الْقُدْرَةِ وَالشَّجَاعَةِ
هُوَ إِعْلآءُ كَلِمَةِ اللهِ وَالاسْتِقَامَةُ عَلَى حُبِّهِ.

رَأْسُ الإِحْسَانِ
هُوَ إِظْهَارُ الْعَبْدِ بِمَا أَنْعَمَهُ اللهُ وَشُكْرُهُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ وَجَمِيعِ الأَحْيَانِ.

رَأْسُ الإِيمَانِ
هُوَ التَّقَلُّلُ فِي الْقَوْلِ وَالتَّكَثُّرُ فِي الْعَمَلِ وَمَنْ كَانَ أَقْوَالُهُ أَزْيَدَ مِنْ أَعْمَالِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ عَدَمَهُ خَيْرٌ مِنْ وُجُودِهِ وَفَنَاءَهُ أَحْسَنُ مِنْ بَقَائِهِ.

أَصْلُ الْعَافِيَةِ
هُوَ الصَّمْتُ وَالنَّظَرُ إِلَى الْعَاقِبَةِ وَالانْزِوَآءُ عَنِ الْبَرِيَّةِ.

135

رَأْسُ الْهِمَّةِ
هُوَ إِنْفَاقُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَالْفُقَرَآءِ مِنْ إِخْوَتِهِ فِي دِينِهِ.

رَأْسُ التِّجَارَةِ
هُوَ حُبِّي بِهِ يَسْتَغْنِي كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَبِدُونِهِ يَفْتَقِرُ كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا مَا رُقِمَ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ مُنِيرٍ.

أَصْلُ كُلِّ الشَّرِّ
هُوَ إِغْفَالُ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلاَهُ وَإِقْبَالُهُ إِلَى هَوَاه.

أَصْلُ النَّارِ
هُوَ إِنْكَارُ آيَاتِ اللهِ وَالْمُجَادَلَةُ بِمَنْ يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ وَالإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالاسْتِكْبَارُ عَلَيْهِ.

أَصْلُ كُلِّ الْعُلُومِ
هُوَ عِرْفَانُ اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ وَهَذَا لَنْ يُحَقَّقَ إِلاَّ بِعِرْفَانِ مَظْهَرِ نَفْسِهِ.

136
رَأْسُ الذِّلَّةِ
هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ ظِلِّ الرَّحْمَنِ وَالدُّخُولُ فِي ظِلِّ الشَّيْطَانِ.

رَأْسُ الْكُفْرِ
هُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ وَالاعْتِمَادُ عَلَى مَا سِوَاهُ وَالْفِرَارُ عَنْ قَضَايَاهُ.

أَصْلُ الْخُسْرَانِ
لِمَنْ مَضَتْ أَيَّامُهُ وَمَا عَرَفَ نَفْسَهُ.

رَأْسُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكَ
هُوَ الإِنْصَافُ وَهُوَ خُرُوجُ الْعَبْدِ عَنِ الْوَهْمِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّفَرُّسُ فِي مَظَاهِرِ الصُّنْعِ بِنَظَرِ التَّوْحِيدِ وَالْمُشَاهَدَةُ فِي كُلِّ الأُمُورِ بِالْبَصَرِ الْحَدِيدِ.
كَذَلِكَ عَلَّمْنَاكَ وَصَرَّفْنَا لَكَ كَلِمَاتِ الْحِكْمَةِ لِتَشْكُرَ اللهَ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ وَتَفْتَخِرَ بِهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ.

137

صفحة خالية
لَوْحُ مَقْصُودَ

139
صفحة خالية
هُوَاللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الْعَظَمَةُ وَالاقْتِدَارُ

حَمْدَاً تَقَدَّسَ عَنِ الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ يَلِيقُ بِحَضْرَةِ الْمَعْبُودِ وَمَالِكِ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ. الَّذِي أَوْجَدَ مِنَ النُّقْطَةِ الأُولَى كُتُبَاً لاَ تُحْصَى. وَأَبْدَعَ خَلْقَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنْ كَلِمَتِهِ الْعُلْيَا. وَأَرْسَلَ سَفِيرَاً بِمَا تَقْتَضِي حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنَ الْقُرُونِ وَكُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ لِيُحْيِى الْخَلْقَ الْخَامِدَ بِمَاءِ الْبَيَانِ. فَهُوَ الْمُبَيِّنُ وَهُوَ الْمُتَرْجِمُ لأَنَّ النَّاسَ قَاصِرُونَ وَعَاجِزُونَ عَنْ إِدْرَاكِ مَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَعَلَى أَيِّ حَالٍ لاَ بُدَّ مِنَ الْمُذَكِّرِ وَالْهَادِي وَالْمُعَرِّفِ وَالْمُعَلِّمِ. لِذَا أَرْسَلَ السُّفَرَآءَ وَالأَنْبِيَآءَ وَالأَصْفِيَآءَ لِيُطْلِعُوا النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِنْزَالِ الْكُتُبِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ. وَلِيَعْرِفَ الْكُلُّ الْوَدِيعَةَ الرَّبَّانِيَّةَ الْكَامِنَةَ فِي أَنْفُسِهِمْ. الإِنْسَانُ هُوَ الطِّلَسْمُ الأَعْظَمُ وَلَكِنَّ عَدَمَ التَّرْبِيَةِ حَرَمَهُ مِمَّا فِيهِ. خَلَقَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَدَاهُ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى إِلَى مَقَامِ التَّعْلِيمِ وَحَفَظَ بِكَلِمَةٍ ثَالِثَةٍ مَرَاتِبَهُ وَمَقَامَاتِهِ.

141

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً:
انْظُرْ إِلَى الإِنْسَانِ بِمَثَابَةِ مَعْدِنٍ يَحْوِي أَحْجَارَاً كَرِيمَةً تَخْرُجُ بِالتَّرْبِيَةِ جَوَاهِرُهُ إِلَى عَرْصَةِ الشُّهُودِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا الْعَالَمُ الإِنْسَانِيُّ.

إِذَا نَظَرَ أَحَدٌ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ سَمَآءِ الأَحَدِيَّةِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ وَتَفَكَّرَ فِيهَا أَدْرَكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ النُّفُوسُ كُلُّهُمْ نَفْسَاً وَاحِدَاً حَتَّى يَنْطَبِعَ فِي جَمِيعِ الْقُلُوبِ نَقْشُ خَاتَمِ "الْمُلْكُ للهِ" وَتُحِيطَ الْكُلَّ شُمُوسُ الْعِنَايَةِ وَإِشْرَاقَاتُ أَنْجُمِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ مَا أَخَذَ شَيْئَاً لِنَفْسِهِ. فَلاَ طَاعَةُ الْعَالَمِ لَهُ تُجْدِيهِ نَفْعَاً وَلاَ عَدَمُ طَاعَتِهِ لَهُ يُلْحِقُ بِهِ نَقْصَاً. يَنْطِقُ طَيْرُ مَلَكُوتِ الْبَيَانِ فِي كُلِّ آنٍ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: أَرَدْتُ الْكُلَّ لَكَ وَأَرَدْتُكَ لِنَفْسِكَ. لَوْ سَمَحَ عُلَمَآءُ هَذَا الْعَصْرِ لِمَنْ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى يَجِدُوا رَائِحَةَ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ لأَدْرَكَ الْعَارِفُونَ عِنْدَئِذٍ الْحُرِّيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَوَجَدُوا الرَّاحَةَ كُلَّ الرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةَ كُلَّ الطُّمَأْنِينَةِ. إِذَا تَنَوَّرَتْ الأَرْضُ بِأَنْوَارِ شَمْسِ هَذَا الْمَقَامِ إِذَاً يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ [لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجَاً وَلاَ أَمْتَاً]2.

وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ ابْتَسَمَ بِظُهُورِهِ ثَغْرُ الْبَطْحَاءِ3 وَتَعَطَّرَ بِنَفَحَاتِ قَمِيصِهِ كُلُّ الْوَرَى الَّذِي أَتَى لِحِفْظِ الْعِبَادِ

142

عَنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهُمْ فِي نَاسُوتِ الإِنْشَآءِ. تَعَالَى تَعَالَى مَقَامُهُ عَنْ وَصْفِ الْمُمْكِنَاتِ وَذِكْرِ الْكَائِنَاتِ. بِهِ ارْتَفَعَ خِبَآءُ النَّظْمِ فِي الْعَالَمِ وَعَلَمُ الْعِرْفَانِ بَيْنَ الأُمَمِ. وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ بِهِمْ نُصِبَتْ رَايَاتُ التَّوْحِيدِ وَأَعْلاَمُ النَّصْرِ وَالتَّفْرِيدِ. وَبِهِمِ ارْتَفَعَ دِينُ اللهِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَذِكْرُهُ بَيْنَ عِبَادِهِ. أَسْأَلُهُ تَعَالَى بِأَنْ يَحْفَظَهُ عَنْ شَرِّ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ خَرَقُوا الأَحْجَابَ وَهَتَكُوا الأَسْتَارَ إِلَى أَنْ نُكِسَتْ رَايَةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ الأَنَامِ.

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَصَلَ خِطَابُكَ وَتَضَوَّعَتْ مِنْهُ نَفْحَهُ الْوِصَالَ وَقَدْ مَرَّ – وَالْحَمْدُ للهِ – نَسِيمُ الْقُرْبِ وَاللِّقَآءِ بَعْدَ حُكْمِ الْفِرَاقِ الْمُحْكَمِ وَأَنْعَشَ أَرْضَ الْقَلْبِ بِمَاءِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ. للهِ الْحَمْدُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ. الأَمَلُ أَنْ يَمُنَّ اللهُ بِعِنَايَتِهِ وَيَهْدِيَ جَمِيعَ مَنْ عَلَى الأَرْضِ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى.

لاحِظُوا كَمْ مِنَ السِّنِينَ مَضَتْ وَلَمْ تَهْدَأْ فِيهَا الأَرْضُ وَلاَ أَهْلُهَا. إِنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِالْحَرْبِ تَارَةً وَمُعَذَّبُونَ بِالْبَلاَيَا الْمُفَاجِئَةِ تَارَةً أُخْرَى وَقَدْ أَحَاطَتِ الأَرْضَ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ. وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ سَبَبَهُ وَعِلَّتَهُ. إِذَا تَكَلَّمَ النَّاصِحُ الْحَقِيقِيُّ أَخَذُوهَا عَلَى مَحْمَلِ الْفَسَادِ وَلْم يَقْبَلُوهَا مِنْهُ. الإِنْسَانُ فِي حَيْرَةٍ مَاذَا يَقُولُ وَبِمَاذَا يَتَحَدَّثُ لاَ يُرَى فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسَانِ مُتَّحِدَانِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. وَمَعَ أَنَّ الْكُلَّ خُلِقُوا لِلاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ

143

تَرَى آثَارَ النِّفَاقِ مَوْجُودَةً وَمَشْهُودَةً فِي الآفَاقِ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ قَدِ ارْتَفَعَتْ خَيْمَةُ الاتِّحَادِ لاَ يَنْظُرْ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ كَنَظْرَةِ غَرِيبٍ إِلَى غَرِيبٍ. كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ.

الأَمَلُ أَنْ يَسْطَعَ نُورُ الإِنْصَافِ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَيُقَدِّسَ الْعَالَمَ مِنَ الاعْتِسَافِ. فَلَوْ أَنَّ الْمُلُوكَ وَالسَّلاَطِينَ الَّذِينَ هُمْ مَظَاهِرُ اقْتِدَارِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ شَدُّوا الْهِمَّةَ وَقَامُوا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ لَعَمَّتِ الْعَالَمَ شَمْسُ الْعَدْلِ وَنَوَّرَتْهُ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ خِبَآءَ نَظْمِ الْعَالَمِ يَقُومُ وَيَرْتَفِعُ عَلَى عَمُودَيْنِ: الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَيَقُولُ فِي مَقَامٍ آخَرَ بِاللُّغَةِ الْفُصْحَى: لِلْعَدْلِ جُنْدٌ وَهِيَ مَجَازَاةُ الأَعْمَالِ وَمُكَافَاتُهَا بِهِمَا ارْتَفَعَ خِبَآءُ النَّظْمِ فِي الْعَالَمِ وَأَخَذَ كُلُّ طَاغٍ زِمَامَ نَفْسِهِ مِنْ خَشْيَةِ الْجَزَآءِ. وَفِي مَقَامٍ آخَرَ: يَا مَعْشَرَ الأُمَرَآءِ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ جُنْدٌ أَقْوَى مِنَ الْعَدْلِ وَالْعَقْلِ. أَلْحَقُّ أَقُولُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ جُنْدٌ أَقْوَى مِنَ الْعدْلِ وَالْعَقْلِ وَلَنْ يَكُونَ. طُوبَى لِمَلِكٍ يَمْشِي وَتَمْشِي أَمَامَ وَجْهِهِ رَايَةُ الْعَقْلِ وَعَنْ وَرَائِهِ كَتِيبَةُ الْعَدْلِ إِنَّهُ غُرَّةُ جَبِينِ السَّلاَمِ بَيْنَ الأَنَامِ وَشَامَةُ وَجَنَةِ الأَمَانِ فِي الإِمْكَانِ.

144

فِي الْحَقِيقَةِ إِذَا انْقَشَعَ سَحَابُ الظُّلْمِ عَنْ شَمْسِ الْعَدْلِ لِتُرَى الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ.

وَفِي مَقَامٍ آخَرَ فِي السَّبَبِ الأَوَّلِ وَالْعِلَّةِ الأُولَى لِسُكُونِ الأُمَمِ وَرَاحَتِهَا وَعَمَارِ الْعَالَمِ يَقُولُ سَيِّدُ الْوُجُودِ: لا بُدَّ أَنْ تُشَكَّلَ فِي الأَرْضِ هَيْئَةٌ عُظْمَى يَتَفَاوَضُ الْمُلُوكُ وَالسَّلاَطِينُ فِي تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِشَأْنِ الصُّلْحِ الأَكْبَرِ. وَذَلِكَ بِأَنْ تَتَشَبَّثَ الدُّوَلُ الْعُظْمَى بِصُلْحٍ مُحْكَمٍ لِرَاحَةِ الْعَالَمِ. وَإِذَا قَامَ مَلِكٌ عَلَى مَلِكٍ قَامَ الْجَمِيعُ مُتَّفِقِينَ عَلَى مَنْعِهِ. وَبِهَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَحْتَاجُ الْعَالَمُ قَطُّ إِلَى الْمُهِمَّاتِ الْحَرْبِيَّةِ وَالصُّفُوفِ الْعَسْكَرِيَّةِ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ يَحْفَظُونَ بِهِ مَمَالِكَهُمْ وَبُلْدَانَهُمْ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ الدَّوْلَةِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْمَمْلَكَةِ. عَسَى أَنْ يَفُوزَ بِمَشِيئَةِ اللهِ الْمُلُوكُ وَالسَّلاَطِينُ الَّذِينَ هُمْ مَرَايَا اسْمِ اللهِ الْعَزِيزِ بِهَذَا الْمَقَامِ وَيَحْفَظُوا الْعَالَمَ مِنْ سَطْوَةِ الظُّلْمِ.

وَكَذَلِكَ تَفَضَّلَ بِقَوْلِهِ: مِنْ جُمْلَةِ الأُمُورِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَبِهَا يُرَى جَمِيعُ الْعَالَمِ وَطَنَاً وَاحِدَاً هِيَ أَنْ تَنْتَهِيَ الأَلْسُنُ الْمُتَنَوِّعَةُ إِلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ خُطُوطُ الْعَالَمِ إِلَى خَطٍّ وَاحِدٍ. عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ أَنْ يُعَيِّنُوا أَشْخَاصَاً مِنْ ذَوِي الْفَهْمِ وَالْكَمَالِ لِيَجْتَمِعُوا وَيَخْتَارُوا – بِمُشَاوَرَةِ

145

بَعْضِهِمِ الْبَعْضَ – لُغَةً مِنَ اللُّغَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَوْ يَخْتَرِعُوا لُغَةً جَدِيدَةً يُعَلِّمُونَهَا الأَطْفَالَ فِي جَمِيعِ مَدَارِسِ الْعَالَمِ.

سَيَتَزَيَّنُ جَمِيعُ أَهْلِ الْعَالَمِ قَرِيبَاً بِلِسَانٍ وَاحِدٍ وَخَطٍّ وَاحِدٍ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا اتَجَّهَ أَيُّ شَخْصٍ إِلَى بَلَدٍ فَكَأَنَّهُ وَرَدَ إِلَى بَيْتِهِ. إِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ لازِمَةٌ وَوَاجِبَةٌ فَعَلَى كُلِّ ذِي بَصَرٍ وَسَمْعٍ أَنْ يَجْهَدَ كُلَّ الْجَهْدِ حَتَّى تَتَحَوَّلَ الْوَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعُهَا مِنْ عَالَمِ الأَلْفَاظِ وَالأَقْوَالِ إِلَى عَرْصَةِ الشُّهُودِ وَالْعَيَانِ. يُرَى الْيَوْمَ هَيْكَلُ الْعَدْلِ تَحْتَ مَخَالِبِ الظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ. اسْأَلُوا اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ لاَ يَحْرِمَ النُّفُوسَ مِنْ بَحْرِ الْعِرْفَانِ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا لأَدْرَكُوا أَنَّ كُلَّ مَا جَرَى وَثَبَتَ مِنْ قَلَمِ الْحِكْمَةِ هُوَ بِمَثَابَةِ الشَّمْسِ لِلْعَالَمِ وَفِي ذَلِكَ رَاحَةُ الْكُلِّ وَأَمْنُهُمْ وَمَصْلَحَتُهُمْ وَمِنْ دُونِ ذَلِكَ يَنْزِلُ بِالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ بَلآءٌ جَدِيدٌ وَتَقُومُ فِتْنَةٌ جَدِيدَةٌ. عَسَى اللهُ أَنْ يُوَفِّقَ أَهْلَ الْعَالَمِ لِحِفْظِ سُرُجِ الْبَيَانَاتِ الْمُشْفِقَةِ بِمَصَابِيحِ الْحِكْمَةِ. الأَمَلُ أَنْ يَتَحَلَّى الْكُلُّ بِطِرَازِ الْحِكْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ أُسُّ أَسَاسِ سِيَاسَةِ الْعَالَمِ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ سَمَآءَ السِّيَاسَةِ مُنِيرَةٌ بِنَيِّرِ

146

هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ مَشْرِقِ الإِرَادَةِ. يَنْبَغِي لِكُلِّ آمِرٍ أَنْ يَزِنَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمِيزَانِ الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ ثُمَّ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا يَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْحِكْمَةِ وَالْعَقْلِ.

هَذَا هُوَ أُسُّ السِّيَاسَةِ وَأَصْلُهَا. يَسْتَنْبِطُ الْحَكِيمُ الْعَارِفُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَا يُؤَدِّي إِلَى الرَّاحَةِ وَالأَمَانِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ وَحَقْنِ الدِّمَآءِ وَأَمْثَالِهَا. لَوْ شَرِبَ ذَوُو الأَفْئِدَةِ مِنْ بَحْرِ الْمَعَانِي الْمَسْتُورَةِ فِي هَذِهِ الأَلْفَاظِ وَأَدْرَكُوهَا لَشَهِدُوا جَمِيعَاً عَلَى عُلُوِّ الْبَيَانِ وَسُمُوِّهِ. لَوْ عَرَضَ هَذَا الْفَانِي مَا أَدْرَكَهُ لَشَهِدَ الْجَمِيعُ بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ الإِلهِيَّةِ. إِنَّ أَسْرَارَ السِّيَاسَةِ مَكْنُونَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ مَخْزُونٌ فِيهَا. فَهَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي يَسْأَلُ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ وَيَأْمُلُ أَنْ يُنَوِّرَ أَبْصَارَ الْعَالَمِ بِنُورِ الْحِكْمَةِ كَيْ يُدْرِكَ الْكُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْيَوْمُ فَالإِنْسَانُ الْيَوْمَ هُوَ الَّذِي قَامَ عَلَى خِدْمَةِ جَمِيعِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: طُوبَى لِمَنْ أَصْبَحَ قَائِمَاً عَلَى خِدْمَةِ الأُمَمِ. وَيَقُولُ فِي مَقَامٍ آخَرَ: لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ.

147

يُعْتَبَرُ الْعَالَمُ فِي الْحَقِيقَةِ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ أَهْلُهُ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ الْمَنْصُوصَيْنِ بِالْقَلَمِ الأَعْلَى فِي كُتُبِ الأَنْبِيَآءِ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ فِي أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ فِي اتِّحَادٍ يُؤَدِّي إِلَى الاخْتِلاَفِ وَاتِّفَاقٍ يُمْسِي عِلَّةً لِلنِّفَاقِ. هَذَا مَقَامُ الْقِيَاسِ وَالْمِقْدَارِ وَمَقَامُ إِعْطَآءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. طُوبَى لِمَنْ عَرَفَ وَفَازَ وَيَا حَسْرَةً لِلْغَافِلِينَ. تَشْهَدُ بِذَلِكَ آثَارُ الطَّبِيعَةِ بِنَفْسِهَا وَيَعْلَمُ كُلُّ حَكِيمٍ مَا عَرَضْنَاهُ إلاَّ مَنْ كَانَ مِنْ كَوْثَرِ الإِنْصَافِ مَحْرُومَاً وَفِي هَيْمَآءِ الْغَفْلَةِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ هَائِمَاً.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: يَا أَبْنَاءَ الإِنْسَانِ إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ لأَجْلِ حِفْظِ الْعَالَمِ وَاتِّحَادِهِ وَاتِّفَاقِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَأُلْفَتِهِ لاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَاً لِلنَّفَاقِ وَالاخْتِلاَفِ وَعِلَّةً لِلضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَآءِ هَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَالأُسُّ الْمُحْكَمُ الْمَتِينُ. كُلُّ مَا يُشَادُ عَلَى هَذَا الأَسَاسِ لاَ تُزَعْزِعُهُ حَوَادِثُ الدُّنْيَا وَلاَ يُقَوِّضُ أَرْكَانَهُ مَدَى الزَّمَانِ. الأَمَلُ أَنْ يَقُومَ عُلَمَآءُ الأَرْضِ وَأُمَرَاؤُهَا مُتَّحِدِينَ عَلَى إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَبَعْدَ التَّفْكِيرِ وَالْمَشُورَةِ الْكَامِلَةِ يَشْفُوا بِدِرْيَاقِ التَّدْبِيرِ هَيْكَلَ الْعَالَمِ الَّذِي يَبْدُو الآنَ مَرِيضَاً وَيُزَيِّنُوهُ بِطِرَازِ الصِّحَّةِ.

148

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ سَمَاءَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ مُسْتَضِيئَةٌ وَمُسْتَنِيرَةٌ بِنَيِّرَيْنِ: الْمَشُورَةِ وَالشَّفَقَةِ. تَمَسَّكُوا بِالْمَشُورَةِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ فَهِيَ سِرَاجُ الْهِدَايَةِ إِنَّهَا تَهْدِي السَّبِيلَ وَتَهِبُ الْمَعْرِفَةَ.

يَجِبُ النَّظَرُ إِلَى عَاقِبَةِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ بِدَايَتِهِ وَأَنْ يَنْكَبَّ الأَطْفَالُ عَلَى عُلُومٍ وَفُنُونٍ تُؤَدِّي إِلَى مَنْفَعَةِ الإِنْسَانِ وَرُقِيِّهِ وَإِعْلآءِ مَقَامِهِ كَيْ تَزُولَ رَائِحَةُ الْفَسَادِ مِنَ الْعَالَمِ وَيُصْبِحَ الْكُلُّ بِفَضْلِ هِمَّةِ أَوْلِيَآءِ الدَّوْلَةِ وَالْمِلَّةِ مُسْتَرِيحِينَ فِي مَهْدِ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنَانِ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: عَلَى عُلَمَآءِ الْعَصْرِ أَنْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِتَحْصِيلِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ كَيْ يَنْتَفِعُوا مِنْهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَيَنْتَفِعَ مِنْهُ أَهْلُ الْعَالَمِ. كَانَتْ وَمَا زَالَتِ الْعُلُومُ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْكَلاَمِ وَتَنْتَهِي بِالْكَلاَمِ دُونَ فَائِدَةٍ. إِنَّ مُعْظَمَ حُكَمَآءِ إِيرَانَ يَصْرِفُونَ أَعْمَارَهُمْ فِي دِرَاسَةِ الْحِكْمَةِ وَلَكِنَّ الْحَاصِلَ لَهُمْ فِي الْعَاقِبَةِ لَيْسَتْ إِلاَّ أَلْفَاظَاً. وَعَلَى الرُّؤَسَآءِ أَنْ يَكُونُوا نَاظِرِينَ إِلَى الاعْتِدَالِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ جَاوَزَ حَدَّ الاعْتِدَالِ حُرِمَ مِنْ طِرَازِ التَّأْثِيرِ. مِثَالُ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّمَدُّنُ وَأَمْثَالُهُمَا – بِالرُّغْمِ مِنْ كَوْنِهَا مَوْضِعَ قَبُولِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ – لَوْ جَاوَزَتْ

149

حَدَّ الاعْتِدَالِ أَدَّتْ إِلَى الضَّرَرِ. وَإِذَا أَسْهَبْنَا فِي هَذَا الْمَجَالِ فَإِنَّ الْبَيَانَ يَطُولُ وَيُخْشَى أَنْ يكُونَ سَبَبَاً لِلْمَلَلِ. يَسْأَلُ اللهَ جُلَّ جَلاَلُهُ هَذَا الْفَانِي آمِلاً أَنْ يَهَبَ الْكُلَّ خَيْرَاً. وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ نَفْسٍ فَازَتْ بِذَلِكَ مَلَكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: يَقُولُ لِسَانُ الْعَقْلِ مَنْ لاَ يَمْلِكُنِي لاَ يَمْلِكُ شَيْئَاً. انْبِذُوا كُلَّ شَيْءٍ وَابْحَثُوا عِنِّي أَنَا شَمْسُ الْبَصِيرَةِ وَبَحْرُ الْمَعْرِفَةِ أُنْعِشُ الْخَامِلِينَ وَأُحْيِى الأَمْوَاتَ. أَنَا ذَلِكَ النُّورُ الَّذِي يَسْتَنِيرُ بِهِ الأَبْصَارُ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَا صَقَرُ سَاعِدِ اللهِ الْغَنِيِّ أُحَرِّرُ ذَوِي الأَجْنِحَةِ الْمَغْلُولَةِ وَأُعَلِّمُهُمُ الطَّيَرَانَ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ: سَمَآءُ الْعَقْلِ مُضِيئَةٌ بِشَمْسِ الْحِلْمِ وَالتَّقْوَى.

يَا حَبِيبِي إِنَّ بُحُورَاً مُتَّسِعَةً كَامِنَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُخْتَصَرَةِ طُوبَى لِنَفْسٍ عَرَفَتْ وَشَرِبَتْ وَالْحَسْرَةُ لِلْغَافِلِينَ.

يَلْتَمِسُ هَذَا الْفَانِي مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ الإِنْصَافَ كَيْ يُطَهِّرُوا الأُذُنَ اللَّطِيفَةَ الرَّقِيقَةَ الْمَحْبُوبَةَ – الَّتِي خُلِقَتْ لإِصْغَاءِ كَلِمَةِ الْحِكْمَةِ – مِنَ السُّبُحَاتِ وَالإِشَارَاتِ وَالظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ الَّتِي لاَ تُسْمِنُ وَلاَ تُغْنِي حَتَّى يُقْبِلَ النَّاصِحُ عَلَى إِظْهَارِ مَا هُوَ عِلَّةُ بَرَكَةِ الْعَالَمِ وَخَيْرِ الأُمَمِ إِنَّ نُورَ الإِصْلاَحِ مَخْمُودٌ وَمُطْفَأٌ الْيَوْمَ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ وَنَارُ الْفَسَادِ ظَاهِرَةٌ وَمُشْتَعِلَةٌ...

150

لَيْسَ الاعْتِسَافُ شَأْنَ الإِنْسَانِ. فَيَنْبَغِي لَهُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ نَاظِرَاً إِلَى الإِنْصَافِ وَمُزَيَّنَاً بِطِرَازِ الْعَدْلِ. اطْلُبُوا مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُطَهِّرَ نُفُوسَاً بِأَيَادِي الْعِنَايَةِ وَالتَّرْبِيَةِ مِنْ دَنَسِ النَّفْسِ وَالْهَوَى حَتَّى يَقُومُوا للهِ وَيَتَكَلَّمُوا لِوَجْهِهِ عَسَى أَنْ تُمْحَى آثَارُ الظُّلْمِ وَتُحِيطَ الْعَالَمَ أَنْوَارُ الْعَدْلِ. النَّاسُ غَافِلُونَ وَلاَ بُدَّ مِنْ مُبَيِّنٍ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: الْحَكِيمُ الْعَارِفُ وَالْعَالِمُ الْبَصِيرُ هُمَا بَصَرَانِ لِهَيْكَلِ الْعَالَمِ عَسَى أَنْ لاَ يُحْرَمَ الْعَالَمُ بِمَشِيئَةِ اللهِ مِنْ هَاتَيْنِ الْعَطِيَّتَيْنِ الْكُبْرَيَيْنِ وَأَنْ لاَ يُمْنَعَ عَنْهُمَا.

إِنَّ حُبَّ هَذَا الْعَبْدِ لِخِدْمَةِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ أَجْمَعِينَ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ بَاعِثَاً لِكُلِّ مَا ذُكِرَ وَيُذْكَرُ. يَا حَبِيبِي عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَتَشَبَّثَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ بِمَا هُوَ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ لأَمْنِ الْعَالَمِ وَرَاحَتِهِ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الَّذِي كَانَ وَلَمْ يَزَلْ يُطَهِّرُكُمْ مِنَ الدَّنَسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ السَّعِيدِ وَيُوصِلُكُمْ إِلَى السَّعَادَةِ.

عَسَى أَنْ يَتَنَبَّهَ أَهْلُ الْعَالَمِ – إِنْ شَاءَ اللهُ – بِهِمَّةِ أَوْلِيَآءِ الأَرْضِ وَحُكَمَائِهَا إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ. إِلَى مَتَى الْغَفْلَةُ إِلَى مَتَى

151

الاعْتِسَافُ إِلَى مَتَى الْفَوْضَى وَالاخْتِلاَفُ. إِنَّ هَذَا الْخَادِمَ الْفَانِي لَفِي حَيْرَةٍ فَالْجَمِيعُ ذَوُو الْبَصَرِ وَالسَّمَعِ وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالاسْتِمَاعِ.

إِنَّ حُبَّ هَذَا الْخَادِمِ لِجِنَابِكَ دَفَعَهُ إِلَى كِتَابَةِ هَذِهِ الأَوْرَاقِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ تَهُبُّ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَرْيَاحُ الْيَأْسِ. وَالْفَوْضَى وَالاخْتِلاَفُ فِي تَزَايُدٍ مُسْتَمِرٍّ وَآثَارُ الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ مَشْهُودَةٌ لأَنَّ الأَسْبَابَ حَالِيَّاً لاَ تَبْدُو مُنَاسِبَة. أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يُنَبِّهَ الْعَالَمَ وَيَجْعَلَ الْعَاقِبَةَ خَيْرَاً وَيُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَيَلِيقُ. إِذَا عَرَفَ الإِنْسَانُ قَدْرَهُ وَمَقَامَهُ مَا ظَهَرَتْ مِنْهُ سِوَى الأَخْلاَقِ الْحَسَنَةِ وَالأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ الرَّاضِيَةِ الْمَرْضِيَّةِ. إِذَا نَبَّهَ الْمُشْفِقُونَ مِنَ الْعَلَمَاءِ وَالْعُرَفَاءِ النَّاسَ تَرَاءَى الْعَالَمُ بِأَجْمَعِهِ قِطْعَةً وَاحِدَةً. هَذَا حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ. يَسْأَلُ الْخَادِمُ هِمَّةً مِنْ كُلِّ ذِي هِمَّةٍ لِيَقُومَ عَلَى إِصْلاَحِ الْبِلاَدِ وَإِحْيَآءِ الأَمْوَاتِ بِمَاءِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ حُبَّاً للهِ الْفَرْدِ الْوَاحِدِ الْعَزِيزِ الْمَنَّانِ.

لاَ تَظْهَرُ حِكْمَةُ حَكِيمٍ إِلاَّ بِالْبَيَانِ. وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الْكَلِمَةِ الَّتِي جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ مِنْ قُبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. لأَنَّ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ بَلَغِ بِالْكَلِمَةِ وَرُوحِهَا إِلَى الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ. وَعَلَى الْبَيَانِ وَالْكَلِمَةِ أَنْ يَكُونَا مُؤَثِّرَيْنِ وَكَذَلِكَ نَافِذَيْنِ. وَسَيَتَّصِفَانِ

152

بِالأَثَرِ وَالنُّفُوذِ إِنْ أُلْقِيَا للهِ وَمُرَاعَاةً لِمُقْتَضَيَاتِ الظُّرُوفِ وَالنُّفُوسِ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ. أَمَّا النُّفُوذُ مُعَلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطَةٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ. وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الأَلْوَاحِ.

لِكُلِّ كَلِمَةٍ رُوحٌ لِذَا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَعَلَى الْمُبَيِّنِ مُرَاعَاةُ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وِالْمَكَانِ فِي إِلْقَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. حَيْثُ إِنَّ لِكُلِّ كَلِمَةٍ أَثَرَهَا الْمَوْجُودَ الْمَشْهُودَ.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: كَلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ النَّارِ وَأُخْرَى بِمَثَابَةِ النُّورِ وَأَثَرُ كِلْتَيْهِمَا ظَاهِرٌ فِي الْعَالَمِ. لِذَا عَلَى الْحَكِيمِ الْعَارِفِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِكَلِمَةٍ تَكُونُ لِهَا خَاصِيَّةُ اللَّبَنِ حَتَّى يَتَرَبَّى بِهَا أَطْفَالُ الدَّهْرِ وَيَفُوزُوا بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوُجُودِ الإِنْسَانِيِّ الَّتِي هِيَ مَقَامُ النُّبْلِ وَالإِدْرَاكِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ: كَلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ الرَّبِيعِ تَخْضَرُّ أَغْرَاسُ بُسْتَانِ الْمَعْرِفَةِ وَتَنْتَعِشُ وَكَلِمَةٌ أُخْرَى كَالسُّمُومِ.

عَلَى الْحَكِيمِ الْعَارِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَمَالِ الْمُدَاراةِ كَيْ يَفُوزَ الْكُلُّ مِنْ حَلاوَةِ الْبَيَانِ بِمَا يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ. يَا حَبِيبِيْ

153

إِنَّ الْكَلِمَةَ الإِلَهِيَّةَ هِيَ سُلْطَانُ الْكَلِمَاتِ وَنُفُوذُهَا لا يُحْصَى.

تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: الْكَلِمَةُ كَانَتْ وَلَمْ تَزَلْ تُسَخِّرُ الْعَالَمَ. إِنَّهَا الْمِفْتَاحُ الأَعْظَمُ فِي الْكَوْنِ لأَنَّ أَبْوَابَ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ حَقَّاً أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَتْ بِهَا. إِنَّ وَمِيضَاً مِنْ تَجَلِّيَاتِهَا أَشْرَقَ عَلَى مِرْآةِ الْحُبِّ فَانْطَبَعَتْ فِيهَا كَلِمَةُ "أَنَا الْمَحْبُوبُ" الْمُبَارَكَةُ. إِنَّهَا بَحْرٌ زَاخِرٌ وَجَامِعٌ مِنْهَا يَظْهَرُ كُلُّ الْمُدْرَكَاتِ. تَعَالَى تَعَالَى هَذَا الْمَقَامُ الأَعْلَى الَّذِي كَيْنُونَةُ الْعُلُوِّ وَالسُّمُوِّ تَمْشِي عَنْ وَرَائِهِ مُهَلِّلاً مُكَبِّرَاً.

يَبْدُو أَنَّ ذَائِقَةَ أَهْلِ الْعَالَمِ قَدْ تَغَيَّرَتْ مِنْ حُمَّى الْغَفْلَةِ وَالْجَهْلِ حَيْثُ تَرَاهُمْ غَافِلِينَ وَمَحْرُومِينَ مِنْ حَلاوَةِ الْبَيَانِ. حَيْفٌ عَلَى الإِنْسَانِ كَبِيرٌ أَنْ يَحْرِمَ نْفَسَهُ مِنْ أَثْمَارِ شَجَرَةِ الْحِكْمَةِ فَالأَيَّامُ وَالسَّاعَاتُ تَمُرُّ عَسَى أَنْ تَحْفَظَ يَدُ الْقُدْرَةِ الْجَمِيعَ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَتُرْشِدَهُمْ إِلَى أُفُقِ الْمَعْرِفَةِ. إِنَّ رَبَّنَا الرَّحْمنَ لَهُوَ الْمُؤَيِّدُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.

كَمَا أَوَدُّ أَنْ أَقُولَ إِنَّ خِطَابَكُمُ الثَّانِي الْمُرْسَلَ مِنَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ قَدْ وَصَلَ وَلُوحِظَ مَضْمُونُهُ وَعُرِضَ تِلْقَاءَ الْوَجْهِ. تَفَضَّلَ بِقَوْلِهِ: اكْتُبْ يَا مَقْصُودُ لَقَدْ سَمِعْنَا نِدَاءَكَ وَأَصْغَيْنَا إِلَى نُوَاحِكَ وَحَنِينِكَ فِي الْحُبِّ وَالاشْتِيَاقِ. الْحَمْدُ

154

للهِ أَنَّ عَرْفَ الْمَحَبَّةِ كَانَ سَاطِعَاً مُتَضَوِّعَاً مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا. أَدَامَ اللهُ بِمَشِيئَتِهِ هَذَا الْمَقَامَ. قَدْ أَنْشَدَ الْعَبْدُ الْحَاضِرُ مَا أَنْشَأْتَهُ. وَلَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُكَ تَكْرَارَاً لَدَى الْمَظْلُومِ فَاتَّجَهَ إِلَيْكَ لِحَاظُ الْعِنَايَةِ وَالشَّفَقَةِ. الإِنْسَانُ عَظِيمٌ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ فِي إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَرَاحَةِ الأُمَمِ عَظِيمَةً. أَسْأَلُ اللهَ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَكَ عَلَى مَا يَلِيقُ لِمَقَامِ الإِنْسَانِ. ضَعِ الْحِكْمَةَ نُصْبَ عَيْنَيْكَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ لأَنَّ بَعْضَاً مِنْ ذَوِي النِّيَّاتِ السَّيِّئَةِ كَانُوا وَمَا زَالُوا يَتَآمَرُونَ عَلَيْنَا. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّهُمْ نَسَبُوا إِلَى الْمَقَامِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي لاَ يَلْتَمِسُ لِلْعَالَمِ وَالإِنْسَانِيَّةِ سِوَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالْعُمْرَانِ وَالإِصْلاَحِ مَا يَخْجَلُ اللِّسَانُ وَالْقَلَمُ مِنْ ذِكْرِهِ. إِنَّا ذَكَرْنَاكَ وَنَذْكُرُكَ وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى بِأَنْ يَحْفَظَكَ بِأَيَادِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَيُعَرِّفَكَ مَا يَنْفَعُكَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّهُ مَالِكُ الْعَرْشِ وَالثَّرَى وَمَوْلَى الْوَرَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَظْلُومُ مِنْ أَهْلِ الْوَفَآءِ فَهُوَ لا يَنْسَاكَ أَبَدَاً.

وَأَمَّا مَا كَتَبْتَ بِأَنَّكَ عَازِمٌ عَلَى الْبَقَآءِ فِي الشَّامِ حَتَّى الرَّبِيعِ وَسَتَقْصُدُ نَحْوَ الْحَدْبَاءِ4 إِنْ تَيَسَّرَتِ الأَسْبَابُ. يَلْتَمِسُ هَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي إِلَى اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يُيَسِّرُ مَا هُوَ خَيْرٌ

155

لَكَ وَيَمُنَّ عَلَيْكَ بِعِنَايَتِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ. لَمْ تَظْهَرْ مِنْ خَلْقِ هَذِهِ الدِّيَارِ آثَارُ الْمَحَبَّةِ بِالرَّغْمِ مَا أُبْدِيَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرَّأْفَةُ كُلُّ الرَّأْفَةِ. يَنْبَغِي لِجَنَابِكَ مُرَاعَاةُ تَمَامِ الْحِكْمَةِ إِنَّهُمْ كَانُوا وَمَا زَالُوا بِصَدَدِ الاعْتِرَاضِ وَالإِنْكَارِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ. وَهَبَهُمُ اللهُ الْحَقُّ إِنْصَافَاً مِنْ لَدُنْه. بِالنِّسْبَةِ لأُمُورِكَ الْخَاصَّةِ كُلُّ مَا يَحْدُثُ وَتَجِدُهُ مُنَاسِبَاً فَهُوَ مَحْبُوبٌ. وَالأَحَبُّ هُوَ أَنْ يَشْتَغِلَ الإِنْسَانُ بِعَمَلٍ مَا فَالاهْتِمَامُ بِالْعَمَلِ يَصْرِفُ النَّظَرَ عَنْ مَتَاعِبِ الدَّهْرِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ تَكُونَ دَائِمَاً فِي كَمَالِ الرَّوْحِ وَالرَّيحَانِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي أَيَّةِ مَدِينَةٍ وَدَارٍ أَقَمْتَ. عَلَى أَيِّ حَالٍ لاَ يَنْسَى هَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي ذَلِكَ الْحَبِيبَ الْكَرِيمَ الْعَطُوفَ وَإِنَّهُ يَذْكُرُكَ عَلَى الدَّوَامِ الأَمْرُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَفَّقَكُمُ اللهُ بِمَشِيئَتِهِ وَأَيَّدَكُمْ بِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى. كَانَ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ أَشْعَارِكَ – فِي الْحَقِيقَةِ – مِرْآةً انْعَكَسَتْ فِيهَا مَدَى إِخْلاَصِكَ وَمَحَبَّتِكَ للهِ وَأَوْلِيَائِهِ هَنِيئَاً لِجَنَابِكَ بِمَا شَرِبْتَ رَحِيقَ الْبَيَانِ وَسَلْسَبِيلَ الْعِرْفَانِ وَهَنِيئَاً لِمَنْ شَرِبَ وَفَازَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ. وَالْحَقُّ أَقُولُ إِنَّنَا تَأَثَّرْنَا بَعْدَ مُطَالَعَتِهَا لأَنَّهَا كَمَا كَانَتْ تُعَبِّرُ عَنْ نُورِ الْوِصَالِ كَانَتْ أَيْضَاً مُشْتَعِلَةً بِنَارِ الْفِرَاقِ.

156

فَإِنَّنَا فِي مُطْلَقِ الأَحْوَالِ لَسْنَا مَأْيُوسِينَ مِنْ فَضْلِ اللهِ الَّذِي لاَ يَتَنَاهَى. فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ جَعَلَ الذَّرَةَ شَمْسَاً وَالْقَطْرَةَ بَحْرَاً وَفَتَحَ أُلُوفَاً مِنَ الأَبْوَابِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَخْطُرُ أَيٌّ مِنْهَا عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ. بَلَغَتْ غَفْلَةُ هَذَا الْخَادِمِ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ إِثْبَاتَ الْقُدْرَةِ للهِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ عَمَّا ذَكَرْتُ وَأَذْكُرُ. إِنَّ الْخَادِمَ يَعْتَرِفُ فِي كُلِّ حِينٍ بِجَرِيرَاتِهِ الْعُظْمَى وَخَطِيئَاتِهِ الْكُبْرَى. وَيَسْأَلُ الْعَفْوَ مِنْ بَحْرِ غُفْرَانِ رَبِّهِ تَعَالَى وَمَا يَجْعَلُهُ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ وَنَاطِقَاً بِذِكْرِهِ وَمُقْبِلاً إِلَيْهِ وَمُتَّكَلاً عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

ثَمَّةَ مَطْلَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفَانِي قَدْ اطَّلَعَ عَلَى جَمِيعِ مُحَاوَرَاتِ السَّياحِ الَّذِي جَاءَ ذِكْرُهُ فِي عَرِيضَتِكَ إِلَى مَوْلاَيَ رُوحِيْ فِدَاهُ. كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّعْبِيرَاتِ الْوَارِدَةِ فِي تِلْكَ الْمُحَاوَرَاتِ كُلِّهَا إِيقَاظَ النَّاسِ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ. فَأَعْمَالُ الإِنْسَانِ نَفْسِهِ هِيَ عِلَّةُ ظُهُورِ أَلْفِ عَزَازِيلَ5. إِذْ إِنَّ النَّاسَ لَوْ يَتَمَسَّكُونَ بِالتَّعَالِيمِ الإِلَهِيَّةِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا لاَ يَبْقَى لِعَزَازِيلَ أَيُّ أَثَرٍ فِي الأَرْضِ فَالْخِلاَفَاتُ وَالنِّفَاقُ وَالْجِدَالُ وَالْمُحَارَبَةُ وَمَا شَاكَلَهَا هِيَ سَبَبُ ظُهُورِ عَزَازِيلَ وَعِلَّتهُ وَلَيْسَتْ

157

لِجِبْرِيلَ يَدٌ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الأُمُورِ. فَالْعَالَمُ الَّذِي لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ أَمْرٌ غَيْرُ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ وَالْفسَادِ إِنَّهُ مَقَرُّ عَرْشِ عَزَازِيلَ وَمَحَلُّ سَلْطَنَتِهِ. مَا أَكْثَرَ أُولَئِكَ الأَوْلِيَآءَ وَالأَصْفِيَآءَ الَّذِينَ نَاحُوا فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ رَاجِينَ هُبُوبَ نَسِيمِ عِطِرٍ عَلِيلٍ مِنْ شَطْرِ الإِرَادَةِ الإِلَهِيَّةِ يُزِيلُ الرَّوَائِحَ الْكَرِيهَةَ الْمُنْتِنَةَ مِنَ الْعَالَمِ وَلَكِنَّ مُقْتَضَيَاتِ الأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ وَمُجَازَاتِها الَّتِي تُعْتَبَرُ أُسَّاً مِنْ أَسَاسِ السِّيَاسَةِ الإِلَهِيَّةِ حَالَتْ دُونَ مُرُورِهِ وَمَنَعَتْ ذَلِكَ وَلَمْ تَتْرُكْ مَجَالاً لِظُهُورِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ. لَنَا أَنْ نَصْبِرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْفَرَجُ مِنَ اللهِ الْغَفُورِ الْكَرِيمِ.

سُبْحَانَكَ يَا إِلهَ الْكَائِنَاتِ وَمَقْصُودَ الْمُمْكِنَاتِ أَسْأَلُكَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي بِهَا نَادَتِ السِّدْرَةُ وَصَاحَتِ الصَّخْرَةُ وَبِهَا سَرُعَ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى مَقَرِّ قُرْبِكَ وَالْمُخْلِصُونَ إِلَى مَطْلِعِ نُورِ وَجْهِكَ. وَبِضَجِيجِ الْعَاشِقِينَ فِي فِرَاقِ أَصْفِيَائِكَ وَحَنِينِ الْمُشْتَاقِينَ عِنْدَ تَجَلِيَّاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ ظُهُورِكَ بِأَنْ تُعَرِّفَ عِبْادَكَ مَا أَرَدْتَ لَهُمْ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ثُمَّ اكْتُبْ لَهُمْ مِنْ قَلَمِكَ الأَعْلَى مَا يَهْدِيهِمْ إِلَى بَحْرِ عَطَائِكَ وَكَوْثَرِ قُرْبِكَ. أَيْ رَبِّ لاَ تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ فَانْظُرْ إِلَى سَمَاءِ رَحْمَتِكَ الَّتِي سَبَقَتِ الْوُجُودَ مِنَ الْغَيْبِ

158

وَالشُّهُودِ. أَيْ رَبِّ نَوِّرْ قُلُوبَهُمْ بِأَنْوَارِ مَعْرِفَتِكَ وَأَبْصَارَهُمْ بِتَجَلِّياتِ شَمْسِ مَوَاهِبِكَ. أَسْأَلُكَ يَا إِلهَ الأَسْمَاءِ وَفَاطِرَ السَّمَاءِ بِالدِّمآءِ الَّتِي سُفِكَتْ فِي سَبِيلِكَ وَالرُّؤُوسِ الَّتِي ارْتَفَعَتْ عَلَى الرِّمَاحِ فِي حُبِّكَ وَبِالأَكْبَادِ الَّتِي ذَابَتْ فِي هَجْرِ أَوْلِيَائِكَ وَبِالْقُلُوبِ الَّتِي قُطِعَتْ إِرْبَاً إِرْبَاً لإِعْلاَءِ كَلِمَتِكَ بِأَنْ تَجْمَعَ أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَعْتَرِفُنَّ الْكُلُّ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَالِي الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. الأَمَلُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ الْغَنِيُّ الْمُتَعَالِ بِمَشِيئَتِهِ مَا سَأَلَهُ هَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي وَيُزَيِّنَ عِبَادَ الأَرْضِ بِطِرَازِ الْمَعْرُوفِ وُيَقَدِّسَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ إِنَّهُ هُوَ الشَّاهِدُ الْعَلِيمُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ يَسْمَعُ وَيَرَى وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

(1) خاطب حضرة بهاءالله الميرزا مقصود بهذا اللّوح المبارك وهو أحد البهائيّين الأقدمين والقاطن في بلاد الشّام وذلك بتاريخ 29 صفر من عام 1299 هجرية (1882 ميلاديّة). وفي تلك الأيّام جرت العادة بأنّ البهائيّين كثيراً ما كانوا يوجّهون رسائلهم إلى كاتب بهاءالله المسمّى بميرزا آقا جان والمعروف ﺑ"خادم الله" و"العبد الحاضر" بدلاً من أن يرفعوها مباشرة إلى حضرة بهاءالله نفسه، والرّدّ على هذه الرسائل – رغم كونها مكتوبة بالنّيابة عن حضرة بهاءالله – كان يُملى على الكاتب كلّها من قبل حضرة بهاءالله وبناء على ذلك كلّ ما ورد في مثل هذه الرّسائل يعتبر نصوصاً مقدّسة وآثاراً مباركة لدى البهائيّين ولوح مقصود المبارك إحدى هذه الرّسائل.
(2) القرآن الكريم سورة طه الآية 107.
(3) البطحاء: مكّة المكرمة.
(4) الحدباء: لقب مدينة موصل في العراق.
(5) عزازيل: من أسمآء الشّيطان القديمة.

159

صفحة خالية
لَوْحُ
السَّيِّدُ مَهْدِي دَهَجِي

161
صفحة خالية
الأَقْدَسُ الأَعْظَمُ الأَمْنَعُ الأَعْلَى

أَنْ يَا اسْمِي1 أَنِ احْمَدِ اللهَ بِمَا جَعَلْنَاكَ أَمْطَارَ الْفَضْلِ لِمَا زَرَعْنَاهُ فِي الأَرَاضِي الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمَنِيعَةِ. وَجَعَلْنَاكَ رَبِيعَ العِنايَةِ لِما غَرَسْناهُ مِنَ الأَشْجارِ البَدِيعَةِ المَنِيعَةِ. هَذَا فَضْلٌ لاَ يُعَادِلُهُ مَا خُلِقَ فِي الإِمْكَانِ وَسَقَيْنَاكَ رَحِيقَ الْبَيَانِ مِنْ قَدَحِ أَلْطَافِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ. وَهُوَ هَذَا الْفَمُ الْمُقَدَّسُ الَّذِي إِذَا فُتِحَ اهْتَزَّتِ الْمُمْكِنَاتُ وَتَحَرَّكَتِ الْمَوْجُودَاتُ وَنَطَقَتِ الْوَرْقَآءُ هَذَا لَكَوْثَرُ الْحَيَوَانِ لِمَنْ فِي الإِبْدَاعِ. وَأَرْسَلْنَا إِلَيْكَ فِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ عَرْفَ الرَّحْمَنِ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ الْمُتَحَرِّكِ عَلَى مَتْنِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ. تَاللهِ الْحَقِّ لَوْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْوُجُودُ مِنَ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ لَتَرَاهُ طَائِرَاً إِلَى الْمَقْصَدِ الأَقْصَى مَقَامِ الَّذِي فِيهِ تَنْطِقُ السِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى إِنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ. طُوبَى لَكَ بِمَا كُنْتَ سَائِرَاً فِي بِلاِدِ اللهِ وَكُنْتَ آيَةَ الْفَرَحِ وَالاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الْبَهَآءِ الَّذِينَ انْقَطَعُوا عَمَّا سِوَاهُ وَتَوَجَّهُوا

163

بِالْقُلُوبِ إِلَى هَذَا الشَّطْرِ الَّذِي مِنْهُ أَضَاءَتِ الآفَاقُ. وَرَشَحَتْ عَلَيْهِمْ مَا تَرَشَّحَ عَلَيْكَ مِنْ أَمْوَاجِ هَذَا الْبَحْرِ الَّذِي أَحَاطَ مَنْ فِي الأَكْوَانِ. أَنْتَ الَّذِي عَرَفْتَ نَصْرَ اللهِ وَقُمْتَ عَلَيْهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. قُلْ إِنَّ نَصْرِي هُوَ تَبْلِيغُ أَمْرِي هَذَا مَا مُلِئَتْ بِهِ الأَلْوَاحُ هَذَا حُكْمُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ قُلْ أَنِ اعْرَفُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ. إِنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنِ الْحِكْمَةِ أُولَئِكَ مَا عَرَفُوا نَصْرَ اللهِ الَّذِي نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ. قُلِ اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ خُذُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ لَدُنْ رَبِّكُمُ الْعَزِيزِ الْعَلاَّمِ. إِنَّهُ عَلِمَ النَّصْرَ وَعَلَّمَكُمْ بِبَيَانٍ لَنْ يَعْتَرِيهِ ظُنُونُ الَّذِينَ هَامُوا فِي هَيْمَآءِ الشُّبُهَاتِ. أَنْ يَا اسْمِي أَنِ اسْقِ الْمُمْكِنَاتِ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ هَذَا الْقَدَحِ الَّذِي بِهِ سُجِّرَتِ الْبِحَارُ ثُمَّ أَضْرِمْ فِي قُلُوبِهِمِ النَّارَ الْمُشْتَعِلَةَ الْمُلْتَهِبَةَ مِنْ هَذِهِ السِّدْرَةِ الْحَمْرآءَ. لِيَقُومُنَّ عَلَى الذِّكْرِ وَالثَّنَآءِ بَيْنَ مَلإِ الأَدْيَانِ. قَدْ حَضَرَ مِنْكَ لَدَى الْعَرْشِ كُتُبٌ شَتَّى قَرَئْنَاهَا بِفَضْلٍ مِنْ عِنْدِنَا وَنَزَّلْنَا لِكُلِّ اسْمٍ كَانَ فِيهَا مَا اهْتَزَّتْ بِهِ الْعُقُولُ وَطَارَتِ الأَرْوَاحُ وَأَسْمَعْنَاكَ فِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ أَطْوَارَ الْوَرْقَاتِ وَتَغَنِّياتِ الْعَنَادِلِ الَّتِي تَغَنُّ عَلَى الأَفْنَانِ. كَذَلِكَ تَحَرَّكَتْ يَرَاعَةُ اللهِ عَلَى ذِكْرِكَ لِتُذَكِّرَ النَّاسَ بِهَذَا الْبَيَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَطْلِعَ الآيَاتِ. طُوبَى لأَرْضٍ ارْتَفَعَتْ فِيهَا

164

ذِكْرُ اللهِ وَلآذَانٍ فَازَتْ بِإِصْغَآءِ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ عِنَايَةِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ. وَصِّ الْعِبَادَ بِمَا وَصَّيْنَاكَ لِيَمْنَعُوا أَنْفُسَهُمْ عَمَّا نُهُوا عَنْهُ فِي أُمِّ الْبَيَانِ. إِنَّ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ مَا يَحْدُثُ بِهِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ إِنَّهُمْ بَعُدُوا عَنْ نَصْرِ اللهِ وَأَمْرِهِ أَلا إِنَّهُمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي لَوْحٍ جَعَلَهُ اللهُ مَطْلِعَ الأَلْوَاحِ. قُلْ إِنَّا لَوْ نُرِيدُ لَنَنْصُرُ الأَمْرَ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِنَا إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَهَّارُ. لَوْ أَرَادَ اللهُ لَيُخْرِجُ مِنْ عَرِينِ الْقُوَّةِ غَضَنْفَرَ الْقُدْرَةِ وَيَزْأَرُ زَئِيرَاً يَحْكِي هَزِيمَ الْرُّعُودِ الْقَاصِفَةِ فِي الْجِبَالِ. أَنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ رَحْمَتُنَا قَدَّرْنَا تَمَامَ النَّصْرِ فِي الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ لِيَفُوزَ بِذَلِكَ عِبَادُنَا فِي الأَرْضِ. هَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْهِمْ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْمُتَعَالِ. قُلْ خَافُوا اللهَ وَلاَ تَرْتَكِبُوا مَا يَجْزَعُ بِهِ أَحِبَّآئِي فِي الْمُلْكِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكُمْ هَذَا الْقَلَمُ الَّذِي مِنْهُ تَحَرَّكَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي مِضْمَارِ الْحِكْمَةِ وَالْعِرْفَانِ. كَبِّرْ مِنْ قِبَلِي عَلَى وُجُوهِ الَّذِينَ تَجِدُ مِنْهَا نَضْرَةَ الْبَهَاءِ ثُمَّ ذَكِّرْهُمْ بِهَذَا الذِّكْرِ الَّذِي بِهِ قَرَّتْ عُيُونُ الأَبْرَارِ إِنَّمَا الْبَهَآءُ عَلَيْكَ وَعَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِحَبْلِ اللهِ مُنْزِلِ الآيَاتِ ......

مُجْمَلُ الْقَوْلِ امْنَعُوا جَمِيعَ مَنْ فِي الْبُلْدَانِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْهَيَجَانِ وَالْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ

165

وَمِنَ الشُّؤُونِ الَّتِي تُسَبِّبُ حُدُوثَ الْفِتَنِ. مَا يُطْلَبُ الْيَوْمَ هُوَ تَبْلِيغُ الأَمْرِ. مَثَلاً إِنَّ الَّذِينَ يَنْوُونَ الْقِيَامَ بِبَعْضِ الأُمُورِ لَوْ يَقُومُونَ بِتَبْلِيغِ الأَمْرِ سَيَتَرَدَّى أَهْلُ تِلْكَ الدِّيَارِ كُلُّهُم بِرِدَاءِ الإِيمَانِ فِي أَجَلٍ قَرِيبٍ. نُزِّلَتْ آيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي لَوْحِ جَنَابِ النَّبِيلِ2 مِنْ أَهْلِ قَائِنَ. لَوْ فَازَ أَحَدٌ بِحَلاَوَةِ تِلْكَ الآيَةِ لأَدْرَكَ مَعْنَى النَّصْرِ: قُلْ إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ أَمَّا النُّفُوذُ مُعَلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ. وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نَزَّلْنَاهَا فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. يَا اسْمِي إِنَّ الْبَيَانَ يَطْلُبُ النُّفُوذَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ يكُنْ نَافِذَاً لاَ يَكُونُ مُؤَثِّرَاً وَنُفُوذُهُ مُعَلَّقٌ بِالأَنْفَاسِ الطَّيِّبَةِ وَالْقُلُوبِ الصَّافِيَةِ. كَمَا إِنَّهُ يَطْلُبُ الاعْتِدَالَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَدِلاً لاَ يَتَحَمَّلُهُ الْمُسْتَمِعُ فَيَقُومُ بِالإِعْرَاضِ فِي بَادِئِ الأَمْرِ. وَالاعْتِدَالُ هُوَ امْتِزَاجُ الْبَيَانِ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. وَعِنْدَمَا يَتَّصِفُ جَوْهَرُ الْبَيَانِ بِالنُّفُوذِ وَالاعْتِدَالِ يَصِيرُ جَوْهَرَاً فَاعِلاً وَعِلَّةً كُلِّيَّةً لِتَقْلِيبِ عَالَمِ الْوُجُودِ. هَذَا هُوَ مَقَامُ النَّصْرِ الْكُلِّيِّ وَالْغَلَبَةِ الإِلَهِيَّةِ. مَنْ فَازَ بِهِمَا أصْبَحَ قَادِرَاً عَلَى تَبْلِيغِ أَمْرِ اللهِ وَغَالِبَاً عَلَى عُقُولِ الْعِبَادِ وَأَفْئِدَتِهِمْ. يَا اسْمِي قَدْ أَشْرَقَ شَمْسُ الْبَيَانِ مِنْ مَطْلِعِ وَحْيِ الرَّحْمَنِ

166

فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ بِحَيْثُ أَضَاءَ مِنْ إِشْرَاقِهَا مَلَكُوتُ الْبَيَانِ وَجَبَرُوتُ التِّبْيَانِ بِاهْتِزَازٍ وَابْتِهَاجٍ. وَلَكِنَّ النَّاسَ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ. إِنَّ الْهَدَفَ مِمَّا جَرَى وَيَجْرِي مِنْ قَلَمِ الْقَدَرِ بِالتَّكْرَارِ فِي مَقَامِ النَّصْرِ وَالانْتِصَارُ هُوَ تَحْذِيرُ الأَحِبَّآءِ مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ. عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَكُونُوا فِي صَدَدِ نُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ كَمَا ذُكِرَ آنِفَاً. وَذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللهِ يَخْتَصُّ بِهِ أَحِبَّاءَهُ حَتَّى يَفُوزُوا بِمَقَامِ [مَنْ أَحْيَا نَفْسَاً فَقَدْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعَاً]3. وَلَمْ تَزَلِ الْغَلَبَةُ الظَّاهِرِيَّةُ تَكُونُ فِي ظِلِّ هَذَا الْمَقَامِ وَلَهُ مِيعَادٌ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ اللهِ. إِنَّهُ يَعْلَمُ وَيَظْهَرُ بِسُلْطَانِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْقَوِيُّ الْغَالِبُ الْمُقتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَعَلَى النُّفُوسِ الْمُقَدَّسَةِ أَنْ يَتَفَكَّرُوا وَيَتَدَبَّرُوا فِي كَيْفِيَّةِ أَمْرِ التَّبْلِيغِ وَيَحْفَظُوا لِكُلِّ مَقَامٍ آيَاتٍ وَكَلِمَاتٍ مِنَ الْكُتُبِ الإِلهِيَّةِ الْبَدِيعَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ حَتَّى يَنْطِقُوا بِتِلْكَ الآيَاتِ الإِلهِيَّةِ عِنْدَ الْبَيَانِ مُرَاعَينَ مُقْتَضَيَاتِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. لأَنَّهَا هِيَ الإكْسِيرُ الأَعْظَمُ وَالطِّلَسْمُ الأَكْبَرُ الأَفْخَمُ بِحَيْثُ لا يَبْقَى مَجَالٌ لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَتَرَدَّدَ. لَعَمْرِي لَقَدْ ظَهَرَ هَذَا الأَمْرُ عَلَى شَأْنٍ لِيَكُونَ مِغْنَاطِيسَاً لِجَمِيعِ الْمِلَلِ وَالشُّعُوبِ. لَوْ يُفَكِّرُ أَحَدٌ مَلِيَّاً يَرَى أَنَّهُ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ الإِلهِيَّةِ وَجَاذِبُهَا. طُوبَى لِلْقَارِئِينَ طُوبَى لِلْعَارِفِينَ طُوبَى لِلْمُتَفَكِّرِينَ

167

طُوبَى لِلْمُتَفَرِّسِينَ. إِنَّهُ نُزِّلَ بِانْبِسَاطٍ أَحَاطَ كُلَّ النَّاسِ قَبْلَ إِقْبَالِهِمْ. سَوْفَ يَظْهَرُ فِي الأَرْضِ سُلْطَانُهُ وَنُفُوذُهُ وَاقْتِدَارُهُ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.

أَنْ يَا اسْمِي أَنِ اسْتَمِعْ نِدَائِي مِنْ شَطْرِ عَرْشِي إِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ بِمَا وَجَدَكَ قَائِمَاً عَلَى ذِكْرِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ. إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْوَفَاءَ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ وَقَدَّمَهُ عَلَى أَكْثَرِ الصِّفَاتِ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا سَمِعْنَا مَا أَثْنَيْتَ فِي مُنَاجَاتِكَ مَعَ اللهِ رَبِّكَ الْعَلِّيِّ الْعَظِيمِ. طُوبَى لَكَ بِمَا اقْتَصَرْتَ أُمُورَكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ الْمُبْرَمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. نَسْأَلُ اللهَ بِأَنْ يَجْعَلَ نِدَاءَكَ مِغْنَاطِيسَ الأَسْمَاءِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ لِتَسْرُعُنَّ إِلَيْهِ الْكَائِنَاتُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَآءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمُتَعَالِي الأَمْنَعُ الأَقْدَسُ الأَرْفَعُ الأَعَزُّ الأَجَلُّ الأَكْرَمُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.

__________________
(1) نزّل هذا اللّوح المبارك باسم السيّد مهدي دَهَجي الّذي خاطبه حضرة بهاءالله في ألواحه باسم الله المهدي وهو أحد المبلِّغين المشهورين في عهد حضرة بهاءالله غير أنّه نقض العهد والميثاق في عهد ولاية حضرة عبدالبهآء (انظر كتاب God Passes By لحضرة ولي أمر الله شوقي أفندي الصفحة 319).
(2) انظر الهامش لصفحة 130.
(3) القرآن الكريم سورة المائدة الآية 32.

168

سُورَةُ الْوَفَا

169
صفحة خالية
هُوَ الْعَلِيمُ

أَنْ يَا وَفَا1 أَنِ اشْكُرْ رَبَّكَ بِمَا أَيَّدَكَ عَلَى أَمْرِهِ وَعَرَّفَكَ مَظْهَرَ نَفْسِهِ وَأَقَامَكَ عَلَى ثَنَآءِ ذِكْرِهِ الأَعْظَمِ فِي هَذَا النَّبَإِ الْعَظِيمِ. فَطُوبَى لَكَ يَا وَفَا بِمَا وَفَيْتَ بِمِيثَاقِ اللهِ وَعَهْدِهِ بَعْدَ الَّذِي كُلٌّ نَقَضُوا عَهْدَ اللهِ وَكَفَرُوا بِالَّذِي آمَنُوا بَعْدَ الَّذِي ظَهَرَ بِكُلِّ الآيَاتِ وَأَشْرَقَ عَنْ أُفُقِ الأَمْرِ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. وَلَكِنْ فَاسْعَ بِأَنْ تَصِلَ إِلَى أَصْلِ الْوَفَا وَهُوَ الإِيقَانُ بِالْقَلْبِ وَالإِقْرِارُ بِاللِّسَانِ بِمَا شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ الأَعْلَى بِأَنِّي حَيٌّ فِي الأُفُقِ الأَبْهَى. وَمَنْ فَازَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَقَدْ فَازَ بِكُلِّ الْخَيْرِ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ الرُّوحُ فِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيلٍ وَيُؤَيِّدُهُ عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ وَيَفْتَحُ لِسَانَهُ عَلَى الْبَيَانِ فِي أَمْرِ رَبِّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ لأَحَدٍ أَبَدَاً إِلاَّ لِمَنْ طَهَّرَ قَلْبَهُ عَنْ كُلِّ مَا خُلِقَ بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ وَانْقَطَعَ بِكُلِّهِ إِلَى اللهِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ الْجَمِيلِ.

171

قُمْ عَلَى الأَمْرِ وَقُلْ تَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلنُّقْطَةُ الأُولَى قَدْ ظَهَرَ فِي قَمِيصِهِ الأُخْرَى بِاسْمِهِ الأَبْهَى وَإِذَاً فِي هَذَا الأُفُقِ يَشْهَدُ وَيَرَى وَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى بِالنَّبَإِ الْعَظِيمِ وَفِي مَمَالِكِ الْبَقَاءِ بِجَمَالِ الْقَدِيمِ وَلَدَى الْعَرْشِ بِهَذَا الاسْمِ2 الَّذِي مِنْهُ زَلَّتْ أَقْدَامُ الْعَارِفِينَ. قُلْ تَاللهِ قَدْ تَمَّتْ حُجَّةُ اللهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ لِكُلِّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ آيَةٌ مِنْ سَمَآءِ قُدْسٍ رَفِيعٍ وَمِنْ دُونِهِ قَدْ نُزِّلَ مُعَادِلُ مَا نُزِّلَ فِي الْبَيَانِ. خَافُوا عَنِ اللهِ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَلاَ تَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ. أَنِ افْتَحُوا عُيُونَكُمْ لِتَشْهَدُوا جَمَالَ الْقِدَمِ مِنْ هَذَا الْمَنْظَرِ الْمُشْرِقِ الْمُنِيرِ. قُلْ تَاللهِ قَدْ نُزِّلَ هَيْكَلُ الْمَوْعُودِ عَلَى غَمَامِ الْحَمْرَآءِ وَعَنْ يَمِينِهِ جُنُودُ الْوَحْيِ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلاَئِكَةُ الإِلْهَامِ وَقُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْقَدِيرِ. وَبِذَلِكَ زَلَّتْ كُلُّ الأَقْدَامِ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ بِفَضْلِهِ وَجَعَلَهُ مِنَ الَّذِينَ عَرَفُوا اللهَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْقَطَعُوا عَنِ الْعَالَمِينَ. اسْمَعْ كَلِمَاتِ رَبِّكَ طَهِّرْ صَدْرَكَ عَنْ كُلِّ الإِشَارَاتِ لِيَتَجَلَّى عَلَيْهِ أَنْوَارُ شَمْسِ ذِكْرِ اسْمِ رَبِّكَ وَتَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.

ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنْ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْنَا كِتَابُكَ وَشَهِدْنَا مَا فِيهِ وَكُنَّا مِنَ الشَّاهِدِينَ وَعَرَفْنَا مَا فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الَّتِي سَئَلْتَ عَنْهَا

172

وَإِنَّا كُنَّا مُجِيبِينَ. وَلِكُلِّ نَفْسٍ الْيَوْمَ يَلْزَمُ بِأَنْ يَسْئَلَ عَنِ اللهِ فِيمَا يَحْتَاجُ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكَ يُجِيبُهُ بِآيَاتِ بِدْعٍ مُبِينٍ. وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِي الْمَعَادِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ الْعَوْدَ مِثْلُ الْبَدْءِ كَمَا أَنْتَ تَشْهَدُ الْبَدْءَ كَذلِكَ فَاشْهَدِ الْعَوْدَ وَكُنْ مِنَ الشَّاهِدِينَ بَلْ فَاشْهَدِ الْبَدْءَ نَفْسَ الْعَوْدِ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مُنِيرٍ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّ الأَشْيَآءِ فِي كُلِّ حِينٍ تَبْدَءُ وَتَعُودُ بِأَمْرِ رَبِّكَ الْمُقْتَدِرِ الْقَدِيرِ. وَأَمَّا عَوْدُ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ اللهِ فِي أَلْوَاحِهِ الْمُقَدَّسِ الْمَنِيعِ وَأَخْبَرَ بِهِ عِبَادَهُ هُوَ عَوْدُ الْمُمْكِنَاتِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا أَصْلُ الْعَوْدِ كَمَا شَهِدْتَ فِي أَيَّامِ اللهِ وَكُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَإِنَّهُ لَوْ يُعِيدُ كُلَّ الأَسْمَآءِ فِي اسْمٍ وَكُلَّ النُّفُوسِ فِي نَفْسٍ لَيَقْدِرُ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْفَاعِلُ الْمُرِيدُ. وَإِنَّكَ لاَ تَشْهَدُ فِي الرَّجْعِ وَالْعَوْدِ إِلاَّ مَا حُقِّقَ بِهِ هَذَانِ وَهُوَ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. مَثَلاً إِنَّهُ لَوْ يَأْخُذُ كَفَّاً مِنَ الطِّينِ وَيَقُولُ هَذَا لَهُوَ الَّذِي اتَّبَعْتُمُوهُ مِنْ قَبْلُ هَذَا لَحَقٌّ بِمِثْلِ وُجُودِهِ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَإِنَّكَ لاَ تَنْظُرْ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَى الْحُدُودِ وَالإِشَارَاتِ بَلْ فَانْظُرْ بِمَا حُقِّقَ بِهِ الأَمْرُ وَكُنْ مِنَ الْمُتَفَرِّسِينَ. إِذَاً نُصَرِّحُ لَكَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ مُبِينٍ لِتَطَّلِعَ بِمَا أَرَدْتَ مِنْ مَوْلاَكَ الْقَدِيمِ.

173

فَانْظُرْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَوْ يَحْكُمُ اللهُ عَلَى أَدْنَى الْخَلْقِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ بِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالْبَيَانِ إِنَّكَ لاَ تَكُنْ مُرِيبَاً فِي ذَلِكَ وَكُنْ مِن الْمُوقِنِينَ. وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى الْحُدُودِ وَالأَسْمَآءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلْ بِمَا حُقِّقَ بِهِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ وَهُوَ الإِيمَانُ بِاللهِ وَعِرْفَانُ نَفْسِهِ وَالإِيقَانُ بِأَمْرِهِ الْمُبْرَمِ الْحَكِيمِ. فَاشْهَدْ فِي ظُهُورِ نُقْطَةِ الْبَيَانِ جَلَّ كِبْرِيَاؤُهُ إِنَّهُ حَكَمَ لأَوَّلِ مَنْ آمَنَ3 بِأَنَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ هَلْ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ وَيَقُولَ هَذَا عَجَمِيٌّ وَهُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ هَذَا سُمِّيَ بِالْحُسَيْنِ وَهُوَ كَانَ مُحَمَّدَاً فِي الاسْمِ؟ لاَ فَوَنَفْسِ اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَإِنْ فَطِنَ الْبَصِيرُ لَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْحُدُودِ وَالأَسْمَآءِ بَلْ يَنْظُرُ بِمَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَمْرُ اللهِ وَكَذَلِكَ يَنْظُرُ فِي الْحُسَيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْمُتَعَالِيِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. وَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ فِي الْبَيَانِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ لِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُوَ هُوَ أَوْ بِأَنَّهُ عَوْدُهُ وَرَجْعُهُ. وَهَذَا الْمَقَامُ مُقَدَّسٌ عَنِ الْحُدُودِ وَالأَسْمَآءِ وَلاَ يُرَى فِي هَذَا إِلاَّ اللهُ الْوَاحِدُ الْفَرْدُ الْعَلِيمُ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ فِي يَوْمِ الظُّهُورِ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى وَرَقِةٍ مَنَ الأَوْرَاقِ كُلَّ الأَسْمَآءِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ وَبِمَ وَمَنْ قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ وَكَانَ مِنَ الْمُنْكِرِينَ. إِيَّاكَ إِيَّاكَ إِنَّكَ لاَ تَكُنْ بِمِثْلِ أَهْلِ الْبَيَانِ لأَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدْ

174

ضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَنَسَوْا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَأَشْرَكُوا بِاللهِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْخَبِيرِ. وَمَا عَرَفُوا نُقْطَةَ الْبَيَانِ لأَنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوهُ بِنَفْسِهِ مَا كَفَرُوا بِظُهُورِهِ فِي هَذَا الْهَيْكَلِ الْمُشْرِقِ الْمُنِيرِ. وَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا نَاظِرَاً إِلَى الأَسْمَآءِ فَلَمَّا بَدَّلَ اسْمَهُ الأَعْلَى بِالأَبْهَى عَمَتْ عُيُونُهُمْ وَمَا عَرَفُوهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَكَانُوا مِنَ الْخَاسِرِينَ. وَإِنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ مَا أَنْكَرُوهُ فِي هَذَا الاسْمِ الْمُبَارَكِ الْبَدِيعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ سَيْفَ أَمْرِهِ بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. وَيَفْصُلُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى يَوْمِ الَّذِي يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ يَوْمَ الظُّهُورِ يَعُودُ كُلُّ الأَشْيَاءِ عَمَّا سِوَى اللهِ وَكُلُّهَا فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعَلاَهَا أَوْ أَدْنَاهَا وَهَذَا لَعَوْدٌ لَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَمْرِ اللهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ الآمِرُ فِيمَا يُرِيدُ. وَبَعْدَ إِلْقَآءِ كَلِمَةِ اللهِ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ مَنْ سَمِعَ وَأَجَابَ إِنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْخَلْقِ وَلَوْ يَكُونُ مِنَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الرَّمَادَ. وَمَنْ أَعْرَضَ هُوَ مِنْ أَدْنَى الْعِبَادِ وَلَوْ يَكُونُ عِنْدَ النَّاسِ وَلِيَّاً وَيَكُونُ عِنْدَهُ كُتُبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. فَانْظُرْ بِعَيْنِ اللهِ فِيمَا نَزَّلْنَاهُ لَكَ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَلْقِ وَمَا عِنْدَهُمْ وَإِنَّ مَثَلَهُمْ الْيَوْمَ كَمَثَلِ عَمِيٍّ فِي ظِلِّ الشَّمْسِ وَيَسْئَلُ مَا هِيَ؟ أَهَلْ هِيَ أَشْرَقَتْ؟ يَنْفِي وَيُنْكِرُ وَلاَ يَكُونُ مِنَ الْمُسْتَشْعِرِينَ.

175

لَنْ يَعْرِفَ الشَّمْسَ وَلَنْ يَعْرِفَ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيَصِيحُ فِي نَفْسِهِ وَيَعْتَرِضُ وَيَكُونُ مِنَ الْمُعْرِضِينَ. هَذَا شَأْنُ هَذَا الْخَلْقِ دَعْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَقُلْ لَكُمْ مَا أَرَدْتُمْ وَلَنَا مَا نُرِيدُ فَسُحْقَاً لِلْقَوْمِ الْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ ظُهُورَ الْقَبْلِ حُكْمُ الْعَوْدِ وَالْحَيَاتِ عَلَى الأَرْوَاحِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عَوْدٌ وَرَجْعٌ وَلَكِنْ إِنَّا لاَ نُحِبُّ بِأَنْ نَذْكُرَ مَا لاَ ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ لِئَلاَّ يُرْفَعُ ضَجِيجُ الْمُبْغِضِينَ. فَيَا لَيْتَ يُرْفَعُ مَا حَالَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَارِئِهِمْ لِيَشْهَدُوا سَلْطَنَةَ اللهِ وَعَظَمَتَهُ وَيَشْرَبُوا مِنْ مَعِينِ الْكَوْثَرِ وَالسَّلْسَبِيلِ ثُمَّ يَتَرَشَّحُ عَلَيْهِمْ بُحُورُ الْمَعَانِي وَيُطَهِّرُهُمْ عَنْ رِجْسِ كُلِّ مُشْرِكٍ مُرِيبٍ.

وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ مِنَ الْعَوَالِمِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ للهِ عَوَالِمَ لاَ نِهَايَةَ بِمَا لاَ نِهَايَةَ لَهَا وَمَا أَحَاطَ أَحَدٌ بِهَا إِلاّ نَفْسُهُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. تَفَكَّرْ فِي النَّوْمِ وَإِنَّهُ آيَةُ الأَعْظَم بَيْنَ النَّاسِ لَوْ يَكُونُّنَ مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ. مَثَلاً إِنَّكَ تَرَى فِي نَوْمِكَ أَمْرَاً فِي لَيْلٍ وَتَجِدُهُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ يَكُونُ الْعَالَمُ الَّذِي أَنْتَ رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ هَذَا الْعَالَمَ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ فَيَلْزَمُ مَا رَأَيْتَ فِي نَوْمِكَ يَكُونُ مَوْجُودَاً فِي هَذَا الْعَالَمِ فِي حِينِ الَّذِي تَرَاهُ فِي النَّوْمِ وَتَكُونُ مِنَ الْشَّاهِدِينَ. مَعَ أَنَّكَ تَرَى أَمْرَاً لَمْ يَكُنْ مَوْجُودَاً فِي الْعَالَمِ وَيَظْهَرُ مِنْ

176

بَعْدُ. إِذَاً حُقِّقَ بِأَنَّ عَالَمَ الَّذِي أَنْتَ رَأيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ يَكُونُ عَالَمَاً آخَرَ الَّذِي لا لَهُ أَوَّلَ وَلاَ آخِرَ. وَإِنَّكَ إِنْ تَقُولُ هَذَا الْعَالَمُ فِي نَفْسِكَ وَمُسْتَوٍ فِيهَا بِأَمْرٍ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ قَدِيرٍ لَحَقٌّ. وَلَوْ تَقُولُ بِأَنَّ الرُّوحَ لَمَّا تَجَرَّدَ عَنِ الْعَلاَئِقِ فِي النَّوْمِ سَيَّرَهُ اللهُ فِي عَالَمِ الَّذِي يَكُونُ مَسْتُورَاً فِي سِرِّ هَذَا الْعَالَمِ لَحَقٌّ. وَإِنَّ للهِ عَالَمٌ بَعْدَ عَالَمٍ وَخَلْقٌ بَعْدَ خَلْقٍ وَقُدِّرَ فِي كُلِّ عَالَمٍ مَا لا يُحْصِيهِ أَحَدٌ إِلاَّ نَفْسُهُ الْمُحْصِي الْعَلِيمُ. وَإِنَّكَ فَكِّرْ فِيمَا أَلْقَيْنَاكَ لِتَعْرِفَ مُرَادَ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفِيهِ كُنِزَ أَسْرَارُ الْحِكْمَةِ وَإِنَّا مَا فَصَّلْنَاهُ لِحُزْنِ الَّذِي أَحَاطَنِي مِنَ الَّذِينَ خُلِقُوا بِقَوْلِي إِنْ أَنْتُمْ مِنَ السَّامِعِينَ. فَهَلْ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُنِي وَيَدْفَعُ عَنِّي سُيُوفَ هَؤُلاءِ الْمُعْرِضِينَ؟ وَهَلْ مِنْ ذِي بَصَرٍ يَنْظُرُ كَلِمَاتِ اللهِ بِبَصَرِهِ وَيَنْقَطِعُ عَنْ أَنْظُرِ الْخَلاَئِقِ أَجْمَعِينَ؟ وَإِنَّكَ يَا عَبْدُ نَبِّئْ عِبَادَ اللهِ بِأَنْ لاَ يُنْكِرُوا مَا لاَ يَعْقِلُوهُ قُلْ فَاسْئَلُوا اللهَ بِأَنْ يَفْتَحَ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَبْوَابَ الْمَعَانِي لِتَعْرِفُوا مَا لاَ عَرَفَهُ أَحَدٌ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْمُعْطِي الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِي أَوَامِرِ اللهِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّمَا حُدِّدَ فِي الْكِتَابِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَعَلَى الْكُلِّ فَرْضٌ بِأَنْ يَعْمَلُوا بِمَا نُزِّلَ مِنْ لَدُنْ مُنْزِلٍ عَلِيمٍ. وَمَنْ يَتْرُكُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ إِنَّ

177

اللهَ بَرِيءٌ وَنَحْنُ بُرَءَآءُ مِنْهُ. لأَنَّ أَثْمَارَ الشَّجَرَةِ هِيَ أَوَامِرُهُ وَلَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ إِلاَّ غَافِلٌ بَعِيدٌ. وَأَمَّا الْجَنَّةُ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَهِيَ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْعَالَمِ حُبِّي وَرِضَائِي وَمَنْ فَازَ بِهِ لَيَنْصُرُهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُدْخِلُهُ فِي جَنَّةٍ أَرْضُهَا كَأَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. وَيَخْدِمُنَّهُ حُورِيَّاتُ الْعِزَّةِ وَالتَّقْدِيسِ فِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيلٍ. وَيَسْتَشْرِقُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ شَمْسُ جَمَالِ رَبِّهِ وَيَسْتَضِيءُ مِنْهَا عَلَى شَأْنٍ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ وَلَكِنَّ النَّاسَ هُمْ فِي حِجَابٍ عَظِيمٍ. وَكَذَلِكَ فَاعْرَفِ النَّارَ وَكُنْ مِنَ الْمُوقِنِينَ وَلُكِلِّ عَمَلٍ جَزَآءٌ عِنْدَ رَبِّكَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ نَفْسُ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلأَعْمَالِ جَزَآءٌ وَثَمَرٌ لَيَكُونُ أَمْرُهُ تَعَالَى لَغْوَاً فَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيرَاً. وَلَكِنَّ الْمُنْقَطِعِينَ لَنْ يَشْهَدُنَّ الْعَمَلَ إِلاَّ نَفْسَ الْجَزَآءِ وَإِنَّا لَوْ نُفَصِّلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَكْتَبَ أَلْوَاحَاً عَدِيدَةً.

تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ الْقَلَمَ لَنْ يُحَرَّكَ بِمَا وَرَدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَبْكِي وَأَبْكِي ثُمَّ تَبْكِي عَيْنُ الْعَظَمَةِ خَلْفَ سُرَادِقِ الأَسْمَآءِ عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ. وَإِنَّكَ صَفِّ قَلْبَكَ إِنَّا نُفَجِّرُ مِنْهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ لِتَنْطِقَ بِهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ. أَنِ افْتَحِ اللِّسَانَ عَلَى الْبَيَانِ فِي ذِكْرِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ وَلا

178

تَخَفْ مِنْ أَحَدٍ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. قُلْ يَا قَوْمِ أنْ اعْمَلُوا مَا عَرَفْتُمْ فِي الْبَيَانِ الْفَارِسِيِّ وَمَا لاَ عَرَفْتُمُوهُ فَاسْئَلُوا مِنْ هَذَا الذِّكْرِ الْحَكِيمِ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مَا أَرَادَ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَإِنَّ عِنْدَهُ مَا كُنِزَ فِي الْبَيَانِ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَدِيرٍ.

وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِيمَا أَخْبَرْنَا الْعِبَادَ حِينَ الْخُرُوجِ عَنِ الْعِرَاقِ فِي أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَابَتْ تَتَحَرَّكُ طُيُورُ اللَّيْلِ وَتُرْفَعُ رَايَاتُ السَّامِرِيِّ4 تَاللهِ قَدْ تَحَرَّكَ الطُّيُورُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَنَادَى السَّامِرِيُّ فَطُوبَى لِمَنْ عَرَفَ وَكَانَ مِنَ الْعَارِفِينَ. ثُمَّ أَخْبَرْنَاهُمْ بِالْعِجْلِ تَاللهِ كُلُّ مَا قَدْ أَخْبَرْنَاهُمْ قَدْ ظَهَرَ وَلاَ مَرَدَّ لَهُ إِلاَّ بِأَنْ يَظْهَرَ لأَنَّهُ جَرَى مِنْ إِصْبَعِ عِزٍّ قَدِيرٍ. وَإِنَّكَ أَنْتَ فَاسْئَلِ اللهَ بِأَنْ يَحْفَظَكَ مِنْ شَرِّ هَؤُلآءِ وَيُقَدِّسَكَ مِنْ إِشَارَاتِ الْمُعْرِضِينَ. فَاشْدُدْ ظَهْرَكَ لِنُصْرَةِ الأَمْرِ وَلاَ تَلْتَفِتْ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ أَفَوَاهِ مَلإِ الْبَيَانِ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ شَيْئَاً وَمَا اطَّلَعُوا بِأَصْلِ الأَمْرِ فِي هَذَا النَّبَإِ الأَعْظَمِ. كَذَلِكَ أَلْهَمْنَاكَ وَأَلْقَيْنَاكَ مَا تَغْنَى بِهِ عَنْ ذِكْرِ الْعَالَمِينَ. وَالْبَهَاءُ عَلَيْكَ وَعَلَى الَّذِينَهُمْ يَسْمَعُونَ قَوْلَكَ فِي اللهِ رَبِّكَ وَتَكُونُنَّ مِنَ الرَّاسِخِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

179


(1) وفا لقب منحه بهاءالله لمحمّد حسين أحد الأحباء الأقدمين في شيراز.
(2) يعني "الاسم الأعظم".
(3) يعني الملاّ حسين بشروئي.
(4) السّامريّ هو الَّذي أضلّ قوم موسى، راجع القرآن الكريم سورة طه الآية 85-98.

180

لَوْحُ الْبُرْهَان

181
صفحة خالية
هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

قَدْ أَحَاطَتْ أَرْيَاحُ الْبَغْضَآءِ سَفِينَةَ الْبَطْحَآءِ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الظَّالِمِينَ. يَا بَاقِرُ1 قَدْ أَفْتَيْتَ عَلَى الَّذِينَ نَاحَ لَهُمْ كُتُبُ الْعَالَمِ وَشَهِدَ لَهُمْ دَفَاتِرُ الأَدْيَانِ كُلِّهَا وَإِنَّكَ يا أَيُّهَا الْبَعِيدُ فِي حِجَابٍ غَلِيظٍ. تَاللهِ قَدْ حَكَمْتَ عَلَى الَّذِينَ بِهِمْ لاَحَ أُفُقُ الإِيمَانِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَطَالِعُ الْوَحْيِ وَمَظَاهِرُ أَمْرِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ وَمَا عِنْدَهُمْ فِي سَبِيلِهِ الْمُسْتَقِيمِ. قَدْ صَاحَ مِنْ ظُلْمِكَ دِينُ اللهِ فِيمَا سِوَاهُ وَإِنَّكَ تَلْعَبُ وَتَكُونُ مِنَ الْفَرِحِينَ. لَيْسَ فِي قَلْبِي بُغْضُكَ وَلاَ بُغْضُ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ لأَنَّ الْعَالَمَ يَرَاكَ وَأَمْثَالَكَ فِي جَهْلٍ مُبِينٍ. إِنَّكَ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَى مَا فَعَلْتَ لأَلْقَيْتَ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ خَرَجْتَ مِنَ الْبَيْتِ مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْجِبَالِ وَنُحْتَ إِلَى أَنْ رَجَعْتَ إِلَى مَقَامٍ قُدِّرَ لَكَ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَدِيرٍ. يَا أَيُّهَا الْمَوْهُومُ اخْرِقْ حُجُبَاتِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ لِتَرى شَمْسَ الْعِلْمِ مُشْرِقَةً مِنْ هَذَا الأُفُقِ الْمُنِيرِ. قَدْ قَطَعْتَ بِضْعَةَ الرَّسُولِ وَظَنَنْتَ

183

أَنَّكَ نَصَرْتَ اللهَ كَذَلِكَ سَوَّلَتْ لَكَ نَفْسُكَ وَأَنْتَ مِنَ الْغَافِلِينَ. قَدْ احْتَرَقَ مِنْ فِعْلِكَ قُلُوبُ الْمَلإِ الأَعْلَى وَالَّذِينَ طَافُوا حَوْلَ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَدْ ذَابَ كَبِدُ الْبَتُولِ مِنْ ظُلْمِكَ وَنَاحَ أَهْلُ الْفِرْدَوْسِ فِي مَقَامٍ كَرِيمٍ. أَنْصِفْ بِاللهِ بِأَيِّ بُرْهَانٍ اسْتَدَلَّ عُلَمآءُ الْيَهُودِ وَأَفْتَوْا بِهِ عَلَى الرُّوحِ إِذْ أَتَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ بِكِتَابٍ حَكَمَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِعَدْلٍ أَضَاءَ بِنُورِهِ ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَانْجَذَبَتْ قُلُوبُ الْعَارِفِينَ. وَإِنَّكَ اسْتَدْلَلْتَ الْيَوْمَ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عُلَمآءُ الْجَهْلِ فِي ذَاكَ الْعَصْرِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَالِكُ مِصْرِ الْفَضْلِ فِي هَذَا السِّجْنِ الْعَظِيمِ. إِنَّكَ اقْتَدَيْتَ بِهِمْ بَلْ سَبَقْتَهُمْ فِي الظُّلْمِ وَظَنَنْتَ أَنَّكَ نَصَرْتَ الدِّينَ وَدَفَعْتَ عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. وَنَفْسِهِ الْحَقِّ يَنُوحُ مِنْ ظُلْمِكَ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ وَتَصِيحُ شَرِيعَةُ اللهِ الِّتِي بِهَا سَرَتْ نَسَماتُ الْعَدْلِ عَلَى مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ. هَلْ ظَنَنْتَ أَنَّكَ رَبِحْتَ فِيمَا أَفْتَيْتَ لا وَسُلْطَانِ الأَسْمآءِ يَشْهَدُ بِخُسْرَانِكَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ فِي لَوْحٍ حَفِيظٍ. قَدْ أَفْتَيْتَ عَلَى الِّذِي حِينَ إِفْتآئِكَ يَلْعَنُكَ قَلَمُكَ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلَمُ اللهِ الأَعْلَى فِي مَقَامِهِ الْمَنِيعِ. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ إِنَّكَ مَا رَأَيْتَنِي وَمَا عَاشَرْتَ وَمَا آنَسْتَ مَعِي فِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ فَكَيْفَ أَمَرْتَ

184

النَّاسَ بِسَبِّي هَلْ اتَّبَعْتَ فِي ذَلِكَ هَوَاكَ أَوْ مَوْلاَكَ فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ أَنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبَذْتَ شَرِيعَةَ اللهِ وَرَآءَكَ وَأَخَذْتَ شَرِيعَةَ نَفْسِكَ إِنَّهُ لاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِنْ شَيْءٍ إِنَّه هُوَ الْفَرْدُ الْخَبِيرُ. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ اسْمَعْ مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ [لاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنَاً]2 كَذَلِكَ حَكَمَ مَنْ فِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الأَمْرِ وَالْخَلْقِ إِنْ أَنْتَ مِنَ السَّامِعِينَ. إِنَّكَ نَبَذْتَ حُكْمَ اللهِ وَأَخَذْتَ حُكْمَ نَفْسِكَ فَوَيْلٌ لَكَ يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ الْمُرِيبُ. إِنَّكَ لَوْ تُنْكِرُنِي بِأَيِّ بُرْهَانٍ يُثْبَتُ مَا عِنْدَكَ فَأْتِ بِهِ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ بِاللهِ وَالْمُعْرِضُ عَنْ سُلْطَانِهِ الَّذِي أَحَاطَ الْعَالَمِينَ. يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ اعْلَمْ أَنَّ الْعَالِمَ مَنِ اعْتَرَفَ بِظُهُورِي وَشَرِبَ مِنْ بَحْرِ عِلْمِي وَطارَ فِي هَوآءِ حُبِّي وَنَبَذَ مَا سِوآئِي وَأَخَذَ مَا نُزِّلَ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِي الْبَدِيعِ. إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ لِلْبَشَرِ وَرُوحِ الْحَيَوَانِ لِجَسَدِ الإِمْكَانِ تَعَالَى الرَّحْمَنُ الَّذِي عَرَّفَهُ وَأَقَامَهُ عَلَى خِدْمَةِ أَمْرِهِ الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ. يُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلأُ الأَعْلَى وَأَهْلُ سُرَادِقِ الْكِبْرَيآءِ وَالَّذِينَ شَرِبُوا رَحِيقِي الْمَخْتُومَ بِاسْمِي الْقَوِيِّ الْقَدِيرِ. يَا بَاقِرُ إِنَّكَ إِنْ تَكُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَقَامِ الأَعْلَى فَأْتِ بِآيَةٍ مِنْ لَدَى اللهِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَإِنْ عَرَفْتَ عَجْزَ نَفْسِكَ خُذْ أَعِنَّةَ هَوَاكَ ثُمَّ ارْجِعْ إِلَى مَوْلاَكَ

185

لَعَلَّ يُكَفِّرُ عَنْكَ سَيِّئَاتِكَ الَّتِي بِهَا احْتَرَقَتْ أَوْرَاقُ السِّدْرَةِ وَصَاحَتِ الصَّخْرَةُ وَبَكَتْ عُيُونُ الْعَارِفِينَ. بِكَ انْشَقَّ سِتْرُ الرُّبُوبِيَّةِ وَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ وَعُقِرَتِ النَّاقَةُ وَنَاحَ الرُّوحُ فِي مَقَامٍ رَفِيعٍ. أَتَعْتَرِضُ عَلَى الَّذِي أَتَاكَ بِمَا عِنْدَكَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعَالَمِ مِنْ حُجَجِ اللهِ وَآيَاتِهِ افْتَحْ بَصَرَكَ لِتَرَى الْمَظْلُومَ مُشْرِقَاً مِنْ أُفُقِ إِرَادَةِ اللهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ. ثُمَّ افْتَحْ سَمْعَ فُؤَادِكَ لِتَسْمَعَ مَا تَنْطِقُ بِهِ السِّدْرَةُ الَّتِي ارْتَفَعَتْ بِالْحَقِّ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَزِيزِ الْجَمِيلِ. إِنَّ السِّدْرَةَ مَعَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا مِنْ ظُلْمِكَ وَاعْتِسَافِ أَمْثَالِكَ تُنَادِي بِأَعْلَى النِّدآءِ وَتَدْعُو الْكُلَّ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى3 وَالأُفُقِ الأَعْلَى طُوبَى لِنَفْسٍ رَأَتِ الآيَةَ الْكُبْرَى وَلأُذُنٍ سَمِعَتْ نِدَاءَهَا الأَحْلَى وَوَيْلٌ لِكُلِّ مُعْرِضِ أَثِيمٍ. يَا أَيُّهَا الْمُعْرِضُ بِاللهِ لَوْ تَرَى السِّدْرَةَ بِعَيْنِ الإِنْصَافِ لَتَرَى آثَارَ سُيُوفِكَ فِي أَفْنَانِهَا وَأَغْصَانِهَا وَأَوْرَاقِهَا بَعْدَمَا خَلَقَكَ اللهُ لِعِرْفَانِهَا وَخِدْمَتِهَا تَفَكَّرْ لَعَلَّ تَطَّلِعُ بِظُلْمِكَ وَتَكُونُ مِنَ التَّائِبِينَ. أَظَنَنْتَ أَنَّا نخَافُ مِنْ ظُلْمِكَ فَاعْلَمْ ثُمَّ أَيْقِنْ إِنَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ فِيهِ ارْتَفَعَ صَرِيرُ الْقَلَمِ الأَعْلَى بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ أَنْفَقْنَا أَرْوَاحَنَا وَأَجْسَادَنَا وَأَبْنآءَنَا وَأَمْوَالَنَا فِي سَبِيلِ اللهِ الْعَلِيِّ الْعظِيمِ. وَنَفْتَخِرُ بِذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الإِنْشآءِ وَالْمَلإِ الأَعْلَى يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. تَاللهِ قَدْ

186

ذَابَتِ الأَكْبَادُ وَصُلِبَتِ الأَجْسَادُ وَسُفِكَتِ الدِّمآءُ وَالأَبْصَارُ كَانَتْ نَاظِرَةً إِلَى أُفُقِ عِنَايَةِ رَبِّهَا الشَّاهِدِ الْبَصِيرِ. كُلَّمَا زَادَ الْبَلاَءُ زَادَ أَهْلُ الْبَهآءِ فِي حُبِّهِمْ قَدْ شَهِدَ بِصِدْقِهِمْ مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ: [فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ]4. هَلِ الَّذِي حَفِظَ نَفْسَهُ خَلْفَ الأَحْجَابِ خَيْرٌ أَمِ الَّذِي أَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ أَنْصِفْ وَلاَ تَكُنْ فِي تِيهِ الْكَذِبِ لَمِنَ الْهآئِمِينَ. قَدْ أَخَذَهُمْ كَوْثَرُ مَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ عَلَى شَأْنٍ مَا مَنَعَتْهُمْ مَدَافِعُ الْعَالَمِ وَلاَ سُيُوفُ الأُمَمِ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى بَحْرِ عَطَآءِ رَبِّهِمْ الْمُعْطِي الْكَرِيمِ. تَاللهِ مَا أَعْجَزَنِي الْبَلآءُ وَمَا أَضْعَفَنِي إِعْرَاضُ الْعُلَمآءِ نَطَقْتُ وَأَنْطِقُ أَمَامَ الْوُجُوهِ قَدْ فُتِحَ بَابُ الْفَضْلِ وَأَتَى مَطْلِعُ الْعَدْلِ بِآيَاتٍ وَاضِحَاتٍ وَحُجَجٍ بَاهِرَاتٍ مِنْ لَدَى اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْقَدِيرِ. احْضَرْ بَيْنَ يَدِي الْوَجْهِ لِتَسْمَعَ أَسْرَارَ مَا سَمِعَهُ ابْنُ عِمْرَانَ فِي طُورِ الْعِرْفَانِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ مَشْرِقُ ظُهُورِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ مِنْ شطْرِ سِجْنِهِ الْعَظِيمِ. أَغَرَّتْكَ الرِّيَاسَةُ اقْرَءْ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ لِلرَّئِيسِ الأَعْظَمِ مَلِكِ الرُّومِ5 الَّذِي حَبَسَنِي فِي هَذَا الْحِصْنِ الْمَتِينِ لِتَطَّلِعَ بِمَا عِنْدَ الْمَظْلُومِ مِنْ لَدَى اللهِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْخَبِيرِ. أَتَفْرَحُ بِمَا تَرَى هَمَجَ الأَرْضِ وَرآءَكَ إِنَّهُمْ اتَّبَعُوكَ كَمَا اتَّبَعَ قَوْمٌ قَبْلَهُمْ مَنْ سُمِّيَ بِحَنَّانَ الَّذِي أَفْتَى عَلَى

187

الرُّوحِ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ. اقْرَءْ كِتَابَ الإِيقَانِ وَمَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ لِمَلِكِ بَارِيسَ6 وَأَمْثَالِهِ لِتَطَّلِعَ بِمَا قُضِيَ مِنْ قَبْلُ وَتُوقِنَ بِأَنَّا مَا أَرَدْنَا الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا إِنَّمَا نُذَكِّرُ الْعِبَادَ خَالِصَاً لِوَجْهِ اللهِ مَنْ شآءَ فَلْيُقْبِلْ وَمَنْ شآءَ فَلْيُعْرِضْ إِنَّ رَبَّنَا الرَّحْمَنَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. يَا مَعْشَرَ الْعُلَمآءِ هَذَا يَوْمٌ لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْءٌ مِنَ الأَشْيآءِ وَلاَ اسْمٌ مِنَ الأَسْمآءِ إِلاَّ بِهَذَا الاسْمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَظْهَرَ أَمْرِهِ وَمَطْلِعَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ نَعِيمَاً لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ. وَلاَ يُغْنِيكُمُ الْيَوْمَ عُلُومُكُمْ وَفُنُونُكُمْ وَلاَ زَخَارِفُكُمْ وَعِزُّكُمْ دَعُوا الْكُلَّ وَرَآءَكُمْ مُقْبِلِينَ إِلَى الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِهَا فُصِّلَتِ الزُّبُرُ وَالصُّحُفُ وَهَذَا الْكِتَابُ الْمُبِينُ. يَا مَعْشَرَ الْعُلَمآءِ ضَعُوا مَا أَلَّفْتُمُوهُ مِنْ قَلَمِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ تَاللهِ قَدْ أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْعِلْمِ مِنْ أُفُقِ الْيَقِينِ. يَا بَاقِرُ انْظُرْ ثُمَّ اذْكُرْ مَا نَطَقَ بِهِ مُؤْمِنُ آلِكَ مِنْ قَبْلُ [أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبَاً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقَاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ]7. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ إِنْ كُنْتَ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ إِنَّا نَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ

188

وَالأَرْضِ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ. وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ وَاحِدَاً فِي ذَاتِهِ وَوَاحِدَاً فِي صِفَاتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شِبْهٌ فِي الإِبْدَاعِ وَلاَ شَرِيكٌ فِي الاخْتِرَاعِ قَدْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيُبَشِّرُوا الْخَلْقَ إِلَى سِوَاءِ الصِّرآطِ. هَلِ السُّلْطَانُ اطَّلَعَ وَغَضَّ الطَّرْفَ عَنْ فِعْلِكَ أَمْ أخَذَهُ الرُّعْبُ بِمَا عَوَتْ شِرْذِمَةٌ مِنَ الذِّئَابِ الِّذِينَ نَبَذُوا صِرَاطَ اللهِ وَرآءَهُمْ وَأَخَذُوا سَبِيلَكَ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلاَ كِتَابٍ. إِنَّا سَمِعْنَا بِأَنَّ مَمَالِكَ الإِيرَانَ تَزَيَّنَتْ بِطِرَازِ الْعَدْلِ فَلَمَّا تَفَرَّسْنَا وَجَدْنَاهَا مَطَالِعَ الظُّلْمِ وَمَشَارِقَ الاعْتِسَافِ. إِنَّا نَرَى الْعَدْلَ تَحْتَ مَخَالِبِ الظُّلْمِ نَسْئَلُ اللهَ بِأَنْ يُخَلِّصَهُ بِقُوَّةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَسُلْطانٍ مِنْ لَدُنْهُ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَنْ فِي الأَرَضِينَ وَالسَّمَواتِ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى نَفْسٍ فِيمَا وَرَدَ عَلَى أَمْرِ اللهِ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى أَنْ يَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ الاصْطِبَارِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْمُخْتَارِ. يَا أَحِبَّآءَ اللهِ اشْرَبُوا مِنْ عَيْنِ الْحِكْمَةِ وَسِيرُوا فِي رِياضِ الحِكْمَةِ وَطِيرُوا فِي هَوآءِ الحِكْمَةِ وَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكُمْ رَبُّكُمْ الْعَزِيزُ الْعَلاَّمُ. يَا بَاقِرُ لاَ تَطْمَئِنْ بِعِزِّكَ وَاقْتِدَارِكَ مَثَلُكَ كَمَثَلِ بَقِيَّةِ أَثَرِ الشَّمْسِ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ سَوْفَ يُدْرِكُهَا الزَّوَالُ مِنْ لَدَى اللهِ الْغَنِيِّ الْمُتَعَالِ. قَدْ أُخِذَ عِزُّكَ وَعِزُّ أَمْثَالِكَ وَهَذَا

189

مَا حَكَمَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ أُمُّ الأَلْوَاحِ. أَيْنَ مَنْ حَارَبَ اللهَ وَأَيْنَ مَنْ جَادَلَ بِآيَاتِهِ وَأَيْنَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ سُلْطَانِهِ وَأَيْنَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْفِيآءَهُ وَسَفَكُوا دِمآءَ أَوْلِيَائِهِ تَفَكَّرْ لَعَلَّ تَجِدُ نَفَحَاتِ أَعْمَالِكَ يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ الْمُرْتَابُ. بِكُمْ نَاحَ الرَّسُولُ وَصَاحَتِ الْبَتُولُ وَخَرِبَتِ الدِّيَارُ وَأَخَذَتِ الظُّلْمَةُ كُلَّ الأَقْطَارِ. يَا مَعْشَرَ الْعُلَمآءِ بِكُمُ انْحَطَّ شَأْنُ الْمِلَّةِ وَنُكِسَ عَلَمُ الإِسْلاَمِ وَثُلَّ عَرْشُهُ الْعَظِيمُ. كُلَّمَا أَرَادَ مُمَيِّزٌ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا يَرْتَفِعُ بِهِ شَأْنُ الإِسْلاَمِ ارْتَفَعَتْ ضَوْضَآؤُكُمْ بِذَلِكَ مُنِعَ عَمَّا أَرَادَ وَبَقِيَ الْمُلْكُ فِي خُسْرَانٍ كَبِيرٍ. فَانْظُرُوا فِي مَلِكِ الرُّومِ إِنَّهُ مَا أَرَادَ الْحَرْبَ وَلَكِنْ أَرَادَهَا أَمْثَالُكُمْ فَلَمَّا اشْتَعَلَتْ نَارُهَا وَارْتَفَعَ لَهِيبُهَا ضَعُفَتِ الدَّوْلَةُ وَالْمِلَّةُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ مُنْصِفٍ بَصِيرٍ. وَزَادَتْ وَيْلاَتُهَا إِلَى أَنْ أَخَذَ الدُّخَانُ أَرْضَ السِّرِّ وَمَنْ حَوْلَهَا لِيَظْهَرَ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي لَوْحِ الرِّئِيسِ8 كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ فِي الْكِتَابِ مِنْ لَدَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. إِنَّا للهِ وَإِنَّا إَلَيْهِ رَاجِعُونَ.

يَا قَلَمَ الأَعْلَى دَعْ ذِكْرَ الذِّئْبِ وَاذْكُرِ الرَّقْشَاءَ9 الَّتِي بِظُلْمِهَا نَاحَتِ الأَشْيآءُ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَوْلِيآءِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ مَالِكُ الأَسْمآءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ. قَدْ صَاحَتْ مِنْ ظُلْمِكَ الْبَتُولُ وَتَظُنُّ أَنَّكَ مِنْ آلِ الرَّسُولِ كَذَلِكَ سَوَّلَتْ

190

لَكَ نَفْسُكِ يَا أَيُّهَا الْمُعْرِضُ عَنِ اللهِ رَبِّ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. أَنْصِفِي يَا أَيَّتُهَا الرَّقْشآءُ بِأَيِّ جُرْمٍ لَدَغْتِ أَبْنآءَ الرَّسُولِ10 وَنَهَبْتِ أَمْوَالَهُمْ أَكَفَرْتِ بِالَّذِي خَلَقَكِ بِأَمْرِهِ كُنْ فَيَكُونُ. قَدْ فَعَلْتِ بَأَبْنآءِ الرَّسُولِ مَا لاَ فَعَلَتْ عَادٌ وَثُمودُ بِصَالِحٍ وَهُوُدٍ وَلاَ الْيَهُودُ بِرُوحِ اللهِ مَالِكِ الْوُجُودِ. أَتُنْكِرُ آيَاتِ رَبِّكَ الَّتِي إِذْ نُزِّلَتْ مِنْ سَمآءِ الأَمْرِ خَضَعَتْ لَهَا كُتُبُ الْعَالَمِ كُلُّهَا تَفَكَّرْ لِتَطَّلِعَ بِفِعْلِكَ يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ الْمَرْدُودُ. سَوْفَ تَأْخُذُكَ نَفَحَاتُ الْعَذَابِ كَمَا أَخَذَتْ قَوْمَاً قَبْلَكَ انْتَظِرْ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ بِاللهِ مَالِكِ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ. هَذَا يَوْمٌ أَخْبَرَ بِهِ اللهُ بِلِسَانِ رَسُولِهِ تَفَكَّرْ لِتَعْرِفَ مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ وَفِي هَذَا اللَّوْحِ الْمَسْطُورِ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ أَتَى مَشْرِقُ الْوَحْيِ بِآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ عَجَزَ عَنْ إِحْصَائِهَا الْمُحْصُونُ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ وَجَدَ كُلُّ ذِي شَمٍّ عَرْفَ نَسْمَةِ الرَّحْمنِ فِي الإِمْكَانِ وَسَرُعَ كُلُّ ذِي بَصَرٍ إِلَى فُرَاتِ رَحْمَةِ رَبِّهِ مَالِكِ الْمُلُوكِ. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ تَاللهِ قَدْ رَجَعَ حَدِيثُ الذِّبْحِ وَالذَّبِيحُ تَوَجَّهَ إِلَى مَقَرِّ الْفِدآءِ وَمَا رَجَعَ بِمَا اكْتَسَبَتْ يَدُكَ يا أَيُّهَا الْمُبْغِضُ الْعَنُودُ. أَظَنَنْتَ بِالشَّهَادَةِ يَنَحَطُّ شَأْنُ الأَمْرِ لاَ وَالَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَهْبِطَ الْوَحْيِ إِنْ أَنْتَ مِنَ الَّذِينَهُمْ يَفْقَهُونَ. وَيْلٌ لَكَ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ بِاللهِ وَلِلَّذِينَ اتَّخَذُوكَ إِمَامَاً لأَنْفُسِهِمْ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلاَ كِتَابٍ

191

مَشْهُودٍ. كَمْ مِنْ ظَالِمٍ قَامَ عَلَى إِطْفآءِ نُورِ اللهِ قَبْلَكَ وَكَمْ مِنْ فَاجِرٍ قَتَلَ وَنَهَبَ إِلَى أَنْ نَاحَتْ مِنْ ظُلْمِهِ الأَفْئِدَةُ وَالنُّفُوسُ. قَدْ غَابَتْ شَمْسُ الْعَدْلِ بِمَا اسْتَوَى هَيْكَلُ الظُّلْمِ عَلَى أَرِيكَةِ الْبَغْضآءِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ هُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. قَدْ قُتِلَ أَبْنآءُ الرَّسُولِ وَنُهِبَ أَمْوَالُهُمْ قُلْ هَلِ الأَمْوَالُ كَفَرَتْ بِاللهِ أَمْ مَالِكُهَا عَلَى زَعْمِكَ أَنْصِفْ يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ الْمَحْجُوبُ. قَدْ أَخَذْتَ الاعْتِسَافَ وَنَبَذْتَ الإِنْصَافَ بِذَلِكَ نَاحَتِ الأَشْيآءُ وَأَنْتَ مِنَ الْغَافِلِينَ. قَدْ قَتَلْتَ الْكَبِيرَ وَنَهَبْتَ الصَّغِيرَ هَلْ تَظُنُّ أَنَّكَ تَأْكُلُ مَا جَمَعْتَهُ بِالظُّلْمِ لاَ وَنَفْسِي كَذَلِكَ يُخْبِرُكَ الْخَبِيرُ. تَاللهِ لاَ يُغْنِيكَ مَا عِنْدَكَ وَمَا جَمَعْتَهُ بِالاعْتِسَافِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ رَبُّكَ الْعَلِيمُ. قَدْ قُمْتَ عَلَى إِطْفآءِ نُورِ الأَمْرِ سَوْفَ تَنْخَمِدُ نَارُكَ أَمْرَاً مِنْ عِنْدِهِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. لا تَعْجِزُهُ شُئُونَاتُ الْعَالَمِ وَلاَ سَطْوَةُ الأُمَمِ يَفْعَلُ مَا يَشآءُ بِسُلْطَانِهِ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. تَفَكَّرْ فِي النَّاقَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْحَيَوَانِ رَفَعَهَا الرَّحْمَنُ إِلَى مَقَامٍ نَطَقَ أَلْسُنُ الْعَالَمِ بِذِكْرِهَا وَثَنآئِهَا إِنَّهُ لَهُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَظِيمُ. كَذَلِكَ زَيَّنَّا آفَاقَ سَمَاءِ اللَّوْحِ بِشُمُوسِ الْكَلِمَاتِ نَعِيمَاً لِمَنْ فَازَ بِهَا وَاسْتَضآءَ بِأَنْوَارِهَا وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ وَوَيْلٌ لِلْمُنْكِرِينَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

192


(1) هذا اللوح المبارك نزّل باسم الشّيخ محمّد باقر الذي خاطبه بهاءالله باسم "ذئب" وذلك بعد استشهاد سلطان الشّهداء ومحبوب الشّهداء في مدينة إصفهان أثر إفتائه.
(2) القرآن الكريم سورة النّساء الآية 94.
(3) إنّ كلمة "السّدرة" و"سدرة المنتهى" الواردتين في هذا اللّوح تعنيان المظهر الإلهي. راجع القرآن الكريم سورة النّجم وأيضاً كتاب God Passes By الصّفحة 94.
(4) القرآن الكريم سورة البقرة الآية 94.
(5) هو السّلطان العثماني عبد العزيز (1830 – 1876م).
(6) نابليون الثّالث (Napoléon).
امبراطور فرنسا خلع عن العرش بعد فشله في الحرب عام 1870م.
(7) القرآن الكريم سورة غافر (المؤمن) الآية 28.
(8) الرّئيس هو عالي باشا رئيس وزراء الحكومة العثمانيّة توفي في عام 1288 هجرية حسب ما جاء في دائرة المعارف تأليف محمّد فريد وجدي.
(9) الرّقشآء هو المير محمد حسين إمام الجمعة لمدينة إصفهان والّذي اشترك مع الشّيخ محمد باقر في اضطهاد البهائيّين وجريمة قتل سلطان الشّهدآء ومحبوب الّشهدآء.
(10) يقصد بذلك سلطان الشّهداء ومحبوب الشّهداء اللّذين كانا من ذرّيّة رسول الله محمد .

193

صفحة خالية
كِتَابُ عَهْدِي

195
صفحة خالية
كتاب عهدي

إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الأُفُقُ الأَعْلَى خَالٍ مِنْ زُخْرُفِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّنَا تَرَكْنَا فِي خَزَائِنِ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ مِيرَاثَاً مَرْغُوبَاً لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ. إِنَّنَا لَمْ نَتْرُكْ كَنْزَاً وَلَمْ نَزِدْ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَاءِ. إِنَّ لَفِي الثَّرْوَةِ وَأَيْمُ اللهِ خَوْفَاً مَسْتُورَاً وَخَطَرَاً مَكْنُونَاً. انْظُرُوا ثُمَّ اذْكُرُوا مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ]1. لَيْسَ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَفَاءٌ وَكُلُّ مَا يُدْرِكُهُ الْفَنَاءُ وَقَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقَّاً لِلاعْتِنآءِ بِهِ وَلَنْ يَكُونَ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ. كَانَ مَقْصُودُ هَذَا الْمَظْلُومِ مِنْ تَحَمُّلِ الشَّدَائِدِ وَالْبَلاَيَا وَإِنْزَالِ الآيَاتِ وَإِظْهَارِ الْبَيِّنَاتِ إِخْمَادَ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ. عَسَى أَنْ تَتَنَوَّرَ آفَاقُ أَفْئِدَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ بِنُورِ الاتِّفَاقِ وَتَفُوزَ بِالرَّاحَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَمِنْ أُفُقِ اللَّوْحِ الإِلَهِيِّ يَلُوحُ وَيُشْرِقُ نَيِّرُ هَذَا الْبَيَانِ، وَعَلَى الْكُلِّ أَنْ يَكُونُوا نَاظِرِينَ إِلَيْهِ.

197

يَا أَهْلَ الْعَالَمِ أُوصِيكُمْ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاعِ مَقَامَاتِكُمْ. تَمَسَّكُوا بِتَقْوَى اللهِ، وَتَشَبَّثُوا بِذَيْلِ الْمَعْرُوفِ. أَلْحَقُّ أَقُولُ إِنَّ اللِّسَانَ قَدْ خُلِقَ لِذِكْرِ الْخَيْرِ فَلاَ تُدَنِّسُوهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ. عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ. وَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ بَعْدَ الآنِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمَا يَنْبَغِي، وَأَنْ يَجْتَنِبُوا اللَّعْنَ وَالطَّعْنَ وَمَا يَتَكَدَّرُ بِهِ الإِنْسَانُ فَإِنَّ مَقَامَ الإِنْسَانِ لَعَظِيمٌ وَمُنْذُ مُدَّةٍ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنْ مَخْزَنِ الْقَلَمِ الأَبْهَى. إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ عَظِيمٌ وَمُبَارَكٌ وَكُلُّ مَا كَانَ مسْتُورَاً فِي الإِنْسَانِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ وَسَيْظَهَرُ مِنْ بَعْدُ. إِنَّ مَقَامَ الإِنْسَانِ عَظِيمٌ إِذَا تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَثَبَتَ عَلَى الأَمْرِ وَرَسَخَ. إِنَّ الإِنْسَانَ الْحَقِيقِيَّ مَشْهُودٌ بِمَثَابَةِ السَّمَاءِ لَدَى الرَّحْمَنِ فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَالنُّجُومُ أَخْلاَقُهُ الْمُنِيرَةُ الْفَاضِلَةُ وَمَقَامُهُ أَعْلَى الْمَقَامِ وَآثَارُهُ مُرَبِّيَةٌ لِعَالَمِ الإِمْكَانِ. كُلُّ مُقْبِلٍ وَجَدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَرْفَ الْقَمِيصِ وَتَوَجَّهَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى مَذْكُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَهآءِ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرآءِ. خُذْ قَدَحَ عِنَايَتِي بِاسْمِي ثُمَّ اشْرَبْ مِنْهُ بِذِكْرِي الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ.

يَا أَهْلَ الْعَالَمِ إِنَّ دِينَ اللهِ وُجِدَ مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الْعَدَاوَةِ وَالاخْتِلاَفِ. فَقَدْ ثَبَتَ لَدَى أَصْحَابِ الْبَصَرِ وَأَهْلِ الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ نُزُولُ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبُ حِفْظِ

198

الْعِبَادِ وَعِلَّةُ رَاحَتِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. وَلَكِنَّ جُهَلاَءَ الأَرْضِ بِمَا أَنَّهُمْ رَبِيبُو النَّفْسِ وَالْهَوَسِ فَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ حِكَمِ الْحَكِيمِ الْحَقِيقِيِّ الْبَالِغَةِ، وَنَاطِقُونَ وَعَامِلُونَ بِالظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ.

يَا أَوْلِيَاءَ اللهِ وَأُمَنَاءَهِ إِنَّ الْمُلُوكَ مَظَاهِرُ قُدْرَةِ الْحَقِّ وَمَطَالِعُ عِزِّهِ وَثَرْوَتِهِ فَادْعُوا اللهَ بِحَقِّهِمْ. فَحُكُومَةُ الأَرْضِ قَدْ مُنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ كَمَا اخْتَصَّ الْقُلُوبَ بِنَفْسِهِ. قَدْ نَهَى اللهُ عَنِ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ نَهْيَاً عَظِيمَاً فِي الْكِتَابِ هَذَا أَمْرُ اللهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَعَصَمَهُ مِنْ حُكْمِ الْمَحْوِ وَزَيَّنَهُ بِطِرَازِ الإِثْبَاتِ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. إِنَّ مَظَاهِرَ الْحُكْمِ وَمَطَالِعَ الأَمْرِ الْمُزَيَّنِينَ بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ يَلْزَمُ عَلَى الْكُلِّ إِعَانَةُ مِثْلِ تِلْكَ النُّفُوسِ طُوبَى لِلأُمَرآءِ وَالْعُلَمآءِ فِي الْبَهَاءِ أُولَئِكَ أُمَنَائِي بَيْنَ عِبَادِي، وَمَشَارِقُ أَحْكَامِي بَيْنَ خَلْقِي. عَلَيْهِمْ بَهَائِي وَرَحْمَتِي وَفَضْلِي الَّذِي أَحَاطَ الْوُجُودَ قَدْ نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا تَلْمَعُ مِنْ آفَاقِ كَلِمَاتِهِ أَنْوَارُ الْعَطَايَا الإِلَهِيَّةِ سَاطِعَةً وَمُشْرِقَةً.

يَا أَغْصَانِي إِنَّ فِي الْوُجُودِ قُوَّةً عَظِيمَةً مَكْنُونَةٌ وَقُدْرَةً كَامِلَةً مَسْتُورَةٌ فَكُونُوا مُتَّجِهِينَ وَنَاظِرِينَ إِلَيْهَا وَلِلاتِّحَادِ مَعَهَا لاَ إِلَى الاخْتِلاَفَاتِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا. إِنَّ وَصِيَّةَ اللهِ هِيَ:

199

أَنْ يَتَوَجَّهَ عُمُومُ الأَغْصَانِ وَالأَفْنَانِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْغُصْنِ الأَعْظَمِ. انْظُرُوا إِلَى مَا أَنْزَلْنَاهُ فِي كِتَابِي الأَقْدَسِ: "إِذَا غِيضَ بَحْرُ الْوِصَالِ، وَقُضِيَ كِتَابُ الْمَبْدَأِ فِي الْمَآلِ، تَوَجَّهُوا إِلَى مَنْ أَرَادَهُ اللهُ الَّذِي انْشَعَبَ مِنْ هَذَا الأَصْلِ الْقَدِيمِ." وَقَدْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ الْغُصْنُ الأَعْظَمُ كَذَلِكَ أَظْهَرْنَا الأَمْرَ فَضْلاً مِنْ عِنْدِنَا وَأَنَا الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ. قَدْ قَدَّرَ اللهُ مَقَامَ الْغُصْنِ الأَكْبَرِ بَعْدَ مَقَامِهِ إِنَّهُ هُوَ الآمِرُ الْحَكِيمُ. قَدِ اصْطَفَيْنَا الأَكْبَرَ بَعْدَ الأَعْظَمِ أَمْرَاً مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ خَبِيرٍ. مَحَبَّةُ الأَغْصَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْكُلِّ، وَلَكِنْ مَا قَدَّرَ اللهُ لَهُمْ حَقَّاً فِي أَمْوَالِ النَّاسِ.

يَا أَغْصَانِي وَأَفْنَانِي وَذَوِي قَرَابَتِي: نُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَبِمَعْرُوفٍ وَبِمَا يَنْبَغِي وَبِمَا تَرْتَفِعُ بِهِ مَقَامَاتُكُمْ. الْحَقُّ أَقُولُ إِنَّ التَّقْوَى هِيَ الْقَائِدُ الأَعْظَمُ لِنُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ وَالأَخْلاَقَ وَالأَعْمَالَ الطَّيِّبَةَ الطَّاهِرَةَ الْمَرْضِيَّةَ كَانَتْ وَلاَ تَزَالُ كَالْجُنُودِ اللاَّئِقَةِ لِهَذَا الْقَائِدِ. قُلْ يَا عِبَادِي لاَ تَجْعَلُوا أَسْبَابَ النَّظْمِ سَبَبَ الاضْطِرَابِ وَالارْتِبَاكِ وَعِلَّةَ الاتِّحَادِ لاَ تَجْعَلُوهَا عِلَّةَ الاخْتِلاَفِ. الأَمَلُ أَنْ يَتَّجِهَ أَهْلُ الْبَهآءِ إِلَى الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ [قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ]2. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا بِمَثَابَةِ الْمَاءِ لإِطْفآءِ

200

نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ الْمَخْزُونَةِ فِي الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ وَإِنَّ الأَحْزَابَ الْمُخْتَلِفَةَ لَتَفُوزُ بِنُورِ الاتِّحَادِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ. إِنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْجَمِيلُ. احْتِرَامُ الأَغْصَانِ وَرِعَايَتُهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ لإِعْزَازِ الأَمْرِ وَارْتِفَاعِ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَسُطِّرَ فِي كُتُبِ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. وَكَذَلِكَ احْتِرَامُ الْحَرَمِ وَآلِ اللهِ وَالأَفْنَانِ وَالْمُنْتَسِبِينَ وَنُوصِيكُمْ بِخِدْمَةِ الأُمَمِ وَإِصْلاَحِ الْعَالَمِ. قَدْ نُزِّلَ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ مَا هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْعَالَمِ وَنَجَاةِ الأُمَمِ. فَأَصْغُوا إِلَى نَصَائِحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى بِالأُذُنِ الْحَقِيقِيَّةِ. إِنَّهَا خَيْرٌ لَكُمْ عَمَّا عَلَى الأَرْضِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كِتَابِيَ الْعَزِيزُ الْبَدِيعُ.

___________________
(1) القرآن الكريم سورة الهمزة الآية 1-2.
(2) القرآن الكريم سورة النّساء الآية 78.

201

صفحة خالية
لَوْحُ أَرْضِ الْبَاءِ

203
صفحة خالية
هُوَاللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الْعَظَمَةُ وَالاقْتِدَارُ

حَمْدَاً لِمَنْ تَشَرَّفَ أَرْضُ الْبآءِ1 بِقُدُومِ مَنْ طَافَ حَوْلَهُ الأَسْمآءُ. بِذَلِكَ بَشَّرَتِ الذَّرَّاتُ كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ بِمَا طَلَعَ وَلاَحَ وَظَهَرَ وَأَشْرَقَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ السِّجْنِ وَأُفُقِهِ شَمْسُ جَمَالِ غُصْنِ اللهِ الأَعْظَمِ الْعَظِيمِ وُسِرُّ اللهِ الأَقْوَمِ الْقَدِيمِ2 مُتَوَجِّهَا إِلَى مَقَامٍ آخَرَ. بِذَلِكَ تَكَدَّرَتْ أَرْضُ السِّجْنِ وَفَرِحَتْ أُخْرَى. تَعَالَى تَعَالَى رَبُّنَا فَاطِرُ السَّمآءِ وَخَالِقُ الأَشْيآءِ الَّذِي بِسُلْطَانِهِ فُتِحَ بَابُ السِّجْنِ لِيَظْهَرَ مَا أَنْزَلَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشآءُ وَفِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الإِنْشآءِ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لأَرْضٍ فَازَتْ بِقُدُومِهِ. وَلِعَيْنٍ قَرَّتْ بِجَمَالِهِ. وَلِسَمْعٍ تَشَرَّفَ بِإِصْغَاءِ نِدَائِهِ. وَلِقَلْبٍ ذَاقَ حَلاَوَةَ حُبِّهِ. وَلِصَدْرٍ رَحَّبَ بِذِكْرِهِ. وَلِقَلَمٍ

________________
(1) أرض الباء هي مدينة بيروت حيث توجّه إليها عبد البهاء وفي حينه نزّل هذا اللّوح المبارك.
(2) يعني بذلك عبد البهاء عبّاس الابن الأرشد لبهاءالله.

205

تَحَرَّكَ عَلَى ثَنَائِهِ. وَلِلَوْحٍ حَمَلَ آثَارَهُ. نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنْ يُشَرِّفَنَا بِلِقَائِهِ قَرِيبَاً. إِنَّهُ هُوَ السَّامِعُ الْمُقْتَدِرُ الْمُجِيبُ.

206

دليل المواضيع الواردة في الكتاب

حرف الألف

ابتداء الخليقة 119، 120، 121
الاتّحاد والاتّفاق 26، 28، 29، 39، 52، 77، 85، 86، 91، 107، 111، 143، 144، 145، 148، 197، 200، 201
أثر الأعمال 75
احترام الأغصان 201
احترام الأفنان 201
احترام الحرم وآل الله 201
احترام أرباب الفنون 55
احترام العلماء الرّاشدين 113
احترام العلماء في البهاء 118
احترام الفلاسفة 129
الإحسان 135
الأخلاق: راجع الخلق
الأدب سيّد الأخلاق 105
أسباب عجيبة غريبة مستورة عن العقول 88
الاستقامة 68، 135
الاسم الأعظم 3، 67، 122
أصل الذّكر 134
أصل العلوم (ماهيّته) 136
إصلاح العالم بالأعمال 104، 201 الاعتدال في الأمور 87، 149
الاعتراف بالخطايا أمام الله 40، 41
الاعتماد على الله 133
الأعمال الخبيثة (أثرها) 158
أعمال الرّهبان 40
أغصان الجمال المبارك 199
الأغصان (ليس لهم حقوق) 200
الألبسة واللّحى 40
الأمر جامع لجميع الشّرائع 167
الأمور السّياسيّة ترجع إلى بيت العدل 27، 28، 43
الألوهيّة والرّبوبيّة 69
الأمانة 18، 20، 25، 39، 53، 54، 75، 77، 95
الأمراء في البهاء 199
انتظار ظهور شخص موهوم 58
الانزواء والاعتكاف 40، 89، 90
الإنسان (مقامه) 155، 198، 142، 155
الإنصاف (ماهيّته) 137
الإنفاق (مقامه) 90
إنفاق الرّوح (مقامه) 59
الانقطاع 75، 134

207


الأوامر المنزلة (مقامها) 88
أوامر الله وأحكامه 177
أوصاف الظّهور المبارك 191
أهل إيران (صفاتهم) 75، 80، 101، 108، 109
آيات الحقّ متجلّية في الكلّ 78
أيادي أمر الله (مقامهم) 101
الإيثار 90
إيران بحاجة إلى مجلس الشّورى 110

ب
البذل والعطاء 111
بشارة الظّهور 84
البلايا تزيد في حبّ الله 187
البلايا (قبولها لإظهار الأمر) 5
بهاءالله (إنفاقه روحه) 186
بهاءالله (مقامه) 65، 66، 67
بهاءالله (هدفه) 60، 197
بيت العدل 23، 26، 27، 28، 29، 32، 43، 44، 87، 88، 106، 107

ت
تبليغ الأمر (أهميّته) 166
التّبليغ هو نصرة أمر الله 164
التّجارة (معناها) 136
تحقّق العلامات 16، 17، 57
التّربية (أهميّتها) 142 تعليم الأطفال وتربيتهم 26، 27، 107
التّعرض غير جائز 44
التّقلّل في القول 135
تقوى الله 18، 19، 25، 75، 104، 150، 198، 200
التكثّر في العمل 135
تمدّن أهل الغرب 87، 149
توحيد الباري تعالى شأنه 3، 6، 22، 113، 189
التّوكّل على الله 79، 134

ث
الثّروة (طريقة تحصيلها) 151
الثّروة (خطرها) 197
ثناء الله وحمده 3، 4، 6، 12، 13، 49، 101، 108، 141
ثناء محمّد رسول الله وآله وأصحابه 142، 143

ج
الجمهوريّة 44
الجنّة (معناها) 178

ح
الحبّ (أصله) 134
حبّ العالم 105، 118، 147
حبّ الوطن 105، 118، 147

208


حجة الله (تمّت) 172
الحدود (إجراؤها) 24
الحرّيّة 102، 109، 142، 149
حفظ مقام العباد 55، 113
حقّ العلماء عظيم 69
الحكماء (مقامهم) 80، 151
الحكمة (أصلها) 129
حنّان (إفتاؤه على السّيّد المسيح) 187
الحياء 81

خ
خاتم الأنبياء (مقامه) 22
خدمة من في العالم 147، 201
الخسران (ماهيّته) 137
خشية الله 24، 80، 111، 133، 165، 172
الخُلق (مقامه) 52، 53، 75، 104، 106
الخوف والرّجاء 84

د
الدّيانة 18، 25، 95
الدّين (احترامه) 23
الدّين (وجوب تعليمه) 86
الدّين (سبب ظهوره) 28، 148، 198
الدّين (معناه) 133
الدّين (مقامه) 81، 23 ذ
الذّلّة (ماهيّتها) 137

ر
الرّبا: راجع النّقود
ربح النّقود 31، 32
الرّبيع الرّوحاني 104
الرّبوبيّة 67، 69
رفع الحظر من قراءة الكتب 45
الرّياضات الشّاقّة 89، 90

ز
الزّراعة (أهميّتها) 107
الزّواج (هدفه) 40
زوال عزّ المعرضين 189، 190

س
السّامريّ 179
سفراء الله (اختصاصاتهم) 141
السّلطان العادل 83
السّلطنة (شوكتها) 44

ش
شدّ الرّحال لزيارة أهل القبور غير جائز 44
الشّرّ (ماهيّته) 136

209
شرائط المبلّغين 76، 122، 123، 166، 167
شفاعة الأحبّاء للأعداء 108
الشّفقة 25، 149
الشّيطان (سبب ظهوره) 157

ص
الصّحف 56
الصّدق 77، 105
الصّلح الأكبر 24، 39، 87، 106، 145

ض
الضّغينة (ما يطفئ نارها) 200

ط
الطّبيعة 121، 123

ع
عاشروا مع الأديان 38، 52، 104
العافية هو الصّمت 135
عاقبة حال المعرضين والمستكبرين 190، 192
العالم المؤمن (مقامه) 185
العالم من اعترف بظهوري 185
العبادات ترجع إلى كتاب الله 28، 43
العجل 179 العدل 24، 25، 27، 29، 30، 32، 33، 43، 53، 55، 59، 70، 82، 83، 85، 95، 96، 102، 112، 144، 147، 151
عرفاء ملّة الإسلام (مقامهم) 78، 79
العصمة (تفسيرها) 7، 8، 9، 10، 22
عظمة الظّهور 4، 5، 8، 21، 49، 66، 82، 93، 94، 96، 101، 104، 105، 163، 172، 191، 198
العفو والعطاء 89
العقل 84، 144
العقل (مقامه) 84، 150
العلم (مقامه) 56، 69
العلماء (مقامهم) 151
علماء اليهود (حكمهم على السّيّد المسيح) 184
العلماء في البهاء 118، 199
العلوم النافعة (تحصيلها) 42، 69، 149
العمل عبادة 42، 43
العمل (جزاؤه) 178
العوالم لا نهاية لها 176، 177

غ
الغرور 82
الغصن الأعظم (مقامه) 200، 205
210

الغصن الأكبر 200
الغلبة لها ميعاد مقرّر 167

ف
الفخر بالعلم والعمل 86
الفضل والعدل 82
الفيلسوف الحقيقي 129

ق
القدرة 135
القصد من ارتفاع نداء الأمر 37
القلب (تطهيره) 171، 178
القناعة 133
قوّة أعظم من البرق 88
القوّة العظيمة الموجودة في الوجود 199
القوّة المفكّرة 91
القيامة 8، 16، 17، 75

ك
الكفر (ماهيّته) 137
الكلمة (مقامها) 152، 153، 154
الكلمات الإلهيّة هي الإكسير الأعظم 167

ل
اللّحى 40
اللّسان العمومي 26، 38، 87، 107، 145، 146

م
المتكلّم (صفاته) 122، 123، 152، 153، 166، 167
المجازاة 25، 27، 43، 144
محرّر الصحف (صفاته) 56
محو حكم الجهاد (يعني الجهاد بالعنف) 37، 45
المذكّر لا بدّ منه 141
مراعاة الحكمة 102، 155، 156، 165، 189
المشورة 24، 87، 110، 149
المعاد (تفسيره) 173، 174، 175، 176
معرفة الإنسان نفسه 51
معرفة الله في معرفة المظاهر المقدسة 67، 68
المعلّم لا بدّ منه 141
مقالات الحكماء 123، 124، 125، 126، 127
مقام العلم والمعلّم 51، 56، 69
المكافاة 25، 27، 43، 144
المناجاة 10، 11، 12، 13، 14، 15، 40، 50، 75، 76، 109، 112، 130، 158، 159
منع اجتناب الملل 109
منع الاختلاف والنّفاق 28، 90، 118، 200
211

منع الاعتراف بالخطأ أمام الناس 40
منع إفناء الأحزاب 109
منع السّبّ واللّعن 28، 43، 55، 102، 198
منع التّعدّي 102
منع ضرب الرّقاب 108
منع الفساد والنّزاع والجدال 18، 28، 44، 91، 102، 111، 164، 165، 167، 188، 199
منع محو الكتب 42، 45، 108
من يظهره الله 30، 70، 93
المواعظ 88، 89، 111، 117، 118، 119، 122
الميراث المرغوب الذي لا عدل له 197

ن
النّار (معناها) 136، 178
نار المحبّة (صفتها) 105
ناقة صالح 186، 192
نبذ الظّنون والأوهام 188
النّصائح 19، 88، 89، 111، 117، 118، 119، 122
النّصرة والتّبليغ 76 ﻫ
الهادي والمعلّم لا بدّ منه 141
الهرج والمرج وآثاره 152
الهمّة (تعريفها) 136
هيئة الأمم 145

و
وجوب إعانة الحاكم العادل 199
وجوب الاشتغال 42، 156
وجوب الصّدق والأمانة مع الدّولة 39
وجوب وجود المبيّن 151
وحدة العالم الإنساني 26، 28، 29، 39، 44، 85، 86، 107، 111، 143، 144، 145، 148، 152، 197
الوعد والوعيد 84، 86
الوفاء (مقامه) 168، 171

ي
يوم الجزاء 22
يوم الفرح الأكبر 96

212
مسرد الأعلام والأمكنة

ابن سمندر 92
ابن عمران: راجع الكليم
ابيد اقليس 124
أرض الباء (بيروت) 112، 205
أرض السّرّ (أدرنة) 190
أرض الطّاء (طهران) 5، 56، 103
أرض الميم (مازندران) 5
أرض الياء (يزد) 103
الإسلام 143، 190
الاسم الأعظم: راجع بهاءالله
اسم الجود 92
أشرف 97
أفلاطون 126
الأفنان (حضرات) 92
الأقدس (كتاب) 27، 31، 110، 199، 200
الأمين (أبو الحسن أردكاني) 92، 101
الأمّة الإنجليزيّة 110
أول من آمن (الملاّ حسين بشروئي) 174
أولو الفرقان (المسلمون) 5، 22، 58، 59، 70، 78، 113
أهل البهاء 7، 15، 18، 27، 28، 31، 33، 38، 39، 43، 51، 60، 75، 76، 82، 83، 88، 91، 103، 105 ، 108، 109، 111، 113، 114، 163، 198
أهل البيان (البابيّون) 4، 5، 6، 57، 58، 59، 70، 93، 97، 102، 179
أهل الفرقان: راجع أولو الفرقان
إيران 32، 67، 75، 80، 88، 91، 92، 101، 103، 107، 108، 110، 112، 149، 189
الإيقان (كتاب) 188

البابيّون: راجع أهل البيان
باريس 112، 118
باقر 183، 188، 189، 190
بتول (بنت الرّسول ) 190
بقراط الطّبيب 125
بلينوس 126، 127
البيان الفارسي (كتاب) 70، 94، 179
بيروت: راجع أرض الباء

ثمود (قوم) 191

جبريل 158
جليل 16، 19، 20، 22، 30

الحدباء (مدينة موصل) 155

213
حزب الله: راجع أهل البهاء
الحزب السّابق: راجع أولو الفرقان وأهل الفرقان
حزب الشّيعة 97، 109
الحزب المظلوم: راجع حزب الله وأهل البهاء
حسين (جناب) 95
حسين (الملاّ): راجع أول من آمن
حنّان 187
حيدر قبل علي 75، 88، 92

خاتم الأنبياء (محمّد رسول الله ) 4، 9، 22، 184، 190، 191، 192

داود (النّبي) 124
الدّولة الإيرانيّة 57

الذّئب: راجع باقر

الرّئيس 190
الرّسول: راجع خاتم الأنبياء
الرّقشاء 190، 191
الرّوح (سيدنا عيسى) 4، 14، 78، 191
روح الله: راجع الرّوح
الرّوس 57

زين المقرّبين 31، 32

السّامري 179 السّبزواري (الحكيم) 79
السّجن: راجع عكّا
السّجن الأعظم: راجع عكّا
سقراط 125، 126
سليمان بن داود 124
سورة الوفاء (لوح) 171
سيّد مدينة التّدبير والإنشاء: راجع قائم مقام
السّيّاح 157

الشّام (مدينة) 155

صالح (النّبي) 191

طار (قصبة في محافظة إصفهان) 95، 96، 97
طهران: راجع أرض الطّاء

ظالم أرض الياء (جلال الدّولة) 103

عاد (قوم) 191
عزازيل 157
العراق 29، 57، 122، 179
العروة الوثقى (مجلّة) 112
عكّاء 25، 37، 96، 106، 112، 205
علي قبل أكبر (البنّاء) 66، 68، 70
علي قبل أكبر (أيادي أمر الله) 101

الغصن الأعظم 200، 205
الغصن الأكبر 200
214

فرّيسيّون 184
فيثاغورث 124

قائم مقام (ميرزا أبو القاسم) 83

كتاب الله (القرآن) 9
الكليم 4، 14، 70، 187

لندن 110

مازندران: راجع أرض الميم
المبشّر (حضرة): راجع نقطة البيان
مجيد 122
محمّد رسول الله: راجع خاتم الأنبياء
محمّد شاه 83
محمد قائني (الملاّ) 117، 130
مصر 112
مقصود (ميرزا) 139، 154
ملأ البيان: راجع أهل البيان والبابيّون
ملة الإسلام: راجع أولو الفرقان
ملك باريس 188
ملك الرّوم 187، 190
من طاف حوله الأسماء: راجع الغصن الأعظم من يظهره الله (يعني بهاءالله) 30، 70، 93
مورطس 129
مهدي دهجي (السّيّد) 163

ناقة صالح 186، 192
النّبيل: راجع محمد قائني (الملاّ)
نبيل ابن نبيل 92
النّقطة الأولى: راجع نقطة البيان
نقطة البيان 4، 22، 30، 59، 69، 70، 83، 93، 95، 106، 172، 174، 175

هادي دولت آبادي 58، 59، 60، 97
الهرمسيّة (الألواح) 127
هود (النّبي) 191

وفا 171

يحيى (ميرزا) 94
يزد (مدينة) راجع أرض الياء
يونان 128
اليهود 191

215

No comments: